Site icon مجلة أسرتي – تدخل كل بيت

سلامة‭ ‬الغذاء‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬مونتك المونة‭ ‬اللبنانية‭.. ‬ رحلة‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الأجداد‭ ‬الطبيعي‭ ‬والصحي

المونة‭ ‬البلدية‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجتمع‭ ‬الأسرة‭ ‬لتحضيرها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الصيف‭ ‬لتكون‭ ‬مصدر‭ ‬طعامهم‭ ‬في‭ ‬البرد‭ ‬القارس‭ ‬والثلوج‭ ‬لصعوبة‭ ‬تنقلهم‭ ‬بسبب‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية‭ ‬القاسية،‭ ‬ولا‭ ‬يهدأ‭ ‬بال‭ ‬ست‭ ‬البيت‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬تحضير‭ ‬حاجة‭ ‬أسرتها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬غرفة‭ ‬المونة‭ ‬درع‭ ‬البيت،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬أشهى‭ ‬المأكولات‭.‬

تصبح‭ ‬الفتاة‭ ‬جاهزة‭ ‬
للزواج‭ ‬بعد‭ ‬إتمامها‭ ‬إعداد‭ ‬أنواع‭ ‬المونة

مهارة‭ ‬إعداد‭ ‬المونة‭ ‬مقياس‭ ‬للقب‭ ‬‮«‬ست‭ ‬بيت‮»‬
لطالما‭ ‬عمدت‭ ‬الأمهات‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬اللبنانية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬لتعليم‭ ‬بناتهن‭ ‬كيفية‭ ‬إعداد‭ ‬المونة‭ ‬تماماً،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬أمهاتهن‭ ‬معهن،‭ ‬وتصبح‭ ‬الفتاة‭ ‬جاهزة‭ ‬للزواج‭ ‬بعد‭ ‬إتمامها‭ ‬إعداد‭ ‬أنواع‭ ‬المونة،‭ ‬وتصبح‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العناية‭ ‬ببيت‭ ‬زوجها،‭ ‬وكانت‭ ‬تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المهارة‭ ‬ميزة‭ ‬تعطيها‭ ‬الأفضلية‭ ‬على‭ ‬بنات‭ ‬جيلها‭.‬
تتحدث‭ ‬أم‭ ‬مصطفى‭ ‬السيدة‭ ‬السبعينية‭ ‬ابنة‭ ‬البقاع‭: “‬كان‭ ‬منزلنا‭ ‬كخلية‭ ‬نحل‭ ‬توزّع‭ ‬أمي‭ ‬الأدوار‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬لنكون‭ ‬يدًا‭ ‬واحدة،‭ ‬كنا‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬الصيف‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬دائم‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للكسل‭ ‬أو‭ ‬مضيعة‭ ‬الوقت،‭ ‬تتنقّل‭ ‬أمي‭ ‬من‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الكشك‭ ‬الممدود‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬المنزل‭ ‬ليجف،‭ ‬وإعداد‭ ‬المكدوس‭ ‬وكبس‭ ‬الزيتون‭ ‬في‭ ‬المرطبانات‭ ‬الزجاجية‭ ‬والمخللات‭ ‬في‭ ‬الجرار،‭ ‬كانت‭ ‬توجّهنا‭ ‬لتعلمنا،‭ ‬وتعطينا‭ ‬سلاحاً‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأيام‭ ‬الصعبة‭”‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قولها‭.‬

الكشك‭ ‬البعلبكي‭ ‬محبوب‭ ‬البقاعيين
ذاع‭ ‬صيت‭ ‬الحاجة‭ ‬أم‭ ‬عبدالله‭ ‬في‭ ‬بعلبك‭ ‬لمهارتها‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الكشك،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬فإن‭ ‬طريقة‭ ‬إعداد‭ ‬الكشك‭ ‬واحدة،‭ ‬لكن‭ “‬كشكات‭” ‬أم‭ ‬عبدالله‭ ‬مطلوبة‭ ‬بكثرة‭ ‬لطيب‭ ‬نفسها‭ ‬بحسب‭ ‬أحد‭ ‬زبائنها‭.‬
وعن‭ ‬طريقة‭ ‬إعداد‭ ‬الكشك،‭ ‬قالت‭ “‬أغسل‭ ‬البرغل‭ ‬وأجففه‭ ‬تحت‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس،‭ ‬وأقلبه‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أضيف‭ ‬اللبن‭ ‬البلدي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البرغل‭ ‬الجاف،‭ ‬وأحرّكه‭ ‬جيدًا‭ ‬ليجف‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بعدها‭ ‬أنقله‭ ‬إلى‭ ‬المطحنة‭ ‬لكسر‭ ‬حبات‭ ‬البرغل،‭ ‬وأضيف‭ ‬إليه‭ ‬اللبنة‭ ‬البلدية،‭ ‬ويعجن‭ ‬جيدا‭ ‬في‭ ‬العجانة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬آخذ‭ ‬الخليط،‭ ‬وأمده‭ ‬على‭ ‬قماش‭ ‬خام‭ ‬ليجف‭ ‬تحت‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬منزلي‭ ‬بعد‭ ‬تنظيفه‭ ‬جيدًا‭ ‬من‭ ‬الأوساخ‭ ‬والغبار،‭ ‬بعدها‭ ‬يُقَطَّع‭ ‬بواسطة‭ ‬منخل‭ ‬لعدة‭ ‬مرات،‭ ‬وعندما‭ ‬يفرط‭ ‬الكشك‭ ‬يفرك‭ ‬باليد‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬حتى‭ ‬يجف‭ ‬جيدا،‭ ‬بعدها‭ ‬ينقل‭ ‬إلى‭ ‬المطحنة‭ ‬الناعمة،‭ ‬فيطحن‭ ‬ثم‭ ‬ينخل‭ ‬بالمنخل‭ ‬الناعم،‭ ‬ثم‭ ‬يمّد‭ ‬على‭ ‬قماش،‭ ‬ويترك‭ ‬ليجف‭ ‬عشرة‭ ‬أيام،‭ ‬ثم‭ ‬يوضع‭ ‬في‭ ‬أوعية‭ ‬المؤونة‭”.‬
‮«‬بس‭ ‬تعطيني‭ ‬أمي‭ ‬المكدوس‭ ‬بحس‭ ‬بالأمان‭ ‬وبعرف‭ ‬ما‭ ‬رح‭ ‬نام‭ ‬جوعان‮»‬

‮«‬المكدوس‮»‬‭ ‬طبق‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬اللبنانية
يعتبر‭ “‬المكدوس‭” ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬عنصرًا‭ ‬واجب‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الوجبات‭ ‬الأساسية،‭ ‬يعبّر‭ ‬رامي‭ (‬20‭ ‬سنة‭) – ‬طالب‭ ‬هندسة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬حبه‭ ‬لهذا‭ ‬الطبق‭ “‬بس‭ ‬تعطيني‭ ‬أمي‭ ‬مرطبانات‭ ‬المكدوس‭ ‬لنزلهن‭ ‬معي‭ ‬بحس‭ ‬بالأمان‭ ‬وبعرف‭ ‬إني‭ ‬ما‭ ‬رح‭ ‬نام‭ ‬ليلة‭ ‬جوعان‭”.‬
يُصنع‭ “‬المكدوس‭” ‬عادةً‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر،‭ ‬ويمتد‭ ‬حتى‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الباذنجان‭ ‬الخاص‭ ‬لصنعه،‭ ‬والذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ “‬الأسود‭ ‬البلدي‭” ‬وهو‭ ‬الباذنجان‭ ‬المدور‭ ‬الصغير‭.‬

‮«‬من‭ ‬يوم‭ ‬وقفت‭ ‬المونة‭ ‬بطّل‭ ‬في‭ ‬بَركة‭ ‬
لا‭ ‬بمعاشي‭ ‬ولا‭ ‬بالبيت‮»‬

الغلاء‭ ‬المعيشي‭ ‬أبعد‭ ‬اللبنانيين‭ ‬عن‭ ‬المونة
أبرز‭ ‬ما‭ ‬يميّز‭ ‬المونة‭ ‬اللبنانية‭ ‬البلدية‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬المكونات‭ ‬ونتيجة‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار‭ ‬دفعت‭ ‬بعدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬للاستغناء‭ ‬عنها‭ ‬لعدم‭ ‬إمكانيتهم‭ ‬من‭ ‬تحمّل‭ ‬كلفتها‭.‬
يقول‭ ‬علاء‭ (‬خمسيني‭ ‬رب‭ ‬أسرة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أولاد‭): “‬منذ‭ ‬سنتين‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬إعداد‭ ‬المونة‭ ‬بسبب‭ ‬الضائقة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومن‭ ‬يوم‭ ‬وقفت‭ ‬المونة‭ ‬بطّل‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬لا‭ ‬بمعاشي‭ ‬ولا‭ ‬بالبيت‭ ‬ككل،‭ ‬والقصة‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬إنو‭ ‬صرنا‭ ‬مش‭ ‬عم‭ ‬نعرف‭ ‬شو‭ ‬عم‭ ‬ناكل،‭ ‬يا‭ ‬خيي‭ ‬طعمة‭ ‬المونة‭ ‬لمنشتغلها‭ ‬ع‭ ‬أيدنا‭ ‬غير‭”.‬

المونة‭ ‬البلدية‭ ‬مقصد‭ ‬محبي‭ ‬الأكل‭ ‬الصحي
وسام‭ (‬35‭ ‬سنة‭) – ‬موظف‭ ‬بنك،‭ ‬يتحدّث‭ ‬عن‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعدّها‭ ‬أمه،‭ “‬لا‭ ‬يهم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الطبق‭ ‬الأساسي‭ ‬فهناك‭ ‬أطباق‭ ‬ثابتة‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬من‭ ‬الزيتون‭ ‬المملح‭ ‬إلى‭ ‬الكبيس‭ ‬والمكدوس‭ ‬والكشك‭ ‬الأخضر،‭ ‬سلطة‭ ‬الخضار‭ ‬تجبلها‭ ‬أمي‭ ‬بدبس‭ ‬الرمان‭ ‬البلدي‭ ‬وزيت‭ ‬الزيتون،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬تعدّه‭ ‬أمي‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬طبيعية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مواد‭ ‬حافظة‭ ‬أو‭ ‬ملونات‭”.‬
تقول‭ ‬سميرة‭ (‬78‭ ‬عامًا‭): “‬لطالما‭ ‬كنت‭ ‬الرقم‭ ‬الصعب‭ ‬بإعداد‭ ‬المونة،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬منعتني‭ ‬أمراضي‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الأحب‭ ‬على‭ ‬قلبي،‭ ‬كنت‭ ‬أحضّر‭ ‬مونة‭ ‬أولادي‭ ‬بحرص‭ ‬وحب،‭ ‬واليوم‭ ‬بات‭ ‬دوري‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬لي‭ ‬ولهم‭ ‬نظرًا‭ ‬لخبرتي‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬جودة‭ ‬المنتوجات‭ ‬ومدى‭ ‬نظافتها،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬أكون‭ ‬متأكدة‭ ‬أنه‭ ‬يستخدم‭ ‬المواد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والصحية‭”.‬

المونة‭ ‬فتحت‭ ‬بابًا‭ ‬واسعًا‭ ‬للتجارة
مع‭ ‬خروج‭ ‬المرأة‭ ‬للعمل‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لإعداد‭ ‬المونة،‭ ‬ومعظمهن‭ ‬لا‭ ‬يجدن‭ ‬جيدًا‭ ‬كيفية‭ ‬إعدادها‭ ‬نظرًا‭ ‬للمتغيرات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬اللبناني،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬عينه‭ ‬الجميع‭ ‬يحب‭ ‬تناولها،‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬بابًا‭ ‬واسعًا‭ ‬لإنتاجها‭ ‬بهدف‭ ‬التجارة‭.‬
تشرح‭ ‬سوسن‭ (‬موظفة‭): “‬صارت‭ ‬منتجات‭ ‬المونة‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬التجاري،‭ ‬وهناك‭ ‬مؤسسات‭ ‬عديدة‭ ‬تنتجها‭ ‬وبكميات‭ ‬كبيرة؛‭ ‬نظرًا‭ ‬للطلب‭ ‬الكبير‭ ‬عليها،‭ ‬لكنني‭ ‬شخصيًا‭ ‬ما‭ ‬يشتري‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬شغل‭ ‬البيت،‭ ‬ومن‭ ‬ناس‭ ‬بعرفهن‭ ‬شخصيًا‭ ‬هيك‭ ‬بطمّن‭ ‬وبكون‭ ‬واثقة‭ ‬إنو‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬غش‭”.‬
أم‭ ‬محمد‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬المونة‭ ‬حسب‭ ‬طلب‭ ‬الزبائن‭ ‬مصدرًا‭ ‬للرزق‭ ‬لتعيل‭ ‬عائلتها‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجها،‭ “‬كل‭ ‬موسم‭ ‬صار‭ ‬عندي‭ ‬زبائن‭ ‬ثابتون‭ ‬وأغلبن‭ ‬عايشين‭ ‬ببيروت،‭ ‬وعندي‭ ‬ناس‭ ‬مسافرون‭ ‬كمان،‭ ‬موت‭ ‬زوجي‭ ‬أجبرني‭ ‬للشغل‭ ‬وبذات‭ ‬الوقت‭ ‬علّمت‭ ‬بنتي‭ ‬لتساعدني‭ ‬وتساعد‭ ‬نفسها‭ ‬مستقبلا‭”.‬

Exit mobile version