أخبار فنيةفن

مسرحية «من كلّ عقلي».. الحبُّ والقبول العلاج المفقود

 

المسرحية الأولى من نوعها في تاريخ المسرح اللبناني وربما العربي

 

ربما تتاح لنا فرصة ذات يوم او حتى ذات لحظة كي نكتشف بعدًا آخر غائبا عنا من الحياة الداخلية للإنسان.. هناك، عندما نتقابل وجهًا لوجه وقلبًا لقلب وعقلا بعقل مع الإنسان الذي يعاني آلام المرض النفسي، أيا كان نوعه.. هناك فقط نتعرف على عالم بل عوالم ثرية مليئة بالحياة والمعاناة والأمل والعذاب والتطلع بل والأحلام.

لم لا؟ مادام الإنسان كائنا حالما ما بقي حياً.. بل هو كائن متألم ربما في صمت أو صراخ، لاسيما عندما يتألم من رفض وانتهار وغضب وإهمال الأحباء بل أقرب الأقربين إليه عندما يبتلى بمحنة المرض النفسي.

تلك كانت فكرة أو هدف العرض الفني المسرحي «من كل عقلي».From the bottom of my Brain من تمثيل نُزلاء مستشفى الفنار للأمراض العقلية النفسية والعصبية،و من إخراج زينة دكاش المدير التنفيذي لمشروع  «كثارسيس» وسحر عسّاف.. وعرضت المسرحية مصورة في سينما متروبوليس أمبير صوفيل- الأشرفية، بيروت.

 

«من كل عقلي» مسرحية فنية تتبع أسلوب جلسات العلاج بالدراما

 

المسرحية تعتبر فريدة من نوعها، فهي الأولى من نوعها في تاريخ المسرح اللبناني والعربي، وأبرز ما يُشكّل فرادتها أبطالها الاستثنائيون وهم نزلاء مستشفى الفنار (الزهراني للأمراض العقلية والنفسية والعصبية).

أبطال المسرحية هم انفسهم ابطال التحدي والمعاناة مع المرض النفسي أو حتى العقلي، وكل منهم لديه الم خاص حسب نوع مرضه: وسواس قهري، شيزوفرينيا، فوبيا.. اضطراب ثنائي القطبين… إلخ.

لكن جميعهم قصوا حكاياتهم مع المرض وكيف ان أهاليهم وذويهم تركوهم وتخلوا عنهم بل اعتبروهم «مجانين»!

ويبقى حلم الشفاء لدى كل منهم، بل حلم العودة إلى الأهل.. ولو في مجرد غرفة بسيطة ضيقة على أن تكون وسط الاهل! وليست في المستشفى بعيدا عمن يحبون..كما ان هناك منهم من لديه مواهب كثيرة.. مثل المرأة التي كانت تحلم بأن تكون نجمة غناء، وقد نالت حلمها بالغناء فعلا في المسرحية ووسط احتفال كبير من الجمهور الحاضر.. أو تلك التي تقرض الشعر وقد ألقت جزءا من أشعارها على مسامع الجمهور.. أو تلك التي تهوى الرسم.. وغيرهن ممن لديه الموهبة التي تعبر عن فنه وألمه معا.

وعلى الرغم من معاناة الهجر من الأهل، إلا أن هؤلاء الابطال-أبطال المسرحية وابطال الألم الداخلي- مازالوا يحبون أهاليهم ويتذكرونهم جيدا.. فقط يتألمون من نسيان متعمد من الأهل لهم!

 

المسرحية لاقت نجاحاً كبيراً لدى المشاهدين الذين حضروا عرضها الوحيد في مسرح المدينة في العام 2013، وكانت بمثابة إنجاز ضخم حقّقه نزلاء المستشفى، من هنا كان لابدّ من وضع الشريط المصوّر للمسرحية في متناول الجمهور العريض كي يشاهدها اكبر عدد ممكن من الأصحاء كي يشاهدوا بل يختبروا كم الألم النفسي لدى المريض النفسي أو العقلي عندما يحرم من العلاج المفقود: الحب والقبول من ذويه.

 

مسرحية «من كل عقلي» تعتبر محطة مُميزة في مسيرة جمعية «كثارسيس» التي انطلقت عام 2007 وباتت تشكل جزءاً أساسياً من العمل المدني اللبناني، وكانت قدّمت في إطار أنشطتها مسرحيّتي «12 لبناني غاضب» مع سجناء رومية و«شهرزاد في بعبدا» مع سجينات بعبدا والفيلمين الوثائقيين التابعين لهما.. وقد حازت كل منهما عدّة جوائز عالمية، وكذلك مسرحية «شبيك لبيك» مع العمال والعاملات الأجانب في لبنان.

 

سؤال من المسرحية:

كيف نسمح باستخدام عبارة «مجنون» للمريض النفسي؟!

 

مسرحية.. لأجل تغيير القانون

تعتبر أيضا مسرحية «من كل عقلي» بمثابة تمهيد أو حافز أساسي لمشروع «قصة منسيّين خلف القضبان» الذي تجريه «كثارسيس» حالياً في سجن رومية وكان بدأ منذ العام 2014 بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

ومن خلاله تعود زينة دكاش، لتلقي الضوء على السجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبد الذين وكأنما يجمعهم قدر واحد: حكم بالسجن غير معروف الأمد.

وفي الواقع، تتضمن المادة 232 من قانون العقوبات اللبناني التالي: (من ثبت اقترافه جناية أو جنحة مقصودة).. (وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حُجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي).. (ويستمر الحجز إلى أن يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز).. لكن جمعية «كثارسيس» تتساءل هنا: كيف يمكننا، ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن ننتظر «شفاء المجنون» وهو شخصٌ يعاني من مرضٍ نفسي؟ كيف نسمح باستخدام عبارة «مجنون»؟ ألم يُثبت العلم أنه يمكن متابعة المرض النفسي وليس «الشفاء منه»  وبأن التعافي يتمّ بالعلاج المناسب؟

 

في هذا الإطار يُمكن وضع مشروع «قصة منسيين خلف القضبان» الذي يتضمّن بالإضافة الى جلسات العلاج بالدراما والعمل على إنتاج مسرحية داخل السجن، إنجاز دراسة حول مُعدّل انتشار الإضطرابات النفسية الشديدة لدى السجناء في سجني بعبدا ورومية، تنظيم جلسات نقاش مع صانعي القرار وقانونيين وقضاة من كل المناطق اللبنانية وإجراء بحث قانوني مقارن حول القوانين المطبّقة في لبنان وتلك المطبقة في بلدان أخرى، تمهيدا لطرح مشروع قانون يهدف الى تحسين أحوال السجناء ذوي الامراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبد، أولئك المنسيّين خلف قضبان السجن وقضبان الذاكرة الجماعية.

ويتساءل المسؤلوون عن جمعية «كثارسيس» وإنتاج المسرحية: هل سوف يحقق المشروع التعديل القانوني اللازم كما حصل مع تقديم مسرحية وفيلم «12 لبناني غاضب» الذي أدّى الى تطبيق قانون تنفيذ العقوبات الذي ينص على خفض العقوبة للمحكوم عليه حسن السيرة؟

 

تلا العرض نقاش بحضور عدد من نزلاء المستشفى الذين شاركوا في المسرحية؛ حيث تناقش المرضى الممثلون مع الحضور وردوا على استفساراتهم.

تلك الاستفسارات أو الفضول بمعنى أصح لدى الحضور كانت مركزة على كيفية التعايش مع المرض والتعامل مع ظروفه لدى المرضى.. كي يكتشف الحضور أن هؤلاء المرضى قد يكونون أصحاء اكثر من الأصحاء الآخرين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق