Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

‏Nina Richi.. قلبت موازين الموضة بلمساتها الأنثوية

لم تكن مصممة الأزياء العالمية نينا ريتشي صاحبة حياة صاخبة تجذب وسائل الإعلام الغربية لتتبعها ربما لأنها بدأت علامتها التجارية وهي في منتصف العمر، ولكنها بالقطع كانت مصممة مثيرة للجدل بسبب النقلة النوعية التي أحدثتها في عالم الأزياء والموضة، حيث قدمت تصميمات مفعمة بالأنوثة والرقي في وقت كانت تلك الصناعة متأثرة بشكل كبير بتداعيات الحرب العالمية الأولى والتمهيد للحرب العالمية الثانية وما شكله ذلك من ضغوط غير محتملة ظهرت جلية على تصميمات الأزياء التي جاءت في أغلبها عملية وكئيبة وتميل للطابع الذكوري.

من إيطاليا لفرنسا ومن عاملة لأهم مصممات الجيل
ولنينا وهو اسم الدليل لـ (ماريا أديلايد نيلي) قصة كفاح طويلة بدأت في مدينة تورينو الإيطالية التي شهدت مولدها في نوفمبر من عام 1883 لتنتقل مع والديها وهي في الخامسة من عمرها إلى مدينة فلورنسا التي عاشت فيها معظم سنوات طفولتها لترحل مع والديها من جديد، ولكن هذه المرة إلى باريس عاصمة الموضة، حيث كانت في الثانية عشرة من عمرها آنذاك.
بعد عدة أشهر من الاستقرار في باريس وكانت في الثالثة عشرة من عمرها اضطرت ماريا التي لقبت فيما بعد بـ”نينا” إلى العمل عاملة في أحد متاجر الخياطة الشهيرة لتساعد في مصروفات أسرتها الصغيرة التي كانت تعتمد على دخل والدها الوحيد من صناعة الأحذية، وهناك تعلمت تدريجيا الكثير من فنون الخياطة والتطريز
التي أهلتها لاحقا لكي تكون واحدة من أهم مصممات القرن العشرين ولا تزال حتى وقتنا هذا.
استمرت نينا الشابة في تطوير إمكاناتها وملكاتها الإبداعية حتى تزوجت في عام 1904 من مصمم المجوهرات الإيطالي لويجي ريتشي الذي حملت لقبه لاحقا لتنتقل بعد أربع سنوات من زواجها للعمل ولمدة عشرين عاما في دار (رافين) للأزياء، ولكن هذه المرة مصممة ولاحقا شريكة اكتسبت خلالها خبرات متعددة منها كيفية التعامل مع الزبائن بمختلف أنماطهن وأذواقهن التي تأثرت كما ذكرنا سابقا بإرهاصات الحرب العالمية الأولى (1914 -1918) سواء الاجتماعية أو الاقتصادية.

في عام 1932 قررت ريتشي التي كانت في التاسعة والأربعين من عمرها تأسيس دار خاصة بالأزياء تحمل اسمها
تلك الفترة الحزينة من تاريخ أوروبا، ولا سيما فرنسا القت بظلالها على أذواق دور الأزياء العالمية لتخرج (نينا) بطابع مختلف تماما أعادت فيه اللمسات الأنثوية الأنيقة المفقودة.
في عام 1932 قررت ريتشي التي كانت في التاسعة والأربعين من عمرها تأسيس دار خاصة بالأزياء تحمل اسمها بعيدا عن دار رافين وساعدها في ذلك زوجها ووالد ابنها الوحيد روبرت، حيث انتقلت للعمل في غرفة صغيرة حققت فيها كل أحلامها الكبيرة وعلى رأسها إعادة روح الجمال والأناقة إلى سيدات فرنسا وأوروبا، وبالفعل قدمت تصميمات بديعة نافست بها كبرى دور الأزياء العالمية الموجودة بالسوق الفرنسية آنذاك من بينها شانيل ولانفين، ليسطع اسمها في سماء هذا العالم الرحب الذي كان يعج بهوامير تلك الصناعة التنافسية.

اعتمدت على الموديلات التي تبرز قوام المرأة وأنوثتها وتمنحها أيضًا الحرية في الحركة دون عناء

وكانت نينا تقوم باختيار الخامات خفيفة الوزن الراقية التي تصلح للتنفيذ الفوري على المانيكانات دون الحاجة إلى رسم التصميم أولا، وهو ما ميزها عن غيرها من دور الأزياء، خصوصا مع اعتمادها على الموديلات التي تبرز قوام المرأة وأنوثتها وتمنحها أيضا الحرية في الحركة دون عناء إلى جانب كونها من أوائل من صمموا الأزياء ذات القطعتين كالتايورات والتناير مع القمصان التي تركز على الخصر وتمنح المرأة الأنوثة المطلوبة.
عملت المصممة بمنتهى الجد والاجتهاد وقدمت عشرات التصميمات التي لاقت رواجا كبيرا بين محبات الأناقة من بنات الطبقة المخملية، وسرعان ما توسعت في عملها لتتحول تلك الغرفة الصغيرة التي كانت فأل الخير عليها إلى ثلاثة مبان بواقع 11 دورا في كل منها لتبدأ امبراطورية نينا ريتشي الحقيقية ليس فقط في فرنسا، بل العالم بأسره.
استمرت ريتشي في مسيرتها وانطلاقتها الصاروخية حتى وقعت الحرب العالمية الثانية لتتوسع في خطوط إنتاجها بمساعدة ابنها الموهوب روبرت الذي عاونها في إدارة أعمالها المالية والتجارية لتشمل الجلود والاكسسوارات ولاحقا العطور، وذلك لتعويض الخسائر الفادحة التي لحقت بالدار جراء الحرب وأفقدتها نصف رأسمالها.

روبرت ينقذ صناعة الموضة
لم يكن روبرت ريتشي مبتكرا فقط في مجال إدارة أعمال والدته بل يعتبر من أحد أسباب سرعة عودة دور الأزياء العالمية إلى قواعدها سالمة بعد انتهاء الحرب في عام 1945 بعد أن حصدت خسائر فادحة جعلتهم يبحثون عن طريقة لإعادة الروح في صناعة الموضة، ولاسيما الاوت كوتيور التي كانت مركز اهتمام السيدات المحبات للموضة، حيث قرر ريتشي بتشجيع من رئيس غرفة صناعة الأزياء لوسيان ليلونج وبموافقة الممثلين عن دور الأزياء عرض 150 مانيكان (بمعرض مخصص لجمع الأموال المخصصة للإغاثة من الحرب بمتحف اللوفر) يرتدون أزياء تمثل أكثر من 40 مصمم أزياء بمن في ذلك بالنسياغا و مدام جريس اللذان ارتديا أفضل صيحات العلامات التجارية آنذاك لتحقق تلك الفكرة ما لم يكن متوقعا، حيث لاقى نجاحا بلا حدود تجاوزت باريس لتنتقل إلى أوروبا ومن ثم أميركا.
ابتكرت عطراً جديداً تحت اسم (L’Air du temps).. فصنف فيما بعد على أنه أشهر عطر في تاريخ فرنسا!

بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب حقق روبرت حلمه الذي لطالما راوده من منتصف الثلاثينيات بإطلاق أول عطر للدار تحت اسم (Colour Joie) لكنه لم يستطع منافسة العطور الخلابة التي كانت تستحوذ على الأسواق العالمية آنذاك، بعد عامين عوضت نينا وابنها روبرت الخسارة بابتكار عطر جديد بالتعاون مع صانع الزجاج العالمي مارك لاليك تحت اسم (L’Air du temps) صنف فيما بعد على أنه أشهر عطر في تاريخ فرنسا، ليقف جنبا إلى جنب في مصاف العطور الأكثر مبيعاً في العالم منها جوي باي باتو ولانفين وشانيل 5 وشاليمار، ولم تكن رائحته فقط هي المبهرة بل كانت قارورته هي الأكثر إبداعا، حيث صممتها عائلة لاليك على أن يكون الجزء العلوي منها على شكل حمامتين متشابكتين.

اختير تصميمها (Crocus suit) أو الرداء المليء بالورود التصميم الأفضل بين تصميمات دور الأزياء ونقل دارها إلى العالمية

ورغم كل ما حققته الدار خلال الثلاثينيات والأربعينيات من نجاحات متلاحقة، فإن فترة الخمسينيات والستينيات كانتا الأفضل في تاريخ الدار، حيث قدمت المصممة أفضل ما لديها من تصميمات شكلت نقطة تحول لها بشكل خاص وللموضة بشكل عام، حيث قدمت في تشكيلة ربيع صيف 1959 مجموعة تعد الأفضل للدار، حيث تم اختيار تصميم (Crocus suit) الرداء المليء بالورود على أنه التصميم الأفضل من بين باقي تصميمات دور الأزياء الأخرى، حتى انه كان سبباً لنقل الدار من المحلية إلى العالمية، بل وكانت أول علامة تجارية فرنسية تغزو قارة آسيا واليابان على وجه الخصوص.
في بداية الخمسينيات قررت نينا الحد من عملها مصممة، حيث كانت قد بلغت السبعين عاما، واكتفت بمراقبة سير العمل، الأمر الذي دفع ابنها إلى تعيين مدير إبداعي جديد للدار، حيث وقع الاختيار على المصمم البلجيكي الشاب (Jules-François Crahay) الذي قدم تصميمات رائعة استمرت حتى ترك الدار في 1963 حيث انتقل للعمل مع لانفين، وبعدها تعاقب عدد من المديرين الإبداعيين على الدار قدموا خلال فترات عملهم تصميمات تحمل روح نينا مع لمساتهم الإبداعية، ولا تزال تشكيلات الدار تعرض سنويا خلال أسابيع الموضة المختلفة، رغم رحيل المصممة في 1970 عن عمر ناهز 87 عاماً.. فيما استمر روبرت في إدارة الدار وتصميم العطور وكان آخرها عطر (نينا) الذي ابتكره تيمنا بوالدته والتي لحق بها في 1988 لتنتقل الدار إلى أبناء زوجته قبل بيعها لشركة لصالح شركة (Puig) الاسبانية عام 1994.

 

Exit mobile version