تحقيقات

أيادٍ ناعمة.. تزيل الألغام نساء يتحدين المخاطر.. ويواجهن المتفـجـرات!

امتهنت الكثير من النساء (حرفة) نزع الألغام في المناطق التي عرفت لعقود نزاعات مسلحة، مثل العراق، ولبنان واليمن والسودان، رغم خطورة مهمة إزالة المتفجرات التي اضطلعت بها بعض النسوة؛ فإنها لم تكن العقبة الوحيدة، فرفض المجتمع لقيام المرأة بمثل هذه المهام كان تحديا آخر.

أول امرأة يمنية تعمل في مجال نزع الألغام

يعاني اليمن من خطر الألغام نتيجة انتشار كميات كبيرة منها، حيث أودت بحياة الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وتسببت في عاهات دائمة، والتي أثقلت كاهل المنشآت الصحية والعلاجية، ولذلك طالبت الأمم المتحدة بإزالة الألغام في اليمن، على خلفية ازدياد عدد الضحايا المدنيين جراء هذه الألغام.
وقد نجحت أول سيدة يمنية، وهي أميمة تبلغ من العمر 37 عامًا، في تحقيق حلمها لأن تصبح أول امرأة يمنية تعمل في مجال نزع الألغام التي أصبحت خطرا يهدد أبناء شعبها بعدما زرعتها الميليشيات الحوثية المسلحة الموالية لإيران.
تعيش أميمة حياتها اليومية متنقلة بين الوديان والصحاري والسهول حاملة معها جهاز كشف الألغام الثقيل الوزن، عندما تسمع صوت طنين جهاز كشف الألغام تنحني ببطء بسبب ثقل سترتها الواقية؛ تقوم بالتخلص من الغبار بعناية من الجسم المشتبه الذي قد ينفجر بأي لحظة.
هكذا تقضي أميمة أيامها، وتعمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة. تعمل جاهدةً لإنقاذ مجتمعها من مخاطر المتفجرات من بقايا الحروب، والألغام المضادة للأفراد والمضادة للدبابات – التي تودي بحياة المئات من الأبرياء كل عام في جميع أنحاء اليمن، البلد الذي مزقته الحرب.

الألغام لا تقبل أي خطأ ولا تعطي فرصة ثانية

لم يكن التغيير بالنسبة لأميمة أمراً سهلاً بسبب التوقعات الناتجة عن الأعراف والتقاليد المتحفظة والتي تجعل كسر الحواجز أمرًا صعبًا بالنسبة للعديد من النساء. وفقا لأميمة، يصعب على الناس تصديق أن النساء يمكنهن القيام بنفس العمل الذي يقوم به الرجال – خاصة في مجال إزالة الألغام، لكن أميمة كانت مستعدة لتحدي هذا الاعتقاد وأثبتت مرارًا وتكرارًا أن المرأة – إذا أتيحت لها الفرصة – يمكن أن تكون إضافة فاعلة للمجتمع.

في السودان ينظر إلى إزالة الألغام على أنها وظيفة (رجل)!!

رغم توقيع اتفاقيات سلام عدّة، فإنّ المخاطر الناجمة عن الألغام ما زالت قائمة في مناطق عدّة من السودان، نتيجة عدم تأهيل منظمات وطنية للعمل على إزالة تلك الألغام، ولذلك دخلت إكرام أبكر التاريخ كأول امرأة تعمل في مجال إزالة الألغام في السودان واختارت إكرام مواجهة مخاطر الألغام الأرضية وحماية مجتمعها في جنوب كردفان، وهي واحدة من أكثر الولايات في السودان الملوثة بالألغام، حيث بدأت مسيرتها المهنية كموظفة تعليم مخاطر الألغام، وبدأت تهتم بأنشطة إزالة الألغام، وبالطبع لم يكن الأمر سهلاً، حيث ينظر إلى إزالة الألغام على أنها وظيفة (رجل) ولكن ذلك لم يمنعها.
وذكرت إكرام أنها واجهت مصاعب كثيرة في بداية الأمر، بينها إلزامية ارتداء الحذاء الضخم الثقيل الوزن، كما أن عليها وضع واقٍ على الرأس وحمل جهاز الكشف بإحدى اليدين بجانب دلو وحقيبة، ثم الاضطرار في بعض الأحيان الى المشي مسافات طويلة جدا، بخلاف عملها الميداني على الحقل، حيث عليها تحديد المنطقة الآمنة التي ستقف عليها قبل أن تشرع في عملية البحث عن المتفجرات، لكن كل تلك المتاعب كما تقول لم تزعزع طموحها.
وهي الآن تزيل الألغام من الطرق لتنقذ الأرواح وتمهد الطريق أمام وصول المساعدات الإنسانية والتنموية، وهي طموحة للغاية ولديها خطط لتمكين النساء الأخريات في مجتمعها لدعم هدف السودان لخلو الألغام الأرضية بحلول عام 2023.

الذي يدفع المرأة للعمل في مجال كهذا،
هو الإنسانية أولا

شهد العراق تأسيس فرق نسوية لإزالة الألغام والمخلفات الحربية، من بينها فريق في مدينة الموصل (شمال) وآخر في مدينة البصرة (جنوب)، في مبادرة تعد فريدة من نوعها
وفي جنوب العراق وتحديدا في البصرة، تشكل أول فريق إزالة ألغام نسائي من 14 امرأة بدعم من شركة محلية تعمل في إزالة الألغام، وتم تدريب أعضاء الفريق على مدار 40 يوما، مع تزويده بالأدوات والمعرفة حول كيفية العثور على أنواع مختلفة من الألغام وإزالتها بأمان.
العمل في مجال إزالة الألغام خطير جدا، وهناك تحديات تواجهها المرأة في هذا المجال حيث إن المجتمع يقلل من قدرة المرأة على العمل في نزع الألغام والمخلفات الحربية، كما ذكرت جنان عبد الرزاق سلطان العاملة في إحدى شركات إزالة الألغام.
بدأت جنان العمل في مجال الألغام سنة 2006، وما زالت مستمرة في العمل بهذا المجال مع العديد من المنظمات والشركات المعنية.
وتشير إلى أن المجتمع أخذ مع مرور الوقت يتقبل نوعا ما عمل المرأة في هذا المجال، وذلك مع تزايد أعداد النساء اللواتي اقتحمن هذا المجال، وتصف العمل في هذا المجال بمثابة مواجهة مباشرة مع الموت، لأن الألغام لا تقبل أي خطأ، ولا تعطي فرصة ثانية، كما أن هناك مخاطر أخرى غير مباشرة بسبب الظروف المناخية الصعبة في العراق، مما يعرض العاملين لضربات الشمس وحروق البشرة وجفاف العيون في فصل الصيف، رغم وجود تدابير لتقليل تلك المخاطر.
وترى جنان أن الذي يدفع المرأة للعمل في مجال كهذا، هو الإنسانية أولا، لأن المرأة نصف المجتمع، وهي ترى حالات الوفاة والبتر المؤدي إلى الإعاقة، وهذا يحفز مشاعرها الإنسانية، ويدفعها الى المساهمة في التخلص من هذه المشكلة.

نعمل على استبدال زرع الألغام بزرع يفيد المجتمع

لبنان، بلد آخر يتحدى ببطء، ولكن بثبات، الألغام وتباين النظرة تجاه النساء، فمنذ عام 2006، قُتل 70 شخصًا بسبب الألغام الأرضية أو غير ذلك من الذخائر غير المنفجرة في لبنان، وأصيب 470 شخصًا بسبب إما لغم أو ذخائر غير منفجرة، وفقا لمجموعة MAG.
وعلى الخط الأزرق، وهو ترسيم حدودي بطول 120 كيلومترًا بين إسرائيل ولبنان، والذي يخضع حاليًا لدوريات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تعمل العديد من النساء على تطهير المنطقة من نحو 400 ألف لغم زرعتها إسرائيل خلال احتلال البلاد لجنوب لبنان في الثمانينيات.
ونحو 40٪ من تلك الألغام والذخائر لم تنفجر بعد، وتعمل حاليا مع نفس المنظمة في لبنان، نحو 30 عاملة على إزالة الألغام.
ومن بين تلك النساء، هالة نعمة، (31 سنة)، من قرية قريبة من النبطية، والتي تعمل منذ الفجر تحت درجات حرارة تصل أحيانا إلى 37 درجة مئوية بعد الظهر.
لديها ابن عمره خمس سنوات، تقول في شأنه: أخشى أنه قد يُصاب أو يُقتل إذا داست قدماه على أي لغم، حيث يحب جميع الأطفال اللعب في الخارج.
على غرار زميلاتهن في العراق، تعمل النساء هنا بمعية الرجال على تطهير أرضهن، وتقول نعمة: بعد إتمام عملنا سيتمكن المزارعون من استخدام الأرض مجددا لزراعة المحاصيل ورعي الماشية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق