تحقيقات

«مبادرة الجليس» لتعزيز القراءة

تعرف القراءة بأنها غذاء العقل الذي يسهم في توسيع مداركه وآفاقه، وفي ظل تطور العصر وتعقيداته يحتاج المرء إلى الاطلاع الدائم حتى يستطيع أن يفهم عصره ويجاريه.

وقديماً كانت المكتبات الملجأ الأول لمحبي القراءة، ومع تقدم الزمن أصبحت هناك منافذ بيع الكتب التي يشتري منها القراء كتبهم المفضلة.

وفي عصر التكنولوجيا تحول البعض إلى القراءة الالكترونية في حين هجر البعض المكتبات والقراءة كذلك.

وفي هذا التحقيق نرصد حالة المكتبات العامة في عصرنا، وكيف يحاول الشباب إحياء قيمة القراءة في المجتمع.

خلود العجمي:

في الغالب يأتي في اليوم زائر أو زائران إلى المكتبة

في البداية توجهنا إلى إحدى المكتبات العامة التي كانت خالية تماماً إلا من فتاة واحدة تقوم بعمل بحثي خاص بها.

وعندما سألنا خلود العجمي من المسؤولين في المكتبة عن أعداد الزائرين قالت:

«في الغالب يأتي في اليوم زائر أو زائرين، ومعظمهم يأتي لأغراض علمية، والقليل فقط من يستعيرون الكتب».

وتشرح أسباب تراجع الأعداد من وجهة نظرها قائلة:

«أصبح الناس الآن يعتمدون على الإنترنت ويحصلون منه على المعلومات التي يحتاجونها والطلبة الجامعيون الذين يأتون إلى هنا في الغالب يكون ذلك بسبب أن الجامعة تطلب منهم اسم الكتاب ورقم سجله المكتبي ولذلك يأتون للمكتبة للحصول عليه».

وتتذكر خلود منذ تسعة عشر عاماً عندما بدأت العمل في المكتبة أن الوضع كان مختلفاً تماماً «لم يكن هناك وقت فراغ كاف لشرب كوب من الشاي كانت الطلبة تأتي من المراحل المختلفة حتى القراء الذين يستعيرون الكتب كان عددهم أكثر».

لكنها لا ترى أن التحول من القراءة الورقية إلى القراءة الإلكترونية يمثل فارقاً كبيراً «كلاهما يكون نفس الدرجة من الثقافة».

وعن كيفية تشجيع الاقبال على المكتبات العامة تقول:

«يمكن فعل ذلك بعمل المسابقات وعقد الندوات داخل المكتبات العامة».

لطيفة المطوع:

لا يعني التراجع في أعداد المترددين على المكتبات العامة قلة القراء

أمينة مكتبة الفيحاء العامة لطيفة المطوع تؤكد انحسار الأعداد التي تأتي للمكتبة  «قد أقضي اليوم في المكتبة ويأتي شخص واحد أو 2 فقط».

وترجع الأمر أيضاً إلى انتشار الأجهزة المحمولة والإنترنت لكنها تذكر سبباً آخر لذلك الانخفاض «بعض الأشخاص تكون المكتبات بعيدة عنهم فيثقل عليهم الذهاب إليها».

لكن لطيفة ترى أن القراءة الورقية تختلف عن القراءة الإلكترونية «شخصياً أفضل القراءة الورقية التي تجعلني ألمس الشيء الذي أقرؤه وتمكنني من الاحتفاظ به فيما بعد».

ووفقاً لرأيها لا يعني التراجع في أعداد المترددين على المكتبات العامة قلة القراء حيث لا ترى أن هناك علاقة بين الأمرين فالبعض قد يفضل القراءة المنزلية أو باستخدام الأجهزة المحمولة.

تعزيز عادة القراءة في المجتمع الكويتي

وحتى لا تغيب عادة القراءة كما غاب ارتياد الناس للمكتبات العامة أطلق مجموعة من الشباب الكويتي مبادرة كانت لبنتها الأولى في عام 2010 وهي «مبادرة الجليس» التطوعية.

تهدف المبادرة إلى تعزيز عادة القراءة في المجتمع الكويتي وتحتوي الآن على 380 عضوا.

وتحت مظلة هذه المبادرة تم تكوين عدد من أندية القراءة التي يلتقي أعضاؤها كل فترة لمناقشة كتاب متفق عليه بينهم.

دلال الكعبي:

بدايتي مع القراءة وأنا في الثالثة عشرة من عمري

وسمية العجمي:

الإنسان يقرأ حتى ينفع مجتمعه أينما وجد

التقينا رئيس نادي القادة للقراءة دلال الكعبي وبعض الأعضاء وهن وسمية وفجر وهدى اللاتي تحدثنا معهن عن بعض الأمور المتعلقة بالقراءة وأهميتها وكذلك دور المكتبات.

كان لقاؤنا معهن بعد جلسة لمناقشة كتاب «سيكولوجية الجماهير»، وفي المناقشة تطرق الأعضاء للعديد من الموضوعات وامتد بهم الحديث عن قضايا متنوعة.

يرجع هذا إلى رؤيتهم للقراءة كحاجة أساسية للإنسان كما تقول وسمية العجمي إحدى أعضاء النادي والطالبة بجامعة الكويت «القراءة ليست كلمات على الورق فقط، بل هي أفكار وتعليم فالإنسان يقرأ حتى ينفع مجتمعه أينما وجد».

وترى وسمية أن عزوف بعض الناس عن القراءة يعود إلى ميلهم إلى تقليد غيرهم «الناس أصبحت لا تبحث عن ذاتها بل يتبعون الآخرين ويصبحون صورة منهم والقراءة بحث عن الذات».

لاحظت وسمية أن غالبية من حولها يقبلون على قراءة الكتب العاطفية وكتب التنمية البشرية البسيطة لكنها تنفي أن تكون هناك أي كتب غير مفيدة  «على كل شخص أن يقرأ وأن يكون حراً في اختياراته لما يقرؤه حتى يعرف الجيد من السيئ»

وتتذكر وسمية بدايتها مع القراءة «أول كتاب قراءته قد يكون خطأ وأخجل من قول اسمه لكنني الآن استطيع أن أختار الكتاب المناسب للقراءة».

تتحدث وسمية عن القراءة الالكترونية بإيجابية فهي تجدها ملائمة للأشخاص الذين لا تناسبهم القراءة الورقية «البعض قد يكون يومه مزدحما لا يمكنه الذهاب للمكتبة أو ليست لديه الميزانية الكافية لشراء الكتب وفي هذه الحالة تكون القراءة الإلكترونية ملائمة أكثر له».

وسمية العجمي:

يتعامل الطلبة في جامعتي مع مكتبة الطالب وكأنها مكان للاستراحة أو تناول الطعام!

أما عن دور المكتبات العامة فهي ترى أن تعاطي الناس مع المكتبة أحد أسباب اختفاء دور المكتبات العامة  «يتعامل الطلبة في جامعتي مع مكتبة الطالب وكأنها مكان للاستراحة أو تناول الطعام لا مكان هادئ ومناسب للقراءة والاطلاع كما في السابق».

ولـ «وسمية» طريقتها الخاصة في تشجيع المقربين منها على القراءة وذلك عبر إهدائهم الكتب «في السنتين الماضيتين أصبحت الهدايا التي أقدمها لأصدقائي هي الكتب وعندما طلبت مني زميلة من قبل نصيحة لأن لديها شعور لا تستطيع التعبير عنه كانت نصيحتي لها بأن تقرأ».

تكمل مبتسمة «قابلتها بعد فترة وقالت لي انها استطاعت معرفة ما تشعر به عندما بدأت بالقراءة».

بدأت وسمية عضوًّا في النادي منذ سنتين وكانت المناقشة الأولى التي حضرتها حول كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور غازي القصيبي الذي تكن له مكانة خاصة وتقول وسمية بحماس «ما فاجأني عندما ناقشنا الكتاب أنني وجدت طرحاً مختلفاً من كل شخص للكتاب وآراء لم تخطر لي على بال شعرت بأنني أرى الكتاب من أعين الآخرين فأنا قد طغى علي في بعض الأوقات مشاعري تجاه الكتاب».

القراءة حاجة أساسية للإنسان

دلال الكعبي رئيس النادي تتفق مع وسمية في أن القراءة حاجة أساسية للإنسان «أقرأ حتى يكون لدي مخزون فكري ولغوي لكي يمكنني التعبير عن نفسي، فالقراءة تغير الإنسان كما تدخلني عالما آخر وبدايتي مع القراءة كانت وأنا في الثالثة عشرة من عمري».

وترى دلال أن القراءة والإقبال على المكتبات ثقافة تُزرع في الطفل من قبل الأبوين ولديها تجربتها الخاصة التي تقول عنها «جربت الأمر مع ابني فمنذ أتم عامه الأول جعلته يطالع القصص المصورة حتى يعتاد على القراءة ووجود الكتاب وهو الآن في الثامنة ويمكنه القراءة بالانجليزية البسيطة».

اجتماعات أندية القراءة تتم في أماكن عامة

وتوضح دلال أسباب ذلك «نحن نرغب في نشر ثقافة القراءة بين الناس نود أن يرانا الناس ويعتادوا على وجود الكتاب بينهم فبعضهم يأتي حين يرى تجمعنا ويستمع إلينا وهذا ما نهدف له».

وتذكر أن هناك تعاونا بين مبادرة الجليس والمجلس الوطني لإحياء دور المكتبات العامة، حيث استضاف عدد من المكتبات العامة أنشطة وفعاليات خاصة بالمبادرة، آخرهم نشاط خاص بنادي الأطفال وكذلك ورشة عمل لأحد الكتاب.

وتصف دلال الجليس بأنه بيت لها «غرست المبادرة بداخلي حب العمل التطوعي لنشر هدف ثقافي، كما ساعدتني على لقاء العديد من الناس الذين اعتز بمعرفتهم ولهذا جعلنا من معرض الكتاب (بيت الجليس)».

وتؤكد أن ما يجمع الأعضاء ليست القراءة وحدها فقط «ليس شرطاً أن يقرأ العضو الكتاب كاملاً قد يأتي ليحضر المناقشة للاستفادة من الآراء التي يتم طرحها فنحن نهدف في المبادرة لإثراء المعرفة والتعلم كذلك».

هدى الظفيري:

لا تعرف الطالبات المكتبة العامة

هدى الظفيري، إحدى أعضاء النادي وهي معلمة حاسوب.. القراءة بالنسبة لها عالم آخر تنتقل بها إلى عالم خيالي «قد يبكينا الكتاب في إحدى صفحاته ويسعدنا في الصفحة التي تليها وأحياناً يصور الكاتب مشاعر بداخلنا نحن لا نستطيع التعبير عنها».

ولها وجهة نظر فيما يخص القراءة الإلكترونية تشرحها «الكتاب الورقي أقرب إلى قلبي كثيراً لكنني أجد في بعض الأوقات أن الكتاب الإلكتروني أفضل وذلك حين لا يريد الشخص أن يحتفظ بكتاب معين في مكتبته حتى لا يكون زيادة عدد بها».

وعند الحديث عن المكتبات العامة تحكي هدى عن طالباتها قائلة:

«لا تعرف الطالبات ما المكتبة العامة فحين يريدون الحصول على معلومة يلجؤون مباشرة إلى الإنترنت ومن أسباب هذا الأمر أن العديد من المدارس لا تفعل دور المكتبة المدرسية مما يجعل الطلبة  يجهلون أهمية المكتبة».

وتلقي هدى الضوء على مشكلة تواجه القراء من صغار السن وقليلي الخبرة بالكتب، فهم لا يعرفون ماذا يقرأون «تسألني طالباتي عن الكتب التي يمكن لهن قراءتها فهن لا يعرفن الكتب المناسبة لهن، كما أن البعض منهن قد ينجذب للكتب التي تثار حولها ضجة دعائية وإعلامية».

في البداية كانت قراءات هدى بسيطة ولم تكن تستطع إكمال صفحتين أو ثلاث لأي كتاب «انضممتُ إلى مبادرة الجليس حتى أتعلم كيف أقرأ كانت لدي رهبة من اختيار كتاب خاطئ يضيع وقتي».

وتستدرك:

«حالياً أصبح لدي قراءاتي الخاصة إلى جانب قراءات النادي كأنني أدخل في ماراثون خاص بي للقراءة ويخالجني شعور بالذنب عندما يمر يوم دون الاطلاع على أي كتاب».

كان لممارسة عادة القراءة أثر على حياتها الأسرية أيضاً «أصبحت أطلب من بناتي مشاركتي بما يطلعون عليه كما أوجههم إلى قراءات تغير فكرهم وتعرفهم على أمور جديدة».

فجر الغضوري:

القراءة أسلوب حياة

فجر الغضوري وهي عضو في المبادرة منذ عام 2013 تصف القراءة بأنها أسلوب حياة «القراءة ليست هواية لمن يحبها بل تصبح جزءا من الحياة اليومية فأنا أقرأ يومياً ساعة قبل موعد نومي فالقراءة بالنسبة لي عادة تماماً كمن يمارس الرياضة أو أي عادة يومية».

وترى أن القراءة تجعل صاحبها يسبق زمنه فأحياناً تكون أفكاره أكبر من عمره لما يطلع عليه في الكتب.

وتستكمل رؤيتها حول أهمية القراءة «إنها تصنع الكاتب فلم يكن هناك أبداً كاتب ليس بقارئ ومن أهداف مبادرات القراءة خلق كتاب كويتيين وثقافة كويتية قوية».

وعن أسباب عزوف البعض عن القراءة تقول:

«ثقافة بعض الأهل والمعلمين قد تمنع الأطفال والطلاب من الاقبال على القراءة، حيث لا يشجعونهم عليها بدعوى أن قراءة الكتب الدراسية والمذاكرة أهم وأفضل».

وعن المبادرة تذكر فجر أن الجليس أدخلها عالما مختلفا من الكتب «تعرفت على أنواع مختلفة من الكتب فأنا في البداية كنت أقرأ الروايات فقط، ولكن من خلال المبادرة والنادي اطلعت على عالم كتب الفلسفة التي أحببتها بشدة».

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق