Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

من الحرب العالمية الأولى.. إلى «كورونا» الحروب والأوبئة.. تضع بصماتها على اتجاهات الموضة العالمية

عادة ما يتأثر شكل الموضة كثيرا بالتغيرات السياسية والاقتصادية والصحية الكبرى التي يشهدها العالم على مدار التاريخ مثلها مثل أي قطاع اقتصادي أو استهلاكي، فطريقة تفكير الناس في الملابس التي يرتدونها تتغير وتصبح اقل أهمية، بل تتراجع صناعتها للوراء لتظهر علينا موضات مختلفة تقلب موازين المصممين حتى يجاروا تلك الظروف كما سبق ان حدث في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية ويحدث الآن منذ تفشي وباء كورونا كوفيد – 19.

حتى ربيع وصيف 2020 كانت التصميمات التي تقدمها دور الأزياء العالمية لا تخلو من الإبهار والتفاصيل الفخمة التي تناسب الأجواء في تلك المواسم، ولكن تفشي الوباء وما أعقبه من إجراءات وقائية اتخذتها أغلب الحكومات في العالم كالإغلاق الكامل لجميع الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والمراكز التجارية والاكتفاء بالعمل من داخل المنازل كبديل للعمل من المكاتب، كل ذلك انعكس على نمط الملابس، حيث تخلى الكثيرون عن الملابس الرسمية والمسائية واكتفوا بالرياضية والعملية المريحة فيما أزاحت الكثير من السيدات بند الاكسسوارات من قوائم ملابسهن اليومية مع إدخال الماسك كإكسسوار جديد اعتمدت على تقديمه بعض الدور.
دور الأزياء العالمية التي تكبدت خسائر فادحة بسبب الجائحة تحاول مجاراة الأحداث الراهنة!

ورغم المعاناة التي تعانيها معظم دور الأزياء العالمية التي تكبدت خسائر فادحة بسبب تلك الجائحة، فإنها تحاول مجاراة الأحداث الراهنة من خلال تغير جذري في تصميماتها حيث باتت تقدم موديلات أكثر عملية وراحة كما فعلت (ديور) في تشكيلتها الصيفية أو ذات طابع رياضي وكما فعلت (ميو ميو) وغيرهما من الدور التي حولت عروض أزيائها من عروض حية إلى عروض رقمية.
ومن غير المعروف أو التنبؤ بمستقبل تلك الصناعة القريب خصوصا مع بداية ارتفاع أعداد المصابين بالوباء من جديد مع بداية الشتاء لهذا العام في أجزاء كثيرة من أوروبا وبعض الدول الأخرى، وبدء فرض حكومات تلك الدول للقيود التي سبق ان اتخذتها للحد من انتشار الوباء.
وبالعودة للوراء يمكننا أن نرصد بعض أهم الأحداث السياسية والاقتصادية التي قلبت موازين الموضة العالمية وقدمت أنماطا من الملابس التي لم تكن معروفة من قبل كي تتماشى مع الأحداث وتواكبها.

الحرب العالمية الأولى تحول نيويورك لعاصمة موضة جديدة
قبل الحرب العالمية الأولى (1914-1918) كانت باريس عاصمة الموضة الأولى في العالم، ولكن بسبب تداعيات تلك الحرب الضارية ومنها ضعف التواصل بين الولايات المتحدة وفرنسا، ولدت عاصمة جديدة للموضة في مدينة نيويورك التي تحولت بين ليلة وضحاها الى رائدة في تصميم الأزياء.

ولكن كيف غيرت تلك الحرب الشرسة شكل نساء العالم؟
كانت الأزياء قبل تلك الحرب المقيتة أنيقة وتميل إلى البذخ، حيث اعتمدت التايورات أو الفساتين الطويلة الضيقة نسبيا، ولكن تلك الحرب غيرت شكل الموضة بالكامل ليس فقط بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة التي أطاحت بأغلب رجال الأعمال وأصحاب الثروات، بل أيضا بسبب سحب الشباب والرجال للتطوع أو العمل بالجيش، وهو ما ترك فراغا كبيرا في قطاعات كثيرة من العمل الذي تحملته السيدات فيما بعد حيث تولين الوظائف التي كان يشغلها الرجال في السابق كالأعمال الإدارية، والعمل في المزارع والمصانع والتمريض، وغيرها من الأعمال غير الاعتيادية للنساء آنذاك.
هذا النهج الجديد في الحياة تسبب في ظهور إطلالة جديدة ومختلفة جدا للمرأة التي باتت تعتمد الملابس العملية المريحة الأقرب لملابس الرجال حيث ظهر البنطلون والتنورات البسيطة العادية المستوحاة من الأزياء العسكرية ذات الألوان القاتمة التي تتناسب مع مهامهن الجديدة وأوضاعهن الاقتصادية المحدودة وظروف بلادهن المتعثرة ونقص المواد الخام من الأسواق، حيث أعطيت الأولوية في استهلاك تلك المواد للجهات العسكرية بما فيها ملابس الجنود وأغطيتهم من الصوف، وهو ما دفع بالحكومات المعنية إلى منع استخدامها من قبل المدنيين، بل الأكثر من ذلك اعادة تدوير ملابس العسكريين القديمة وارتداؤها من قبل العامة بعد تصغيرها حسب المقاس المطلوب.
ومع مرور الوقت تحررت المرأة من بعض القيود المفروضة عليها ودخلت التنانير الأقصر طولاً إلى عالم الموضة وفي ربيع 1914 أطلقت بعض دور الأزياء موديلات جديدة لتنانير واسعة على شكل جرس، مع قمصان نسائية عريضة، وأكتاف مائلة، لكن تلك الموضة لم تمكث كثيرا بسبب انتقادها لما فيها من هدر للخامات المستخدمة في زمن التقشف الذي فرضته الحرب، مما أعاد التنانير الضيقة الى الواجهة من جديد.
واستمر الوضع على ما هو عليه طوال سنوات الحرب الأربع، ولكن مع تحسن الأوضاع الاقتصادية بدأت العودة الى الحياة من جديد وبدأت موضة العشرينيات الأنثوية الأنيقة للظهور من جديد بعد خلع ثوب الحرب.

الحرب العالمية الثانية ونقلة نوعية في الأزياء
أما الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) فقد كانت نقلة نوعية كبيرة في عالم الموضة والأزياء بسبب نوعية الأسلحة المستخدمة فيها والإجراءات الأمنية التي اتخذتها بعض الدول لحماية السكان منها والتي كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بنوعية الملابس التي يرتديها سكان تلك المدن حسب ما أوردته بعض التقارير المتخصصة في هذا المجال.
وكما تسببت «كورونا» في نقص شديد في الملابس بسبب قرارات إغلاق المصانع الصينية المنتجة لمعظم البضائع العالمية أصيبت الأسواق آنذاك بالشلل التام لنفس الأسباب التي وقعت في الحرب الأولى والغارات الجوية المستمرة والقذائف التي كان يتم إطلاقها من آن لآخر على أغلب المدن الأوروبية، ولا سيما لندن، أصبح الإقبال على الملابس دربا من دروب العبث وزاد الطين بلة نقص الموارد ومن ثم الخامات الخاصة بالملابس، وارتفعت الضرائب على الملابس حتى أصبحت من الكماليات، وتصدرت الأقنعة الواقية من الغاز قوائم المبيعات، وتم نصح الناس بحمل أقنعة الغاز الخاصة بهم، وهو ما نتج عنه تصميم الحقائب الجلدية النسائية التي يمكن حملها على الكتف ومزودة بمكان خاص لوضع الغاز فيما عادت الأزياء المستوحاة من الملابس العسكرية من جديد مع ظهور بعض الملابس التي تناسبت مع بعض أوضاع الحرب الاستثنائية كما حدث في بعض المدن الأوروبية التي التزمت نهج تعتيم أنوار الشوارع والمنازل خوفا من سقوط القاذفات الألمانية عليها ولكن هذا الوضع تسبب في زيادة نسبة حوادث السير والتصادمات بين المركبات وبين البشر، ما جعل المسؤولين يضرون إلى مطالبة الشعب بارتداء اللون الأبيض حتى يمكن رصدهم في الظلام، كما أُنتجت مجموعة من الإكسسوارات المضيئة مثل السلاسل وحقائب اليد، والأزرار.
لم يتوقف الوضع عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى حد إنتاج أرواب خفيفة يمكن ارتداؤها في حال وقعت الغارات الجوية وأطلقت صافرات الإنذار إيذانا باللجوء الفوري للملاجئ التي كانت تبنى تحت المنازل.
تلك الأرواب التي سميت بـ (بدلة صافرات الإنذار) كانت عبارة عن ثوب كامل خفيف يمكن ارتداؤه بسرعة فوق ملابس النوم والبيت.

الحرب الأميركية – الفيتنامية
أيضا كان للحرب الأميركية- الفيتنامية تأثيرها على عالم الموضة الأميركية ومن ثم العالمية، حيث انتشرت ظاهرة الهيبز في الستينيات من القرن الماضي وهي حركة تميز أتباعها برفض التيار الاجتماعي المحافظ والدفاع عن التحرر وحقوق المرأة والأقليات، وقد دعت الحركات الطلابية في الجامعات لمناهضة حرب فييتنام، والدعوة إلى السلام ونبذ العنف
وقد أثرت أفكار تلك الحركة على الموضة في تلك الحقبة؛ حيث تميزت بالملابس الطويلة الفضفاضة ذات الألوان الصارخة سواء للرجال أو النساء، حيث كانت تعتمد الخامات البسيطة المستخدمة فيها على النقوشات المستلهمة من الطبيعة كرمز للحياة والسلام لديهم – كما كان من الشائع لدى الشباب إطالة شعورهم وسوالفهم، كرمز لمناهضتهم للمظهر العام للجنود ذوي الشعر القصير والثياب المهندمة.
ومع توالي الحروب الكبرى توالت الموضات العسكرية ما بين الصعود والهبوط لتكون فترات السلام والهدنة من تلك الحروب مكاناً للأزياء المفعمة بالحياة والألوان والعودة للأناقة والفخامة، وهو ما يحاول بعض المصممين حاليا استعادته على استحياء خلال تصميماتهم لخريف شتاء هذا العام وبعد عودة الحياة الى طبيعتها في أغلب دول العالم.

Exit mobile version