تحقيقات
أخر الأخبار

دراجة «أم مريـم»لتوصيل الطلبات.. ورزق البنات

 

 

كان طلاقي من زوجي لإنجابي بنات ولم أرد أن أكون حملًا على أمي فبحثت عن عمل

 

يوميًا تستقل “أم مريم” دراجتها ذات الثلاث العجلات ويشاركها ابنتاها (مريم ومنة) رحلة عملها، إذ تجلسان في المقعد الخلفي، ويذهبن معاً لتوصيل الطلبات إلى المنازل المجاورة في منطقتها (البيطاش) الواقعة بغرب الإسكندرية..

على لسانها دائمًا كلمات الرضا والحمد لله، وفي كل قرارتها تضع ابنتيها بالمرتبة الأولى وتدير حياتها بناء على حاجتهما.. وحين تعود الى المنزل بعد يوم شاق تجد الابنتين بأيديهما الصغيرة تساعدان الأم في صفّ الدراجة وكأنهما مدربتان على حركتها منذ وقت طويل.

تؤمن ام مريم بأن الحياة سعي وأمل، حتى انها اتخذت لصفحتها الشخصية على فيسبوك اسم (الحياة أمل).. التقينا أم مريم لتحكي لنا قصتها وإيمانها بالأمل.

 

جاءت فكرة توصيل الطلبات بالدراجة من رغبتي في التحكم في الوقت وبقاء البنتين معي باستمرار

 

 

تستهل أم مريم الحديث عن نفسها قائلة:

“اسمي سهى سعيد من مواليد الإسكندرية وعمري 41 سنة تزوجت خارج محافظتي ولأسباب على رأسها إنجابي للبنات لم أكمل زواجي وتطلقت وعدت إلى الإسكندرية مرة أخرى”.

وحين انفصلت “سهى” عن زوجها كانت حاملًا في طفلتها الثانية وأقامت فترة مع والدتها وأهلها، لكن الأوضاع المادية لأسرتها جعلتها تُسرع للبحث عن عمل (بعدما وضعت ابنتي الصغرى منة بدأت الخروج للبحث عن عمل فلم أُرد أن أكون حملًا على أمي، فوالدي متوفى وأمي معاشها ضئيل. وفي البداية استأجرتُ شقة واستقللت بحياتي إذ رغبت في أن تحيا البنتان حياة طبيعية أي يكون لدينا بيتنا وحياتنا الخاصة).

 

حفرت “سهى” في الصخر وتنقلت بين العديد من الأعمال بعزيمة لا تهدأ وأمام عينيها بنتاها اللتان تولي لهما الأهمية الكبرى قبل أي شيء آخر (عمِلت في كثير من الأعمال في البداية استأجرت كشكًا في المحكمة وعملت بائعة على فاترينة، ثم اشتغلت على فرش خضار في الشارع وكانت البنتان دائمًا رفقيتيّ في العمل تجلسان بجانبي أراقبهما بعينيّ لحمايتهما.. وكان شغل بيع الخضراوات صعبًا حيثُ أحمل باستمرار كثيرا من أشولة البطاطس والطماطم فوق ظهري فكان ذلك مرهقًا جدًا لي، وعندما وصلت مريم ومنة الى سن الحضانة عملتُ معهما في الحضانة، ولكن جاءت أزمة كورونا فأُغلقت الحضانة واضطرِرتُ الى البحث عن بديل).

 

كانت أزمة كورونا مِفتاح مشروعها الجديد لتوصيل الطلبات بدراجتها، فبعد بحث مضن عن عمل على موقع فيسبوك وقعت عيناها على عجلة تشبه عجلتها الحالية وأعجبتها الفكرة (في البداية عندما رأيتها لم يكن في رأسي أي أفكار لنوع العمل الذي سأستخدمها فيه. ولكني رأيتها مناسبة كي ترافقني البنتان في المقعد الخلفي، وهكذا طلبت في إعلان أن يقسطها لي أحد الأشخاص لأن إمكاناتي كانت منعدمة، وتواصلت معي سيدة أشكرها بشكل كبير وهي (هبة حسني)، وهي سيدة لا تعرفني وتبرعت لي بثمن العجلة كاملًا، وقالت إن الدراجة هدية منها لمريم ومنة.

وأتت فكرة توصيل الطلبات من خلال التطبيقات المنتشرة التي تستخدم الدراجات في التوصيل (قررت البدء في التوصيل ولكن بمشروعي الخاص. اخترت هذا العمل بالذات كونه يمنحني حرية في الوقت ويمكنني من اصطحاب البنتين معي.. فنشرت على صفحتي إعلانًا أوضح فيه أنني اشتري الخضروات والطلبات للآخرين وأوصله في مقابل مادي بسيط وبدأت المشروع منذ ما يقرب من عام في شهر 2 الماضي).

 

ولكن.. هل بدأتِ العمل فور تسلمك للدراجة الجديدة؟

– واجهتني في البداية مشكلة التحرك بالدراجة لهذا خصصتُ أيامًا للتدرب على التحكم فيها، فرغم حبي لقيادة الدراجات، فإن هذا النوع كان ثقيلًا في الحركة خاصة مع وجود البنتين في المقعد الخلفي لذا في البداية تعرفتُ على الدراجة فخرجت إلى الشارع يوميًا كل صباح، وهذا التدريب أخذ مني 10 أيام، وكانت من أصعب الأيام في حياتي ولكنني كنتُ محبة للعمل ومتحمسة له. وزاد التدريب من حماسي للعمل فحين خرجت في وقت الظهيرة بدأ مظهر الدراجة وأنا والبنتين يلفت انتباه الناس، وفي الأيام التي لا تأتيني فيها طلبات كنتُ أتدرب فيها بالدراجة للمشي بها مسافات أطول وليعرف مزيد من الناس عني أكثر.. بعض الناس في البداية كانوا يظنون أن الدراجة وسيلة للترفيه ليّ وللبنتين وكانوا يسألونني عن المكان الذي أحضرتها منه.. وبسبب هذا السؤال المتكرر صممتُ لافتة وضعتها في مؤخرة الدراجة تحمل اسمي وعملي ورقم هاتفي للتواصل وصممتها لتكون دعاية غير مباشرة للعمل.. كما طبعت رقمي واسم العمل على ورق وكنت أوزعه على المحلات.

تستذكر أن انتشار عملها وفكرتها جاء من صورة التقطها لها أحد الأفراد ونشرها على موقع فيسبوك وبدأت الأضواء تُسلط على طبيعة عملها بداية من تلك الصورة (جاءتني مكالمة من الأستاذ وائل الإبراشي ومن هنا بدأ الناس يعرفونني ليس في الإسكندرية ومصر فقط بل خارجها أيضًا بل وتواصل معي كثيرون من مناطق مختلفة بالإسكندرية يطلبون مني شراء الطلبات وتوصيلها لهم، ولكن للآسف فإن حركتي بالدراجة تحدني للسير في مسافات محددة فقط).

 

هل رفض أهلك فكرة عملك؟

– في البداية كانوا يرون صعوبة لي في الفكرة نفسها، أن أكون امرأة ومعي بنتان وأتحرك بالدراجة وأوصل الطلبات كان أمرًا يعجبون له ويرون فيه كثيرا من الصعوبة والمجهود، لكن انفتاحهم على الفكرة وعدم معارضتها باعتبارها (عيبًا) مثّل تشجيعًا لي، غير أن نجاحي في العمل أسعدهم، خاصة عندما انتشرت فكرة العمل وعُرِف المشروع على نطاق واسع فشعروا بالفخر مما أقدمت عليه وأنني لم أكسر بعد طلاقي واستطعت استكمال حياتي والوقوف مجددًا على قدميّ وأن حياتي لم تُدمر بعد انفصالي عن زوجي وتولي مسؤولية البنتين كاملة.

 

صفي لنا طبيعة يومك ومتى يبدأ.

– أبدأ يومي من الساعة الرابعة فجرًا ومن الرابعة للخامسة أخصص وقتًا مع الله للصلاة والقرآن وتستيقظ معي مريم ومنة في الوقت نفسه، وبعد الانتهاء من طقوسي الدينية افتح صفحتي على فيسبوك وأضع إعلانًا لعملي وأغلق الإنترنت ثم أبدأ في أعمالي المنزلية.. وإذا أكرمني الله بطلبات للتوصيل غالبًا ما نبدأ من الساعة التاسعة أو العاشرة صباحًا، وإذا لم يكن هناك طلبات أبدأ في المذاكرة لبنتيّ وعندما يأتي طلب للعمل نرتدي ملابسنا ونأخذ دراجتنا ونتحرك لمكان شراء الطلبات ثم توصيلها.. ومن رزقي الذي أتحصل عليه خلال التوصيل عند العودة نشتري ما نحتاج اليه للغداء وأكون في انتظار مكالمات العمل حتى الساعة السادسة مساءً وبحلول الثامنة نكون أنا والبنتان قد استعددنا للنوم للاستيقاظ مبكرًا في اليوم التالي.. ولا أستطيع الخروج لاستقبال الطلبات بعد السادسة لعدة أسباب، منها صعوبة الرؤية بالنسبة لي في الليل لمشكلة في عيني، وكذلك الإرهاق نظرًا للنهوض المبكر يوميًا.

وتصر سهى على اصطحاب ابنتيها دون تركهما لجارة أو قريب أبدًا (إذا اعتادتا على الذهاب للجيران ستكبران على هذا الأساس، ولكن في حالة اعتيادهما على الوجود إلى جانب أمهما فقط فإن ذلك نوع من الحماية لهما اليوم والآن، كذلك نوع من الاطمئنان لي فأنا لا اتركهما إلا في مدرسة أو حضانة).

وهي تؤكد أن البنتين لم تمثلا أي عائق في عملها السابق والحالي (على العكس لم تكن البنتان عامل تشتيت أبدًا فعندما قدمت مسبقًا على العمل في المحكمة كنت أقول بصراحة إن البنتين ليس لهما مكان وقُبِلت رغم ذلك وأنا أعد ذلك كرمًا من عند الله ولم يعترض أحد على وجودهما معي فمنذ بلغت مريم العام ونصف العام كانت تذهب معي إلى العمل).

تحكي سهى أن مريم ومنة بسنهما الصغيرة غير مدركتين لطبيعة العمل الحالي وأنهما تنظران له باعتباره عملًا فيه كثير من المرح حتى إن إحداهما طلبت منها كرسيا أماميا لها اقتداءً بها في قيادة الدراجة، وهو ما أدخلته جديدًا على درجاتها وصممته خصوصًا لها (إذا عاتبت إحداهما وأردت معاقبتهما أهدد بعدم الخروج معي بالدراجة وهذا يحزنهما كثيرًا).

 

حين أتحصل على ما يكفي لطلباتي اليومية يهون عليّ شقاء أي يوم

 

ألم تواجهي أي تعليقات أو ردود فعل سلبية؟

– لم أواجه أي سلبيات في ردود فعل الناس، كان الكل معجبا بالفكرة يدعون لي ولكني لم أقابل أي ردود أفعال سلبية، ولكن قابلت بعض التعليقات السيئة من شباب صغار وهي لم تؤثر فيّ فلا يمكن الأخذ على قولهم باعتبارها أشياء سخيفة ولا تشغلني مطلقًا، وأيضًا أنا أحببت فكرة عملي الحالي ومتحمسة له، فلا أنظر كثيرًا ولا أتوقف عند سلبياته، فكل عمل له سلبيات وكل عمل يمكن أن يقابل بوجهة نظر من طرف لا تعجبه.

ولدى سهى إيمان راسخ بأن الحياة كلها تعب وكدّ (إذا فكرت أنني متعبة فإن حياتي ستقع وتنهار ولكن إذا فكرت دائمًا فيما أود الوصول إليه وتحقيقه فسيزول التعب بكل تأكيد.. وما أرغب فيه الستر لبنتي ويذهب في مقابل ذلك أي تعب أشعر به. وأنا مقتنعة بأن رزقي على الله وأن الله كتبه لي وسيرسله لي، فلا أشغل نفسي بأن عملي الحالي يومي ولذا فإن الله سيرزقني من أجل ابنتيّ).

ويهون على (أم مريم) أي تعبٍ وشقاء حين تحقق من عملها في اليوم ما يكفي طلباتها اليومية (حين أجد نفسي في نهاية الشهر استطعت إكمال إيجار شقتي وفي استطاعتي شراء أساسيات واحتياجات بيتي ولا يطرق أي شخص بابي مُطالبًا بمال له ولو جنيهًا هذا ما يجعل التعب يزول وكأنه غير موجود).

 

ما القيم التي ستسعين لتربية مريم ومنة عليها؟

– أسعى لتربيتهما على طاعة الله بالصلاة وقراءة القرآن أولًا، وهو ما سيترتب عليه كثير من الأشياء لهما من الناحية القيمية.. فمن ستصلي وتقرأ القرآن ستعرف كل ما هو صحيح وخطأ وكذلك الاهتمام بالدراسة وحياتهما والاعتماد على النفس وأن تختار كل منهما أين تحب أن تصل وسأكون معها وأتمنى أن يعطيني الله الصحة وطول العمر حتى أوصلهما لاختيارهما وإرادتهما.. أتمنى أن تصلا الى أعلى المراتب وأن يعوضني الله فيهما خيرًا.

 

كيف ترين اتجاه بعض السيدات حاليًا لأعمال شاقة كان يعمل بها الرجال؟

– ليست من مشكلة في هذا الاتجاه، أي شغل حلال أو رزق حلال ليس مقتصرًا على رجل أو سيدة ما دام يقدر ويستطيع أن يعمل به.. فإذا كانت المرأة تستطيع أن تعمل سائقة أو تعمل على تريسيكل أو تعمل في عمل حر فلتعمل به، ما يهم أن تستطيع المحافظة على نفسها وتراعي الله في عملها وتستطيع أن تكسب رزقها بالحلال وتعطي للشغل حقه كيفما يعمل الرجل.. ولكن البحث عن الرزق الحلال لا يعيب أبدًا.

 

أطمح إلى أن تكون دراجتي بموتور يقلل من الجهد البدني الذي أبذله في قيادتها

 

ما أمنياتك وطموحاتك للمستقبل؟

– طموحاتي للمشروع إمكانية تطوير العجلة لتصبح باستخدام الموتور للتقليل من الجهد البدني المبذول عن الحركة بالدراجة مع ابنتيّ.. وعرض عليَّ من أشخاص إمدادي بتريسيكل أو عربة مغطاة، ولكنني لا أراها مناسبة لي أو لوضعي، فهي غير آمنة للبنتين لأنني لن أتمكن من رؤيتهما أثناء السير.. فالدراجة صغيرة ومحكومة والمسافة بيني وبين البنتين قريبة وتفرض عليَّ السير بسرعة محددة أيضًا.. وأنا أبحث الآن عن طريقة لتنفيذ هذا التصميم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق