حكايات من الزمن الأخضرمقالات

صمت تابع الثالثة فجرًا

soad

 

حكايات من الزمن الأخضر

أعزائـي:

عندما تتقارب زياراتي لبيت الله، يملأ ربي قلبي بشعور مشرق، لا مقارنة لديَّ بتقدير إحساسي لسعة البيت إذا كانت الأعداد

لا تعد أو كانت ساحة الطواف عادية بحركة المعتمرين..

 

صمت تابع الثالثة فجرًا

 

وحتى أتحاشى أنا ومن معي من الصديقات حالة التذمر، نطوف ونسعى بالكراسي ونؤدي الصلاة عندما يحين المغرب بتأن ونلحقه بالعشاء بعد السعي.

للمرة الأولى أدينا الصلاة في وقتها، خارج المسجد الحرام، شدة الزحام منعتنا من الدخول وأعلن النور الأحمر على بوابة الملك فهد حتى الساحة بين الفندق والمدخل لمكان الكعبة المشرفة، تراصت الصفوف من البشر المختلفة أجناسهم ومواطنهم.. منظر ينقلك من عالم الماديات التي تشغل الأذهان إلى عالم  روحانيات لا علاقة لها بالآخر، عالم تنفرد به مع الله فتعيش لحظات، وإذا أكرمك ربي زادت اللحظات إلى دقائق انفراد يسعدك، فتفضفض بما لا تقدر أن تقوله لأقرب الناس إليك، رغم الأعداد التي تفوق المليون ونصف المليون، وعندما تقام الصلاة: صمت فيه خشوع والتزام، لا صوت يسمع مطلقا حتى الهمس له موقع، هي عبادة وطاعة، فما أجمل الإسلام دين التسامح!

حرمٌ يجمع فئات بشرية لكلٍّ لغته وتقاليده، لا تقارب بينهم وبكثرتهم إلا بوحدانية الله سبحانه وطاعته الخالق الأوحد.. عمرتي جددت لي الكثير، وحجبت عني الكثير.

 

عودة

هي عودة لسنوات أنوارها تضيء جانبا من حياتي حتى لحظاتها.. كان ابتعادي عن ميدان أحببت معايشته بإرادة مني لقرارات اعتبرها لا تنظيمية ومن وافق عليها فهو مجامل، فقررت أن أترك ميدان من أحببت ومن سرى حبها في دمي حتى لا أؤذيها وأجرحها.

بين فترة وأخرى أعود لسجل من مجموعة سجلات قيدت بها وبقلمي تحركاتي اليومية بين المدارس، ضمن جدول وقع نظري على نشرة لمدرسة من المدارس المتوسطة بنين، تشير الى أن دوام الابتدائي ينتهي بدوام 12/5/1983 والمتوسط امتحاناته من 7/5/1983 الى 12/5/1983 والثانوي النقل من 30/4/1983 الى 8/5/1983، أما الثانوية العامة فمن 21/5/1983 الى 4/6/1983 ويليه بتواريخ مختلفة النتائج وتوزيع الشهادات وتسجيل مواعيد الدور الثاني.

في تاريخ 18/9/1982، زرت مدرسة عبدالله خلف الابتدائية وسجلت بعضا من ملاحظات: تقسيم الحصص بالتساوي بدلا من الانتظار لسد العجز، وذيلت زيارتي بتوصية لناظرة المدرسة بأن تتصرف بما يكفل عدم تعطيل أي مادة أو نشاط.

كانت الزيارات الميدانية متعة لممارسة واقع، وأن حل مشاكله تتم داخليا، وأغرب ما صادفني في صفحات تالية في ثانوية السالمية بنات بتاريخ 18/9/1982 شكوى الناظرة من ان المدرِّسة التونسية

(لغة عربية) واسمها «ياقوتة بنت حجاب» حامل في شهورها الأخيرة في بداية العام وتلد في ثلث العام، وستتعطل مقررات الطالبات.. فكيف تم التعاقد معها وهي مستجدة؟!

قد يكون موضوعي يفقد بعضاً من المتعة بقراءته رغم أني استمتعت بكتابته بعودتي لماضٍ أحببته.

 

خدمات

أعود إلى ميدان حياتنا اليومية.. أرض حبيبتي، منذ نشأتي ومنذ السنوات البعيدة عندما كانت مساكننا الأسمنتية التي يتخللها الطين في أجزاء منها، عندما كانت شوارعنا ترابية، وقلة ما بلط من أجل السيارات.. كانت الفضلات وما تجمع منها يلقى في مكان مخصص له، يحتل جزءًا من ساحة أشبه ما تكون بنصف دائرة، أما كيف كانت تنقل وإلى أين.. فلا أعرف ذلك.

سطور قليلة – أعزائي – أريد أن أصل معكم إلى ما نلاحظه حاليا في شوارعنا إذا اتسعت أو ضاقت، فالعمالة ذات الزي الأصفر تجدها منتشرة دون تنظيم، كثرة تواجدها، قد يكون هناك اثنان أو أكثر ينتشرون في شارعين متقاربين ولظروفهم القاهرة ينتظرون المارة ويلحقون بالسيارات اذا توقفت قريبا منهم.

شعور يؤلم.. فهل ما يتقاضاه أولئك أقل من حقهم؟ وكم من مرة عندما أتوقف قرب أحدهم، يسألني (ماما.. أنا يبي يسافر أبي تذكرة)، ويقولها باللغة العربية بلهجة كويتية متكسرة ولكن مفهومة بمعناها.

لم أشاهد مثل تلك المناظر أينما كنت في أي دولة لاسيما الأوروبية.. تجد من يدفع عربته لجمع أكياس منظمة بعددها مهما كثرت دون أن يتوقف أو يشير إليك بطلب المساعدة، حتى لو كانوا من جنسيات عربية.

لست أنا من لاحظ هذا، فمن المسؤول عنهم وعن توزيعهم وتكدسهم؟ ومن يحدد استحقاقهم حتى يخفف المذلة التي يعانونها؟ كان الله بعونهم.

ذات يوم جذب انتباهي أحدهم وأنا في شارع من شوارع لندن المعروفة، رجل قد لبس أثقالا من الملابس رغم أننا في فصل الصيف ويجر عربة مخصصة للفائض من المنازل.

مددت يدي إليه بشيء مما قسمه الله من العملات، وإذا به يقذف ما قدمته وينثره أرضا، إضافة الى بعض الكلمات التي لا أتمكن من كتابتها، فأسرعت بخطواتي حتى لا يصيبني منه أكثر.. وهكذا نجد الفرق، فلابد من الرحمة بأولئك ذوي الملابس الصفراء المنتشرين دون تنظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق