تحقيقات

العنف في بيوتنا

عنف الشاشة.. سبب ضياع البشاشة

 

لماذا تحولت البيوت الى ساحات للعنف، والضرب بين أفراد الأسرة الواحدة، بعدما كانت واحات للود والصفاء والتسامح والحب؟! لماذا زادت معدلات حروب العائلة، والمشاحنات والمشاجرات الأسرية، بين الزوج وزوجته، وبين الأب والأبناء، وبين الأم والبنات؟ لماذا اختفت المشاعر الرقيقة، ولمسات الود والحميمة، بين أفراد العائلة الواحدة، وتبخرت الابتسامة، والبشاشة وأصبحت العزلة والانعزال والجفاء هي السائدة؟ هل ساهمت الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية في عرض المناظر المليئة بالكراهية والعنف والضرب والسب في غزو أخلاق الأسرة؟ وهل هناك أسباب ومبررات عصرية واجتماعية ونفسية لتفشي ظاهرة العنف الأسري؟

ما مظاهره وأسبابه وطرق علاجه؟

 

 

ظاهرة العنف الأسري

يؤكد خبراء علم النفس الاجتماعى والتربوي وعلم نفس السلوك أن الاسرة «لم تعد هي الحاضن الوحيد للنشء حيث غزت التكنولوجيا البيوت، تلفزيون وإنترنت، فيديو، جيمز، ألعاب الانترنت، أفلام السينما»، وتأثرت ثقافة الأبناء بما يشاهدونه وتقليد ما يرونه وترديد الحوارات الهابطة التي يسمعونها من الدراما، والأطفال يحاكون كل شيء يشاهدونه.

لقد زادت معدلات ضرب الأزواج لزوجاتهم

أو ضرب الإخوة لأخواتهم أو حتى ضرب الزوجات لأزواجهن، وزادت المشاحنات الأسرية بسبب تنامي ظاهرة عنف الشاشة، وزادت معدلات القضايا في أقسام الشرطة والمحاكم بسبب حوادث الاعتداء

والعنف بين أفراد الأسرة الواحدة، فما السر في ذلك؟! وما أنواع العنف الأسري أو العدوان العائلي الشائعة؟!

 

العنف الأسري سلوك سيكوباتي معادٍ للمجتمع

العنف إما أن يكون معنويا مثل نظرة حادة من الزوج لزوجته أو نظرة ازدراء واهمال وجفاء أو عدم النظر اليها وتجاهلها مما يحطم معنوياتها.

أو ربما كان كلمة قاسية تتضمن الحط من شخصيتها والسخرية منها أو السب واللعن والاغاظة، واللوم والتقريع، النقد، التهكم، أو السخرية.

العنف الأسري قد يشمل كلمات التهديد والوعيد من الرجل للمرأة بالطلاق أو من المرأة للرجل بالخلع مما يوتر الأجواء الأسرية.

 

العنف.. العدوان المادي

ويتضمن الضرب – الركل – العض – الرفس – القذف بالماء في الوجه أو القاء الأشياء عليه أو الدفع أو الشجار، التدمير، الحرق، الاقتحام لخصوصية الشريك أو التهديد بالقتل أو الطرد.

 

نظرية تقليد مناظر الشاشة والتعلم الاجتماعي

ويؤكد العالم الاجتماعي البيرت باندورا Albert Bandora أن السلوك العنفي أو العدوان الأسري هو سلوك متعلم ومكتسب مما يراه الشخص العدواني من مناظر العنف الدرامي على شاشة التلفاز أو أفلام السينما أو من المحيط الأسري، أو كليبات اليوتيوب والفيس بوك، وقد يكون السلوك العنيف العدواني تجاه الزوجة والأولاد، لتفريغ الانفعالات النفسية المكبوتة.

 

الثقافة المريضة وراء حوادث العنف الأسري

 

الإعلام الهابط

حيث يقدم التلفاز روايات ومسلسلات واعلانات عن أفلام مليئة بالعنف والضرب والبلطجة ومفعمة بمناظر الجريمة والعنف والتدمير والوحشية مما يتشربه الزوج أو الزوج والأطفال فينعكس ذلك سلبا على تصرفاتهم، وقد يتوحد البعض مع ابطالها وأحداثها ويميل إلى تقليدها.

الضعف الأخلاقي والرغبة في السيطرة، التفكك الأسري، الانهيار العائلي، الرفض الاجتماعي – الشعور بتهديد الذات، الثقافة الخاطئة، تؤدي الى شيوع ظاهرة العنف الأسري وغياب الود والصفاء والتسامح والحب والبشاشة، مما يهدد باستقرار الأسرة ويؤدي الى تفككها وتشتيتها.

 

فتاة فرنسية عمرها 19 عاماً تقتل 5 أشخاص في 25 دقيقة تقليداً لفيلم

تبين من دراسة اجتماعية حول الجريمة والعنف في أميركا في 100 فيلم وجود 68% منها تحتوي على مشاهد العنف، الضرب، القسوة، الجريمة، محاولة قتل، وليس غريبا أن عصابات الجريمة، أكثرهم من الأحداث والشباب، لأنهم قد تأثروا بالأفلام العنيفة التي شاهدوها وقلدوها.

وفي العام الماضي قامت إحدى الطالبات الفرنسيات عمرها 19 عاما مع صديقها 22 عاما بقتل 5 أشخاص خلال 25 دقيقة تشبها ببطل فيلم قاتل بطبيعته Killer by his N.

 

زوجة دست السم لزوجها الذي تزوج عليها تقليداً لمسلسل تلفزيوني هابط

 

وقامت إحدى الزوجات بدس السم لزوجها في العصير بعدما اكتشفت زواجه الثاني تقليدا لمسلسل درامي تلفزيوني.

 

أبناء مدمنون يقتلون آباءهم وأمهاتهم للحصول على المال لشراء المخدرات

 

وقام شاب عمره 17 عاما بضرب والده ضربا مبرحا للحصول على المال لشراء المخدرات تقليدا لفيديو شاهده على اليوتيوب وقامت فتاة بضرب والدتها التي رفضت ارتباطها بحبيبها تقليدا لما قرأته في إحدى الصحف الصفراء.

 

كيف نحمي الأسرة من تقليد العنف السينمائي والتلفزيوني؟

لقد اختفى دور الأسرة «كحاضنة للنشء وأصبح الجميع ملهيا بأزرار التكنولوجيا مع إهمال دورهم الرقابي على الأبناء الذين سقطوا في فخ التقليد لمشاهد العنف على الشاشة».

على الزوج تعلم أسلوب الحب والحوار والتعاون مع الزوجة بدلاً من أسلوب النقد والسب والعنف اللفظي والجسدي والمعنوي مما يدمر الأسرة نفسيا.

يجب فهم أسباب ودوافع العنف والسلوك العدواني وعلاجها وفهم  السلوك العدواني من البداية لتجنب النزاع والصراع.

على المعلمين والمدرسين مقاومة سلوك العدوان لدى تلاميذهم وتجنب الألعاب العدوانية ولكن  الألعاب التنافسية ودمجهم في الأنشطة التربوية.

يجب تعلم أساليب التنفيس الصحية عن الغضب والأحباط والتوتر التي تولد شرارة العنف والغضب وعدم مشاهدة الدراما العنيفة على الشاشة.

بعدما تفشت ظاهرة العنف الأسري، بجميع صورها سواء الاعتداء اللفظي أو المعنوي من الزوج على الزوجة أو من الزوجة على الزوج كرد فعل انتقامي، والعنف المادي بالضرب والاعتداء الجسدي حتى القتل تقليدا لمشاهد العنف على الشاشة سواء التلفزيونية أو السينمائية كان لزاما أن يحاول خبراء علم الاجتماع النفسي وعلماء السلوك التربوي أن يبحثوا عن تفسيرات وحلول لهذه الظاهرة.

 

ثلاثة مفاهيم مفتاحية

تضيف الخبيرة التربوية آن باري Ann Bary 1993 برنامجا وقائيا بعنوان: اختيار اللاعدوان، حيث يتعلم الأولاد والمعلمون بالمدارس والآباء والأمهات في البيوت تطبق ثلاثة مفاهيم مفتاحية هي:

فهم وتعرف العنف والعدوان ودوافعها وتجنبها

قوة اللغة، الثقافة، الحوار المتبادل كبديل للعنف والعدوان، وضبط النفس.

 

التعاطف والتعاون بدلاً من الضرب والعنف

ينصح العلماء في مجال علم الاجتماع الوقائي وعلم السلوك النفسي بضرورة تنمية السلوك الاجتماعي السوي منذ الطفولة، خلال مراحل الدراسة بحيث يتم التركيز على تعلم الأدوار الاجتماعية السليمة – التعاطف بدلا من أسلوب العدوان وحل مشكلات التفاعل الاجتماعي بالحوار لا بالعنف وادارة الغضب بأسلوب مهذب وملتزم بالمعايير الأخلاقية.

  • ضرورة التنشئة الاجتماعية الأسرية والمدرسية السليمة، في كل من الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق والنادي ودور العبادة ومجال العمل.
  • فهم دوافع السلوك العدواني، واشباع الرغبات الأساسية .
  • معالجة الاحباط بكل الطرق المشروعة وازاحة التوتر النفسي المتراكم.
  • تجنب أساليب التنشئة الخطأ، نبذ مشاهدة أفلام العنف ومسلسلات الدراما وتعلم التنبؤ المبكر بسلوك العدوان وتحسب احتمال نمو السلوك.

 

عدم ترك الأطفال أمام أجهزة الإلكترونية بلا رقيب

  • عدم اهمال الأطفال بتركهم أمام الشاشة ليشاهدوا مشاهد العنف.
  • مراقبة الأهل لأبنائهم الشباب وأنشطتهم على الأنترنت ومناقشتهم بالحوار الهادئ.
  • تهيئة بدائل طبيعية للعدوان، تفريغ شحنات الغضب والعنف في أنشطة رياضية أو ممارسة ألعاب حيث لا يضرب الطفل أخاه بل يضرب لعبة تمثل الأخ، ولا يضرب رفاقه بل يضرب كيسا مملوءا بالقطن.
  • تعليم المهارات الاجتماعية السليمة.
  • استخدام الدراما النفسية، السيكودراما التي تتناول أسباب العنف والعدوان.
  • استخدام العقاب غير الجسدي للطالب العدواني، بالاعتذار للضحية والطرد خارج المكان.
  • تعليم مفاهيم العفو عند المقدرة، تبني الايثار على النفس، وتنمية الحكم الاجتماعي.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق