حياتنا أحلي

الحياة بقدم واحدة.. تكفي! «زينب» و«زينب».. واجهتا الحياة بقدم واحدة

تشابهتا في الاسم والمعاناة والطموح والأمل، واختلفتا في العمر، فاستطاعتا اجتياز رحلة الحياة بقدم واحدة، إنهما زينب الخالدي اليافعة ذات الـ 13 عاماً وزينب العقابي الشابة، جمعهما قدر فقدان إحدى قدميهما، فكان لا بد أن تواجها هذا القدر بشجاعة.

الطفلة زينب الخالدي نظرت إلى حياتها لتكتشف معنى وراء المعاناة، متذكرة أن «الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه»

الطفلة زينب الخالدي من فئة ذوي الإعاقة الحركية قامت بتأليف كتاب من أجل تكلفة علاجها، تحتاج إلى بيع ١٩ ألف نسخة من كتابها “محاكاتي” وذلك لتجري ٣ عمليات في رجلها اليسرى.
اعتلى كتابها “محاكاتي” عنوان فرعي هو “لا تخافون.. الله معانا”.. وهي الحكمة العميقة التي استخلصتها الفتاة الصغيرة من رحلة الإعاقة، في كتابها تحكي زينب الخالدي قصتها مع الإعاقة، كيف كانت تشعر باختلافها عن سائر الأطفال، بسبب استخدامها طرفاً صناعياً “صرت أستحي أطلع جدام الناس، قمت أرفض أطلع، أرفض أمشي… لأن نظرات الناس تتكلم وايد”. كيف واجهت الخالدي النظرات المستطلعة، والدعوات المشفقة، وصفة الإعاقة التي يلصقها المجتمع بها؟ وعوضا عن الشفقة على الذات قررت زينب الخالدي، بدعم كبير من أمها، إنجاز كتاب، تنفق من مردوده على علاجها لتعود إلى طبيعتها.. الفتاة الصغيرة نظرت إلى حياتها لتكتشف معنى وراء المعاناة، متذكرة أن “الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه”.

تلقت زينب الخالدي الكثير من الوعود التي ذهبت هباء منثورا، حتى ان زينب ووالدتها سافرتا إلى أميركا على وعد بأن مبلغ العملية سوف يرسل اليهما هناك ولكن ما لم يحول لهما أي شيء، ولم يتبق سوى الحسرة والانكسار.
ولم تستسلم الابنة الشجاعة، قالت” أنا سأعالج نفسي بنفسي”، وأتتها فكرة إصدار كتاب تحكي فيه تجربتها، ومن خلال أرباحه ومردوده المالي تنفق على علاجها، وأعانتها دار “وجد” على إصدار الكتاب.
لم تقف الإعاقة الحركية في طريق إرادتها، فأصرت على التحدي والتفوق في عدة مجالات، فقد حصلت على الميدالية الذهبية وعلى المركز الأول في السباحة عام 2015 فكانت أصغر بطلة للسباحة في الكويت حين كان عمرها لا يتجاوز الـ 7 سنوات.
كما اكتشفت موهبتها منذ الصغر وبدأت في كتابة القصص القصيرة، ولقبت بأصغر كاتبة صغيرة سنة 2019، وحصلت على المركز الأول في اللغة العربية لتحدثها اللغة العربية الفصحى.

كتاب «محاكاتي» رحلة متفائلة حيّة واثقة بقوة الكلمات من إيجاد معنى للحياة بمآسيها ومسراتها

فقد فازت في عمر 8 سنوات بجائزة أجمل قصة، كما أن لديها أربع قصص أخرى مدونة لم يضمها الكتاب الصادر مؤخراً، تحب زينب الخالدي بعض الشخصيات الروائية الثائرة مثل “أدهم الشرقاوي”، ودائما ما تردد: “أحببت أن أكون كاتبة كبيرة”.
بعفوية وطلاقة، ودون مرارة أو أسى على الذات، تقدم زينب الخالدي لقرائها جانباً من المواجهات والمواقف الحياتية الصعبة التي تعرضت لها وتجاوزتها: مثل منعها ذات مرة من دخول صالة ألعاب، ومساندة أمها لها إصراراً على أن تمارس حقها في اللعب، مؤكدة قدرتها على ذلك مثل سائر الأطفال.
“كنت طفلة كبرتْ، وكبر عقلي وكبر معي فضولي”، هكذا تكتب زينب الخالدي معبرة عن نضج خبرتها رغم سنوات عمر كالزهور، تعلمت مراقبة ما يحيط بها وتفسيره، واكتشاف موطن القوة في نفسها.
“صرت أقابل الناس وأواجههم، وصارت لي يوميات، وفتحت حسابين في السوشيال ميديا”، كانت ردود الفعل من قبل الناس مشجعة، بحسب قولها: “صرت أحس أني ملكة”، وصدقت وصف أمها لها بأنها “مميزة”.
كتاب “محاكاتي” لزينب الخالدي رحلة متفائلة حيّة، واثقة بقوة الكلمات من إيجاد معنى للحياة بمآسيها ومسراتها، رغم صغر سنها تدهشنا الخالدي بضحكاتها وبساطتها وإدراكها لطبائع الناس وفهمها المتزن لمشكلتها.

زينب العقابي أثبتت أن المعاق يستطيع الوصول والمشاركة والتميز وأن يكون الأول

أما محاربتنا الثانية فهي زينب أيضا ولكنها زينب العقابي التي تعرضت لحادث أليم مرت به وهي في عمر ٩ سنوات، مازالت تتذكره بعد أن مر عليه ٢٠ عامًا، فقد أخذ معه جزءًا كبيرًا من ساقها اليسرى، زينب واحدة من أشهر ملهمات أو مؤثرات السوشيال الميديا، من أصحاب الهمم، ويرجع ذلك لكونها من أوائل الأشخاص من أصحاب البتر، الذين يتبنون سياسة إظهار الطرف الصناعي، فعلى عكس الشائع، تقوم زينب بكشف الطرف الصناعي ولا تحاول أن تزيف أو تخفي شيئًا.
عندما تتعرفون على قصتها بالتفصيل، ستفهمون السبب وراء تلك الخطوة، ولما يحتاج بعض أصحاب الهمم، الى تبني هذه السياسة التي تحسن المزاج العام لبعضهم، وتساعدهم على تقبل وحب أجسامهم، والعيش بدون قلق أو هم من اكتشاف الطرف الصناعي.
تخرجت زينب العقابي في جامعة الشارقة صيدلانية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف وأرادت الامتياز لكي تقول ان المعاق يستطيع أن يتميز ويستطيع أن يحول كل الطاقة السلبية إلى إيجابية.
أكملت زينب حياتها برجلها الاصطناعية (القطعة الحديدية وحولها جزء تجميلي يشبه الرجل الطبيعية)، فاجأت الناس بإزالة الجزء التجميلي من رجلها الاصطناعية بعد دعوتها لكي تكون متحدثة في أحد المؤتمرات لكي تقول للناس هذه حقيقتي.
هدف زينب هو تغيير النظرة بالمجتمع عن المعاق، وأثبتت أن المعاق يستطيع الوصول والمشاركة والتميز ويستطيع أن يكون الأول.
أنشأت زينب صفحة “معاق وأفتخر” على “فيسبوك” ، لتكتب بها يومياتها وتنشر بها العديد من الفيديوهات لتشجيع ذوي الإعاقة على الاستمرار والتحدي، ومن أهم كتابتها على صفحتها “اختلافي هو ما يميزني، وإعاقتي هي من تجعل لحياتي نكهة يفتقدها الكثيرون”.
في عام 2015 شاركت في ماراثون حول الإمارات العربية السبع بالتعاون مع مؤسسة الجليلة واستمر لمدة 12 يوماً لقطع مسافة 575 كيلومتراً، وكان عائد الماراثون الخيري لمصلحة تأهيل الأطفال من ذوي الإعاقة.
وفي عام 2015 قامت بتوقيع عقد مع شركتي أوتو-بوك وليمبتيش كبرى الشركات في مجال الأطراف الصناعية، لتكون أول سفيرة عربية في العالم لذوي الاحتياجات الخاصة، وبذلك تكون زينب أول عربية تتبوأ هذا الموقع ويكون توقيع العقد والحصول على لقب سفيرة تحقيقا لواحدٍ من أكبر أحلامها.
تعتبر زينب وجهاً بارزاً في مجال التوعية المجتمعية بشؤون ذوي الإعاقات، كما أنها أنهت دراسة الماستر في اختصاص الشؤون الاجتماعية الدولية في جامعة دورام البريطانية أما أوقات فراغها فتستثمرها في رياضات فيها تحد وإثارة.
بدأت زينب بممارسة الرياضة في عام 2011 بعد تشجيع طبيبها الخاص على السباحة، وذلك في محاولة لتخفيف آلام الظهر التي عانت منها بسبب الساق الصناعية. “لطالما أحببت الرياضة، ولكن لم يكن لدي أدنى فكرة عن كيفية التمرين أو حتى عن السباحة التي غيرت حياتي وأدخلتني إلى عالم الرياضة. أنا الآن أسبح وأتمرن بالأثقال يوميًا، وأتمنى أن أعود لركوب الدراجات من جديد. الرياضة بالنسبة لي هي طريقة تفكير، فهي لا تجعلك قويًا ببدنك فقط بل تظهر القوة في عقلك أيضًا، أضف إلى ذلك شعور الإنجاز الذي تشعره عند تحقيق أهدافك الرياضية”.
تحصل زينب على الإلهام في مجال الرياضة من مشاهدة السباقات والفعاليات الرياضية بكل أشكالها، سواء كانت الدولية أو المحلية، فجميعها يدفعها للاستمرار في التمرين والمواظبة على التنويع في الرياضات ما أمكن.. عشقها للغطس يأخذها لمياه الفجيرة الغنية بالحياة البحرية، وأحيانًا قد تجدها على شاطئ الجميرا أو حتى في الميدان لركوب الدراجات، فهي تحب كل الرياضات وتحب تتبع تقدمها باستخدام الساعات الرياضية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق