عزيزتي غنيمةمقالات

عزيزتي غنيمة

بيت ثابت الأركان

إن حياة أبنائنا هي انعكاس مباشر لتصرفاتنا ولذلك يجب أن نكون في مستوى المسؤولية التي وضعها الله في رقابنا جميعاً.

عزيزتي غنيمة:

تحية ملؤها المحبة.. وبعد،،،

إنني شاب في الرابع ثانوي تيتمت ووالداي لايزالان على قيد الحياة، ويوجد لدي أخ  يكبرني بسنة أو سنتين وهو بنفس الوقت في صفي، والمشكلة وأنت خير العارفين بما تنطوي عليه الأسرة الكويتية أي الشاب والفتاة لا يقدر أحد منهما أن يحصل على الشيء الذي يريده مباشرة من والده وخصوصا إذا كان هذا الشيء له كيان أو قيمة معينة، بل نستطيع ذلك بمساعدة والدتنا،

وكنا قديما نفعل ذلك، ولكن وبعد أن أصبح والدي لايكلم والدتي المسكينة تغير كل شيء، يصير بنفسي شيء لكن ما أقدر أن أطلبه أو أقول أريده، أكبت كل شيء بصدري الى أن تزول قيمته الجوهرية بنظري فأمقته، وأنا لا أعرف السبب الذي من أجله لا يكلم والدي والدتي مع أنه قضى معها عِشرة عمر كامل،

تصوري 35 سنة وبين يوم وليلة لا يكلمها، ما الذي حصل لا أدري ما السبب، له الآن أربع سنوات لا يكلمها ولا يكف عن أن يكلمني كل يوم عن عيوبها وعن.. وعن.. ويراني مطرقا لحديثه ويحسبني أستمتع به ولايشعر بما أشعر به أنا، ولا يحس بالنيران التي تقطع شراييني من كثرة الحقد لا عليه بل على (…) ما أدري على أي شيء، تصوري أختي العزيزة غنيمة بعد على الامتحان 19 يوما وامتحان الثانوية العامة وخصوصا العلمي ليس بالسهولة التي يتصورها المرء

ومع ذلك لا أقدر أن أدرس وكل هذا بسببهم، وعندما حاول أهلي جميعا أن يصلحوا بين والدي ووالدتي قال والدي أنا ما أبيها خلاص ما أبيها غصب.. وعندما سمعت هذه الكلمات من والدي وأنا أصغر أعياله ذهبت لفراشي وأخذت أبكي.. لا عليه ولا على والدتي ولكن أرثى لحالي.

وعندما علم اخواني وأخواتي بأنه سيتزوج وقفوا بوجهه وقالوا له أنت لا تعرفنا ولا احنا نعرفك إذا تزوجت، والحمد لله تراجع المسكين عن أن يأخذ من لذات الدنيا ولو قليلا.

وأنا حائر ما أدري كيف أصالح بين الاثنين ولا أقدر أن أراهما هكذا، لأنني في السنة الماضية عندما نجحت من الثالث ثانوي تصوري أنني لم أجلس في البيت حتى يوما واحدا – لأنني مللت أن أرى الجدران التي تخبئ مشاكل هذه الأسرة،

ولا تكشفها على الملأ لكي يصلحوا ذات بينهم – لقد قضيت ثلاثة أشهر بين البحر والسينما والتجوال في الشوارع وتقدري أن تسميه التسكع في الشوارع وأتت السنة الجديدة وأنا لا يوجد عندي أي استعداد للدراسة،

وعندما أجلس بجانب التلفزيون وبجانبي والدتي أكره الدنيا والله العظيم وأتذكر الجملة «الجنة تحت أقدام الأمهات»، وأضحك ملء قلبي وفمي.. وأقول أين هذه الجنة إنني لا أشعر منها بأي عاطفة، وكذلك أبي كل منهم منصرف لشؤونه الخاصة وهما لا يعرفان أنني أعيش نتاج عذابهما وهما يعيشان سعادتها.

ملاحظة: أرجو أن أجد الرد على الصفحات القادمة من العدد الجديد.. لأنني ربما أحصل على بعثة دراسية إذا قدر لي النجاح بإذن الله وبودي أن أراهما كما كانا من قبل.. فأذهب وأنا مرتاح البال، مطمئن الخاطر علما بأنني حاولت الإصلاح بينهما بطريقة مباشرة وغير مباشرة فكلمت كل واحد منهما على انفراد وقال لي والدي عندما سمع أطراف الحديث مني: قوم قوم أبي أسمع الأخبار..

أخوك ق.ف

– عندما يقرأ والداك كلماتك أرجو أن يراجع كل منهما موقفه ومعهما كل أب وكل أم.. إن العذاب الذي يلحقه كل منهما بالآخر يتجمع مضاعفا ليسمم حياة الأبناء، ليخلق فيهم الشك بالحياة، ويشعرهم بالخوف وعدم الاستقرار.. إن الأبوة والأمومة تسام عن الأنانية وتضحية من أجل الأبناء..

إن الشاب في مرحلة الصبا والمراهقة ينظر الى البيت الذي يؤمن له الطعام والسكن والنوم نظرة خاصة مرهفة، إنه يحب أن يرى هذا البيت ثابت الأركان ويرى التفاهم بين الركنين الأساسيين فيه «الأب، والأم» تفاهما راسخا لا يهتز.. فإذا حدث الخلاف شعر الأبناء فورا بأن الأرض التي يقفون عليها بدأت تهتز،

وبأنهم مهددون بانهيار البيت فوقهم، وبهرب الأب والأم، وفقدان المكان الذي يؤمن لهم الحياة بطعامها وشرابها وأمنها وسعادتها. ثم بعد ذلك الأفكار السود والخوف من الحياة ويسأل المراهق نفسه أسئلة محيرة قلقة، لماذا لا أموت، كيف سأحصل على الطعام، بالتأكيد سأفشل في كسب القوت..

وهكذا تبدأ الدوامة السوداء تدور في رأسه فيفشل في الدراسة اذا كان طالباً، ويفقد الثقة في المستقبل ويواجه الحياة مترددا في المستقبل.

إن حياة أبنائنا هي انعكاس مباشر لتصرفاتنا، ولذلك يجب أن نكون في مستوى المسؤولية التي وضعها الله في رقابنا جميعا.. أما أنت فيجب أن تنظر الى المشكلة برجولة كاملة.. حاول وكرر المحاولة للإصلاح وإذا فشلت فلا بأس، اعتبر نفسك واحدا من آلاف اليتامى في الكويت،

هؤلاء الذين حرموا نعمة الأسرة برغم وجود الآباء على قيد الحياة، نعم لست وحدك، بل أنت إفراز هزة اجتماعية قاسية، فواجه حياتك وحدك واصنع مصيرك بإرادتك، وغداً عندما تصبح لك أسرتك، وبين أحضانك أطفال صغار، احرص عليهم ألا يعيشوا يتامى وأنت موجود.

1969

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق