تحقيقات

منها الإبداع والتشجيع والفضول العلمي والشخصية الخاصة التعليم المنزلي.. خيار أمهات لعقول تنمو بين الزهور

 

حين ألحقت فاطمة ابنها الأكبر بمدرسة نظامية تدرس موادها بالإنجليزية كانت تأمل في تحصيل ابنها لتعليم من نوع متقدم، لكنها وجدت ابنها يعو

د إليها بتساؤلات ورغبة في التعمق بموضوعات كثيرة مما يدرسه، وأن المدرسة لا تساعده في إشباع هذا الفضول، وحينها قررت أن تتوجه إلى التعليم المنزلي.
والتعليم المنزلي نظام تعليمي معتمد في كثير من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة وإيطاليا يقوم عماده على اختيار الوالدين لطريقة التدريس والموضوعات التي تدرس للطالب.
وفي موضوعنا نقترب أكثر من تجارب أمهات اخترن التعليم المنزلي، وتأثير الجائحة على الاتجاه للتعليم المنزلي لأجل عقول أبنائهم كي تنمو بين زهور الإبداع والتشجيع والفضول العلمي والشخصية الخاصة.

فاطمة:
التعليم المدرسي لا يراعي اختلاف الطلاب والتفاوت بين القدرات الاستيعابية

البداية مع فاطمة التي تحكي لنا عن تجربتها مع ابنيها قائلة:
حين ألحقت ابني بالمدرسة النظامية وجدت أن النظام الدراسي والتعليمي لا يسهم في زيادة قدرات أبنائي، بل على العكس يحدها ولا يراعي الفروق الفردية في التعليم بين كل طالب وآخر.
ومنذ العام الماضي اتخذت فاطمة قرارها بالتزام التعليم المنزلي مع ابنيها اللذين في الصف الأول والثاني الابتدائي على التوالي، وقرأت عن التعليم المنزلي وأفادها خبرتها التعليمية السابقة حيث كانت تعمل معلمة للغة الإنجليزية.. “رغم إلحاق ابني بمدرسة خاصة، آملة في حصولهم على تعليم جيد وجدت أن هذه المدارس تطلب مبالغ كبيرة ولا تحقق المستوى المطلوب.. فالتعليم المدرسي لا يراعي اختلاف قدرات الطلاب والتفاوت بين القدرات الاستيعابية”.
ولاحظت فاطمة أن ابنها الأكبر يعتمد في استيعابه على القدرات البصرية مثل الأشياء الملموسة ومقاطع الفيديو في حين أن ابنها الصغير يفضل الوسائل السمعية، وهو ما أقرته حين بدأت تدريسها بنفسها.

التعليم المدرسي يجعلني أتعمق مع ابني فيما يشعر بالفضول نحوه

وتؤكد أن النظام المدرسي محكوم بحصة ووقت لا يسمح للطالب بإشباع آفاقه ومعارفه وإرضاء فضوله:
“المعلمات يكن محكومات بوقت محدد ولا يمكنهن التوسع في الموضوعات التي يطرحنها ويحكمهن منهج محدد فقط، وعلى العكس فإن ابني الأكبر يحب التوسع بعمق في العديد من الموضوعات التي نتناقش فيها وهو ما يساعدني فيه التعليم المنزلي ويجعلنا نتعمق معا فيما يشعر بالفضول نحوه”.
وتصف النظام المدرسي المتبع حاليا بالقديم:
“الاستيقاظ في وقت مبكر جدا من الصباح يتعب الأطفال، كما أن العودة من المدرسة تجعلهم مجهدين ويصعب تخصيص وقت للاشتراك في الأنشطة الأخرى الرياضية وغيرها فهذا النظام يستنزف طاقة الطفل ويتعبه”.
وتنوي فاطمة أن تستمر مع ابنيها في نظام التعليم المنزلي.. “نظامنا للتعليم المنزلي يجعلني انظم جدولنا الخاص، فأنا أخصص لابني وقتا للأنشطة الرياضية والدينية والجوانب الاجتماعية مثل الاشتراك في أنشطة الكشافة مثلا وكذلك حضور الحفلات المختلفة وبالتالي يتفاعلون مع غيرهم من الأقران ووفقا لجدولنا ننهي يومنا الدراسي مع أذان الظهر فيكون لدينا متسع من الوقت لباقي الأنشطة والبرامج”.
وترى أن هذا النظام يساعد ابنيها على اكتساب الثقة بالنفس والمشاركة في تنظيم جدولهم وما يخططون لدراسته يوميا، والابتعاد عن الأجواء التنافسية التي تراها مضرة بالأطفال والتركيز على تنمية قدرات الطفل والاهتمام بفروقه الفردية.
وحسبما ترى، فإن كثيرا من الأمهات أصبحن يملن أكثر للتعليم المنزلي مع انتشار جائحة كورونا.. “التعليم المنزلي يتيح للأمهات أن يستخدمن مصادر مختلفة وكذلك يجعل التعليم بلا حدود فيمكن للطلبة أن يحضرن حصة أو محاضرة لمعلمة من خارج البلاد عبر الإنترنت ولكنها تقدم محتوى جيدا ومفيدا لهم”.

نور السنعوسي:
التعليم المنزلي يكون في بيئة تشجع الطفل على التعلم والاستكشاف

وتعتمد المهندسة نور السنعوسي التعليم المنزلي مع أبنائها الأربعة ولا ترسلهم إلى المدرسة لتلقي التعليم بالطريقة التقليدية.. وتقول:
“بدأت بالتعليم المنزلي منذ ٢٠١٣ حين بلغ طفلي الأول ثلاث سنوات وعلمته القراءة والرياضيات والعلوم ومهارات مثل الزراعة والطبخ”.
وترى نور أن التعليم المنزلي للجميع وليس حكرا على الأهل من ذوي شهادات تعليمية خاصة أو دورات متخصصة.. “نحن كأولياء أمور نعلم أطفالنا الكثير بطريقة فطرية وطبيعية نابعة من غريزتنا وكل ما يحتاج اليه الأهل لتعليم أبنائهم الرغبة في تعليمهم بما يرقى لطموحاتهم وإصرارهم على تحقيق أهدافهم المستقبلية، فقد أثبتت الإحصائيات أن الشهادات العلمية للأهل لا تؤثر على عملية التحصيل العلمي للأبناء”.
وتؤكد أن التعليم المنزلي يعطي حرية وحقا للوالدين في اختيار المناهج والجدول الدراسي والأهداف الأكاديمية والتربوية وكل ما يخص الأبناء بما يتناسب مع حاجات أطفالهم الجسدية والنفسية وقدراتهم المتفاوتة “يكون التعليم في بيئة آمنة يحيطها الحب والرعاية وتشجع الطفل على التعلم والاستكشاف ويصبح التعلم أسلوب حياة يسهم في تكوين أشخاص بنائين في المجتمع”.
وتشيد بالتعليم المنزلي كونه أعطى أسرتها الحرية دون فرض لجدول أو ضغوط خارجية “لا يتحكم أحد خارج الأسرة في الروتين اليومي وظروف معيشتنا كما لا يتعرض أطفالي لكل الظواهر السلبية المنتشرة في المدارس مثل التدخين والمخدرات والتنمر والتعلق بالماديات وكل ما يتنافى مع معتقداتنا وقيمنا”.
وتوضح أن التعليم المنزلي امتداد للتربية بشكل أو بآخر، حيث يتعلم الطفل من الأشخاص الذين يحبهم ويثق بهم “يجب ألا تهدف الأم إلى السيطرة على الطفل بل تعزيز العلاقة به حتى يستمتع بقضاء الوقت مع الأم ويكتسب منها المعلومات، وينبغي أن يزرع الأهل حب التعلم وإيجاد المتعة من خلال الأنشطة والألعاب والرحلات وممارسة الهوايات والقراءة الحرة”.
وتثبت الجائحة الحالية أن التعليم المنزلي أصبح ضرورة ملحة خصوصا في ظل الظروف الحالية مع إغلاق المدارس وأن التعليم يمكن أن يحدث في أي مكان على الإطلاق حسبما ترى نور.
وتقول: “التعليم عن بعد الذي يطبق حاليا هو التعليم التقليدي بنفس المنهج الموحد ولا يراعي الفروقات الفردية بين الأطفال وهو ما يخالف مبادئ التعليم المنزلي التي على رأسها الحرية في الاختيار، وفي رأيي على من يشعر بفقدان الجدوى من التعليم عن بعد أن يتجه للتعليم المنزلي بمختلف فلسفاته وأساليبه والذي اثبت جدارته بالنسبة للتحصيل الأكاديمي والمهارات الاجتماعية والتميز الفردي”.

سناء السالمي:
لجأت للتعليم المنزلي اضطرارياً لتعليم أبنائي اللغة العربية في أوروبا

وتحدثنا سناء السالمي، معلمة مونتسيري وأم لـ3 أطفال وتعيش مع أسرتها في إيطاليا، عن” رحلة التعليم المنزلي” كما تصفها قائلة:” التعليم المنزلي يتيح للوالدين اختيار من يعلم وكيف يعلم وما المنهج الذي يتعلمه الأبناء والوقت الخاص بالتعليم كما يرسمون الخطة التعليمية للطفل. وحين اتخذت قراري بالتعليم المنزلي لأطفالي كان اضطراريا لكوني أعيش في أوروبا واحتاج الى تعليم أبنائي اللغة العربية والدين الإسلامي”.
وتوضح أن الأهل يلجؤون الى خيار التعليم المنزلي بسبب التنافسية الشديدة في بيئة المدرسة النظامية والتعامل مع الطفل كأنه أداة للتحصيل “التعليم المنزلي ليس الخيار الأمثل ولكن لا يوجد الآن كثير من المدارس المتطورة والتي تحترم الطفل والقيم الإنسانية. ونسبة قليلة من الأهل يختارون هذا التعليم لقضاء وقت أكثر مع أبنائهم، أو التحكم في بيئة الطفل”.
وبدأت سناء رحلتها مع أبنائها منذ خمس سنوات، حينها لم تكن لديها الجرأة لتحمل كامل المسؤولية عن تعليم ابنها الأكبر ريان وابنتها يارا فألحقتهما بمدارس إيطالية” رغم ذلك كان الجزء الأكبر من تعليمهما تعليما منزليا. ولكنني اعتمدت رحلة التعليم المنزلي مع ابني الأصغر كنان واعتمدت فيه على أسلوب مونتسري وأنشأت صفحة على انستغرام باسمه لتوثق رحلتنا في التعليم المنزلي”.
وتشدد على المسؤولية الكبرى المرتبطة بالتعليم المنزلي وضرورة أن يعي من يقرر البدء في التعليم المنزلي حجم هذه المسؤولية” يحتاج التعليم المنزلي إلى وقت وتفرغ وصبر لتوصيل المعلومات وغالبا ما تتحمل الأم هذه المسؤولية وبالتالي عليها أن تثقف نفسها فأنا مثلا التحقت بعدة دورات فكل أم ليست معلمة بالفطرة وعليها أن تتعلم ولا بد أن يكون لديها الاستعداد لذلك وأن تتفرغ للتعليم المنزلي”.
لكنها ترى أن نظام التعليم المنزلي لا يناسب بعض الحالات قائلة: “في نظري يصعب التزام هذا النظام بالنسبة للمرأة العاملة. كما أن الأطفال شديدي الانطواء قد تناسبهم المدرسة أكثر من البيت للتغلب على هذه الصفة، وأحيانا يصعب على الأم السيطرة على طفلها وبالتالي لا يقبل منها القواعد أو المعلومات، وهنا يكون التعليم المنزلي بلا فائدة”.

التعليم المنزلي جعل أبنائي يقيّمون أنفسهم بأنفسهم دون تسابق مع أحد

وتصف تجربتها بـ “رحلة استكشاف” اكتشفت فيها نفسها وقدراتها وقدرات أطفالها “استطاع أبني كنان قراءة أولى كلماته في عمر الثالثة بينما قرأت يارا كلمتها الأولى وهي تبلغ عامين ونصف العام”.
وتوضح أن تقييمها لتجربتها في التعليم المنزلي (رائعة) بسبب وجود حب للعلم والمعرفة وعلاقة متوطدة مع الكتب “أبنائي يقيمون أنفسهم بأنفسهم دون تسابق مع أحد ويدرسون لأنهم يرغبون في تعلم الجديد ولديهم علاقة جيدة باللغة العربية والدين الإسلامي وقيمه ورغبة ودوافع داخلية لحفظ القرآن ولديهم حافز داخلي للبحث والتساؤل لا ينبع من الرغبة في الحصول على علامة أو درجة في اختبار”.
وترى أن جائحة كورونا تسببت في اتجاه الكثيرين للتعليم المنزلي” حتى من كان ينتقد هذا النوع اضطر إلى اللجوء لهذا التعليم وهناك من أعجبه وهناك من كرهه وربما سيغير البعض رأيه عن التعليم المنزلي فقد تكتشف الأم نفسها وتحب التعليم المنزلي”.
وتختتم حديثها قائلة: “بالنسبة لي في ظل الوضع والظروف الحالية، فالتعليم المنزلي أفضل وأصبح جزءا من حياتي ولا يمكنني التخلي عنه وبالتالي أنا مستمرة فيه للنهاية”.

وفاء غيبة:
التعليم المنزلي يفتقر إلى البيئة الاجتماعية ويجب على الوالدين تعويضها

وتوضح وفاء غيبة المدربة والاخصائية التربوية في علم نفس الطفل أن التعليم المنزلي لا يتناسب مع جميع الأطفال.. “تختلف قدرات الأطفال في التركيز فبعضهم يحتاج الى الحركة وتطوير المهارات وهذا لا يتم إلا في المكان المخصص للتعليم ونقل الخبرات ومقابلة الأقران. ويكون التركيز أصعب في حالة التعليم المنزلي، لذلك يقترح وضع بعض المكعبات إلى جانب الطفل أو ألوان بينما يتابع الدرس.. وبالتالي يجب أن يتمتع التعليم المنزلي ببعض من المتعة”.
وتذكر أن التعليم المنزلي له جوانب مضيئة وأخرى سلبية يجب الموازنة بينهما ومعالجة السلبيات قائلة: “يساعد التعليم المنزلي على حماية مشاعر الطفل حيث ينمو في بيئة سليمة وصحية ويكبر في بيئة بعيدة عن المشاكل النفسية والتنافسية أو الغيرة من تفضيل المعلمة لزميل دون آخر، وأيضا حماية الأطفال من التنمر والعالم الكبير الذي يتعرض له بالمشكلات، وكذلك الأريحية في الوقت، فالتعليم المنزلي يوفر مرونة الوقت بعيدا عن المواعيد المبكرة التي يفرضها التعليم في المدرسة إلى جانب تطوير مهارات جديدة لدى الطلاب منها المهارات التكنولوجية خاصة عندما يتلقون دروسا عن بُعد”.
وتستدرك: “ولكن الطالب في التعليم المنزلي يصير وحيدا دون صديق كما يفتقد الذكريات الحميمية المرتبطة بالمدرسة مثل لحظات (الفرصة) واللعب بالساحات المدرسية”.
وتنصح وفاء الأمهات بأن يعين بحاجة التعليم في المنزل منهن لجهد أكبر جدا مقارنة بذهاب الطفل إلى المدرسة “إذا قرر الوالدان التعليم المنزلي فعليهما إدراك أن المسؤولية صارت كبيرة وعليهما بذل الجهد المطلوب منهما، كما ينبغي على الوالدين تطوير مهارات الطفل اجتماعيا والتي يفتقر إليها التعليم المنزلي وكذلك تعليمه الصبر على دوره واحتمال الأطفال الآخرين ورأيهم وبالتالي على الأم توفير بيئة تعوض هذه الأمور”.
وفي الختام، توجه الأمهات لأهمية مخالطة الطفل لغيره في النوادي أو الملاعب ليتعرف على أقران آخرين. عليهن وضع أبنائهن تحت ضغط مدروس ليتعرفوا على خبرات الحياة المختلفة التي سيخرجون لها فيما بعد فالعزل الدائم في البيت يحرمهم من البيئة الحقيقية الصحية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق