Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

أعراس الريف المصري.. احتفالات كرنفالية ساخنة

تكتسب أفراح ريف مصر سواء في محافظات الوجه البحري أو في قرى الصعيد خصوصية فريدة من نوعها، وتتميز بأجواء وطقوس كرنفالية يتداخل فيها الماضي بالحاضر، وتتحول في كثير من تفاصيلها إلى مباراة ساخنة سواء في الفروسية أو الغناء والرقص أو ولائمها، وبالطبع العادة المتأصلة بضرب النار.

«أسرتي» رصدت بعض ملامح أفراح الريف المصري فيما يلي:

 

حينما تسمع طلقات رصاص متتالية تشق سكون الليل في واحدة من القرى المصرية مصحوبة بالزغاريد، فاعلم أنها بمثابة إعلان عن فرح جديد في إحدى العائلات، ويعتبر «ضرب النار» من الطقوس الأساسية في أعراس أهل الريف المصري بشقيه «الفلاحين والصعايدة»، التي تتميز أيضًا ببعض الخصائص التي تجعلها ذات طابع خاص، وتبدأ هذه الطقوس منذ قراءة الفاتحة على الفتاة المطلوبة للزواج ولا تنتهي إلا بعد مرور ما يقرب من 40 يومًا على زفاف العروسين.

والفرح الشعبي أو الفرح الريفي وجهان لعملة واحدة هي «الفرحة الحقيقية» سواء للعروسين أو الأهل، والفرحة هنا لا تقتصر على يوم أو ليلة واحدة أو فترة زمنية محددة كما هو الحال في أفراح المدينة التي تتم لساعات محدودة في القاعات والنوادي والفنادق، بل مراسم الاحتفال في أفراح الريف المصري تمتد لأيام وأسابيع وقد تصل إلى شهرين أو أكثر.

 

طقوس الاحتفال تبدأ بقراءة الفاتحة مرورًا بالتنجيد وليلة الحناء وقد تمتد لأشهر

 

وتتعدد العادات والطقوس المصاحبة لكل فعالية من فعاليات الفرح، فـقراءة الفاتحة» لها طقوس مختلفة عن «كتب الكتاب» عن «تنجيد الأثاث» عن غيرها من بقية الفعاليات، ولكل يوم من هذه الأيام طقوسه وأغنياته الخاصة النابعة من التراث الشعبي الأصيل والمعبرة عن فرحة العريس والعروس بإتمام الزفاف.

وعادة ما يختار العريس عروسه عبر «زواج الصالونات» من خلال ترشيح فتاة في سن مناسبة وظروف متشابهة للشاب بعدها يصطحب أهله ويذهبون لطلب يدها، فإذا حصل القبول تبدأ أولى خطوات الزفاف بـ «قراءة الفاتحة» وإطلاق الزغاريد، يتبع ذلك دعوة أهالي القرية والأحباب إلى المشاركة في «قراءة الفاتحة» بمنزل أهل العروس ويتم توزيع الحلويات والشربات على المشاركين.

وظهرت مؤخرًا عادة جديدة، فعقب قراءة الفاتحة وإشهار ارتباط العروسين يحرص أهل العروس على إعداد وليمة لأهل العريس يشارك فيها والداه وإخوته وأعمامه وأبناء عمومته وعدد من أصدقائه المقربين، بهدف زيادة التعارف بين العائلتين، وبعد تناول الوليمة هناك «نقوط» سواء مادية أو ذهبية يتم تقديمها للعروس من أهل العريس.

 

المهر والمؤخر

الاتفاق على المهر ومؤخر الصداق والأمور المتعلقة بجهاز العروسة من الطقوس المهمة في أفراح الريف، وعادة ما يتم الاتفاق عليها بحضور ممثل للعريس وآخر للعروس، بمشاركة شيخ القرية أو العمدة أو أي شخصية لها وزن اجتماعي وقبول بين العائلتين، ومن اللافت أن أهل العروس يحرصون في الريف كل الحرص على إجبار العريس على جلب أكبر قدر من المصوغات الذهبية وفي كثير من الأحيان تفشل بعض الزيجات بسبب عدم الاتفاق على ذلك الأمر، وفي حال إتمام الاتفاق بين العائلتين تتم كتابة «قائمة» بالأمور المتفق عليها ويوقع عليها العريس وتظل بصحبة والد العروس أو وكيلها بعد الزواج.

 

التنجيد والأثاث

طقوس الفرح في الريف تدخل حيز التنفيذ بإعلان موعد التنجيد وإحضار الأثاث، حيث يجتمع أهل العروسين للإعلان عن بداية الأفراح واقتراب موعد الزفاف وتقام لذلك فعالية خاصة أمام منزل العروس ويتم تنجيد المراتب والوسادات وغيرها من مكونات الجهاز بشكل يدوي من خلال فريق من المنجدين يتلقون «النقوط» من أهل العروسين ومن الجيران وحتى من بعض المارين في الشارع من أهل القرية من معارف العريس أو العروس، وخلال التنجيد تُسمع بعض الأغاني التراثية الخاصة بتلك الفاعلية.. ومنها: «يا منجد علي المرتبة الواد بيحب الشقلبة».

ثم تأتي ليلة (نقل الأثاث) من منزل العروس إلى عش الزوجية، فتنطلق الزغاريد والأغاني من فوق السيارات التي تحمل الأثاث ويبدأ الجميع في الغناء من حول السيارات فنسمع:

افرحي يادي الأوضة..جياكي عروسة موضة

افرحي يادي المندرة..جياكي عروسة سكّرة

افرحي يادي القاعة..جياكي عروسة الساعة

وما إن يقتربوا من المنزل الذي سيجمع العروسين حتى نسمع:

رشوا الشارع ميه.. عروسة الغالي جاية

رشوا الشارع كاكولا.. عروسة الغالي منقولة

 

لا تتنازل العروس عن حفلة الحناء.. والعريس يحتفل على طريقته لتوديع العزوبية

 

ليلة الحنة

وتعد ليلة الحناء من أهم طقوس أفراح الريف، حتى باتت حفلًا مستقلًا يسبق ليلة العمر، وتكون غالبًا في بيت العروس فنجدها تجلس وسط صديقاتها وتتولى إحدى السيدات رسم الحناء على يديها، ويبدأ أهلها وأقاربها في الغناء على دق الطبلة، ومؤخرًا صار العريس هو الآخر يهتم بليلة الحناء ويقيم لها حفلًا خاصًا يدعو إليه الأهل والأصحاب في منزله فنجد (حفلة وداع العزوبية) ونجد أصدقاء العريس يغنون له أغاني تراثية مرددين:

حلال عليك ست الحلوين.. عرفت يا عريسنا تنقي

رشوا الملح يا ناس م العين.. ورقصوني ده أنا من حقي

الليلة ليلة هنا وسرور.. وكوبيات في صواني بدور

ادّحرج واجري يا رمان.

 

النقوط والولائم عادات أساسية.. والبعض استبدلوا بالمزمار البلدي الـ «دي چي»

 

إلى ذلك، يقول الباحث في التراث المصري هشام عبد العزيز:

إن مصر أول من ابتدعت «ليلة الحنة» للعروس، فكانت ترسم النقوش الجميلة على يدي وقدمي العروس، في حين تُحنى قدما العريس فقط، مشيرًا إلى أن المعابد الفرعونية ما زالت تحتفظ برسوم أيدي العرائس المنقوشة بالحناء.

وأوضح أن «ليلة الحنة» ظلت من الموروثات في الريف المصري، إلا أنها اختفت في أغلب مناطق الحضر، مؤكدًا أن ليلة الحناء كانت قديمًا لا تقام إلا في الريف، لكنها سرعان ما انتقلت إلى المدن حتى باتت حفلًا مستقلًا بذاته لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف الاقتصادية للعروسين، وفي تلك الليلة يتخضب الجميع من الأهل والأصدقاء والمعازيم رجالًا ونساءً وأطفالًا في القرية.

ويضيف عبد العزيز :

طقوس أفراح الريف بدأت مؤخرًا تتغير وتأخذ طابعًا أكثر حداثة، فبعد أن كان يتم الاعتماد على المزمار والطبل البلدي في أحياء الفرح دخل «الدي جي» وغيره من الوسائل الحديثة في أفراح الريف، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من القرى في الأرياف ما زال محتفظًا ببعض العادات والتقاليد الموروثة فيما يتعلق بليلة الحناء وبيوم الزفاف وليلة الدخلة.

 

الليلة الأخيرة

أما خبيرة التجميل والحناء أسماء فاروق فتقول: تعتبر ليلة الحنة عند الأغلبية من البنات عرسًا منفردًا لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف الاقتصادية، فهي ليلة لها فرحة خاصة لدى العروس، لأنها الليلة الأخيرة في بيت أهلها وتضم مظاهر غناء ورقص وفرح بالإضافة إلى أنها تظل محفورة في ذاكرة العروس لأنها لا تتكرر سوى مرة واحدة في العمر.

وأكدت أنها ترسم بعض النقوش للعروس وصديقاتها على اليدين والقدمين، وهي عبارة عن خطوط متداخلة ثم ورود وأغصان، وقلوب وفراشات.

وأشارت إلى أن حفلات ليلة الحناء في الريف تبدأ في الصباح بإرسال ملابس وجهاز العروس إلى بيت الزوجية في موكب كبير يشارك فيه الأهل والجيران، وتتجمع النساء وهن يحملن صواني الحناء تتوسطها الشموع، ثم تبدأ المراسم، وهي أن تتحنى العروس، فتضم يدها على الحناء إلى أن يتغير لون يديها وكذلك قدماها، وتضع كل سيدة وفتاة قطعة من الحناء على كفها على سبيل التبرك بالسعادة واعتقادًا منهن أن الحنة تجلب الحظ السعيد.

وتستمر تلك الليلة مشتعلة بالغناء والرقص حتى الصباح الباكر. ومن العادات المعروفة أنه يتم قرص رجلي العروس من الفتيات البكر على أمل اللحاق بها في الزواج، وكما يقال في الأمثال الشعبية «اللي تقرصها في ركبتها تحصّلها في جمعتها».

وطبقًا للطقوس الريفية الصارمة، يمنع على الرجال مشاركة النساء حفل الحناء حتى تكون البنات على راحتهن ولا يشعرن بأي حرج. وفي المقابل، يتجمع أصدقاء العريس في منزله ويحتفلون به ويشاركونه فرحة ليلة الزفاف، وهذا هو المفهوم القديم للحنة والذي ما زال سائدًا حتى اليوم في بعض القرى والنجوع.

وفي اليوم التالي للحنة، وهو يوم الزفاف، تشتهر القرى بتقديم مآدب الضيافة، حيث يتم ذبح المواشي ودعوة أهل القرية للاحتفال بالعرس، وتظهر هنا عادة «النقطة» وهي مبالغ مالية حسب المقدرة في الريف تقدم في الزفاف أو الحنة، مع نغمات الفرق الموسيقية أو المزمار.

 

طقوس الزفاف

ولحفل الزفاف في الريف المصري طقوس خاصة جدًا تميزه عن غيره، فالأنوار مُعلّقة في بيت العروسين، ومظاهر الاحتفال تبدو للعيان في كل ركن وفي كل شارع محيط بالفرح، وفي بيت العروس تجد أصدقاءها يحيطون بها في إحدى غرف المنزل حيث تجلس العروس بين صديقاتها وتتولى إحداهن مهمة تجميلها وتسريح شعرها ووضع المساحيق البسيطة المتعارف عليها في الأرياف في تلك المناسبات.

وفي بيت العريس يتجمع أصدقاؤه وأقاربه ويساعده بعضهم في ارتداء ملابس الفرح مرددين أغاني فلكلورية خاصة بالزواج أشهرها:

يا أولاد بلدنا يوم الخميس.. هاكتب كتابي وابقى عريس

الدعوة عامة وها تبقى لمّة.. وها يبقى ليه في البيت ونيس

يا أولاد بلدنا.

وفي المساء تنطلق زفة العروسين، حيث يذهب العريس إلى بيت عروسه ويصطحبها في يده، وتبدأ الزفة بزغاريد متتالية ثم يبدأ الغناء من الجميع، فقد وصلت الفرحة ذروتها:

«صلّي.. صلّي.. ع النبي صلّي.. واللي ما يصلي أبوه أرملّي.. صلي.. وادّحرج واجري يا رمان.. وتعالى على حجري يا رمان.. دانا حجري حنين يارمان.. ياخدك ويميل يا رمان».

أما الطريف فأننا نسمع أغاني كثيرة تعبر عن المنافسة بين أهل العريس وأهل العروس فلكل جانب أغنياته.

فأهل العريس ينشدون:

«خدناها، خدناها، طلبناها م الصيف الماضي.. وأبوها ما كنش راضي.. وعلشانها بعنا الأراضي.. الحلوة اللي كسبناها.. خدناها بالملايين.. وهما ما كنوش راضيين.. علشناها بعنا الفدادين.. الحلوة اللي كسبناها».

أما أهل العروس فيغنون:

اوعيلوا يابت اوعيلوا.. الضابط يبقى زميله

اوعالها يا واد اوعالها.. ده العمدة يبقى خالها

وتستمر هذه الأغاني وسط فرحة الأهل والأحباب حتى تنتهي الزفة ومعها تنتهي الأغنيات في هذه الليلة لتبدأ في مكان آخر إعلانًا عن ميلاد فرحة جديدة في منزل جديد.

وأهم ما يميز ليلة الزفاف في الريف الحرص على إطلاق الأعيرة النارية ابتهاجًا بإتمام مراسم الزفاف من قبل أهل العريس.

 

الصباحية

طقس من أهم طقوس الزفاف في الريف، حيث تذهب قريبات العروس وصاحباتها، ومعهن الأرز باللبن الذي يوزع على الضيوف.

ويسمى ثالث أيام الزفاف «يوم الفطير» لأن أهل العروس يجهزون الفطائر ويقدمونها للعروس، ولكن بعض القرى ألغت هذا التقليد وترسل للعروس تلفزيونًا بدلًا من الفطائر، وفي كل يوم خميس بعد أسبوع من الزفاف يقوم أهل العروس جميعهم بإرسال الزيارات للعروس.

 

القاهرة – دار الإعلام العربية

خالد زكي

Exit mobile version