Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

قوة زوجة ومثابرة أب ومواهب أم خلطة النجاح.. على طريق «ألف ميل»

دائما تتصدر كلمة (الظروف السيئة) جملنا، كمبرر رئيس لمعظم حالات فشلنا، فإذا فشلنا في تحقيق شيء ما – أي شيء – فتلقائيا يجب أن نبرر هذا الفشل بلعن الظروف، والإحالة على سلسلة طويلة من المشاكل التي تواجهنا في الحياة، وتمنعنا من تحقيق أي شيء له قيمة، ولكننا معكم نستعرض هنا بعض قصص النجاح الواقعية التي تحدت المستحيل، حتى باتت درساً في الثقة وقوة الإرادة.

رحمة.. من عاملة نظافة إلى مليونيرة في هولندا

سيدة استثنائية، إنها رحمة المودن، ذات الـ 59 سنة، نشأت بين أكناف عائلة متواضعة في بلادها الأم المغرب في طنجة، تزوجت في عمر الزهور عن سن لا تتجاوز 16، وهاجرت مع زوجها المقيم بمدينة أمستردام الهولندية، بعد سنة من زواجها وأقاموا وقتها بديار المهجر.
بدأت العمل عاملة نظافة في إحدى الشركات إلى جانب زوجها، إضافة إلى واجبها كأم ومسؤولياتها المنزلية، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تحقق طموحها كامرأة تعيش حياة مهنية أيضا، نجحت في كسب ثقة المحيطين بها، فأصبحت مشهورة بالإخلاص والإتقان والدقة، ليس فقط في عملها وإنما في كل شيء تقوم به، حتى لقبت (بالكاملة) في محيطها.
نالت جائزة أفضل ربة عمل وأفضل امرأة عاملة في أوروبا

بعد عشرين سنة من العمل الجاد والإتقان، لم تتلق التقدير اللازم وتعرضت للتمييز والتجاهل في مكان عملها، ولكن ما كان من ذلك الشعور إلا أن يوقد حماسة أقوى وتفرض وجودها أكثر، فبدأت بإنشاء شركة تنظيف صغيرة خاصة بها، وثقت بنفسها من جديد وخطت في مساحة الميل التي تبدأ بخطوة، وخطوة خطوة، بالكد والمثابرة أصبحت شركتها تكبر وتنجح.
رحمة بهمتها أصبحت بعد سنوات صاحبة شركة (MAS) (شركة أمستردام للتنظيفات متعددة الثقافات)، حيث يبلغ عدد موظفيها 500 موظف، ونالت وسام فارس من الحكومة الهولندية، وجائزة أفضل ربة عمل بالإضافة إلى أفضل امرأة عاملة في أوروبا.

أب صنع دواءً معقداً
في المنزل لإنقاذ ابنه من الموت

رجل صيني مثَّل الأبوة في أبهى صورها، عندما لجأ لحلول علمية، لصناعة دواء منزلي، لإنقاذ حياة ابنه الصغير المصاب بمرض خطير، الأب الذي يدعى Xu Wei، حاصل على شهادة الثانوية العامة هو أيضا صاحب متجر يعمل عبر الإنترنت من مدينة كونمينغ في محافظة يونان الصينية، واجه هذا الأب مأساة حقيقية عندما قيل له إن ابنه البالغ عاماً واحداً من عمره، مصاب بمرض مينكيس، وهو مرض وراثي يتسبب في اضطراب عملية نقل النحاس في خلايا الجسم.
ويصيب هذا المرض النادر جداً نحو واحد من كل 100 ألف إلى 200 ألف من حديثي الولادة، والذين لا تدوم حياتهم في أغلب الأحيان أكثر من 3 سنوات.
وبعد أن تبين أن أساليب علاج تجريبية في المستشفى لا تفيد ابنه على الإطلاق، صمم الرجل على الحصول على مادة هيستيدين النحاس الضرورية للعلاج، لكن الوصول إليه في الصين كان خارج إمكانياته، إلى جانب استحالة الحصول عليها من الخارج في ظل قيود كورونا.

لا يتقن الكيمياء ولا الإنجليزية.. ولكنه استطاع صنع الدواء

توجه Xu Wei في البداية إلى شركات كيميائية لشراء هيستيدين النحاس منها، لكن سعرها كان مرتفعا جدا، فضلاً عن أن عملية الحصول على موافقة الجهات الرسمية على شرائها كانت ستستغرق سنوات، وعندها قرر الرجل الذي لم يفقه في الكيمياء، أن يدرس هذا العلم بنفسه من أجل الحصول على هيستيدين النحاس المنشود في المنزل، وانغمس يدرس في قراءة المقالات في مجلات علمية أميركية، مستخدماً التطبيقات خاصة بالترجمة، كونه لا يتقن الإنجليزية.
كما التحق بدورات صيدلة في عدد من الجامعات، مما أمكنه بعد فترة معينة من إنشاء مختبر صغير في شقته كلفه 3100 دولار، حيث نجح في نهاية المطاف في تصنيع هيستيدين النحاس.
واختبر الرجل عقاره أولاً على أرانب، ثم على نفسه، كي يتأكد من سلامته، ثم حقنه لابنه ونقله إلى المستشفى من أجل إجراء تحاليل وإبعاد خطر مضاعفات خطيرة، وصرح Xu Wei بأن هذين العقارين لم يشفيا ابنه لكنهما منعا تدهور حالته، مضيفا أنه يأمل في أن يساعد تقدم علم الوراثيات مع مرور الزمن في شفاء ابنه.

في الـ 60 من عمرها.. كفيفة حصلت على شهادتي ماجستير ولعبت كاراتيه

نورية اليعقوبي، سيدة مغربية لا حدود لطموحها، فقدانها البصر في سن مبكرة، لم يفقدها عزيمتها وشغفها بالحياة. يقارب عمرها الستين سنة، تعيش مع زوجها وأبنائها الأربعة بمدينة سطات، غير بعيد عن العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حاصلة على شهادة الماجستير كما أنها حاصلة على الحزام الأسود في الفنون القتالية وكذلك هي فنانة تشكيلية وعازفة على آلة البيانو.
نورية أطفأ المرض نور عينيها عندما كانت طفلة صغيرة، حيث أجرت أول عملية جراحية على عينها اليسرى بالجزائر، حيث كانت تقيم مع أسرتها، وعملية لم تكلل بالنجاح وفقدت نعمة الإبصار، واصلت الطفلة نورية دراستها، وأبدت اهتماما قل نظيره بالأرقام، والحساب وكل ما يتعلق بالعلوم والرياضيات، فراستها وتعاملها السلس مع الأرقام، جلب لها إعجاب أساتذتها بها، فصارت مصدر فخر لهم. اهتمت التلميذة النجيبة، أيضا بالفنون، لاسيما الرسم والموسيقى.
وأثناء دراستها العليا، شاء الله، أن تفقد نورية، وهي في ريعان شبابها، نعمة النظر كليا، عينها اليمنى أصبحت عاجزة عن الإبصار، وهي في ربيعها الثاني والعشرين، ورغم وضعية الإعاقة، وبعد أن أسست أسرة بالدار البيضاء، وأصبحت أما لأربعة أطفال، واصلت دراستها فحازت على شهادة ماجستير في الاقتصاد سنة 2015، ثم شهادة دراسات عليا ثانية في البرمجة الإلكترونية.

نورية مواهبها متدفقة.. فنانة تشكيلية وعازفة بيانو أيضاً

قامت نورية بتطوير برنامج معلوماتي يمكن من كتابة حروف اللغة الأمازيغية (تيفيناغ) بطريقة (برايل) المخصصة للمكفوفين، وأطلقت نورية على مشروعها اسم (محول تيفيناغ)، والذي تكلف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتوفيره لكل شخص كفيف طلب الاستعانة به.
وبالإضافة إلى اهتمامها بالبرمجة، فإن هذه الستينية، تقضي كثيرا من وقتها في الرسم وصناعة لوحات بالسيراميك، كما أنها محبة للموسيقى وعازفة على آلة البيانو، وتعد دروسا للمهتمين بالموسيقى من المكفوفين، وتقوم غالبا بترجمة كتب باللغة فرنسية، إلى العربية، لتسهيل تلقين -السولفيج- إلى المتعلمين المكفوفين.
من الصعب جدا أن تصدق أنها امرأة كفيفة، خاصة عندما تراها تتفنن في صنع حلوى (الشباكية) الرمضانية، أو حين تعد أطباقاً شهية وهي تدندن أغانيها المفضلة، وتقوم بكل أغراض البيت مثل أي سيدة مبصرة، تدخل الخيط في الإبرة، وتخيط ثياب أبنائها، تستمتع بمزج الألوان وتشكيل لوحاتها الفنية، وتجتهد دون كلل في ممارسة حركات (الكاراتيه) بكل رشاقة، معتمدة في ذلك على حدسها وتركيزها القويين.

Exit mobile version