Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2021 جلال برجس: “دفاتر الورّاق” ولدت فكرتها في وسط عَمان

في حياتنا صار الواقع أكثر خيالية من الخيال نفسه!

 

لحظة العيش الحقيقية هي أثناء الكتابة

 

 

عُرف بلغته الممتلئة بالتفاصيل ورواياته التي تعبر الفضاءات، لتجتاز الحدود العربية إلى الآفاق الإنسانية، إنه الكاتب الروائي المهندس جلال برجس صاحب الهندسة الروائية التي جاءت في روايته (دفاتر الوراق) الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2021، عبر 7 فصول تروي حكاية 4 أجيال يتوارثون رحلة التهميش، وتقليص مهمات العقل وطغيان الفساد بكل أنواعه على حياتهم.

“أسرتي” حاورت الكاتب جلال برجس للتعرف معه على الملامح الفنية لروايته ومسيرته الأدبية:

 

 

جائزة (بوكر العربية) 2021 عن روايتكم (دفاتر الوراق)، ماذا عن فكرة الرواية؟

– أزعم أن الأفكار الروائية لا تتشكل فجأة، بل تولد في لحظة بعينها ولا ندري سر هذه الولادة المباغتة، الأمر مرتبط برأيي بالتراكمات التي أتت جراء مشاهداتنا وتأملاتنا، وتفكرنا بما حولنا وبالقادم من الأيام، إنها هواجس، أو جملة من الهواجس تقف وراء الفكرة، فيما يخص (دفاتر الوراق) ولدت فكرتها حين كنت أتجول في وسط البلد في العاصمة الأردنية عمان، إذ كنت أتأمل البيوت، وحركة الناس في الشارع، وفي البال كل التبدلات التي طرأت مؤخرًا على إنسانيتنا، فتساءلت ما البيت؟، هل هو الذي نسكنه فقط أم أن هناك بيوتًا أخرى يجب أن نستشرف مستقبلها؟، لقد بنيت “دفاتر الوراق” على ثيمة البيت وأتت من خلال شخصية وراق مثقف له (كشك) كتب في وسط البلد، وقد أمضيت في كتابتها ثلاثة أعوام عايشت خلالها شخصيات الرواية، وأمكنتها، وتقمصت أدوارهم لأذهب إلى درجة أرضى عنها من الصدق في الكتابة.

 

لماذا غابت (دفاتر الوراق) عنا ما يقارب ثلاثة الأعوام؟

– خلال هذه السنوات كنت أكتب وأعيد الكتابة، فأنا من الذين يؤمنون بأن النص الحقيقي الذي نرضى عنه هو الذي يكتب بعد محاولات عدة وجرأة في الحذف وإعادة النظر من أكثر من زاوية، فأنا أخاف سلطة القارئ، ونصيحتي للكتاب عدم الاستعجال في النشر.

 

هل صحيح أن هذه الرواية كادت تودي بحياتك؟

– شخصيات الرواية رافقتني لسنوات وكانت تشغل تفكيري، وبالفعل أثناء عودتي من العمل ذات يوم، كنت بصدد أن أعبر الشارع، فيما إبراهيم الوراق يملأ تفكيري في داخلي، ولم أكن منتبهاً للطريق فصدمتني سيارة، كادت تودي بحياتي، وحتى عندما ذهبت إلى المستشفى والأطباء من حولي، ظل إبراهيم حاضراً، ما أسهم في نشوء جانب جديد في الرواية.

 

لماذا حرصت على وجود الكثير من (المصادفات) في الرواية؟

– في حياتنا صار الواقع أكثر خيالية من الخيال نفسه، فنحن نعيش غرائبية فائضة عن الحاجة، فمثلا بالنسبة للقاء الشخصية الرئيسة إبراهيم الوراق بسيدة على شاطئ البحر، والذي تبين بعد ذلك أنها أرملة والده، هي في الأصل واقعة حقيقية، فرغم وجود عدد من النقاد والقراء يأخذون على الرواية فيما يتعلق بالمصادفة، فبالنسبة لي فإن في الحياة يحدث ما هو أكثر دهشة وغرابة مما نعتقد.

 

ما طقوسك قبل كتابة روايتك؟

– أحضر كثيرا قبل الكتابة، ولا أذهب إلى الورقة مباشرة وأبدأ الكتابة وأنتظر الوحي الذي أراه مسألة وهمية، كتابة الرواية 99% منها اشتغال و1% موهبة وهذه قناعاتي، وفي المرحلة التي سبقت كتابة الرواية قمت بالكثير من مسارات البحث والتقصي حتى أصل إلى نتيجة قصوى تكون قادرة على أن تدفعني لكتابة الرواية.

المرحلة الأخرى هي تقمص شخصيات الرواية، ومن أصعب الشخصيات التي أمضيت وقتا كي أتقمصها هي شخصية إبراهيم الوراق. تخيل أنت شخص مصاب بالفصام ويقبع في داخله صوتان، واحد خيّر والآخر شرير ولديه الكثير من العناصر في داخله، لذا أمضيت وقتا حتى أشعر بأني قادر على كتابة إبراهيم الوراق.

 

دخلت عالم الأدب من باب هندسة الطيران، لماذا؟

– الطيران تحليق والكتابة تحليق، وفي العالم العربي أنت لا يمكن أن تعتاش من وراء الكتابة، لذلك مهنتي تطعمني خبزي، والكتابة هي الطريق الوحيدة التي حمتني من السقوط أمام كثير من الخسارات. لم أكن أفكر بأن أكون كاتبًا، كل ما كنت أبتغيه من الكتابة هو البوح لنفسي على ورق لا يقرؤه أحد، ورق للآن أداريه في صندوق أعود إليه في العام مرة أو اثنتين، لكن الكتابة يد في الظلمة لا نعرف لمن، أخذت هذه اليد تقودني إلى عوالم باتت تداويني من أوجاع كثيرة، وباتت تردم على مراحل هوة – كما قلت في دفاتر الوراق – تخلقت بي بشكل مبهم، أعرف في قرارة نفسي إن تخليت عن الكتابة فسأبدو بقدم واحدة لن تجعلني أمشي كما أريد.

 

تخوض مجالات الكتابة بأشكالها المختلفة، فأنت شاعر، وصحافي وأيضا معد ومقدم إذاعي، في أيها يجد جلال برجس نفسه؟

– كل هذه الزوايا، من الإعلام، من كتابة الشعر، من كتابة القصة، من اشتغالي السابق في الصحافة، من مهنتي، تشكل لي الكثير، ولكني أجد نفسي في الكتابة، لحظة العيش الحقيقية هي أثناء الكتابة، أشعر كأني في غاية التوازن، جربت لفترة الإقلاع عن الكتابة لمدة عام، ومن ثم انصهر في بوتقة القراءة، لكني وجدت نفسي كائنا أعرج لا تستقيم خطاه فعدت للكتابة وتعافيت وأدركت أنه لا مناص من الكتابة.

 

ماذا عن بدايات جلال برجس؟

– أول كلمة كتبتها في حياتي هي كلمة (الماء) كنت أرى الأستاذ في ثاني المراحل الابتدائية يتفنن بكتابة الكلمات على السبورة السوداء، فارتكبت أول سرقة وآخر سرقة في حياتي حين حملت معي لوح طبشور وكتبت بخط كبير جدًا على جدار بيتنا الأول والمطلي باللون الأسود كلمة الماء، هل هو إحساس مبكر بالعطش أم أمر آخر بحثت عنه في الشعر الذي أكسبني تلك اللغة وجعلني أمارسها في سنواتي المبكرة وأنا أراقب دخان الطوابين في الصباحات الباكرة للقرية وكيف يصعد كمارد إلى السماء، وأحدق بالعصافير وهي تحلق عاليًا، وأقف أمام أول جثة لامرأة دفنت من دون أن أفهم شيئًا، لا أدري من أين أتت اللغة، من القرية وعوالمها البكر؟ من الشعر؟ أم من مكان قصي في روحي لا أدري سره للآن؟

 

صدر لك من قبل روايات (سيدات الحواس الخمس) و(أفاعي النار) و(مقصلة الحالم) ومجموعة قصصية (الزلزال)، وبعض الأعمال الشعرية ماذا طرأ في تجربتك؟

– عملت ثمانية عشر عامًا في الصحراء الأردنية الشرقية في هندسة الطائرات الحربية. الصحراء قادتني بكل تقلباتها إلى كتابة الشعر رغم أني كنت أخوض تمرينات ذاتية عديدة على كتابة الرواية، لكني كنت بحاجة إلى عالم الشعر هناك، ذلك العالم الذي رأيت عبره الأشجار، والماء، والأيائل عبر ما كتبت لقد منحني الشعر قدرة على رؤية الصحراء جيدًا، ومنحني نوعًا خاصًا من التوازن. لهذا بدأت من حيث النشر بالشعر، ومن ثم أصدرت في القصة القصيرة قبل أن أجد عندي رغبة في الكتابة عن الأمكنة، ثم أتت الرواية لتأخذ كل جزء من وقتي ويأخذ الشعر الجزء الآخر.

 

ماذا عن العمل المقبل؟

– لدي هاجس روائي أتمنى أن أجد الوقت والمزاج الكتابي للعمل عليه، ولكن لا أدري متى، فلست من الذين يستعجلون الكتابة والنشر، وأنا من الذين يراقبون الذين فازوا بجوائز عربية وعالمية، يبدو أن الفائز إذا استغرق كثيراً في الشحنات العاطفية المصاحبة للفوز، فيقع في فخ الاستعجال، وبالتالي تصدير عمل ليس مناسباً فيخسر قراءه، لذلك أفضل التأني في العمل على روايتي المقبلة التي لن تنفصل عن مشروعي الروائي.

Exit mobile version