تحقيقات

«صائدة الثعابين».. 50 عامًا في مواجهة الموت

om-ali-

 

عادة ما تحمل سيدات المجتمع الراقي قطًا سياميًّا، أو يسبقها كلبها المدلل، فهي من الحيوانات التي تعكس أنوثتهن ودلالهن.

في المقابل، اتخذت السيدة «أم مرعي» طريقًا مختلفًا بتربيتها آلاف الثعابين والعقارب الشديدة السمية في بيتها، والعيش معها ورعايتها كما تراعي الأم أبناءها، وظلت تمارس هذه «الأمومة القاتلة» على مدار 50 عامًا.

رحلة غريبة لسيدة مصرية اختارت طريقًا لم تسبقها إليه أي من بنات جنسها.

«أسرتي» التقت «سيدة الثعابين» نوال عبدالعاطي الملقبة بـ «أم مرعي».. فإلى التفاصيل:

 

«سيدة الثعابين»، «ملكة العقارب»، «امرأة لا تعرف الخوف».. هذه بعض المسميات التي تشتهرين بها.. فكيف كانت بدايتك مع عالم الثعابين والعقارب؟

– ليست لي بداية بعيدة عن هذا العالم، فقد ولدت في محافظة الجيزة لأسرة تهوى صيد الثعابين وتربيتها وبيعها، وعشت طوال سنوات عمري الذي تجاوز الخمسين بقليل مع الثعابين السامة بجميع أنواعها، أتحدث معهم عن طريق لمسات يدي على أجسادها الملساء دون خوف، لأن الخوف بالنسبة لي يعني الموت، فهذه الحيوانات القاتلة تدرك جيدًا إنْ كان الإنسان الذي يواجهها خائفًا أم شجاعًا، وقد تدرَّبتُ على ذلك جيدًا من أسرتي، وبدوري نقلت خبرتي إلى أبنائي وأحفادي.. وقد أخذت شهرة كبيرة بسبب مهنتي لصيد واقتناء الثعابين من الصحراء والمسطحات المائية الخطرة.

 

كونك أنثى في عالم خطر.. من أين جاءتك الشجاعة في التعامل مع الثعابين والعقارب؟

– ربما كان السر في ذلك أنني تعاملت معها منذ طفولتي المبكرة، فكان والدي ووالدتي يعملان في تلك المهنة الخطرة، وتفتحت عيناي عليهما وهما يعودان كل يوم بحقائب صيد مختلفة الأحجام لأفرغها في المنزل في أحواض زجاجية بشكل آمن، ولقربي من والدي كنت أسرع لملامسة الثعابين والتعامل معها وأنا في عمر الخامسة، وكان من أهم الدروس التي علمها لي أبي أن أثق في نفسي وأتحكم في انفعالاتي وألا أسمح للخوف بأن يهزمني، وعندما نجحت في ذلك سمح لي والدي بالخروج لمساندته في الصيد وأنا في سن السابعة، لاسيما أنني أكبر أبنائه.

 

وما طبيعة رحلة صيد الثعابين والعقارب؟

– رحلة شاقة للغاية، خاصة في بداية تعلمي، كانت أولى ملامحها التخلي تمامًا عن أنوثتي، فكنت أرتدي ملابس الرجال أثناء الصيد وأحمل جرابًا ناعمًا من القماش لوضع محصول اليوم من الصيد فيه، وأهم أدواتي عصا خشبية رفيعة وقماشة من القطن لأضعها على وجهي لتقيني سم الثعبان إذا ما نفثه في وجهي، وهو الأمر الذي قد يصيبني بالعمى.

وأضافت: هناك نوعان من أماكن الصيد نحرص على التجول فيهما: المسطحات المائية الراكدة، فالخير فيها كثير، والصحراء بمختلف أماكنها في مصر، فكنا نخصص يومًا كل أسبوع أنا ووالدي للتجول في محافظة مختلفة وبعيدة عن القاهرة لصيد أنواع نادرة من الثعابين.

وحينما وصلت إلى عمر الـ13، حاول والدي إقناعي بالتخلي عن العمل والجلوس في المنزل لانتظار فارس الأحلام مثل أي فتاة، إلا أنني رفضت وأكدت له أنني لن أترك هذه المهنة وسأتزوج وهي معي، وبالفعل فوجئت بعد فترة بأحد شباب قريتي ويعمل صائدًا للثعابين أيضًا يتقدم لخطبتي وطلب مني التواصل معه في المهنة، وبالفعل تزوجنا وأنجبنا خمسة أبناء، من بينهم ولدان قمت بتعليمهما المهنة بشكل احترافي، ولم أعلم البنات لأن المجتمع ينفر من السيدة التي تتعامل مع الثعابين بأنها لا تهاب الموت وقلبها قوي، وكنت أسعى لأن تتزوج بناتي وتكون لهن حياة مستقرة بعيدًا عن تلك المهنة الخطرة، والتي تتطلب قلبًا قويًا لا يعرف الخوف.

 

ما أهم أنواع الثعابين التي تعاملتِ معها على مدار حياتك؟

– تعاملت مع 36 نوعًا نادرًا من الثعابين في منزلي، منها الحية والكوبرا والطريشة والحرباء والسلاحف والضبة والثعابين الخضيري بأنواعها والالكوندا، والثعابين المعروفة في السوق لا يزيد عددها على 36 نوعًا، من بينها 6 أنواع سامة، ومن يتعرض لسمها فإنه يلقى حتفه على الفور، وليست هناك أمصال سريعة للعلاج في مصر.

 

ما حجم الصيد السنوي من الثعابين؟

– هناك إنتاج سنوي للثعابين قد يقل أو يزيد بشكل نسبي، لكن المتوسط العام نحو 3 آلاف ثعبان و150 ألف عقرب سنويًا نصطادها من الصحراء وبعض الأماكن المهجورة، بمعاونة أبنائي، ونقوم بتوريدها إلى معهد المصل واللقاح بالقاهرة، كما أقوم بتصدير بعضها إلى الخارج للمشاركة في معارض أو صفقات لدول تحتاج إلى تلك النوعية من الثعابين.

وعلى مدار 50 عامًا، عشت في منزلي مع أكثر من 10 آلاف ثعبان بشكل دائم، كنت أتجول بينها دون خوف أو رهبة، وأنام معها في غرفة واحدة وهي في صناديق زجاجية، وأقوم بإطعامهما وتنظيف صناديقها بيدي.

 

ما أشد الأنواع التي تعاملت معها خطورة؟

– كل أنواع الثعابين والعقارب بلا استثناء، في مقدمتها الكوبرا، والتي أتعامل معها بشكل خاص دون الأنواع الأخرى، وقد تعلمت على يدي والدي وعلمت أبنائي وأحفادي من بعدي كيفية التعامل مع لدغات الثعابين بأنواعها المختلفة عن طريق الإسعافات الأولية، وهي مجموعة من الأعشاب والأدوية لا تخلو حقيبة الصائد الماهر منها، خوفًا على حياته، وهي في حالة لدغ الثعابين للجسم في أي منطقة، والأقرب تكون في منطقة اليد والذراع، لأنها هي الأقرب للمس الثعبان أثناء الصيد، فنقوم بشكل فوري بعد اللدغ بعقد ربطتين مختلفتين بمسافات مختلفة قبل وبعد مكان اللدغة، لحبس الدم المسموم، والتوجه بشكل سريع إلى أقرب مستشفى للعلاج.

ومن أشهر أنواع الثعابين في مصر الكوبرا والحية الغريبة والسوداء والبراجيل والحية الكاذبة التي تشبه الثعابين، لأن هناك فرقًا كبيرًا بين تصنيف الثعبان وهو الأقل خطورة وبين الحية وهي الأكثر خطورة، فالثعبان دائمًا ما يتميز بأنه يتحرك أثناء السير بشكل طبيعي، لكن أنواع الحية المختلفة لا تسير بكامل جسدها، بل تتحرك بجانبيها.

 

ما أبرز المواقف الطريفة في رحلتك مع الثعابين والعقارب؟

– تعرضت خلال حياتي إلى العديد من المواقف الطريفة، فيكفي أن يعرف الناس أنني صائدة ثعابين حتى يبادروا بالهرب من أمامي خوفًا على حياتهم، ومن المواقف التي لا أنساها أبدًا وحدثت منذ 30 عامًا، عندما تقدم أحد شباب قريتي لخطبتي وكنت لا أريده، وبعد قدومه إلى منزلنا حضرت لتقديم الشاي له، إلا أنه فوجئ بأنني أضع عشرات الثعابين على جسدي، ففرّ على الفور هاربًا من منزلنا خوفًا على حياته، ومن يومها لم أشاهده أبدًا رغم أنه من أبناء قريتي.

أيضًا عندما أحب أن أقدم هدية لصديقاتي كنت أقدم لهن ثعبانًا، فكن يسقطن مغشيًا عليهن من الخوف، لذلك لم تقبل أي من صديقاتي هديتي أبدًا خوفًا على حياتهن.

 

أخيرًا.. ما رأيكِ في موضة استخدام الثعابين المميتة في المناسبات؟

– للأسف هذه الموضة التي انتشرت أخيرًا بين بعض الشباب لتقديم عروض ترفيهية، لاسيما أن هناك أنواعًا خطرة لا ينبغي التعامل معها بشكل مباشر إلا من خلال المدربين ذوي الخبرة فقط.

 

القاهرة – دار الإعلام العربية

هدى علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق