تحقيقات

العنف لدى الشباب.. لماذا؟ وإلى أين؟

 

طرأ في الآونة الاخيرة انتشار ملحوظ لظاهرة سلبية تتمثل في العنف بين أوساط الشباب في المجتمع سواء في المنزل أو المدرسة ليتعدى ذلك الى الأماكن العامة، ما بات يشكل هاجسا مؤرقا على مختلف المستويات، خصوصا بالنسبة للأسر والمتخصصين تربويا واجتماعيا ونفسيا.

هل أصبحت جرائم القتل في المجمعات عادية؟ هل طعن مراهق لآخر في قلبه شيء عادي؟ هل فزعة مجموعة من الشباب لضرب والاعتداء على شاب آخر أمر أبسط ما نقول عنه جريمة وتعديا؟ هل الحل أن نبقى في منازلنا ولا نخرج؟ هل نهجر المجمعات والأسواق من أجل ألا نعرض أعيننا وأبناءنا لمناظر الدماء التي تسيل في الشوارع والمجمعات؟

«أسرتي» التقت المتخصصين في مجالات التربية والتعليم واستشاريين نفسيين ومسؤولين بوزارة الداخلية، وطرحنا عليهم أسئلتنا لنتوصل الى اسباب المشكلة وكيفية علاجها.

 

في البداية، أكدت الخبيرة النفسية دكتورة هدى الجاسر انه بات من المقلق جدا أن نسمع كل يوم عن حوادث عنف في أوساط الشباب جهارا يتولد عنها ضحايا في عمر العطاء وعمر البناء وعمر التخطيط، فئة من المفروض أن يقوم على أكتافها نهضة أمة وبسواعدها بناء وطن بل أوطان.

وقالت:

إن العنف تعريفاً هو سلوك يتم من خلاله استخدام القوة البدنية أو استخدام الألفاظ أو التصرفات غير اللائقة، وبشكل يقع من خلاله أذى بدني أو نفسي أو معنوي للآخرين وهو سلوك ناتج عن عملية خلل في التنشئة الاجتماعية للفرد.. وان حوادث القتل بأنواعها بعضها بقصد وبعضها من غير قصد، وإن جئنا ندرس الأسباب من ناحية نفسية تربوية واجتماعية فإننا حتما سنجد الكثير من العوامل التي تتدخل في ذلك، فالعنف الأسري والمتمثل في الضرب المبرح للأبناء، ودوام التوبيخ والتجريح والنقد والتحقير، وعدم وجود أي عبارات للتشجيع والثناء والمديح، والتكليف بما لا يطاق أحيانا، ومحاولة بعض الآباء أن يحقق ابنه ما فشل هو في تحقيقه، كأن يجبره على سلوك عمل معين، أو دراسة شيء معين هو لا يحبه ولا يهواه.

وأضافت:

قد عد كثير من العلماء النفسيين والمحللين والمتخصصين هذا من أكبر أسباب العنف لدى الأبناء، إذ إن النشأة عليها دور كبير ومعول عظيم في تشكيل نفسية الناشئ.. ثم قد يكون هذا العنف من أحد الأبوين أو من كليهما ناتجا عن تربيتهما الأولى وموروثا عنها فيخرج الوالد عنيفا ويتعامل مع أبنائه كما تعومل معه، أو بسبب تعاطيهما أو أحدهما المخدرات والمسكرات التي تعد من أسباب العنف في البيوت، وكذلك الثقافة الخاطئة أو سوء الفهم باعتقاد الأب أن الغلظة في التعامل هي الرجولة وهي القوامة، وهو لا شك مفهوم خاطئ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس رجولة ومع ذلك كان أكثرهم رأفة ورحمة.

 

ورأت موزة الجناع موجهة الخدمة الاجتماعية أن العنف ظاهرة عالمية وقد يكون العنف غير المبرر في ازدياد وأن أسبابه تعود الى ازدياد معدل النرجسية أي التمركز حول الذات سنة بعد أخرى بين الاجيال الجديدة التي يعتبر الانترنت أحد عواملها الاساسية، حيث إنه يساهم في زيادة الانعزال والانطوائية الى جانب إدمان الالعاب الالكترونية والأجهزة الحديثة التي تصيب الانسان بمرض التوحد الاجتماعي.

وحذرت الجناع من وصول النرجسية الى معدلات خطرة في الجيل الحالي.

وقالت:

ان النرجسية بدورها تخلق نوعا من الاصطفاء لدى الشاب وكأنه فريد ووحيد زمانه وانه هبة الله في الأرض والشعور بالتفوق دوما، وأي أمر يتعارض مع نرجسيته، فإنه يعتبره تحدياً للذات واعتداء عليها، وهو ما يتبين في أكثر من

جريمة حدثت في المجمعات التي يكون سببها خلافا على أمور تافهة، فيعتبر الجناة ان ذلك إهانة لهم وتعد على نرجسيتهم وشخصيتهم العظيمة من وجهة نظرهم ويجب أن يعاقب من فعل ذلك.

 

بدورها، قالت مراقب الخدمة الاجتماعية والنفسية في وزارة التربية مريم العنزي:

إن هناك برنامجاً في الوزارة يهدف إلى تدعيم القيم وتعزيزها من خلال نشر القيمة الايجابية بين الطلاب سواء لناحية الأمانة أو تحمل المسؤولية أو الولاء والانتماء والمواطنة.

وأضافت العنزي:

إعداد هذا  البرنامج الذي خصص للمرحلتين المتوسطة والثانوية تم بالتعاون مع العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني كوزارات الشؤون الاجتماعية والعمل والشباب والهيئة العامة للرياضة.

وأوضحت أن الوزارة لم تغفل حالات سلوكية شاذة تميل إلى العنف والاعتداء بالضرب الذي يؤدي إلى إصابة أو الاعتداء اللفظي، مشيرة إلى أن علاج المشكلة يتحدد طبقا للحالة السلوكية.

وذكرت العنزي أن من بين السلوكيات الخاطئة لدى بعض الطلبة العنف والخروج على السلطة والسرقة والتدخين والمخدرات، إلا أنها لا تعد ظاهرة بل مشكلة، وهناك أسباب لظهور هذه المشكلة، حيث ان بعض الأسر تساهم في لجوء أولادها إلى العنف، لاسيما الأسر التي تكثر فيها الخلافات الزوجية واللجوء إلى العنف أمام الأبناء الذين يكتسبون هذا السلوك مما ينعكس على تصرفاتهم.

وأضافت:

إدارة المدرسة قد تكون السبب أيضا عندما يتقدم أحد الطلاب بالشكوى على طالب آخر ولا تتفاعل معه وتتجاهل شكواه فيلجأ إلى سلوك عنيف ليحمي نفسه، وقد يجلب معه آلة حادة من المنزل ليستقوي بها بسبب فشله في حل المشكلة بالطريقة السليمة.

 

د.الحويلة:

العنف ليس له جنسية لأنه موجود في كل بقاع العالم

 

ثم تحدثت د.أمثال الحويلة قائلة:

دائما عندما تكون الرسالة الموجهة من نفس مستوى الفئة العمرية تكون مقبولة وتصل بسرعة أفضل من أن تكون بمستوى أكبر أو أقل وعرفت العنف بأنه السلوك الذي يؤذي الآخرين بصورة بدنية، ونفسية، ومعنوية، فالعنف ليس جسديا فقط ولكنه نفسي أيضا، وقد يكون بصورة

أو بأخرى تصل إلى الأذى النفسي.

وتساءلت عن سبب هذا العنف موضحة أن المختصين بهذا الجانب يعللونه بأنه قد يكون خللا في التنشئة الاجتماعية.

وضرب د.الحويلة مثلا، وهو عندما يولد الطفل لا نراه يتعامل بأسلوب عنيف، ولكن السلوك العنيف سلوك مكتسب، والمؤسسة الاجتماعية الأولى التي تحتضن هذا الطفل هي الأسرة، ثم بعد ذلك يأتي دور المؤسسات الاجتماعية الأخرى المدرسة، والمجتمع، والشارع، والنادي، والمسجد، بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام المختلقة قد تساعد، وفي علم النفس تتحدث النظريات وتقول إن الطفل في عامه الخامس يتكون عنده النمو الأخلاقي، وهذا ما أكد عليه «سيجموند فرويد»، وأيضا تكلم جان بياجيه عن النمو المعرفي والأخلاقي للطفل، وأكد في نظرياته أيضا أن الطفل في سنواته الخمس الأولى تتكون عنده المفاهيم والأخلاق.

وأكدت د.الحويلة أن العنف ليس ظاهرة محلية، وليس ظاهرة كويتية، وليس له جنسية، ولكن العنف موجود في كل بقاع العالم، وبينت أنه ليس لدينا إحصائيات دقيقة في الكويت عن نسبة العنف حتى تؤكد ما إذا كانت ظاهرة، ولكن لدينا مشكلة لا بد لنا أن نعالجها، وحتى نساهم في علاجها لا بد من مواجهتها عن طريق معرفة أسبابها ومن ثم نبحث عن حلول واقترحت أنه قبل أن يقع العنف يتعين أن نعمل برامج وقائية كما يقال في المثل المشهور«الوقاية خير من علاج».

وتابعت د.الحويلة:

العنف قد يتعلمه الطفل في أي مرحلة من مراحل حياته، مع نموه المعرفي والأخلاقي، وأيضا الانفعالي، وبينت أنه يجب أن نعلم أبناءنا اللجوء إلى الجهات المختصة في المدرسة إذا تعرض إلى موقف أو آخر عنيف، وإذا تعلم الطفل اللجوء إلى جهات معينة ويحملها المسؤولية فليس هذا معناه ضعفا، ولكنه قوة، ويقع على عاتق الأسرة الكثير من المسؤولية ثم بعد ذلك نحمل المؤسسات الأخرى المسؤولية أيضا لا ننسى أثر الإعلام فهو سلاح ذو حدين.

وأشارت د.الحويلة إلى أنه قد تظهر في طيات المشاهد التمثيلية مثل أفلام الكارتون،

أو المسلسلات، أو الأفلام مشاهد عنف، لذلك طالبت بأن تكون هناك لجان متخصصة من التربية، ومتخصصون في علم الاجتماع وعلم النفس، وتربويون أثناء عمل سيناريو لأفلام معينة توجه للأطفال.. المفروض أن تتخذ مثل هذه اللجنة المختصة القرار، خصوصا إذا كان هناك مشاهد عنف

أو غيرها المفروض أن نجعل بعض المتخصصين

يقولون كلمتهم بهذا الشأن، وأعطت مثالا بأن بعض الأطفال يقومون بعمل حركات خطرة بعد مشاهدتهم أفلاما مثل سبايدر مان، أو يقلدون أبطالا معينين في بعض حركات العنف، تكون متداولة في بعض الأفلام.

 

د.الوقيان:

نشعر بحجم المسؤولية.. واتهام وسائل الإعلام بشكل دائم غير صحيح

 

من جانبه قال د.بركات الوقيان:

لا يوجد أي منتج أو سلوك أو ظاهرة أو أمر في حياتنا يحدث إن لم يكن عليه «سبوت» لذلك أحتاج لمن يسوق لهذه الفكرة، أو الشخصية وما إلى ذلك فنلجأ إلى الإعلام فهو بمثابة البوابة الكبيرة التي من خلالها تظهر كل الرسائل، مشيرا إلى أنه يجب علينا الحرص على نظرية حارس البوابة لأنه إذا كانت هذه البوابة التي يخرج منها كل شيء سواء كان ذا طابع سلبي أو إيجابي

وأشار د.الوقيان إلى أن نظرية حارس البوابة نظرية معروفة في الإعلام.

وعلق:

إذا كان حارس البوابة اليوم يأذن لهذا الخبر أو هذا الأمر أو هذا المنتج إلى العامة أو إلى الجميع عبر وسيلة إعلامية، وإذا كان ضميره يسمح له بأن يتجاوز الأعراف الأدبية أو الأخلاقية أو المجتمعية أو التربوية أو النفسية، فإذن حارس البوابة في تلك الحالة ليس لديه ضمير، وحارس بوابة فاشل.

وقال:

عند حدوث أمر ما فإن المسؤولية حينها لا تقع على عاتق الناقل فقط، ولكن أيضا الناشر وهو الذي يقوم بالنشر ويتفاعل معه المرء الآخر ويقوم أيضا بالنشر، وتساءل هل حكم الناشر حينها ضميره ومجتمعه، وتربيته قبل أن ينشر؟

وركز د.الوقيان على مصطلح التوعية ووصفه بأنه كبير.

وتساءل: على عاتق من تقع توعية الشباب؟  لافتا إلي أنه إذا كان المرسل واعيا فستكون الرسالة إيجابية أم إذا المرسل غير واع فبطبيعة الحال ستكون الرسالة سلبية، لذلك يجب علينا قبل أن نقول الإعلام أن نسأل أنفسنا هل أدينا دورنا في تربية هؤلاء الشباب؟ لأن هناك مسؤولية واقعة على عاتقك هي دينك ومجتمعك والمصلحة العامة وما إلى ذلك وأيضا هل أدت المؤسسات الشبابية والوزارات دورها؟ وأشار إلى أن التوعية لا تقتصر على وقت معين، ولكنها يجب أن تكون يومية وبشكل مباشر عن طريق الجامعات والمعاهد، والوزارات.

وفي الختام قال د.الوقيان:

هناك ثلاثة أمور يجب أن نوجه التوعية اللازمة لهذا الجيل، ويجب علينا أن نشعر بحجم المسؤولية التي ألقيت على عاتقنا، وأخيرا وسائل الإعلام دائما متهمة وهذا غير صحيح.

 

العرفج:

وزارة الشباب تحرص على التواجد مع المجاميع الشبابية بشكل مباشر

 

قال ناصر العرفج:

أنشئت وزارة الشباب في عام 2013 حسب مرسوم أميري وهي عبارة عن وزارة استشارية وتنسيقية بينها وبين الجهات الحكومية الأخرى والوزارة منذ إنشائها حرصت على تواجدها مع المجاميع الشبابية بشكل مباشر وحرصت أيضا على أن تنسق بينها وبين الجهات الحكومية المعنية بالشباب ومنها الداخلية، والتربية، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ووزارة الإعلام، وأخيرا الوزارات هي المعنية بتوجيه الشباب.

وتابع العرفج:

الوزارة أقامت العديد من الحملات أبرزها حملة«لحظة» وتعني اللحظة التي بين الانفعال والعنف وكانت في عام 2014 وهي حملة جعلنا الشباب يقوم بدور المبادر ويعبرون برأيهم ما هي النواقص وأيضا يقومون بتوعية المجتمع ولفت إلى أن هناك حملة بعنوان «القانون لك وعليك» وكانت بالتعاون مع جمعية المحامين الكويتية، وتتلخص الحملة في أن مجموعة من المحامين الشباب حرصوا على أن يوصلوا رسالة معينة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ودور الوزارة كوزارة معنية بالشباب حرصنا على أن نكسر الحواجز بيننا وبين الجمهور.

وعلّق:

كانت هذه إحدى الحملات المميزة التي استفاد منها كثير من الشباب واليوم استمررنا في هذه الحملة «القانون لك وعليك» عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

ويضيف العرفج قائلا:

ينقصنا اليوم شيء معين وهو تسليط الضوء على الأشياء الإيجابية التي تساهم في إفادة الشباب وتسليط الضوء على الأشياء التي من الممكن أن تغير فكرهم وقمنا بعمل عدة دراسات كوننا جهة غير تنفيذية ليس لدينا مجال إلا التنسيق بيننا وبين الجهات الحكومية أو من خلال المبادرات الشابة التي يمكن أن ندعمها ماديا أو إعلاميا ومن هذا المنطلق أوجدنا حملة «صف واحد» والتي كانت مناسبتها عند تفجير مسجد الإمام صادق والحمد لله كانت الحملة بسواعد شبابية كويتية قاموا بالتطوع للمشاركة في هذه الحملة لتوصيل صوتنا للكل بأن ما حدث ليس من عاداتنا وليس من ديننا ونجحنا في تلك الحملة ولله الحمد.

وأضاف العرفج:

أبواب الوزارة مفتوحة للكل ونطمح لأن نرى دراسات شبابية يقومون بتقديمها حتى يتم تغيير الفكر الشبابي، ونحن نسعى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن نقوم بإطلاق حملات توعوية بالتعاون مع الجهات ومنها وزارة الداخلية.

 

أبو صليب:

وزارة الداخلية تحاول محاربة جميع وسائل العنف

 

وقام المقدم ناصر أبوصليب بتسليط الضوء على مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها، موضحا أن العنف أصبح ظاهرة وهناك عمل حكومي على حل هذه الظاهرة سواء من وزارة الداخلية أو وزارة الإعلام   أو غيرهما من الجهات المعنية.

وتحدث أبو صليب عن مواقع التواصل الاجتماعي وكيف تؤثر على العنف ومثال على ذلك أنه منذ أيام كان هناك موقع على اليوتيوب والتويتر يبث أغاني تشجع على العنف والسرقة وغيرهما من الأمور وفي ظرف أربعة إلى خمسة أيام وصل عدد المشاهدين لهذا الموقع إلى 300 ألف مشاهد وخلال أيام تم ضبط الأشخاص القائمين على هذا الموقع، واكتشفنا أن هناك أعمارا ما بين 10 سنوات وفوق يتابعون هذا الموقع، وشدد على أنه يجب على أولياء الأمور متابعة أبنائهم.

وأكد أبوصليب أن وزارة الداخلية تحاول من خلال وسائلها، والإدارات الخاصة فيها محاربة جميع وسائل العنف، ولفت إلى أن وزارة الداخلية ستطلق حملة في القريب العاجل على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق