تحقيقات

الرعب في الأحياء الـكويتية من أدوات الكبار

 

لا يمكن أن ألومهم.. لا.. لا يمكن!

غير معقول أن ألوم أبناء الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة وهم يطوفون بالسيارات الفارهة طرقات المدينة وكأنها تحولت إلى صواريخ للقتل والتدمير وإدخال الرعب إلى نفوس وقلوب الأبرياء.. ثم ينتهي الأمر بفجيعة آبائهم وأمهاتهم فيهم!

أكثر من هذا.. هل يمكن أن يقبل مجتمعنا الوادع الذي يناضل كي يبني نفسه.. هل يمكن أن يقبل رجالات هذا البلد ومسؤولوه أن تخاف أحياء بكاملها على أطفالها من ابن فلان وفلان؛ لأن كلا منهم لديه عربة يطوف بها طرقات الحي كل أصيل بسرعة جنونية، كأنه فقد قواه العقلية، أو كأنه لم يعد هناك ما يثبت به وجوده غير أزيز ماكينة السيارة وكأنها تحولت إلى ماكينة لطائرة نفاثة؟! وهل أصبحنا في شيكاغو؟

 

من المسؤول: البيت أم روح الاستهتار التي تعيش في نفوس الشباب؟ أم إدارة المرور التي ترى أطفالا صغارا يحملون رخصا للقيادة مزيفة ويصمتون ويغمضون العيون؛ لأن هذا الطفل ابن فلان.. وذاك ابن فلان من كبار رجالات البلد؟

وهل يصبح أمثال هؤلاء الآباء من كبار رجال البلد وهم يسمحون لأطفالهم بأن يتحولوا إلى أشباح مرعبة وقتلة لأطفال الناس؟!

وهل يرضى كبار رجالات البلد أن ينشأ أبناؤهم على عدم احترام القانون منذ البداية باستخراج رخص نزيف بها أعمارهم وبمساعدتهم؟!

 

إن قلبي مليء، وأود لو وضعت على سن القلم أشد العبارات وأقسى الألفاظ لهؤلاء الآباء أولاً.. ثم لهؤلاء الشباب الذين تحولوا إلى نواب لعزرائيل في طرقاتنا، وأخيرا إلى إدارة المرور.

والأمر وصل إلى الاعتداء على أرواح الناس وإلى الاعتداء على أدق مشاعرهم في أقسى لحظات حياتهم أيضا.

 

والحكاية أن (بوحمود) كان ذاهبا للعزاء في وفاة إحدى قريباته، يسير هادئا بسيارته تحيط بنفسه غشاوة الحزن، وأمام منزل القريبة المتوفاة فوجئ بشيطان يظهر إلى جواره فجأة.. وتحول باب سيارة (بوحمود)  إلى كتلة من الحديد المعجون يرفض أن يفتح وسط ذهول وحيرة (بوحمود) عن الطريقة التي وقعت بها الحادثة.

كيف ومن أين ظهر هذا الشيطان الذي فتح باب سيارته وتوجه ناحيته بكل برود ولا مبالاة يبدي استعداده كي يدفع التعويض عن تحطيم باب السيارة!

لم يدرك ساعتها أن الحزن والأسى الذي أضافه إلى حزن وأسى (بوحمود) على وفاة قريبته لا يعادله مال الدنيا.

لم يدرك أن لحظة الخطر وصدمة المفاجأة التي شعر بها (بوحمود) تحت وطأة صدام سيارته المفاجئ غير المتوقع  غير المعقول لا يمكن أن يصلحه أي اعتذار أو أي ثمن حتى ولو كان ثمن سيارة جديدة تماما.

 

لم يقل (بوحمود) أي كلمة.. فأحياناً يلجم الحزن والغيظ اللسان.. مضى (بوحمود) إلى داخل المنزل وكأن شيئا لم يحدث.

هل تدرون ما الذي جرى بعد ذلك؟!

مأساة ومهزلة تشبه المواقف المضحكة في الروايات الهزلية السخيفة.. جاء والد (الشخص) وهو للأسف من كبار رجال البلد يقول لأقرباء (بوحمود): كيف لا يرد على ابني وهو يحاول أن يعتذر؟

تصوروا!

لماذا لم يرد المكلوم وقد زاد الشيطان من أحزانه؟

ماذا أقول؟

إذا لم يستطع الأهل أن يسيطروا على احتمال فجيعتهم في أبنائهم.. فلا أقل من أن تحمي إدارة المرور أطفالنا من احتمال فجيعتنا فيهم تحت عجلات أطفال يملكون أدوات الكبار لكنهم يستعملونها بأسلوب الصغار.. وكل مؤهلاتهم الدشداشة يحتمون خلفها.

 

من المؤسف أن بعض الآباء غير الكويتيين أصبحوا يسمحون لأبنائهم بأن (يتدشدشوا) خلف مقاود السيارات.. وكم من رأس سوف (يتدشدش) تحت عجلات طفل مجنون بدلاً من أن (يتدشدش) بالغطرة!

 

(أم الخير)

1972

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق