Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

كيف لا تصبح المرأة سلاحًا لاستغلال الآخرين من حولها؟

استشاري الصحة النفسية د. محمد هاني: تضحيات النساء.. إنكار وجحود وأذى نفسي!

الألم النفسي وفقدان الثقة بالنفس من الأمور التي قد تختبرها النساء اللواتي يقدمن تضحيات سخيّة لأشخاص لا يستحقونها، ولأن السيدات غالبًا ما يعرفن بالتضحية والبذل تجاه أسرهن وعائلاتهن وحتى الأشخاص الآخرين، يحتجن في كثير من الأوقات لأن يتعرفن على الوقت المناسب للتوقف عن تقديم التضحيات ومن يستحق وقتهن وجهودهن.
في اللقاء التالي مع استشاري الصحة النفسية د. محمد هاني تطرقنا إلى التضحيات لدى النساء وكيف يؤثر الأمر على صحتهن النفسية، والفرق بين التضحية السلبية والإيجابية.

التضحيات تتكون عند المرأة منذ أول نبتة لأول طفل موجود في حياتها

في البداية، لماذا ترتبط التضحيات بالنساء بشكل خاص؟
– تمتلك النساء سمات التضحية الزائدة، فالأمومة الموجودة داخلها خصوصًا في فترة الحمل ووجود نبتة من الطفل في داخلها وتغذية الوليد عليها، يكوّن بداخلها إحساسا بالمسؤولية وبالتالي تبدأ تضحي بصحتها أو نومها أو تصاب بأمراض عضوية أو مزمنة وتخسر جزءا من صحتها أثناء فترة الحمل مقابل اكتمال الحمل. دائمًا ما تكون المرأة محافظة على استمرار الحمل وتحاول بقدر الإمكان الحفاظ على وليدها. وبالتالي فالتضحيات تتكون عند المرأة منذ أول نبتة لأول طفل موجود في حياتها ويتكون لديها، فهي تتنازل عن كثير من الأمور مقابل أن يكون أولادها بخير، فهي صاحبة التضحية بدون مقابل ولا تنتظر أجرا عليه، وتقدم على الأمر بدافع من حبها الشديد. والتضحية مرتبطة بالمرأة وهي تساعد على استقرار الحياة الزوجية، فالمرأة تحب أن تبني وتعمر وتستقر ويمكنها أن تتحمل كثيرا من المشكلات وتحدث تضحياتها بطريقة لاإرادية لأنها جزء من سماتها الشخصية.

الإنكار والجحود يجعل النساء يتعرضن للأذى النفسي نتيجة التضحيات

ولكن ألا يمكن أن تمثل تلك التضحيات ضغطًا على النساء من الناحية النفسية؟
– تسبب التضحيات ضغطًا على المرأة إذا لم تلق مقابلا أو تقديرا أو اهتماما من الأطراف الذين تضحي من أجلهم وحولها، ويتزايد الألم والضغط النفسي حين تجد من حولها يتصفون بالنكران حين يرى البعض أن التضحيات فرض أو حق مكتسب فأي إنسان يحتاج الى الكلمة الطيبة والتقدير والاهتمام والشكر على ما يقدمه، فالشكر علاقة متبادلة. وما يوجع المرأة ألا تقدر بالصورة التي تحتاج إليها.. والتقدير عند المرأة قد يكون أمرا بسيطا للغاية مثل الكلمة أو الحنان أو التعامل الحسن والشكر وفي المقابل ستعطي وتبذل أكثر فالاهتمام وقود وغذاء لدى المرأة. فعندما يُقدّر أي إنسان على تضحية يبذلها سيقدم عليها بحب ويكون سعيدا عندما يفعلها، ولكن الإنكار والجحود هو ما يجعل النساء يتعرضن للأّذى النفسي نتيجة التضحيات.

متى يجب أن تتوقف النساء عن تقديم التضحيات للأشخاص حولهن؟
– السيدة تتعرض لعدة أمور ومواقف، فمع أولادنا وأهلنا تسمى علاقات ممتدة فليس من الجائز عند الحديث عن التضحيات لأجلهم أن نضعها على قدم المساواة مع التضحيات الأخرى، فهذه العلاقات بها صلة رحم وحثنا الله على الاهتمام بها حتى ولو كان المردود منها غير مجد. فمثلًا لا يجوز لسيدة أو فتاة يتعامل والداها معها بطريقة لا تعجبها أن أطلب منها التوقف عن التضحية معهما فهي ستُحاسب على ذلك فهي عند الله تقوم بالتضحية في الموضع الصحيح. كذلك لا يمكن مطالبة سيدة تضحي من أجل أولادها ودراستهم وسعادتهم بالتوقف عن التضحيات، فحتى لو لم يكونوا مدركين لما تقدمه فهي الرسالة المفروضة عليها. وفي بعض الأحيان في علاقات صلة الرحم قد نشعر بوجود استغلال وابتزاز، ولكنها تضحيات تُبذل في المكان الصحيح لأشخاص يستحقون وقتنا وطاقتنا وتضحياتنا من أجلهم.
ولكن يجب أن تتوقف النساء عن تقديم تلك التضحيات خارج إطار هذا النطاق من العلاقات، مثل العلاقات مع الناس الآخرين والأقارب والجيران فيجب عندها التوقف عن التضحيات المبالغ فيها. فكثير من الأشخاص يستغلون هذه التضحيات ويعملون على ابتزاز السيدات أكثر ويضغطون عليهن ويطلبون منهن أكثر فيتحول الأمر إلى استغلال وابتزاز.

كيف تتأثر الصحة النفسية للسيدات نتيجة التضحيات التي يقدمنها؟
– التضحيات تؤثر على الصحة النفسية والجسمانية للمرأة، ولكن أجرها يكون عند الله وهي رسالتها، فمثلًا الأب والأم يربيان أبناءهما وبعد فترة يكبران في السن فعندما تضحي السيدة لخدمة أبيها أو أمها في عمرهما المتقدم يعد ذلك ردًا للتضحية التي قدماها في يوم من الأيام. وجميعنا نحتاج لأن نرى أبناءنا في صورة أفضل منا ونسعى لذلك وتربيتهم بشكل سليم، وكثير من الأحيان قد نقدم على بعض التصرفات التي لا يفهم الأبناء أنها من دافع الخوف والحب لهم وبالتالي يتعاملون بجفاء أو تقصير ولكنهم عندما يكبرون يعرفون أن ما كانت تقوم به الأم من تضحيات وكذلك الأب في صالحهم وحبًا لهم. ففي بعض الأحيان نقدم على تضحيات لأنها زُرِعت داخلنا، فاهتمامي بأبي وأمي وأولادي مزروعة بداخلي فهي سيكولوجيا ربانية زرعها الله في فطرة ونفسية الإنسان ولا يتعلمها بل تكون معه، حتى وإن كانت ردود الأفعال مخيبة للآمال فهي عند الله لها التقدير الكبير.

قد تفقد المرأة الثقة في نفسها حين تقابل التضحية بالجفاء

وما أشكال التضحيات التي يمكن أن تسبب أذى نفسيا للنساء؟
– أن تظل المرأة معطية باستمرار دون أن تجد مقابلا، التضحية من أجل شخص ما والتنازل له وفي وقت الضيق والحاجة أتعرض للخذلان عندما أطلب منه الوقوف بجانبي. مثلًا أن يستغل أي شخص وجودي وتضحياتي ويبتزني ماديًا،
أو يستغلني أحد الأشخاص عاطفيًا كونه يعرف طبيعتي المعطاءة واستعدادي لتقديم التضحيات. فكل ما يفعل بدون رد فعل يسبب ألمًا، وتجعل السيدة ترفق بحال نفسها، وتتساءل بداخلها (بعد كل ما قدمت ألا أستحق حتى كلمة شكر).
ومن الأمثلة على ذلك كل الذين يتعرضون للخذلان أو الخداع أو الخيانة أو فقدان الثقة في أقرب الناس، ففي الأصل هم أشخاص قدموا تضحيات كثيرة وتنازلات متعددة وفي النهاية تكون المحصلة صفرا. والتضحيات قد تكون بوقت أو حب أو مجهود أو مشاعر أو أموال أو اهتمام. وكل من يتعرضون للمشاعر السلبية ضحوا كثيرًا وخُذِلوا لأنهم لم يجدوا مقابلا لتضحياتهم.
وفي النهاية قد تفقد المرأة الثقة في نفسها، وتبدأ في محاولة تغيير طبعها وتحاول أن تعلم متى يجب أن تعطي والوقت المناسب للكف عن التضحيات والعطاء، ويحوم في داخلها عدد من التساؤلات مثل من على صواب ومن على خطأ؟

التضحية التي تؤذي وتقلل من قيمة الإنسان ليست تضحية ولكنها إهانة شخصية

كيف يمكن التفرقة بين التضحية السلبية والإيجابية؟
– جميل أن يعبر الإنسان عن الحب للإنسان الموجود في حياته، ولكن عندما تقدمين سيلا من التضحيات ولا تجدين في مقابله أي شيء فعليكِ أن تتوقفي عن التضحيات فهذه تضحية سلبية. فعلى سبيل المثال حين تحتاج السيدة الى الشخص الذي ضحت من أجله ولا تجده فإذن لا يستحق التضحية. على السيدات أن يقدمن التضحيات التي لا تسبب أذى أو تتعرض لكرامتهن فالتضحية التي تؤذي وتقلل من قيمتي ليست تضحية ولكنها إهانة شخصية. فيجب دائمًا عندما أفكر في التضحية أن أضع في اعتباري أولًا هل يستحق هذا الشخص التضحية؟ فبعض الأشخاص مهما ضحيت لأجله لن يرى ما يُقدم له.. حاولي أن تقصري المسافة على نفسك، المسافة بأن تعرفي من خلال موقف أو اثنين إن كان الشخص يستحق التضحية أم لا.

أنصح النساء بألا يضيعن أوقاتهن ومجهوداتهن ومشاعرهن في أشياء ستعود عليهن بالألم والخذلان
ما النصائح التي يمكن أن تقدمها للسيدة التي تقدم على التضحية باستمرار؟
– أولًا: يجب أن تضحي وتتنازلي من أجل الأشخاص الذين يمكن أن يضحوا من أجلك، فيجب أن يكون التنازل من الطرفين.
ثانيًا: لا يجب تضييع وقتك ومجهودك ومشاعرك في أشياء ستعود عليكِ بالألم والوجع والخذلان.
ثالثًا: تجنبي أن تكوني معطاءة بإسراف بما يجعل الآخرين حولكِ يحاولون استغلالكِ وابتزازكِ ويعرضونكِ للخداع ويفهمونها باعتبارها نقطة ضعف ويجعلون منكِ إنسانا ضعيفا.
رابعًا: لقد خلقنا الله لنكون رحماء على بعضنا بعضا، فلم يقل الله تعالى أن نتحمل ظلما وذلا وإهانة أو أن نستمد قوتنا من شخص يتحكم فينا، بل أعطاكِ الله العقل والتفكير والحكمة لكي تفكري فيما يكون مناسبا لكِ، فعندما نلغي عقولنا ونستسلم لشخص آخر يتحكم في كل أمور الحياة النفسية والمعنوية والصحية فهذا استغلال للعقل بطريقة خاطئة، وللأسف سيظل دائمًا تحت رحمة الناس الذين لا يرحمون، فالشخص المتهاون والمتسامح تقسو عليه الناس بدون رحمة.
خامسًا: يجب أن تحافظي على نفسكِ جيدًا واعملي لحماية نفسك وروحك، فلتحافظي على صحتكِ واهتمي بنفسكِ وامنحي التقدير لمن يقدركِ والتضحية فقط لمن يضحي لكِ، ويجب ألا تكوني دائمًا صاحبة المبادرات والبدايات التي قد تسبب لكِ آلمًا وضغطًا نفسيًا فيما بعد.
أخيرًا: ليكن التعامل مع الناس في النطاق المحدود، مع توقع وجود الخذلان وأن الناس يتغيرون فجأة، ويجب أن نضع دائمًا مسافة أمان بيننا وبين من نحب حتى لا نتعرض للأذى النفسي، ونعيش حياة صحية.

Exit mobile version