Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

يُلقب بالحارث ويعشق الطبيعة محمد الكليب: “عش حياتك صح.. وكن مستداماً”

الأرض لا تحتاج إلى من ينقذها.. بل نحن من في حاجة لذلك!

 

“فسيلة” الحب والنماء والعطاء أولى أن نهتم بها

 

 

تبدأ الحكاية بالشغف، وبكثير من الإصرار على تحقيق الهدف، مهما بلغت التحديات، وهكذا هي الحكايات التي يختصرها لنا الشاب الكويتي محمد الكليب والملقب بالحارث، صاحب ابتسامة التفاؤل التي تعلو وجهه فهو أحد أصحاب التجارب الذين راهنوا على قدراتهم وبدأوا الحياة المهنية لتكبر مع الوقت ويكبر معها الحلم والطموح.

البدايات ليست سهلة، لكنها غالباً ما تكون متسمة بنجاحات بسيطة، تكبر مع مرور الأيام ونضوج التجربة، ولذا التقت “أسرتي” الحارث للتعرف معه على ثقافة الحياة المستدامة وأفكاره الرائدة.

 

 

حدثنا عن حياتك المستدامة بين الحل والترحال.

– منذ صغري كنت آخذ حبوب اللوبيا الجافة وأزرعها في أرض حديقة منزلنا ليس شيء في ذهني سوى أنني أريد أن أرى ماذا سيحدث لهذه البذرة إذا رددناها لأصلها وبيئتها، وكنت أقضي وقتا كبيرا في زراعة هذا، لأن والدتي كانت تحب الزراعة وكنت مرتبطا أيضا ببعض الحيوانات الأليفة وأقوم بتربيتها، لأن والدي كان يشجعنا على تربية الحيوانات، ولكني عندما أربي حيوانا كنت أضعه في بيئته التي تناسبه، وكنت أطرح تساؤلات لماذا تنحصر هذه الأعمال تحت مسمى “الهوايات”؟ ذلك جمعت شغفي في حياة مستدامة.

 

أنت محب للعالم الأخضر فكيف هربت من عالم الوظائف المكتبية؟

– في الحقيقية إنني لم أهرب بل نجوت، في البداية حصلت على درجة البكالوريوس في العلاقات العامة والإعلام من الجامعة الأمريكية في الكويت (AUK)، والتحقت بوظيفة مكتبية وعندما أتممت الثلاثين من عمري، قررت ألا أستمر فيها وتركتها لأنها كانت تمثل ليّ ضغطا نفسيا.

رغم ما قمت به فإن كثيرا من المحيطين بي يعتبرونني إلى اليوم أمارس هواية وليس عملا، لأن المنظور العام لنجاح وسعادة الإنسان في مجتمعاتنا هو أن لدى الشخص منصب ووظيفة مرموقة، ربما تكون هذه الوظيفة تحقق السعادة لبعض الأشخاص، ولكنها بالتأكيد لا تحقق ذلك للجميع.

بالفعل أعد نفسي من المحبين للعالم الأخضر، الذين يميلون للطبيعة، الأشخاص المحبين للتمازج مع كل ما هو طبيعي، والأعمال الروتينية الاعتيادية تشكل عذابا بالنسبة لي، وتقل الدافعية والإنجاز لدي فيها، حيث أجد هذا العمل مملا بشكل لا يصدق، أحتاج إلى التغيير، أتعلم بشكل أسرع وأحب التنقل والاكتشاف، في الحقيقة أنا من الناس الذين لا يحتاجون فقط لأعمال مثيرة ومتجددة في حد ذاتها، هم أيضا أكثر الناس عرضة لأن يبحثوا في معنى الوظيفة.

 

ماذا كانت خطواتك بعد ذلك؟

– نصحني أحد الأشخاص بالسفر إلى البرتغال لأخذ دورة تدريبية على ما يسمى permaculture أي ثقافة الحياة المستدامة ومدتها شهران مع مجموعة مكونة من 20 شخصا تقريبا، وظننت أنني سأتعلم من هذه الدورة الزراعة وسأعود إلى الكويت، ولكن ما حدث لم يكن في الحسبان، حيث قضيت في البرتغال 9 أشهر، وفتحت لي أبواباً لم أكن أتخيل طرقها أبداً، وجدت أن الكثيرين يتجمعون في هذا المكان ليتعلموا ويقدموا ما يستطيعون من مساعدة للآخرين لإحياء الأرض وتعميرها، هذا هو هدفهم، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، من دول أوروبية وآسيوية وغيرها وأغلبهم ليس لديهم أي خبرات سابقة في الحياة المستدامة، وجدت أنني لدي خبرة أكثر منهم بحكم بحثي واطلاعي على مواقع كثيرة على الإنترنت ومتابعتي لمقاطع على اليوتيوب وغيرها.

 

أين قضيت باقي الأشهر في البرتغال وماذا فعلت؟

– بعد انتهاء الدورة، وجدت أنني ما زلت أريد أن أتعلم الكثير والكثير من الأمور، فذهبت إلى الهولندي فيري السنغا، وهو رجل في الأربعين من عمره، هاجر من بلده ليستقر في البرتغال، ويعيش على أرض مساحتها ١٤٠ هكتارا يساوي ١.٤٠٠.٠٠٠ متر مربع ويهتم باستصلاح الأراضي غير الصالحة للزراعة بواسطة الرعي المتكامل أو Holistic grazing.

طلبت منه أن أكون جزءا من المشروع لمدة ٤ أشهر، لنتبادل خبرات في رعي الأغنام والرعي المتكامل. وهكذا بدأت رحلتي في مزرعة اكينتا في البرتغال، وبدأت أضم لنا بعض الأفراد ممن كانوا معي الدورة التدريبية ليزيد عددنا وتزداد معها خبراتنا التي نتبادلها،

ووجدت نفسي وتعرفت على إمكاناتي وتعلمت الكثير حتى صرت مدربا مؤهلا وأعمل الآن للحصول على دبلومة في مجال permaculture.

هكذا فتح لنا هذا العالم أبواب عوالم أخرى، فضلاً عن سعادة نعيشها كلما قطفنا ثمرة جديدة أو عشبة، أو قمنا ببناء شيء جديد لا يؤذي أرضنا ولا يدمرها، إضافة إلى شغل أوقات الفراغ بعمل شيء مفيد وممتع، يكفي أننا نوظف التكنولوجيا فيما ينفعنا، ولا نتركها تسيطر علينا وعلى أوقاتنا، كنا ننتهي من أعمالنا في الصباح ونجتمع في المساء نأكل ونتحدث ونضحك ونتفاعل، مع بعض نصنع حياة.

 

ماذا جذبك إلى هذا العالم؟

– هذه الحياة تجمع الأشخاص من جميع الدول، ورغم أن ثقافاتهم مختلفة فإن اجتماعهم خلق طاقة إيجابية وعالما أفضل، وقضى على الفروق والاختلافات بينهم، لذلك أنصح بأننا نعيش الحياة صح، نعيش الحياة المستدامة، وعلينا أن نتبع أحلامنا.

 

ما علاقة التعليم بالحياة المستدامة؟

– الأمر كله متشابك فهي حياة مستدامة كما اتفقنا، ولذلك لا بد أن نصلح أيضا من تعليم الصغار حتى تتكامل أطراف هذه الحياة، بالنسبة لي وأنا طفل تم تشخيصي بـ ADD وهو تشتت الانتباه من قبل الأطباء، وكان من الصعب عليّ تقبل نظام التعليم المتبع في المدارس الذي يعتمد على الحفظ واتباع التعليمات الموحدة في حين أن هناك نظام تعليم تم تطبيقه في عام ١٩٩٩ من قبل العالم والفيلسوف رودولف شتاينر، يعتمد منهجه على الحث على إثارة الفضول والتعلم بالعمل بحيث يكون تركيز المدرس على عدد محدود من الطلبة، وهو ما جعل الطلبة يتفوقون كل على حدة، وساعد الطلبة على إظهار قدراتهم، تسمى مدارس فالدورف ولديهم مؤسسة عالمية ونستطيع دمجها مع النظام التعليم الحالي في خطوات بسيطة.

 

لماذا قلت إن الطبيعة لا تريد من ينقذها؟

– لأنني تعلمت أن الطبيعية تستطيع أن تنقذ نفسها بنفسها، فمثلا بعد سقوط القنبلة النووية على هيروشيما تركت الأرض ثم عادت كما كانت، ولذلك الأرض نحن من يدمرها ويؤذيها، وعلينا أن ننقذ غذاءنا وأنفسنا وعقولنا مما نفعله من نشر للتلوث وسيطرة الآلة.

 

ما الدول التي سافرت إليها؟

– قبل البرتغال سافرت إلى الهند إلى مناطق طبيعية وكنت وقتها ما زلت أبحث عما أريد، وبعد عودتي من البرتغال إلى الكويت، وانتشار جائحة كورونا، سافرت إلى كابيدوكيا في تركيا وهي منطقة بها طبيعية خلابة وجبال ومزارع.

 

لماذا تطلق على نفسك لقب الحارث ولماذا سميت الأكاونت الخاص بك فسيلة؟

– في سورة الواقعة في آية 63 (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارعون)، هذه الآيات استوقفتني كثيرا، وعلمت منها أن الله هو من يقر قرار كل نبات وزرع في الأرض وما علينا نحن البشر سوى الحرث أي شق الأرض من أجل زراعتها، وضع البذر فيها بعد حرثها، أما الفواكه والخضراوات والأرزاق والأقوات فهي عند الله عز وجل.

أما كلمة فسيلة في الاكاونت الخاص بي @faseelapermaculture فهي من الحديث الشريف “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، لأن الإنسان ينبغي أن يعمل، وفيه حث على الزراعة والغراس، وفسيلة الحب والنماء والعطاء أولى أن نهتم بها.

Exit mobile version