Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

دخل الصحافة من باب التحدي أحمد أبو هميلة يتحدى فقدان البصر.. برؤية الأصابع

طبيعة الصحافة السريعة كانت من أكبر الصعوبات التي واجهتها في عملي

حلم وعزيمة.. كلمتان تصلحان عنوانًا لحياة الصحافي أحمد أبو هميلة الذي لم تمنعه إعاقته البصرية من السعي وراء ما أحب ورغب منذ طفولته. وعلى بساطة الكلمتين فإن تحقيقهما يحتاج الى نوعية خاصة من الأشخاص، كان أحمد واحدا منهم، ولأنه يسعى لتغيير المجتمع حوله ساهم في تأسيس مجلة (الأخبار برايل)، كما يعمل حاليًا على مشروع جديد ليكون صوتًا لذوي الإعاقة في مصر. في لقائنا معه يروي لنا أحمد تفاصيل رحلته في الصحافة والحياة، ونقترب أكثر من محطاته المهمة والمؤثرة في مسيرته:

كنت أحلم منذ صغري بأن تصل كتاباتي إلى كل الناس

في البداية لنتعرف أكثر على نشأتك.
– ولدت في عام 1984 بقرية بهبيت التابعة لمدينة العياط بمحافظة الجيزة، لأسرة ريفية متوسطة، ودائمًا ما حرصت على تفوقي الدراسي خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية. وفي عمر 14 عامًا أصبت بمرض التهاب في الشبكية أضعف البصر بدرجة كبيرة، وكانت هذه مرحلة فاصلة في حياتي. فبعد إصابتي بدأ نمط معيشتي كله يتغير،
وكنت أستذكر دروسي بتسجيل المواد الدراسية على شرائط كاسيت، وأستعين بمرافق خلال أداء الامتحانات.

وهل كانت لديك منذ سن مبكرة ميول تجاه المجال الصحافي؟
– كان لديَّ حلم منذ الصغر، إذ أحببت الكتابة والأدب وتمنيت أن تصل كتاباتي الى الناس، وكان لديّ أمل في تغيير المجتمع، لذا قررت أن أستمر وأحقق حلمي رغم ما حدث لي من ضعف البصر التدريجي، والتحقت في الثانوية العامة بمدرسة حكومية وليست مدرسة خاصة بالمكفوفين، ثم تمكنت من الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، هذه الخطوة جعلتني أقترب من تحقيق حلمي في الكتابة، وخلال فترة الدراسة في الكلية تغلبت على كل المشاكل في المحاضرات وقراءة الكتب، وتخرجت في كلية الإعلام عام 2006 لأبدأ مشواري في عالم الصحافة.

وكيف واجهت الصعوبات التي قابلتك في مجال الإعلام؟
– كانت أكبر المشاكل التي واجهتني طبيعة الصحافة السريعة حيث يتحتم عليَّ أن أكتب الموضوعات وأرسلها بسرعة تناسب العمل اليومي بالصحافة، ولم يكن هناك برنامج ناطق أستعين به في الكتابة، فبدأت أملي الأصدقاء وهم يكتبون، ولاحقًا تعلمت البرنامج الناطق وبدأت أحصل على دورات تدريبية فيه، إلى أن تمكنت منه.
كذلك كنت أسافر إلى منزلي في القرية ساعتين ونصف الساعة ذهابًا ومثلها في العودة يوميًا، وأنفقت على عملي من جيبي الخاص لوقت طويل حبًا في الصحافة، إذ عملت في الجريدة بنظام القطعة بعد تخرجي، حتى تم تعييني عام 2011. وأنا ممتن للغاية لجريدة المصري اليوم التي رحبت بي، واقتنع القائمون عليها بموهبتي في الصحافة ومنحوني الفرصة.

هل تذكر أول خبر عملت عليه خلال مسيرتك الصحافية؟
– أول مهمة صحافية لي كانت موضوع عن ذكرى حريق القاهرة، نُشر في 25 يناير 2007 في صفحة (من فات قديمه) في المصري اليوم، أتذكر أن هذا الأمر كلفني مشقة في البحث والاطلاع في مصادر تاريخية عديدة، واستلزم ذلك ذهابي إلى عدد من المكتبات العامة والبحث في الكتب التي تناولت الموضوع.
ثم التحقت بعد ذلك بالعمل في قسم التحقيقات، ومن الموضوعات التي أتذكرها تحقيق عن ارتفاع الأسعار؛ تطلب التحقيق أخذ آراء الناس في الشارع، مما استلزم وجود مرافق معي، فكان الأمر شاقًا وممتعًا في نفس الوقت.

أقرب أعمالي الصحافية إلى قلبي حواري مع الفنان محمد صبحي في 2015

وما أقرب أعمالك في الصحافة لقلبك؟
– كان حواراً مع الفنان محمد صبحي أجريته عام 2015، وما يميز هذا الحوار أن له دلالات إنسانية وفنية وصحافية بشكل كبير، لأنه فنان يتبنى قضايا المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة.

والدتي رحمها الله غمرتني بدعمها دائمًا وصاحبة الفضل الأكبر عليَّ

من كان أكثر الداعمين للصحافي أحمد أبو هميلة؟
– والدتي رحمة الله عليها، هذه الإنسانة العظيمة التي غمرتني بحبها ودعمها ودعواتها دائمًا، فهي صاحبة الفضل الأكبر علىّ، وأنا مدين لها بكل ما وصلت إليه من نجاح حتى الآن، بالإضافة إلى إخوتي الذين دعموني بكل ما يستطيعون ماديًا ومعنويًا، وكانوا إلى جانبي باستمرار.

«الأخبار برايل» المجلة الأولى التي تخاطب المكفوفين في مصر

هلا تحدثنا عن تجربتك في تأسيس الأخبار برايل والأبواب التي كانت تقدم فيها والإضافة التي قدمتها لذوي الإعاقة البصرية؟
– تشرفت بمساهمتي في تأسيس مجلة (الأخبار برايل) مع الزملاء في مؤسسة أخبار اليوم، وهي أول مجلة من نوعها تخاطب المكفوفين في مصر، وحصلت على ترخيص رسمي من المجلس الأعلى للصحافة في حينها، وهكذا استطاعت شريحة كبيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر من المكفوفين اقتناء أول مجلة بطريقة برايل لمتابعة أهم الأخبار واللقاءات والحوارات.
وقد تضمن العدد الأول موضوعات وملفات مهمة، منها إجراء حوار مع وزير الشباب والرياضة، وحوار مع الفنانة غادة عادل، وتحقيق عن نسبة الـ 5% لتوظيف ذوي الإعاقة، وكل الموضوعات أجراها وكتبها صحافيون مكفوفون.
وكانت المجلة توزع في الجمعيات والمراكز التي يوجد بها المكفوفون، بالإضافة إلى مكتبات الجامعات المختلفة.

وفي رأيك كيف يمكن للصحافة والإعلام مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة؟
– يمكن ذلك من خلال محورين، الأول إتاحة المحتوى بطريقة سهلة تناسب الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة، بحيث تتيح المواقع والقنوات مواد صوتية وبلغة الإشارة.
والمحور الثاني يتمثل في تناول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة من زاوية إيجابية، فهم ليسوا أشخاصًا خارقين، كما أنهم لا يحتاجون إلى الشفقة. إن كل شخص ذي إعاقة أو صعوبة يحتاج فقط إلى تفهم متطلباته وتوفيرها وحينها يمكنه العطاء والمشاركة بشكل إيجابي في المجتمع.

وما الذي ينقص المحتوى العربي بالنسبة لأصحاب الإعاقات البصرية؟
– لكي يصبح المحتوى العربي مناسبًا لذوي الإعاقة البصرية يحتاج إلى عدة أمور، من أهمها أن تحتوي المواقع على مواد صوتية ووصفية أكثر حتى يستطيع الشخص الإلمام بكل تفاصيل المحتوى المعروض.
وبالنسبة للقنوات التلفزيونية هناك الكثير من تقارير الفيديو التي لا تحتوي على أي وصف صوتي، وإنما مقاطع مصورة وموسيقى فقط، لهذا يكون من الأفضل لو راعى المشرفون على هذه التقارير وجود تعليق صوتي ولو بسيطا، حتى يتمكن الشخص الكفيف من متابعة ما يتم عرضه على الشاشة، لاسيما الأمور الخاصة بوسائل التواصل مع الجهات أو مواعيد البرامج والأفلام والمسلسلات والمواد التلفزيونية الأخرى.

شاركت في برنامج (حلق عاليًا) مع مؤسسة BBC، ما الذي أضافته لك تلك التجربة؟
– في عام 2018 تم اختياري ضمن 10 صحافيين على مستوى الشرق الأوسط، للالتحاق بمبادرة (حلق عاليًا) التي نظمتها مؤسسة BBC لتدريب الصحافيين من ذوي الإعاقة، وكان البرنامج نقطة تحول في مشواري المهني، فمن إجمالي فترة التدريب التي امتدت لستة أشهر، تلقيت التدريب لمدة 3 أسابيع منها في مكتب BBC بلندن.
وكانت فرصة ثمينة جدًا للتعرف على واقع الحياة في بريطانيا، ومدى الرقي والاحترام في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير كافة السبل لهم لممارسة عملهم وحياتهم بكفاءة عالية، وكان للتدريب بالغ الأثر في الارتقاء المستوى المهني، ولاسيما في التعامل مع التكنولوجيا والهواتف الحديثة، وتمكنت من تعلم تحرير الصوت والتسجيل الصوتي.

ما المواقف التي تعرضت لها في الحياة وتركت لديك أثرًا لا يُنسى؟
– هي لحظات النجاح بعد عناء، فما زلت أذكر فرحتي بنجاحي في الثانوية العامة بمجموع كبير مكنني من الالتحاق بالكلية التي حلمت بها على الدوام، بالإضافة إلى المواقف التي ألهمتني ودفعتني للتميز، فما زلت أذكر كلمة أستاذ ياسر الزيات، رئيس قسم التحقيقات بالمصري اليوم حين التحقت بها، حيث قال لي أنا أراهن عليك زملاءك، أنت موهوب ولا تنظر لنفسك الآن، ولكن انظر لنفسك بعد خمس سنوات من الآن، وهي الجملة التي ما زلت أتخذها نبراسًا لي في مختلف مراحل حياتي.
وهكذا فلحظات النجاح والتشجيع والإلهام دائما ما تحفر في ذاكرة الإنسان وتبقى زمنًا طويلًا لا تنسى.

تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي أعطاني دفعة لبذل مزيد من الجهد

لو تذكر لنا أهم التكريمات أو الجوائز التي حصلت عليها؟
– حصلت على عدد من شهادات التقدير خلال مشواري المهني، كان أهمها على الإطلاق تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في مؤتمر الشباب بالإسماعيلية 2017، والذي اعتبرته تتويجًا لمشوار مهني فيه الكثير من المعاناة وتحدي الصعوبات، وقد أعطاني دفعة للاستمرار وبذل المزيد من الجهد لتحقيق الأفضل.

أحضّر حاليًا لمشروع إعلامي يستهدف ذوي الإعاقة في مصر

أخيرًا فلتحدثنا عن تجربتك الجديدة وطموحاتك المستقبلية
– أحلم بالوصول إلى كل ذوي الاحتياجات الخاصة وتمكينهم ثقافيًا وحياتيًا، ومساعدتهم على الوصول للمعرفة وأن يكونوا على وعي بكل ما يحتاجون اليه في المجتمع، فشعاري دائمًا هو (الثقافة حق لكل إنسان).
وفي سبيل ذلك فإنني أحضر حاليًا لمشروع إعلامي يستهدف ذوي الإعاقة في مصر، يتناول قضاياهم ومشكلاتهم، ويكون همزة الوصل بينهم وبين المسؤولين ومؤسسات الدولة المختلفة، لتلبية احتياجاتهم بشكل عملي، بعيدًا عن الاستعراضات الكلامية بلا أي فائدة.

(أسرتي) في كل مكان
مصر- داليا شافعي

Exit mobile version