علمتنا أزمة كورونا أن الإنسان مخلوق ضعيف رغم ما وصل اليه من إمكانات مادية وتكنولوجية جعلته يظن أنه قادر على كل شيء، كورونا حبس أنفاس العالم، حيره، عزله، أوقف نشاطه، طائراته ومقاتلاته وملاحته.. فعل ما لم يخطر يوماً على قلب بشر، وعلى الرغم من سلبيات المرض وآثاره الصحية والمادية والاقتصادية التي نعلمها جميعاً وتتناقلها وسائل الاعلام، إلا أن هناك وجها آخر لكورونا أظهر إيجابيات وجوانب مضيئة وضعت البشر في موضعهم الطبيعي، فاستفاقوا من غفلتهم ليضعوا الأمور في نصابها، ليعترفوا بضعف قوتهم وقلة حيلتهم وهوانهم، رغم ما لديهم من قوة وإمكانات، ولنتذكر جميعاً قوله تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) صدق الله العظيم.
د. صلاح عرفة: الأقمار الاصطناعية رصدت انخفاض معدلات التلوث البيئي
عادات صحية حميدة
في البداية، أكد الاستاذ الدكتور صلاح عرفة، استشاري الطاقة المتجددة والعلوم البيئية بالجامعة الامريكية أن اهتمام العالم أجمع بالنظافة الشخصية والعامة من الأشياء الإيجابية لكورونا بعدما سيطر على البشر وسواس النظافة كغسيل الأيدي بالصابون والمطهرات،
وامتناع الغالبية عن السلام بالأيدي والعناق وعادة التقبيل التي كانت بداع وبدون داع، علاوة على ارتداء الكمامات الطبية والقفازات وتغييرها أولاً بأول.
كما دفع الفيروس بوزارات الصحة العربية إلى حظر الشيشة وإغلاق الأماكن التي تقدمها بعد أن أصبحت موضة في معظم الأماكن العامة والكافيهات بالعواصم العربية، وساهم في التقليل من تلوث الكرة الأرضية وبحارها بسموم المصانع ومخلفاتها التي أذابت جليدها وغيرت مناخها.
العالم.. أكثر نقاءً
وقال ان من أهم النتائج الإيجابية لحظر التجوال الذي فرضته معظم دول العالم انخفاض معدلات التلوث البيئي نتيجة لانخفاض الانبعاثات والأدخنة الضارة علاوة على عمليات التطهير والتعقيم التي يقوم بها المختصين وغسل الشوارع والطرق والمؤسسات الحيوية وانخفاض انبعاثات غاز ∩ثاني أكسيد النيتروجين∪ خاصة بالدول الصناعية الكبرى، وهو ما كشفت عنه أجهزة الاقمار الصناعية من انخفاض ملحوظ بمعدلات تلوث الهواء، بالإضافة إلى تحول معظم المعاملات اليومية بالدول النامية إلى معاملات الكترونية بداية من دفع الفواتير وتحصيل الغرامات واستخراج الاوراق الرسمية وتقليل المعاملات اليدوية المباشرة، والتي كانت تتسبب في ظهور الفساد والرشوة وتأخير المعاملات.
كوفيد -19 جعل هواء الكويت نقياً
بسبب الحظر المفروض منذ أن اتخذ القرار بذلك، وهواء الكويت أصبح أنقى فأنقى، فقد سجلت محطة رصد درجة تلوث الهواء في السفارة الأميركية أن هواء الكويت أصبح جيداً، بعكس القراءات التي كانت في أغلبها، إما أن يكون الهواء غير صحي وإما معتدلا.. وحسب أجهزة استشعار الحالة الجوية بأنحاء العالم حالياً أصبحت قراءات التلوث لدولة الكويت وللمرة الأولى مقبولة، بعد أن كانت خطرة.. فقد أجبر فيروس كورونا البشر على الجلوس في منازلهم، وأغلقت المصانع وأوقفت المركبات وقلّ الاستهلاك البشري للموارد البيئية، فكانت النتيجة المنطقية هي التحسن الطفيف الذي طرأ على قراءات الحالة البيئية، كما أوضح ذلك الخبير البيئي الدكتور محمد الصائغ في تصريح خاص لموقع جريدة الراي، حيث قد رأى أنه قد تكون لفيروس كورونا وجوه مظلمة عدة، إلا أنه يمتلك وجهاً مشرقاً واحداً انعكس على الجانب البيئي.
د.أحمد الشرقاوي: علينا أن ننجو جميعاً وليس كما كان يقال اأنا ومن بعدي الطوفانب
عودة الأسرة!
من جهته قال أستاذ علم الاجتماع د. أحمد الشرقاوي ان لكورونا رغم قسوته إيجابيات كثيرة أعادت للأسرة دفئها بعد أن مزقتها وسائل تواصل وهمية عزلت كل فرد داخل الأسرة عمن بجواره، فأصبح هناك متابعة واهتمام بنشرات الاخبار كالماضي، كما أصبح هناك قاسم مشترك وأحاديث ونقاشات بين أفراد الأسرة، فعاد الرجال طواعية إلى بيوتهم بعد أن أخذتهم الدواوين والمجالس والمناسبات الاجتماعية فشغلتهم عن أسرهم فاصبحوا يجلسون الآن على مائدة طعام واحدة بعيداً عن ∩الفاست فود∪ ∩والدليفري∪، بعد أن خيم الشك والريبة على ما تقدمه تلك المطاعم من تلوث وأطعمة غير صحية.
وأشار الشرقاوي إلى ضرورة الترويح عن النفس والعودة إلى الحياة العائلية التي كادت تندثر، كالجلوس على مائدة طعام واحدة ومتابعة برامج تلفزيونية ترفيهية وأفلام قديمة وما أكثرها ومناقشة الأمور العائلية بعيداً عن وسائل التواصل التي شغلت كل فرد من أفراد الاسرة بنفسه وجعلته يعيش في عالمه الخاص.
طرق مبتكرة للتعلّم
وقال الشرقاوي: في ظل تعطيل الدراسة بمعظم المراحل الدراسية للطلاب، فإن هناك حلولا بديلة للتعلم عن بعد بعيداً عن تجمعات الدروس الخصوصية من خلال أجهزة المحمول، والبحث عن المعلومات والاستفادة من التكنولوجيا، لافتا إلى قيام البعض بتعلم لغة جديدة وآخرين قرأوا كتباً وقاموا بمراجعة علوم ودروس نسيناها مع مشاغل الحياة.
انتشار ظاهرة االمدرب الرياضي أونلاينب
وفيما يخص شكوى العديد من الأسر من زيادة الأوزان نتيجة لاستهلاك كميات كبيرة من المواد الغذائية ومع قلة الحركة، قال الشرقاوي:
ان المكوث في المنزل لفترات طويلة بسبب الحظر يعتبر فرصة ذهبية لممارسة الرياضة مع أفراد الاسرة والحفاظ على الوزن.
لافتاً إلى قيام كثير من الاسر باللجوء إلى تحميل تطبيقات الصحة واللياقة وممارسة التمارين الرياضية في المنزل مما يعتبر ميزة للم الشمل وتحديد هدف مشترك تجتمع عليه الاسرة يومياً.
وفي الكويت انتشرت ظاهرة ∩المدرب الرياضي اونلاين περσοναλ τραινερ ονλινε ∠ Ηομε∪، حيث يزخر موقع الانستغرام الذي يتداوله العديد من الشعب الكويتي بأعداد كبيرة لشتى أنواع المدربين الرياضيين بتخصصاتهم المتنوعة، وجميعهم يقدمون أفكارا وتمارين وحلولا عملية مبتكرة لمشكلة البقاء داخل المنزل وقت الحظر.
كما انتشرت ظاهرة الدورات التدريبية في مجال الرياضة واللياقة البدنية في الكويت اونلاين.
سباق التسلح
وأضاف أنه وبعد اتجاه العالم لسباق التسلح والحروب والنزاعات والانفاق العسكري الرهيب جاء كورونا ليحول أكثر من ثلث هذا الإنفاق للمجالات الصحية وأجهزة التنفس والمستشفيات كما دفع كورونا كبار المسؤولين وأصحاب النفوذ إلى الحد من الفساد والاجتماعات واللجان الوهمية والرشوة وصفقات المتنفذين بعدما شعر الجميع أننا في مركب واحد، وعلينا ان ننجو جميعاً وليس كما كان يقال ∩أنا ومن بعدي الطوفان∪.
وأشار كذلك إلى أن كل مائة عام تتجدد الكرة الارضية ويظهر مرض جديد يحصد أعداداً من البشر ففي 1520 ظهر مرض الجدري، 1620 ظهر مرض غامض، وفي 1720 الطاعون، وفي 1820 الكوليرا، وفي 1920 الانفلونزا الاسبانية، وأخيراً في 2020 ظهرت علينا كورونا.
بعد ميزانيات التسليح الضخمة، أصبحت دول العالم توجه ميزانيات ضخمة جديدة لمحاربة كوفيد−19.. فالولايات المتحدة أقرت ميزانية عاجلة بقيمة 8.3 مليارات دولار لمكافحة الفيروس، وإيطاليا خصصت 25 مليار يورو للمكافحة، وبريطانيا أعدت حزمة بقيمة 30 مليار جنيه استرليني لتعزيز الاقتصاد وتخليص البلاد من تفشي الفيروس، وفرنسا خصصت ميزانية 4 مليارات دولار لمكافحة الفيروس، كما أعلنت إسبانيا عن تخصيص حزمة مساعدات قدرها مليار يورو للصحة وتخصيص 2.8 مليار يورو إلى السلطات الإقليمية، كما خصصت ألمانيا مليار يورو لدعم جهود القطاع الصحي وللكشف عن لقاح خاص بالفيروس، والصين كانت أولى الحكومات الأجنبية التي أعلنت تخصيص أضخم ميزانية لمكافحة الفيروس، بضخ 1,2 ترليون يوان (173 مليار دولار).
عربياً، وفي الكويت، أعلن محافظ بنك الكويت المركزي محمد الهاشل، تأسيس صندوق مالي بقيمة 10 ملايين دينار كويتي (نحو 33 مليون دولار أميركي) تموله البنوك الكويتية لدعم المساعي الحكومية في مواجهة الوباء.
كما خصصت مصر تمويلا بقيمة 100 مليار جنيه مصري (6.38 مليارات دولار) لأجل خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد، وفي قطر، أعلنت حكومة البلاد ميزانية لـ ∩انقاذ الاقتصاد∪، بقيمة 75 مليار ريال قطري (25 مليار دولار)، كما اعلنت دولة الإمارات عن خطة دعم اقتصادي شاملة بقيمة 100 مليار درهم (27 مليار دولار). والمملكة العربية السعودية خصصت 50 مليار ريال (13 مليار دولار) لحزمة إجراءات لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة.
د. محمود جمعة: إغلاق دور العبادة ابتلاء عظيم.. وكل ممنوع مرغوب
ساعة الحظر ما تتعوض
ومن جهته أشار د. محمود جمعة الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف المصرية إلى ضرورة شغل أوقات الفراغ بالمرح والسرور والتسلية التفاؤل وتحويل أيام الحظر إلى أيام مثمرة مفيدة، آخذين المثل والقدوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يلاعب أهله ويلاطفهم ويتسابق معهم، فلا مانع من مشاركة الأولاد العابهم الالكترونية وتحويل أوقات الحظر إلى أوقات نتذكرها سالفاً بكل خير وتصبح ذكريات سعيدة، ∩ساعة الحظ سابقاً الحظر حالياً ما تتعوض∪.
الفوائد الربوية
أزمة كورونا جعلت الغالبية تلتزم بمنع الفوائد الربوية حتى وصلت إلى صفر بمعظم بنوك العالم ومما سيكون له أثر كبير على انتعاش الاقتصاد العالمي عقب زوال الأزمة.
في الكويت تم خفض سعر الفوائد على القروض، وهي بذلك تلحق بقرار خفض فائدة الإقراض 0.5٪ كبقية الكثير من الدول، فقد قرر بنك الكويت المركزي تخفيض سعر الخصم بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 2.5% من 2.75% لتعزيز النمو.
إغلاق دور العبادة
وفيما يخص إغلاق دور العبادة من مساجد وكنائس حرصاً من أولي الأمر على الحد من التجمعات والتقارب ونقل العدوى قال جمعة:
∩كل ممنوع مرغوب∪ وهناك كثيرين من غير رواد دور العبادة يندمون الآن أشد الندم على تقصيرهم وعدم أدائهم للجمع والجماعات خاصة مع قدوم شهر رمضان المبارك والأعياد التي ندعو الله أن تأتي وقد زالت الغمة وعادت الأمور لسابق عهدها، مؤكداً على ضرورة أداء الفروض والصلوات في المنزل وعدم التفريط فيها بحجة إغلاق دور العبادة ونقول ∩بركة يا جامع∪، لافتاً إلى أن ما تحياه البشرية حالياً يشبه إلى حد كبير أجواء الحرب العالمية الاولى حين طغى الانسان وتجبر في الارض وظن أنه قادر عليها فجاء الامر بتأديبه كي يرجع لرشده وإلى خالقه.
في الكويت وصلت افزعة للكويتب إلى أكثر من 9 ملايين دينار عودة الإنسانية
وقال جمعة إن تلك الاوبئة قد تكون سبباً في عودة البشرية إلى إنسانيتها حيث التراحم والاخلاق الكريمة، لافتاً إلى دور كورونا في إغلاق البارات والملاهي ونوادي القمار والشذوذ والعري حول العالم، ووقف التقبيل بين الجنسين حتى الجنس الواحد والذي كان يعتبره البعض من علامات التحضر والرقي، كما دفع منظمة الصحة العالمية للاعتراف بأن تناول الخمور كارثة ومنع تداولها بشكل كبير كما أقرت جميع المؤسسات الصحية بمنع تناول كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور، وشرب الدماء وبيع وأكل والاتجار بالحيوانات المريضة والتي تنقل الأمراض كالخفافيش.
كما أكد أن كورونا قد أقر بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل 1441 عاما وما علمه للبشرية حين العطس وحين التثاؤب وآداب الجلوس والنظافة وغيرها من التعليمات الصحية، لافتاً إلى أن كورونا أذاق كثير من الناس معنى الحجر والحجز وتقييد الحرية، بل ودفع الناس إلى الدعاء والتضرع وترك المعاصي والمنكرات، داعياً إلى عدم لعن كورونا فالبشرية بعده لن تكون كما كانت قبله إطلاقاً وعلينا أن نطلب العفو والعافية وأن يلطف بنا اللطيف الخبير.
في الكويت أطلقت ∩فزعة للكويت∪ وهي حملة خيرية تنظمها الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالتعاون مع 41 جمعية خيرية كويتية، لدعم الجهود الحكومية في مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد − 19)، وقد حصدت الحملة أكثر من 9 ملايين دينار بفضل التضامن الاجتماعي الذي صار جلياً بتأثيرات طيبة وخيّرة على الكثيرين داخل المجتمع الكويتي وللجميع على أرض الكويت.
تحقيق: مجدي فؤاد