تحقيقات

«اللي يضربك اضربه».. طريقة تربوية صحيحة أم خطأ؟

منى المطيري:
الطفل العدواني غالباً نتاج لأسرة غير سويَّة

التشاجر والسبُّ والضرب.. أساليب تواصل
غير تربوية

هناك أطفال يحاولون إخفاء تعرضهم للضرب عن والديهم

هل علينا أن نرسِّخ في نفوس أبنائنا فكرة «اللي يضربك اضربه»؟.. وهل هذه طريقة تربوية صحيحة أم خطأ؟
سؤالان محيران والجواب يختلف عليه الكثيرون.. حيث تقع الأسرة في حيرة إذا جاء الطفل واشتكى أن أحدا من أصحابه قد ضربه، وما أكثر ما يتكرر هذا الموقف في حياتنا اليومية!
فما رد الفعل المناسب إذا قالوا له: «اللي يضربك اضربه وخذ حقك بيدك»؟ وهل نكون بذلك قد علمناه كيفية الدفاع عن نفسه أم أننا قد زرعنا فيه العدوانية تجاه الآخرين؟! وماذا إذا قالوا له: «اللي يضربك قل له: الله يسامحك وانصرف بعيداً عنه»؟… هل نكون بذلك قد علمناه التسامح والعفو عن الآخرين أم زرعنا فيه الجبن والخوف من الناس؟!
كل هذه التساؤلات طرحناها على الاستشارية النفسية في مكتب الإنماء الاجتماعي «منى فجحان هلال المطيري» في حوارنا معها.. وإليكم التفاصيل:

سألناها: يشكو بعض أولياء الأمور من أن طفلهم لا يعرف كيف يأخذ حقه عندما يقوم أحدهم بضربه، وهذا يجعلهم حائرين بين تعليم الطفل أن يكون رد فعله هو رد الضرب لمن ضربه أم يسامح من ضربه دون أن يتحول إلى لقمة سائغة بالنسبة لأقرانه.. فما التصرف التربوي السليم تجاه هذه المشكلة؟
– في البداية نحن نتحدث عن العنف أو سلوك العنف كأسلوب تواصل، فالتشاجر والسب والضرب أساليب تواصل، يعبر بها الطفل عن نفسه، إما في حالة الدفاع عن نفسه أو في حالة رغبة في السيطرة على زملائه أو التحكم فيهم.
وأضافت:
لتفسير الأسباب التي دفعت هذا الطفل ليكون عدوانيًّا مع غيره، أرى أن هذا النوع من الأطفال غالبا ما يتعاملون بطريقة بها عنف في المنزل، وأن أفراد العائلة يعبرون عن غضبهم بالصراخ والسباب، فيعتاد الطفل ذلك، ويتعامل بنفس الطريقة مع زملائه دون أن يرى أنه يضايقهم، لأنه تعود أن العنف والعدوان هما لغتا الحوار بين الناس.
واستطردت:
كما أن الطفل العدواني غالباً ما يكون نتاجاً طبيعيًّا لعلاقة أسرية غير سوية وضحية لسوء معاملة من جانب الوالدين، وأنه دائم التعرض لعقاب بدني على أتفه الأسباب.. وغالبا ما يعاني فقدان الحب والحنان من المقربين خاصة الأهل.
كما أن الطفل العنيف عندما لا يجد ما يمنعه..مثلا عدم قدرة الأطفال على الدفاع عن أنفسهم ومنعه من ضربهم أو لا يوجد رادع مثل مدرس بالغ يمنعه، فإن ذلك يجعله يتمادى ويشعر بالقوة.

الطفل فاقد تقدير ذاته
لا يستطيع الدفاع عن نفسه

ماذا عن الطفل المعتدى عليه؟
– بالنسبة للطفل الذي وقع عليه فعل الضرب أو الإيذاء، فإن تعلم أصول دفاعه عن النفس يرتبط عنده بمدى قدرة الوالدين على تربيته على تقدير ذاته وحمايته من كل ما يهدد كرامته، ذلك أن الطفل الذي يحمل مفهوما سلبيا عن ذاته وإحساسا بالنقص وعدم الثقة قلما يكون في وضعية تخول له الدفاع عن نفسه بالطرق السلمية المشروعة.
وتابعت:
ومن هذا المنطلق يجب أن يحرص الوالدان على إكساب طفلهما عددا من المهارات الذاتية مثل الاستقلالية، إبداء الرأي، المبادرة، التفاوض، الحوار والمواجهة البناءة… وكل طفل يفتقد هذه المهارات لن يستطيع تدبر النزاعات التي تقع بينه وبين أقرانه، أو الاعتداءات التي يتعرض لها، ومن المحتمل أن يرد عن أي إحساس بالظلم أو الاعتداء الذي يتعرض له إما بتقبل الهزيمة المرة والاستسلام للآخر في خضوع تام، وإما بالرد العنيف موظفا مبدأ «الهجوم خير وسيلة للدفاع».
ماذا إذا تعرض الطفل للتطاول اللفظي من جانب أقرانه؟
– للوالدين أقول: انصحوا أبناءكم بأن يبتعدوا عن الأماكن التي بها عنف لفظي، وقوموا بتعليمهم وتدريبهم على ممارسة تمارين الاسترخاء حتى يتخلصوا من التوتر والانفعال نتيجة استفزاز الاخرين لهم، فلا يردون على الألفاظ السلبية بالضرب، لأن ذلك سبيل لتطور الأمور بشكل أسوأ مثل التطاول بالأيدي والتشابك.
نلاحظ أن كثيراً من الأطفال يحاولون إخفاء تعرضهم للضرب من الآخرين عن والديهم.. فلماذا؟
– في هذه الحالة يشعر الطفل بالخوف، خشية ان يتعرض للعنف اللفظي من جانب الوالدين، مثل أن يقولا له: «لماذا لم تدافع عن نفسك وتأخذ حقك»؟ وفي بعض الأوقات يخشى الطفل من مقاطعة أصدقائه له، وهما من العوامل الأساسية التي تفسر سلبية الطفل وعدم دفاعه عن نفسه، خصوصا إذا كان تعلقه باللعب مع الأقران قويًّا يجعله يخاف إبلاغ أبويه بما يتعرض له من اعتداء.
وأضافت:
في هذا الصدد تلعب التربية دوراً حاسماً في تشكيل نمط شخصية الطفل، لأنها ترسي دعائم الشخصية وتوجه الطفل نحو سلوك محدد، كما لغياب جو الحوار داخل البيت الذي يتعلم الطفل فيه قواعد الأخذ والعطاء وإبداء الرأي واقتسام الأفكار والأشياء دور في ذلك.

إذا تعرض الطفل لاعتداء.. فعليك ألا تنفعل.. استمع إليه بهدوء

في بداية لقائنا طرحنا تساؤلاً: هل نقول للطفل «اضرب من يضربك وخذ حقك أم لا»؟ وما الطريقة التربوية الأفضل؟
– إذا تعرض طفلك لاعتداء، فعليك ألا تنفعل ولا توجه إلى طفلك أي لوم أو نقد.. استمع إليه بهدوء وشجعه ليحكي لك ما حدث، وطمئنه أنك موجود حين يحتاج إليك، وساعده ليتصرف بمفرده، وأثني على قدرته في حل الأمر بطريقة سلمية، وأعطه الأمان والحب.
وأضافت:
يمكن أن نعلمه بعض فنون الدفاع عن النفس مثل (الكاراتيه – الكونغ فو – الجودو)، أو بعض الحركات التي يستطيع أن يدافع بها عن نفسه، حتى لا تصل رسالة للطفل المعتدي بأن الطفل الذي أمامه ضعيف، ولا يستطيع الرد فيتمادى بشكل أكثر.. نشجّعه أيضاً على البقاء في الأماكن الآمنة المكشوفة التي بها جمع من الناس فهذا أكثر أمانا له حتى لا يكون فريسة سهلة للمعتدي.. ولا تجعله يخفي الاعتداء عليه كما لو أنه دليل ضعفه، لأن هذا يزيد الأمر سوءًا ويزداد الاحتمال بعدم القدرة على المواجهة مستقبلاً.
واستطردت:
دع طفلك في المشاكل الصغيرة يتصرف بنفسه بها، حتى يعتاد التفاوض ورد العدوان والتفاهم والتعامل، لكن في الحالات التي يتعرض فيها لعدوان أشرس من أن يرده بمفرده فلابد من تدخل الكبار.. لا تقل له: «اضرب من ضربك أو اعتد على من اعتدى عليك»، لأنك بذلك تعلمه حينئذ أن يتخذ منطق العنف كأسلوب تعامل يومي مع أسرته والمحيطين به أيضا، فينتقل مبدأ التعامل بالعنف الى البيت ويطبق على الأسرة نفسها.. وعندما يعلو صوته ويقوى ساعده فلن تستطيع أن توجهه بأي صورة، لأنه قد تعلم أن يستخدم يده في حسم المواقف ولن يحترم نظاما أو قانونا.

الطفل تحت 11 سنة لابد أن يلجأ إلى والديه

ما عمر الطفل الذي تناسبه هذه الطريقة؟
– هذه الطريقة تناسب الأطفال في الأعمار الصغيرة أي تحت 11 سنوات، ويفضل أن يلجأ الطفل إلى الوالدين أو الاخصائي الاجتماعي في المدرسة عندما يتعرض للضرب، وفي الوقت نفسه يكون قد تم تأهيله للدفاع عن نفسه وترسيخ مبدأ أن يدافع عن نفسه، ولا يعتدي على الآخرين، وعندما يكون في مرحلة المراهقة يصبح لديه خبرة الدفاع عن نفسه ورد الأذى دون عنف والدخول في مشاجرات وضرب ربما يتسبب في أذى جسدي أو جروح.
حاورتها: عزة الحديدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق