Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

شاهد‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬أُخذت‭ ‬فيه‭ ‬الكويت‭ ‬غدراً‭ ‬ الأسير‭ ‬الكويتي‭ ‬ناصر‭ ‬سالمين‭: ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬أسـيـر‭ ‬هناك‭ ‬حكاية‭ ‬ صبـر‭ ‬وتضحية‭ ‬كبيـرة‭ ‬

صدقت‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬المحن‭ ‬تصقل‭ ‬الهمم‭ ‬وإن‭ ‬الشدائد‭ ‬تولد‭ ‬المعجزات‮»‬‭. ‬
غزو‭ ‬كلمة‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أحرف،‭ ‬ولكنها‭ ‬كرصاصات‭ ‬غدر‭ ‬غرست‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬حوارنا‭ ‬مع‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬أُخذت‭ ‬فيه‭ ‬كويتنا‭ ‬غدراً،‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬الأسر‭ ‬238‭ ‬يوماً،‭ ‬تجرع‭ ‬مرارة‭ ‬الغزو‭ .. ‬وغدر‭ ‬الأشقاء‭!‬،‭ ‬انه‭ ‬الأسير‭ ‬الكويتي‭ ‬ناصر‭ ‬سلطان‭ ‬سالمين‭ ‬عقيد‭ ‬ركن‭ ‬متقاعد،‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬بالعلوم‭ ‬العسكرية‭.‬
‮«‬أسرتي‮»‬‭ ‬التقت‭ ‬ناصر‭ ‬سالمين‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬يوميات‭ ‬أسير‭ ‬كويتي‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬والمعتقلات‭ ‬العراقية‮»‬،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أسيرا‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬عاش‭ ‬تجربة‭ ‬الأسر‭ ‬بكل‭ ‬معاناتها‭ ‬وقسوتها‭ ‬وتنقله‭ ‬مع‭ ‬مئات‭ ‬الأسرى‭ ‬الكويتيين‭ ‬بين‭ ‬المعتقلات‭ ‬العراقية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬بالحرية‭.‬

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الغزو،‭ ‬وأين‭ ‬كانت‭ ‬أسرتك؟
بعد‭ ‬إعلان‭ ‬فشل‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بدأت‭ ‬الحشود‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬حاملات‭ ‬الدبابات‭ ‬والباصات‭ ‬المحملة‭ ‬بالجنود‭ ‬والآليات‭ ‬العسكرية‭ ‬والطائرات‭ ‬الهليكوبتر‭ ‬لقوات‭ ‬الغدر‭ (‬فرق‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭) ‬تتدفق‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الكويتية،‭ ‬كانت‭ ‬حالة‭ ‬الاستعداد‭ ‬مرتفعة‭ ‬بعد‭ ‬الأخبار‭ ‬المتداولة‭ ‬المتسارعة،‭ ‬والتحفت‭ ‬بمعسكر‭ ‬المغاوير‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬ليلا‭ ‬بعد‭ ‬اتصال‭ ‬تلقيته‭ ‬في‭ ‬منزلي‭ ‬من‭ ‬ضابط‭ ‬الخفر‭ ‬ملازم‭ ‬أول‭ ‬بدر‭ ‬الحلاق،‭ ‬حدثني‭ ‬قائلا‭ ‬نقيب‭ ‬ناصر‭ ‬التحق‭ ‬بسرعة،‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أسمع‭ ‬أم‭ ‬بدر‭ ‬تقول‭: ‬خير؟،‭ ‬أقول‭ ‬لها‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬خير‭! ‬ودّعت‭ ‬زوجتي‭ ‬وقبّلت‭ ‬أبنائي‭ ‬الثلاثة‭ ‬قائلا‭ ‬كلمة‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أتذكرها‭ ( ‬نشوفكم‭ ‬على‭ ‬خير‭). ‬وتحركت‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬القادسية،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬الدوام‭ ‬بمعسكر‭ ‬المغاوير‭ ‬بالمطلاع،‭ ‬وبدأت‭ ‬التجهيز‭ ‬والاستعداد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أي‭ ‬أوامر‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬القيادة‭.‬

كيف‭ ‬تم‭ ‬أسرك؟
لم‭ ‬تصمد‭ ‬قواتنا‭ ‬أمام‭ ‬النيران‭ ‬المعادية‭ ‬لكثافتها‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬تارة‭ ‬ومن‭ ‬الجو‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فحدثت‭ ‬إصابات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬قواتنا‭ ‬مما‭ ‬دعانا‭ ‬إلى‭ ‬التراجع،‭ ‬ولم‭ ‬تخمد‭ ‬أصوات‭ ‬الاشتباكات‭ ‬إلا‭ ‬بقذائف‭ ‬طائرات‭ ‬السكاي‭ ‬هوك‭ ‬الكويتية‭ ‬التي‭ ‬قصفت‭ ‬الآليات‭ ‬العراقية‭ ‬المحملة‭ ‬بالجنود‭ ‬والذخيرة،‭ ‬فأشعلت‭ ‬فيها‭ ‬النيران‭.‬
ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬تمت‭ ‬محاصرة‭ ‬المعسكر‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬ودخول‭ ‬ضباط‭ ‬عراقيين‭ ‬بمفاوضات‭ ‬مع‭ ‬قائد‭ ‬معسكر‭ ‬المغاوير‭ ‬المقدم‭ ‬ركن‭ ‬أحمد‭ ‬المنيفي‭ ‬بخصوص‭ ‬الاستسلام‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬المعسكر،‭ ‬طالبين‭ ‬منا‭ ‬نزع‭ ‬لباسنا‭ ‬العسكري‭ ‬وتسليم‭ ‬أسلحتنا‭ ‬والمعسكر‭ ‬كاملا‭ ‬لهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رفضناه‭ ‬جميعا‭ ‬كضباط‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬قسمنا‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬أقسمناه‭ ‬أمام‭ ‬أميرنا،‭ ‬وخرجنا‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬المعسكر‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ضابط‭ ‬صف‭ ‬رفض‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المعسكر‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتوصيل‭ ‬المقدم‭ ‬أحمد‭ ‬وتم‭ ‬أسره‭ ‬معنا‭.‬

تنقلنا‭ ‬في‭ ‬معتقلات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الزبير‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الرشيد‮»‬‭ ‬سيئ‭ ‬السمعة‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بعقوبة‮»‬‭ ‬

ثم‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬انتقلتم؟
تم‭ ‬نقلنا‭ ‬إلى‭ ‬معسكر‭ ‬حمزة‭ ‬وكان‭ ‬به‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬والأفراد،‭ ‬والفوضى‭ ‬تعم‭ ‬أرجاء‭ ‬المكان‭ ‬لكثرة‭ ‬المعتقلين‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬جنسيات،‭ ‬وبعد‭ ‬عزل‭ ‬الأسرى‭ ‬المدنيين‭ ‬عن‭ ‬العسكريين‭ ‬تم‭ ‬وضعنا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬السجون‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬غرف‭ ‬صغيرة‭ ‬متجاورة‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬شيء،‭ ‬واستيقظنا‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬الجنود‭ ‬العراقيين‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نستعد‭ ‬لمغادرة‭ ‬السجن‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬اين‭ ‬ذاهبون،‭ ‬وسارت‭ ‬بنا‭ ‬الباصات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬معسكر‭ ‬استخبارات‭ ‬الزبير‭.‬

كيف‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬التحقيق‭ ‬معكم‭ ‬في‭ ‬الأسر؟
في‭ ‬بداية‭ ‬الأسر‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬لاستمالة‭ ‬الأسرى‭ ‬للتعاون‭ ‬معهم‭ ‬وأخذ‭ ‬موافقتهم‭ ‬على‭ ‬الاشتراك‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية‭ ‬الحقيرة‭ ‬بأن‭ ‬يكونوا‭ ‬أعضاء‭ ‬بالحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬وتعجب‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬رغم‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬بالإعدام،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬اسم‭ ‬نودي‭ ‬عليه‭ ‬وتم‭ ‬استدعاؤه‭ ‬للتحقيق‭ ‬معه‭ ‬وعرض‭ ‬فكرة‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬النقيب‭ ‬عادل‭ ‬العصفور‭ ‬وتلته‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬حيث‭ ‬ازداد‭ ‬الضغط‭ ‬والعذاب‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬معتقلهم‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬صحية‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭ ‬بالبشر‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬التغذية‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬التداوي‭ ‬وغياب‭ ‬اي‭ ‬اخبار‭ ‬عن‭ ‬الاهل‭.‬

كم‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الأسر؟
بقيت‭ ‬في‭ ‬الأسر‭ ‬238‭ ‬يوماً،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أغسطس‭ ‬1990،‭ ‬أطلق‭ ‬سراحنا‭ ‬في‭ ‬٢٧‭ ‬مارس‭ ‬١٩٩١‭ ‬وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬٢٨‭ ‬مارس‭ ‬١٩٩١،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نقلي‭ ‬خلالها‭ ‬انا‭ ‬وباقي‭ ‬الأسرى‭ ‬بين‭ ‬معتقلات‭ ‬وسجون‭ ‬عدة،‭ ‬واجهنا‭ ‬معاناة‭ ‬وآلام‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬والأهل،‭ ‬ولكن‭ ‬صبرنا‭ ‬واستطعنا‭ ‬أن‭ ‬نتحمل‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬المؤلمة‭.‬

حوّلنا‭ ‬غطاء‭ ‬‮«‬كنبل‮»‬‭ ‬تم‭ ‬توزيعه‭ ‬على‭ ‬الأسرى‭ ‬إلى‭ ‬جاكيت‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬البرد

كيف‭ ‬كنتم‭ ‬تتغلبون‭ ‬على‭ ‬برودة‭ ‬المعتقل؟
كان‭ ‬هناك‭ ‬غطاء‭ ‬عراقي‭ ‬اكنبلب‭ ‬تم‭ ‬توزيعه‭ ‬على‭ ‬الأسرى‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬الموصل‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بها‭ ‬البرد‭ ‬قارس،‭ ‬وعندما‭ ‬بدأ‭ ‬يسمح‭ ‬بزيارات‭ ‬الأهالي‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة‭ ‬طلبنا‭ ‬منهم‭ ‬أدوات‭ ‬الخياطة‭ ‬البسيطة‭ ‬حتى‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬خياطة‭ ‬الغطاء‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬جاكيت‭ ‬بسيط‭ ‬وغطاء‭ ‬للرأس‭ ‬أيضا‭.‬

متى‭ ‬كانت‭ ‬أصعب‭ ‬فترة‭ ‬مرت‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬الأسر؟
في‭ ‬معسكر‭ ‬رشيد‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬المعتقل‭ ‬فترة‭ ‬قاسية‭ ‬وأياما‭ ‬مريرة‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬وتمر‭ ‬الأيام‭ ‬علينا‭ ‬كأنها‭ ‬شهور‭ ‬والساعات‭ ‬كأنها‭ ‬أيام‭.‬
الجو‭ ‬كان‭ ‬حارا،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬ننام‭ ‬بالحديقة‭ ‬والقارص‭ ‬والباعوض‭ ‬منتشر‭ ‬وإن‭ ‬دخلنا‭ ‬المهجع‭ ‬نموت‭ ‬من‭ ‬الحر‭.‬
عندما‭ ‬علمنا‭ ‬بقصة‭ ‬الأسير‭ ‬الإيراني‭ .. ‬أصابنا‭ ‬الإحباط‭ ‬

ما‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تتذكرها‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬رشيد؟
معسكر‭ ‬رشيد‭ ‬سيئ‭ ‬السمعة‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬ومن‭ ‬اصعب‭ ‬المواقف‭ ‬عندما‭ ‬قابلنا‭ ‬جنود‭ ‬ايرانيين‭ ‬متواجدين‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬رشيد‭ ‬وعددهم‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الالف‭ ‬وباقين‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬منذ‭ ‬اربع‭ ‬سنوات‭ ‬ونصف‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬العربية‭ ‬نهائيا‭ ‬وتحدث‭ ‬أحدهم‭ ‬مع‭ ‬أحدنا‭ ‬بلغته‭ ‬ليقول‭ ‬له‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬اي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬اهله‭ ‬او‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭.‬

كان‭ ‬لدينا‭ ‬راديو‭ ‬صغير‭ ‬نخبئه‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬ملابسنا‭ ‬لنعرف‭ ‬الأخبار‭ ‬حولنا

كيف‭ ‬كنتم‭ ‬تعرفون‭ ‬اخبار‭ ‬العالم‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬المعتقل؟
كان‭ ‬لدينا‭ ‬راديو‭ ‬صغير‭ ‬نخبئه‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬ملابسنا‭ ‬وأحدنا‭ ‬يستمع‭ ‬للأخبار‭ ‬ويبلغ‭ ‬شخصا‭ ‬آخر‭ ‬وهكذا‭ ‬نتناقل‭ ‬الأخبار‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬الامور‭ ‬المؤلمة‭ ‬اننا‭ ‬كنا‭ ‬ننتظر‭ ‬قدوم‭ ‬أسير‭ ‬جديد‭ ‬سوف‭ ‬نحزن‭ ‬لقدومه‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬نفرح‭ ‬لمعرفة‭ ‬الأخبار‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬الديرة‭ ‬وعن‭ ‬أحوال‭ ‬الأهل‭ ‬هناك‭. ‬

كيف‭ ‬كنتم‭ ‬تقضون‭ ‬أوقاتكم؟
بعض‭ ‬الضباط‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬مواهب‭ ‬وخبرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬البسيطة‭ ‬منها‭ (‬الحلاقة،‭ ‬التمارين‭ ‬الرياضة،‭ ‬الكهرباء،‭ ‬الرسم‭) ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬إلا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬صاحب‭ ‬الموهبة‭ ‬وتسجيل‭ ‬اسمك‭ ‬لديه‭ ‬وأخذ‭ ‬دور‭ ‬منه‭ ‬مثلا‭: ‬الحلاق‭ ‬عصراً‭ ‬والتمارين‭ ‬الرياضية‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر،‭ ‬وهكذا‭ ‬يمر‭ ‬الوقت‭ ‬الممل‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬القادم،‭ ‬وقد‭ ‬تتكرر‭ ‬الأحداث‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭.‬

وهل‭ ‬استمرت‭ ‬علاقتك‭ ‬برفقاء‭ ‬الأسر؟
بالتأكيد‭ ‬فداخل‭ ‬كل‭ ‬أسير‭ ‬هناك‭ ‬حكاية‭ ‬صبر‭ ‬وتضحية‭ ‬كبيرة‭ ‬تحملها‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬ومازلنا‭ ‬نلتقي‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬ديوانية‭ ‬خصصناها‭ ‬لنا‭ ‬ونتبادل‭ ‬فيها‭ ‬الأحاديث‭ ‬والذكريات‭.‬

من‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الاعتقال‭ ‬والأسر‭ ‬تطارده‭ ‬الكوابيس،‭ ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬حدث‭ ‬معك؟‭ ‬
أتذكر‭ ‬اول‭ ‬يوم‭ ‬نمت‭ ‬على‭ ‬سريري‭ ‬في‭ ‬منزلي‭ ‬وسط‭ ‬ابنائي‭ ‬كنت‭ ‬نائما‭ ‬وأشعر‭ ‬بأنني‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬ان‭ ‬أستيقظ‭ ‬منه‭ ‬وأفتح‭ ‬عيني‭ ‬بحرص‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬استيقظ‭ ‬وأجد‭ ‬نفسي‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬المعتقل‭. ‬
فترة‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬الفترات‭ ‬التي‭ ‬عايشتها‭ ‬وعاشها‭ ‬كل‭ ‬أسير‭ ‬كانت‭ ‬خليطا‭ ‬من‭ ‬العذاب‭ ‬والتنكيل‭ ‬والذل،‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬صعبة‭ ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬ما‭ ‬مصيرنا‭ ‬فرائحة‭ ‬الموت‭ ‬تحيط‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بصيص‭ ‬أمل‭ ‬للنجاة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬أسير‭ ‬كويتي‭ ‬يدفعه‭ ‬للصبر‭ ‬وانتظار‭ ‬الفرج‭. ‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬تصف‭ ‬لي‭ ‬نظرتك‭ ‬لشباب‭ ‬ولدوا‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬وتراهم‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬سوى‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعطلة‭ ‬التحرير؟
أرى‭ ‬أن‭ ‬دورنا‭ ‬هو‭ ‬توعية‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬فكارثة‭ ‬الغزو‭ ‬ولّدت‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬الكويتي‭ ‬أفعالا‭ ‬عظيمة،‭ ‬وفجرت‭ ‬لديه‭ ‬طاقات‭ ‬دفينة‭ ‬مستترة‭ ‬وراء‭ ‬الأرض‭ ‬والاستقرار‭ ‬والرفاه‭ ‬ورغد‭ ‬العيش‭ ‬الذي‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬عليه‭. ‬
ومن‭ ‬رحم‭ ‬المحنة‭ ‬ولد‭ ‬بشر‭ ‬جدد،‭ ‬أشداء‭ ‬على‭ ‬العدو،‭ ‬رحماء‭ ‬بينهم‭ ‬يجابهون‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬العدوان،‭ ‬ويتصدون‭ ‬لها‭ ‬بالفعل‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فالصبي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬فعال‭ ‬يؤدي‭ ‬دوره‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬بمجتمع‭ ‬المرابطين،‭ ‬ولم‭ ‬تشغله‭ ‬معاناة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬المجابهة‭ ‬والتضحية‭ ‬والفداء‭.‬

اتفقنا‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والبقاء‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬والصدمة‭ ‬الكبيرة

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬الأسرى‭.‬
إذا‭ ‬كنت‭ ‬تسألين‭ ‬عن‭ ‬نفسية‭ ‬الأسرى‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬ترين‭ ‬نفسياتنا‭ ‬عالية‭ ‬وآخر‭ ‬تجدينها‭ ‬محطمة‭ ‬مثل‭ ‬البحر‭ ‬بالمد‭ ‬والجزر‭ ‬ننتظر‭ ‬اليوم‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬لنعرف‭ ‬الاسماء‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬زيارة‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬حيث‭ ‬نطمئن‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬الديرة‭.‬
ولكننا‭ ‬كنا‭ ‬السند‭ ‬والظهر‭ ‬فيما‭ ‬بيننا،‭ ‬فمن‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬رُتب‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬كانوا‭ ‬يظلون‭ ‬الأصغر‭ ‬بالعناية‭ ‬والرعاية،‭ ‬والدعم‭ ‬النفسي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬السجانون‭ ‬يحاولون‭ ‬أن‭ ‬يحطموا‭ ‬نفسيات‭ ‬الأسرى‭ ‬بكل‭ ‬الطرق،‭ ‬كما‭ ‬وزعنا‭ ‬كأسرى‭ ‬المهام‭ ‬على‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬لتنظيم‭ ‬الامور‭ ‬الحياتية‭ ‬وشددنا‭ ‬أزر‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬واتفقنا‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والبقاء‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬والصدمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬ومحاولة‭ ‬اخفاء‭ ‬هوية‭ ‬بعض‭ ‬الأسرى‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬شخصيات‭ ‬عسكرية‭ ‬ومهمة‭.‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬حسابك‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا؟
اقترحت‭ ‬ابنتي‭ ‬لولوة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬حساب‭ ‬خاص،‭ ‬وبالفعل‭ ‬فعلت‭. ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تفاعل‭ ‬كبير،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬هجوم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬العراقيين،‭ ‬الذين‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬اتهكيرب‭ ‬حسابي‭. ‬وأنشأت‭ ‬حساباً‭ ‬آخر‭.‬

‮«‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أسيراً‮»‬‭ ‬يضم‭ ‬قصصاً‭ ‬تُسرد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬لأشخاص‭ ‬منسيين‭ ‬ببطولاتهم

هناك‭ ‬إصداران‭ ‬عزيزان‭ ‬عليك‭ ‬وهما‭ ‬الكتابان‭ ‬اللذان‭ ‬أصدرتهما‭ ‬كيف‭ ‬جاءت‭ ‬لك‭ ‬فكرة‭ ‬اصدار‭ ‬هذين‭ ‬الكتابين؟
كتابي‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬ايوميات‭ ‬أسير‭ ‬كويتي‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬والمعتقلات‭ ‬العراقيةب،‭ ‬والذي‭ ‬ضم‭ ‬أحداثاً‭ ‬وصوراً‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المعتقلات،‭ ‬سردت‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ذكريات‭ ‬الأسر‭ ‬رغم‭ ‬وقعها‭ ‬الأليم‭ ‬في‭ ‬أنفسنا‭ ‬كأسرى‭ ‬امتهنت‭ ‬كرامتنا‭ ‬وسلبت‭ ‬حريتنا،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬علي‭ ‬إكمال‭ ‬الطريق‭ ‬لأكشف‭ ‬للجميع‭ ‬ما‭ ‬تعرضنا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬العذاب‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬جنود‭ ‬الطاغية‭ ‬أما‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬اعندما‭ ‬كنت‭ ‬أسيراًب‭ ‬فهو‭ ‬يضم‭ ‬قصصا‭ ‬تسرد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬لأشخاص‭ ‬منسيين‭ ‬ببطولاتهم،‭ ‬حيث‭ ‬تطرق‭ ‬الى‭ ‬الأبطال‭ ‬الحقيقيين‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬أحياء‭ ‬وهم‭ ‬شهود‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬وقصص‭ ‬الأسر‭ ‬والمقاومة‭ ‬وما‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وحشية‭ ‬وانتهاكات‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬الجبين‭.‬
‏‭ ‬وكل‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬دونتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬نتيجة‭ ‬أمرين،‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬العائلية‭ ‬لذوي‭ ‬الأسرى‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يزودوننا‭ ‬بتلك‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المقاومة‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬والأمر‭ ‬الآخر‭ ‬يعود‭ ‬لفترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الإفراج‭ ‬عنا‭ ‬وهو‭ ‬اجتهاد‭ ‬شخصي‭ ‬في‭ ‬تقصي‭ ‬الحقائق‭ ‬ومعرفة‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬المقاومة‭ ‬وأبطالها‭.‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬لحظات‭ ‬الحرية‭ ‬من‭ ‬الأسر؟
في‭ ‬معتقل‭ ‬بعقوبة‭ ‬وبتاريخ‭ ‬13‭ ‬مارس‭ ‬زارنا‭ ‬الصليب‭ ‬الاحمر‭ ‬وتحدثوا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬وسألوه‭ ‬عن‭ ‬رغبتنا‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬الكويت‭ ‬وبتاريخ‭ ‬21‭ ‬مارس‭ ‬عاد‭ ‬اول‭ ‬فوج‭ ‬من‭ ‬الاسرى‭ ‬للكويت‭ ‬وفي‭ ‬تاريخ‭ ‬٢٦‭ ‬مارس‭ ‬وقد‭ ‬صادف‭ ‬وجودنا‭ ‬هناك‭ ‬دخول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وصمنا‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المعتقل‭ ‬واخبرونا‭ ‬ان‭ ‬نستعد‭ ‬للعودة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬وانتقلنا‭ ‬بالباصات‭ ‬الى‭ ‬معتقل‭ ‬الرمادي‭ ‬وتم‭ ‬تبديل‭ ‬الباصات‭ ‬ثم‭ ‬ذهبنا‭ ‬للحدود‭ ‬العراقية‭ – ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬عرعر‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬اصدق‭ ‬نفسي‭ ‬وانا‭ ‬أتنفس‭ ‬نسيم‭ ‬الحرية‭. ‬

Exit mobile version