تحقيقات

«فشـــخـــرة» النـــــواعــــــم

داءٌ يُصيب المهووسات بحب الظهور وإثبات الذات

«بابي يشتري لي سيارة جديدة كل شهر»، و«أنا بابي يشتري لي واحدة كل أسبوع».. «الدكتور في الجامعة ترجاني لمدة ساعتين كي أعطيه رقم هاتفي ورفضت».. «زوجي لا ينام إلا إذا كنت آخر شخص تراه عيناه».. «خطيبي ظل يسهر أسفل نافذة غرفتي يوميًّا من الساعة السابعة مساءً حتى الثامنة صباحاً لمدة 3 سنوات قبل أن أوافق على خطبته».
هذه عينة من أحاديث كثير من النساء المصابات بداء «الفشخرة» الذي يُصيب المهووسات بحب الظهور وإثبات الذات، وهو انعكاس لفقدان الثقة بالنفس يحاولن التغلب عليها بإلقاء مزيد من الضوء على الذات من الخارج.
«أسرتي» رصدت الظاهرة وجاءتكم بالتفاصيل:

سناء: طبيعة المجتمع فرضت علينا مظاهر خادعة

نبدأ مع سناء حسين 32 عاماً التي تقول:
للأسف طبيعة المجتمعات العربية حالياً أصبحت تعتمد بشكل مبالغ فيه على المظاهر الخادعة، مما جعل كثير من النساء يبذلن ما في وسعهن للظهور بمظهر يضفي عليهن هالة من التميز لا يمتلكنها في الأساس، فنظرة الناس أصبحت تتحكم في كل أمور حياتنا، ما يجعل الكثيرات يتفنن في التباهي بما يملكن سواء بأموالهن أو أزواجهن حتى أبنائهن، فسبل التباهي كثيرة حتى وإن اضطرت بعضهن إلى إضفاء المزيد من الكذب كي تعطي في النهاية صورة جيدة عن حياتها.

ندى: «الفشخرة» أنواع.. وهي غريزة عند المرأة العربية

أما ندى عبدالباسط (37 عاماً ـ معلمة)فتقول:
التباهي غريزة عند كثير من النساء بالذات العربيات، فعلى الرغم من أن المجتمع في حد ذاته يميل إلى حب المظاهر، فإن المرأة العربية لاسيما الفتيات بداخلهن تركيبة نفسية تجعلهن يعشقن حب الظهور والتباهي بما يملكن، وإن كان الأمر يختلف من سيدة لأخرى.
وأوضحت:
عادة ما تظهر «الفشخرة» حينما تجتمع النساء أو الفتيات مع بعضهن بعضًا.. ويمكن تقسيمها إلى 3 أنواع:
• فشخرة بنات الأسر المترفة، فهن يتفشخرن على من هن أقل منهن.. فتقول إحداهن: «بابي يشتري لي سيارة جديدة كل شهر». وربما ترد عليها زميلتها فتقول:«وأنا بابي يشتري لي واحدة كل أسبوع».
• «فشخرة» البنات الميسورات الحال، كأن تقول إحداهن لزميلاتها: «انظرن إلى هذه الساعة، لقد احضرها لي أبي من باريس، وهي الوحيدة في فئتها».. بينما قد تكون في الواقع ساعة مستنسخة وليست أصلية.
• «فشخرة» بنات الأسر الفقيرة، كأن تقول إحداهن: «الدكتور في الجامعة عرض يعطيني الامتحان مقابل رقم تلفوني ورفضت»، «خطيبي ظل يسهر أسفل نافذة غرفتي يوميٍّا من الساعة السابعة مساءً حتى الثامنة صباحاً لمدة 3 سنوات قبل أن أوافق على خطبته»!

أمنية: من تتباهى تداري إحساسها بالنقص!

تقول أمنية عادل (23 عاماً):
من الظلم أن نعمم حب التباهي على كل بنات حواء، فالأمر يختلف حسب طبيعة الشخصية والتربية، لكن بشكل عام أرى أن حب الفشخرة ينبع من قلة الثقة بالنفس، سواء من جانب الرجل أو المرأة، فالشخص الواثق في نفسه بشكل كاف ليس في حاجة إلى أن يظهر ما لديه من ممتلكات أو مقتنيات، بل هذا النوع من التباهي هو شعور بالنقص ورغبة في حب الظهور الذي قد ينقلب إلى ادعاءات كاذبة ما يثير اشمئزاز الناس ونفورهم».

علياء: لا أفعل ذلك بغرض التباهي بل لأنني وصديقاتي اعتدنا ذلك

أما علياء محمد (26 عاماً) فتقول:
دائماً ألجأ إلى ارتداء ملابس ذات علامات تجارية معروفة وأسعار مرتفعة، لأروي لصديقاتي بعد كل تسوق ماذا اشتريت وكم دفعت، والحقيقة أنني لا أفعل ذلك بغرض التباهي، لكن فقط لأنني اعتدت ذلك، وصديقاتي أيضاً.. كل منا تروي تفاصيل حياتها للأخرى، وكثيراً ما تنقلب أحاديثنا إلى مجالٍ للتباهي والتفاخر بكل ما نملك، ولكن دون قصد منا بذلك.

هايدي:ما المشكلة أن تتباهى الفتاة أو السيدة بما تملك؟!

بينما كان لهايدي أشرف (27 عاماً) رأي مختلف، أوضحته قائلة:
نعم أعشق الفشخرة والتباهي بحياتي أمام الناس، فقد قال الله تعالى: >وأما بنعمة ربك فحدث<، فما المشكلة إذن أن تتباهى الفتاة أو السيدة بما تملك وأن تتحدث به مع من حولها، فأنا أحب التحدث عن أماكن شراء ملابسي الغالية وأماكن تنزهي مع أسرتي، وإذا اشتريت هاتفاً محمولاً جديداً أو عقداً جديداً لا أتردد في أن أتباهى به مع أقاربي وأصدقائي، فالأمر ليس مرضاً نفسياً أو عقدة نفسية، بل هو طبيعة شخصية تميل لأن تظهر ما لديها على عكس شخصية أخرى لا تحب ذلك.

ولاء: يُضفي عليَّ «برستيج» بين الناس
بدورها، قالت ولاء حامد (35 عاماً):
التباهي أو التفاخر يضفي مكانة اجتماعية مميزة للسيدة، فلا حرج في أن أقول إنه يعطي للسيدة نظرة احترام وتقدير من الناس من حولها الذين تجدهم يعملون حساباً لها، فهو رونق اجتماعي قبل أن يكون حب ظهور داخلي، فأنا أجد نفسي وكياني حينما أتباهى بما أملكه أمام الآخرين، والذي يضفي عليَّ (برستيج) وسط الناس.

د.سامية: الإنسان عموماً يحب الظهور بمظهر لائق أمام الناس

إلى ذلك، ترى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر د.سامية الجندي أن الإنسان عموماً يحب الظهور بمظهر لائق قدر الإمكان أمام الناس، إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن الأمر يزداد مع النساء اللاتي يتعمدن أن يخفين جوانب نقص في حياتهن سواء مادية أو اجتماعية بخلق حالة من التباهي بما يملكن، والحقيقة أن الأمر يعود إلى أسباب اجتماعية في المقام الأول، وذلك نتيجة لتزايد الفروق المادية والاجتماعية بين الطبقات حالياً، ما جعل بعض النساء يتبعن هذا الأسلوب لمسايرة الطبقة التي تعلوهن، وكي لا يشعرن بنقص اجتماعي بداخلهن ما قد يخلق لديهن عقدة نفسية، فيجدن دائماً العلاج في التباهي أو حتى الادعاءات الكاذبة.
وتضيف الجندي:
الأمر يعود أيضاً إلى طبيعة المجتمع الذي يميل بشكل كبير إلى حب المظاهر ومعايرة من لا يملك، فتجد الجميع يتجه إلى التباهي والتفاخر حتى في أمور بسيطة، فعلى سبيل المثال هناك من يرفض شراء كميات قليلة من الفاكهة والخضراوات كي لا يقول عنه البائع أو الزبائن إنه بخيل أو لا يملك المال، كما تجد كثيرين يميلون إلى شراء كميات ضخمة من الأطعمة ليس لشيء سوى التباهي بامتلاك المال والقدرة على الشراء.
وتؤكد:
التباهي جزء من ثقافة مجتمع عربي بآلية أصبحت تتحكم في مجريات الأمور، وهو ما ليس موجوداً في المجتمعات الغربية التي لا يجد أفرادها حرجاً في شراء ثمرة فاكهة واحدة من السوبر ماركت دون حاجة إلى استخدام هذه الثقافة.
د.أمينة: وسيلة لتفريغ هذا الكبت

لم يختلف كثيراً رأي أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس د.أمينة كاظم التي تؤكد أن الأمر يعود بشكل كبير إلى ضعف الثقة بالنفس وشعور بالنقص المكبوت، حيث يجد الشخص في التباهي أو «الفشخرة» وسيلة لتفريغ هذا الكبت، موضحة أن المجتمع العربي طبقي بطبعه، فهناك تقسيم هرمي للناس، وكل شخص يحاول تصنيف نفسه بالقياس إلى الآخرين، لهذا تظهر الرغبة الملحة في الاندماج في المجتمع وتسلق السلم الاجتماعي بسرعة هائلة.
وتضيف:
أساليب التباهي والاستعراض والتصنع تجعل البعض يحول المناسبة أيًّا كانت إلى فرصة للتباهي حتى يثبت للآخر مكانة اجتماعية تجلب له التقدير والاحترام، وبالتالي فإن هدف التفاخر والتباهي والاستعراض والتصنع قد يخلق الأهداف والعلاقات الاجتماعية الطبيعية، كما أن هناك نوعًا آخر من «الفشخرة» يسعى صاحبه إلى أن يخلق لنفسه مكانة مميزة عند أشخاص بأعينهم.
فعلى سبيل المثال هناك من النساء من يتفنن في التباهي والتصنع أمام أهل الزوج لكي توصل لهم رسالة معينة عن مستواها الاجتماعي والمادي الذي يجلب لها من وجهة نظرها المزيد من التقدير والاحترام.

هوس «الفشخرة»
التباهي أو ثقافة «شوفوني» نابع في الأساس من ثقافة المجتمع العربي الذي فرض على أفراده نمط حياة معينًا مبنيًّا على المظاهر الخادعة، ما جعل نساءه يتفاخرن بما يمتلكن أو حتى ما لا يمتلكن، فتلك تتفاخر بأموالها وأخرى تتباهى بشقتها الجديدة، وثالثة بوظيفتها وراتبها الكبير، ورابعة بزوجها الذي يذوب عشقاً فيها، بل هناك من لا تجد حرجاً في إضفاء مزيد من المبالغة والادعاءات الكاذبة على حياتها لتجد في النهاية ما تتفاخر به.. وتختلف الأشكال، ولكن يبقى الهوس بـ «الفشخرة» الصفة المشتركة في معشر النساء!

ريهام عاطف
القاهرة ــ دار الإعلام العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق