Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

بدأت في بيع الأنابيب منذ أربعين عامًا أم كريم.. ربّت سبعة أبناء من بيع أنابيب الغاز

رحلة من التعب والكفاح هي تلك التي عاشتها (أم كريم) على ما يزيد على خمسين عامًا، بين تنقل في عدد من الأعمال منذ كانت في طفولتها، حتى استقرت على بيع أنابيب الغاز منذ أربعين عامًا قضتها بين أهالي منطقة “سيدي بشر” في شرق الإسكندرية. ترى الأهالي في منطقتها يحبونها ويؤكدون على ما تتسم به من أصالة، ورغم الكدّ الظاهر على ملامحها تجدها راضية بشوشة تساعد كل من يلتجئ إليها ولا تردُ محتاجًا، رافعة شعار “ذقت المر فلن أسقيه لغيري”. نقترب في حوارنا من رحلة أم كريم:

كيف تعرفيننا عن نفسك؟

– اسمي أم كريم وأنا من القاهرة تحديدًا من (بولاق أبو العلا) وصلت في الدراسة حتى الصف السادس، ولكن ظروفنا المادية لم تمكني من استكمال التعليم. تركت القاهرة من عام 1981 وتزوجت في الإسكندرية ولدي سبعة أبناء، 4 بنات و3 صبيان، منهم ولد تبنيته وهو الآن في المرحلة الإعدادية. وكل أبنائي متعلمون ومنذ كان لدي 22 سنة وأنا أعمل وأشقى من أجلهم.

في صغري عملت في ورشة نجارة وفي مصنع للحلوى

هل كان عملك في بيع الأنابيب أول عمل لكِ؟

– قصة نزولي للعمل تعود إلى عمر السادسة حيثُ كنت أعمل مع جدتي على عربة بحصان. كنت أعبئ النشارة من دكاكين النجارة وأربطها بالحبال وأوزعها على المقليات. وظللت في هذا العمل حتى عمر الحادية عشرة ولكن العمل لم يكن يدر دخلًا كافيًا، ففي البداية عملت حتى ادخر لأشتري لنفسي حذاءً أو ملبسًا جديدًا، ثم عملت فيما بعد في مصنع للحلوى كنت أضع قالب الحلوى وأجمّل عروسة الحلوى. وبعدها عملت في محل للملابس ثم في مصنع لأكلشيه الأفراح. كان الله يلهمني في كل عمل أتجه إليه، وكثير ما يستعجب من أعمل معهم من قدرتي على فهم العمل بسرعة. وأحيانًا كنت أسير من منطقة العتبة للموسكي على القدمين توفيرًا لمصاريف المواصلات ثم عملت في ورشة نجارة وعملت مساعدة للنجّار. لاحظت عندما كنت أعبئ النشارة عمل النجار على الماكينة ولهذا استطعت تطبيقها بسهولة حين بدأت العمل، وانبهر النجار من قدرتي على استخدام الماكينات حتى انه صفق لي. في رأيي على الإنسان في الحياة أن يتعلم كل شيء، لمن يريد أن يُرزق بالحلال. وقتها كنت أعمل من الثامنة صباحًا حتى السابعة وأدخر مما أكسبه حتى أستطيع الحصول على حذاء جيد أحلم به.

كنت أهوى لعب كرة القدم وكانت تأتيني الجماهير لتشاهدني

هل كانت لديك أيّ هواية تمارسينها في الصغر؟

– كنت أهوى لعب كرة القدم، ولعبت في عدد من المراكز وكانت تأتيني الجماهير خصوصًا لتشاهد لعبي فكنت ألعب مع الفتيان في يوم إجازتي. وكانوا يتراهنون عليّ أيضًا وعلى الفرق التي ألعب بها. أحيانًا أيضًا كنت أقف مع الميكانيكي وأتعلم منه تركيب قطع السيارات وتركيبها وكذلك إصلاحها. وحين أرغب في تعلم أي شيء أذهب لحرفيه وأتعلم منه. مثلًا رافقت السباك وتعلمت منه وغيرها.
أطمح إلى إلحاق ابني الأصغر بالعسكرية مستقبلًا

وكيف اتجهتِ لعمل بيع أنابيب الغاز؟

– عندما تزوجت وجئت إلى الإسكندرية كانت حياتي في الزواج مليئة بالمرار، ولأنني كنت وحيدة في الإسكندرية ولم يصبح أهلي يسألون عني رغبت في إنجاب الكثير من الأبناء، أرى الآن ذلك التفكير جهلًا مني، ولكني وقتها كنت وحيدة وأتوق للعزوة وملء البيت. بعد إنجابي لعدد من الأبناء أصبح دخل زوجي غير ملائم لحال أسرتنا ثم مع زيادة مصاريف التعليم اضطررت إلى الخروج مجددًا للعمل كي أمكنهم من استكمال التعليم. ومن هنا بدأت في بيع الأنابيب منذ أربعين عامًا. ولكن ما جعلني أعمل فيها حتى الآن هم الناس فأحببت الناس ومن أتعامل معهم، وفي بعض الأيام أعطي الأنابيب دون أخذ مقابلها وأعود بلا مكسب ولكنني أكون سعيدة ثم يكرمني الله. وأحمد الله أنني استطعت أن أزوج 4 فتيات كما تزوج ولديّ، وأطمح إلى إلحاق ابني الأصغر بالعسكرية مستقبلًا. كما أن لديّ جماهير هنا في المنطقة فيأتي لي أشخاص من أماكن بعيدة وأحيانًا من محافظات أخرى خصوصًا ليشتروا الأنابيب من عندي. فالناس هنا في المنطقة يتسمون بالطيبة وأصبحوا هم أهلي بعدما صار أهلي لا يسألون عني، وصاروا تعويضًا عن أهلي وأنا منهم وهم مني. ولا أرغب في التوقف عن العمل لأنني أود أن أخدم مصر بلدي بعينيّ فمن قلبه أبيض ويحب هذا البلد يجب أن يحترمها ولا يؤذيها فهي التي تحملنا على أرضها.

قلت ذات مرة لأهل الشارع إنني حين أموت سأموت بينكم في وسطكم

وألم يطلب منكِ أحد أبنائكِ التوقف عن العمل؟

– أبنائي كل منهم له ظروفه، فأنا كذلك مسؤولة عن بيت ابنتي التي طُلقت منذ فترة وبالتالي المسؤولية تمنعني من التوقف عن العمل. أسعى الآن لتعليم ابني الأخير تعليمًا مختلفًا وجيدًا. وحتى لو قال لي أبنائي أن أتوقف عن العمل فلن أتوقف. قلت ذات مرة لأهل الشارع إنني حين أموت سأموت بينكم في وسطكم فأنا أحب الناس وأخدمهم ومن لا يخدم بلدنا لا يستحق العيش فيها. كما أنني اعتدت على الكدّ والعيش مع الناس فربما كان الله يعطيني الصحة والعافية من أجل ابني الأصغر، ولو ابتعدت عن العمل لتعبت.

ألم تري في هذا العمل تعبا ومشقة؟

– في البداية لم أكن أعرف كيف أحمل أنبوبة، ولكن الظروف أجبرتني وعلّمتني، وصرت أسير مسافات طويلة حاملة أنبوبة أو اثنتين أو ربما أجرّ العجلة أمامي. كانت مشقة نعم ولكنني وضعت أمامي هدف تعليم أبنائي وسدّ حاجتهم. أحيانًا أقول إن الدنيا كانت صعبة معيّ جدًا، ولكني أحمد الله على ما أنا فيه وأشكره وسبحان الله رغم تأثر سوق الأنابيب بالغاز الذي دخل البيوت مؤخرًا، ولكن تأتيني الاتصالات من الناس والرزق من عند الله.

متى تبدئين يومك استعدادًا للعمل؟

– أبدأ يومي من السادسة ولدي عادة شرب الشاي بالحليب ثم أخرج وتأتي السيارة الخاصة بالأنابيب على التاسعة وأبدأ العمل حتى الثالثة أو الرابعة فأعود للبيت، أحب الإكثار من الصيام، كما أن هذا النوع من العمل يحتاج من الشخص إلى أن يكون خفيفًا باستمرار.

حلقت شعر رأسي تمامًا كوني تعرضت لأطماع في شبابي أثناء العمل

وما أهم الصعوبات التي واجهتكِ في عملكِ؟

– عرّضني عملي لكثير من الصعوبات فعلى سبيل المثال، كان شعري في شبابي طويلًا جدًا ولكني حلقته تمامًا كوني تعرضت لأطماع من البعض. كذلك توفي زوجي وكنت شابة ورفضت الزواج بعده وتحملت مسؤولية الأبناء. كمان أن هذا النوع من العمل جعل نومي قليلا جدًا فأنام متأخرة في الثانية صباحًا وأستيقظ في السادسة وأصبح ذلك طبعي. بالإضافة للمتاعب الجسدية فذراعي اليسرى، مثلًا، لا أستطيع رفعها وأحركها بصعوبة ولكن الله يعطيني قوة من عنده أستطيع من خلالها جرّ عربة الأنابيب ورفع الأنبوبة على كتفيّ، فالله يمدني بالصحة.

في وسط هذا التعب ماذا يمكن أن يهون عليكِ تعبكِ؟

– ما أراه من حب للناس وقدري لديهم، فالكثير من الناس يأتمنوني للغاية، منهم من يعطونني مفاتيح البيوت أو الدكاكين فهم يعلمون أنني لن آذيهم أبدًا. كذلك المحبة التي وصلت إليّ بعدد من الدول العربية هي نعمة من الله وما تجعلني أستمر في العمل لخدمة الناس الذين أحبهم ويحبونني. أيضًا مساعدتي للناس فلو احتاج أي شخص لأي خدمة لا أتركه أبدًا فأنا ذقت المرار والذل، لذا لا أريد لأحد المعاناة منه والتعرض له، فمن عرف الشقاء وصعوبته فسيساعد الآخرين حتى لا يتعرضوا له ويحاول مساعدتهم وإعطاءهم حقهم.

إذا طلبت منكِ أحد أبنائكِ العمل معكِ هل توافقين؟

– طلب مني بعض أبنائي فعلًا العمل معي ولكنني رفضت، هم لن يتحملوا ذلك العمل أنا بدأته منذ الصغر واعتدت على الشقاء، ولكن همّ تعلموا ولم يواجهوا الناس والحياة بصورتها الصعبة. أنا لا أريد أن يذوقوا الشقاء الذي تعرضت له.

هل تعرضتِ من قبل لدعوة أثرت فيكِ؟

– هناك امرأة كبيرة في السن كلما تراني تستوقفني وتدعو لي كثيرا من الأدعية حتى يقشعر بدني من دعائها، تحتضنني وتقبلني، دائمًا ما أحمل عنها الأكياس وأحيانًا اشتري لها بعض الطلبات، أرى فيها نفسي حين أكبر فنحن جميعًا سنكبر ونحتاج لمن يساعدنا، ولهذا يجب أن نساعد بعضنا بعضا.

أرجو من الله أن يمدّ بي العمر وأحج في المستقبل

ما الذين تأملين إليه في المستقبل؟

– أرجو من الله أن أحج في المستقبل إن شاء الله، وكلما ادخرت أموالًا للحجّ وجدت التزامات عليّ حتى الآن لم يكتب لي الله الحج أو العمرة، وهذا ما أرجوه في المستقبل.

Exit mobile version