خطفت أنظار العالم كونها دكتورة جامعية وأما وجدة، والأهم أنها بطلة كويتية في الغوص الحر.. إنها د. مي البدر التي حققت إنجازا رياضيا مهما باسم الكويت، بحصولها على أول ميدالية نسائية خلال مشاركتها في بطولة العالم للغوص الحر، التي استضافتها الكويت.
د. مي البدر في لقاء خاص مع «أسرتي» تحدثت عن التحديات التي تجاوزتها واحدا تلو الآخر في سبيل تحقيق إنجازها الرياضي، فلم يمنعها انشغالها الأكاديمي بالتدريس في كلية الطب عن ممارسة هوايتها الرياضية، ومن ثم الانتقال من الهواية إلى الاحتراف في لعبة الغوص الحر في عام 2019، وتاليا.. تحقيق إنجاز تاريخي لهذه الرياضة على مستوى مشاركات الكويت ببطولة العالم.
كشفت د. مي البدر عن أن عملها الأكاديمي لم يتعارض يوما مع ممارسة الرياضة باحتراف، وذلك بتنظيم الوقت يمكن للإنسان تحقيق كل ما يهدف إليه.. وإليكم التفاصيل:
كيف بدأت رحلتك في عالم الغوص؟
- الغوص بالنسبة لي كان حلما، بدأت في تحقيق الحلم في 2019، منذ صغري وأنا أعشق البحر، بنت البحر مثل ما يقولون، أرافق والدي في رحلاته في البحر، ولكن تزوجت وأنجبت أطفالي، وزادت مسؤولياتي ودرست في الخارج ولدي أبحاثي وعملي في الجامعة، ولذلك شُغلت لفترة طويلة عن تحقيق هذا الحلم، وفي عام 2019 سمحت لي ظروفي باتخاذ هذا القرار بعد أن كبر الأبناء، وتزوج بعضهم واستقر الآخرون أيضا، وهنا رفعت شعار تحقيق الحلم لنفسي وبنفسي.. وكنت حينها أبلغ من العمر 52 عاما، وبدأت غوص السكوبا (scuba)، وهو الغوص الذي يتمكن من خلاله الغطاس من أن يتنفس تحت الماء، بواسطة معدات خاصة ومحددة.
وتدرجت في تعلم السكوبا حتى أصبحت مدربة سكوبا، وقررت أن أخوض تجربة الغوص الحر، وهو الغوص الذي لا تستخدم فيه أجهزة التنفس الخارجية، ولكن يعتمد فقط على قدرة الغواص على حبس نفسه أطول فترة ممكنة حتى الرجوع إلى سطح الماء.. ولله الحمد تمكنت من إتقان الغوص الحر. وحصلت على الرخصة من المستويات: الأول والثاني والثالث.
د. مي البدر أستاذ دكتور في كلية الطب، وفي الوقت نفسه صاحبة أول ميدالية نسائية كويتية في تاريخ بطولة كأس العالم للغوص، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف حققت معادلة التوافق بين مسؤوليات البيت والأبناء والعمل والرياضة؟
- بعدما تخرجت في الجامعة في كلية العلوم، أكملت دراستي للماجستير في كلية الطب، وتزوجت وأنجبت ثلاثة من الأبناء، وحصلت على بعثة من كلية الطب للدكتوراه في إنجلترا، حصلت عليها بالفعل، وهناك أنجبت أبنائي التوأم أيضا، وعدت للكويت لأكمل أبحاثي ومشواري الأكاديمي في علم وظائف الأعضاء “فسيولوجي”، وتدرجت من أستاذ مساعد لأستاذ مشارك ثم أستاذ.
كان أبنائي حينها ما زالوا صغارا، ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، وكنت مكرسة وقتي بين البيت والأبناء وأبحاثي وعملي في الجامعة، وهذه كانت حياتي صراحة، وبعدما كبر الأبناء، وترقيت لدرجة أستاذ، وبعدها أصبحت عميدا مساعدا لمدة 9 سنوات بكلية الطب، ثم أخذت تفرغا لمدة عامين، وفي هذه الفترة ركزت فيها أكثر على مشوار الغوص، ولم يكن تدريبي من أجل بطولة بل هواية، وأجهز حاليا لمدرب غوص حر.
في شهر نوفمبر من العام الماضي، تواصل معي ومع باقي أعضاء الفريق الكابتن عبدالله الصابري لمعرفته أننا حاصلات على رخصة في الغوص الحر، وأخبرنا بأن بطولة العالم للغوص الحر ستستضيفها الكويت على مجمع عبدالله الدخيل الأولمبي للألعاب المائية بنادي كاظمة، والتي تقام في الشرق الأوسط لأول مرة.. وتم ضمنا للاتحاد الكويتي للغوص والإنقاذ برئاسة م. طلال السرحان لتكوين منتخب نسائي للغوص الحر، وكونا بالفعل الفريق، وكان معي شيخة بوعركي وزينب الوزان ومريم القطان وعلياء السالم.
كنا نتدرب يومياً من الساعة 4 إلى 6 قبل أذان المغرب ونحن صائمون
ما التدريبات التي حصلتن عليها للاستعداد للبطولة؟
- في الحقيقة، مشاركتنا في البطولة جاءت باجتهاد شخصي لكل منا، فنادي الغوص والإنقاذ الكويتي ليس لديه منشأة رياضية خاصة بأنشطته، ولم يكن هناك مسبح ولا مدرب، وحتى قبل البطولة بشهرين لم يكن هناك تدريب لنا.. لم نكن على علامَ سنتدرب؟! وهذه بطولة عالمية، ونتنافس مع 350 متنافسا من 44 دولة، ولكن كان لدينا إصرار على تحقيق هدفنا، وبالفعل طلبنا من مدرب منتخب الرجال أن يقوم بتدريبنا، وبدأنا في التدريب قبل البطولة بخمسة أسابيع فقط، وفي أصعب وقت في شهر رمضان، وكنا نتدرب يوميا من الساعة 4 إلى 6 قبل أذان المغرب ونحن صائمون، وكنت أحاول أن أطور نفسي بنفسي بالاطلاع على فيديوهات على اليوتيوب على التقنيات الخاصة بالمنافسات، وفي الحقيقة وجدنا دعما كبيرا من مديرة الفرق النسائية في النادي والاتحاد الكويتي للغوص والإنقاذ الكابتن هنادي الزعابي وم. طلال السرحان وكابتن عبدالله الصابري.
بكيت قبل خروجي من المسبح لأنني كنت محبطة.. وبعدها حصلت على الميدالية
ماذا عن كواليس المنافسات التي حدثت معك؟
- في اليوم الأول للبطولة العصر – لله الحمد – حققت رقما وطنيا للكويت وهو 2:07.67 دقيقة في منافسات “السرعة 50×2 متر” Speed apnea 2×50، وفي اليوم الثاني كانت منافسات “السرعة 50×4م” العصر، وكانت معي متسابقتان فقط، بمعنى أنه من المؤكد أنني سأحصل على البرونزية على الأقل، حدث معي موقف لم يكن بالحسبان نهائيا، في هذا اليوم صباحا حدثت لي مشكلة في الزعانف، مع التوتر والضغط النفسي لم أستطع إكمال المسابقة، وخرجت قبل إكمال 200 متر، وهنا بكيت قبل خروجي من المسبح، لأنني كنت محبطة، وشعرت بأنني خذلت فريقي، كان لا بد أن أبعد نفسي عن أي ضغوط، لأن ذلك يؤثر إلى حد بعيد على أداء الرياضي، وظللت طوال الليل وأنا أبكي، وفي اليوم الثالث ذهبت بعد أن هدأت، ولكن لم يكن لدي أي شعور بأنني سوف أحقق مركزا، لأن معي 6 من بطلات العالم، وهنا طلبت من الكابتن عبدالله الصابري أن يكون معي في منافسات كتم النفس، لأن الكابتن كان يعطيني إشارات عن الوقت، وسجلت زمنا قدره 4:42:87 لأحصل على الميدالية البرونزية.. وغادرت مباشرة يومها إلى المنزل، لتتصل بي كابتن هنادي وتبلغني بفوزي بالبرونزية، وفي اليوم الأخير للبطولة حققت رقما أفضل من اليوم الأول أيضا.
ما طقوسك في الغوص؟
- في الغوص لا بد أن يحافظ الغواص على الهدوء النفسي والسكينة، لذلك نحاول التدرب على اليوغا؛ لأن ذلك ينظم التنفس، وبالنسبة لي أثناء الغوص الثابت تحديدا، اقرأ بعض الآيات القرآنية التي تمنحني الهدوء، وفي الوقت نفسه أعلم أنني عندما أقرأ هذه الآيات لمرات معينة تستغرق معي وقتا محددا، وبذلك أحدد كم من الوقت قضيتها.
أما عن المشروبات، فنحن نقلل من تناول المنبهات من الكافيين والمشروبات الغازية؛ لأن ذلك يزيد من ضربات القلب، وهو ما لا ينبغي أن يحدث أثناء الغوص، وتجنب البقوليات والخضراوات التي تسبب الغازات.
ما رسالتك وهدفك من الغوص؟
- الغوص بالنسبة لي شغف، ولدي رسالة بأن أجعل كل من يود أن يخوض تجربة الغوص أن آخذ بيده ليحقق حلمه.
إصراري على تحقيق حلمي
وجهادي مع نفسي اكتسبتهما من والدي
مَنْ مِن الأبناء والأحفاد يشاركك هذه الهواية؟
- حفيدتي “في”.. عمرها الآن عشر سنوات، وأدخلتها الغوص من عمر 8 سنوات، وكانت فرحتها لا توصف.. وبالفعل قمت بتدريبها، وأخذت أول رخصة في الغوص، أما حفيدي “عبدالرزاق”.. عمره الآن 8 سنوات، فبدأ في تعلم الغوص، وطوال الوقت يسألون: “متى راح نطلع للبحر”؟
من الذي دعم وشجع د. مي لتحقيق هذا الإنجاز؟
- وجدت كل الدعم والتشجيع والفرحة في عيون عائلتي، وعلى الرغم من أن زوجي كان رافضا لفكرة تعلم الغوص في البداية، لكن بعد تحقيقي لحلمي من التعلم والتدريب وتحقيق نجاح في الغوص، أصبح فخورا بي وداعما لي.
ماذا عن الوالد (رحمه الله)؟
- والدي (رحمه الله) كان لديه “بوم كويتي”، وكان يصطحبنا لنذهب في العطلة الأسبوعية لجزيرة كبر، وكان عاشقا للبحر، وإصراري على تحقيق حلمي وجهادي مع نفسي اكتسبتهما من والدي (رحمه الله).
كثير من النساء في عمري يعتقدن أنه قد فات أوان تحقيق الأحلام
ما شعورك عندما وقفت على منصة التكريم لفوزك بالميدالية؟
- رغم أنني كرمت من قبل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لأفضل الأبحاث، ونلت ميدالية ودرعا لفوز أبحاثي الأكاديمية، إلا أنني عندما وقفت على منصة التكريم أحسست بمشاعر لا توصف، مشاعر تفوق الكلمات.. هي فخر بأنني رفعت اسم الكويت، هي فخر بأنني حققت حلمي بفضل الله أولا ثم بنفسي وبمجهودي.. ولأن كثيرا من النساء في عمري يعتقدن أنه قد فات أوان تحقيق الأحلام.
ما مفهوم جملة «أعيش حياتي» لدى د. مي؟
- أعيش حياتي بسلام وبما أحبه وأحب أن أقوم به، لا أنظر لعمري كعائق، ولا أدفن أحلامي خوفا من كلام الناس والمجتمع، لأنه ما زالت لدي مقدرة على العطاء، وهذا شعاري على الإنستجرام “Let age change you, change the way you age”.
كلمات تأثرت بها.
- عندما بدأت في تعلم الغوص، وحصلت على عدة شهادات ودورات، وتدرجت فيه، وخلال عام ونصف العام أصبحت مدربة، وفي هذه الأثناء وصلني أن هناك من يقول “ليش دايسة بنزين، وهي في هذا العمر؟”، ولم توقفني هذه الكلمات السلبية، بل زادتني ودفعتني لتحقيق المزيد من التقدم والنجاح.