حكايات من الزمن الأخضرمقالات

ومنـهـا ذكـرى عـابـرة

soad

أعزائـي:

عندما تغيب الشمس يتوقف مخزون الذكريات..

ذلكَ وهمٌ، وعندما يشرق القمر يُقال يبزغ، ولكنني أستشعره مُشرقاً..

 

تعود الذكريات مجددة دون إرهاق أو مقاطعة، وإذا توقف البث خلدت تلك إلى نوم قد تتواصل ساعاته القليلة أو تنقطع دون ملل، أنا عرفتها صادقة، طالبة بالصف الثالث الثانوي الأدبي،

معتدلة بقامتها، رقيقة بتعاملها، جميلة، لا تتعدى الحاجز

بمناقشاتها إن علت أصوات زميلاتها داخل الفصل، كانت ضمن المجموعة المتقدمة بالتفوق، تستأذن إن أرادت استفسارا وأنا في فترة استراحة فرصة الساعة العاشرة، كنت أنتظر دخولها لأسمع

ما تريد طرحه طالبة مساعدتي، كان منطقها يفوق عمرها العقلي،

لم تكن لها مشكلة لأبحث لها عن حل وإنما كانت تبحث عن عقل

يوازي ذكاءها، ابن عمها يكبرها بسنوات أربع أرادها له زوجة

اذا أكملت الثانوية العامة وهي متلهفة لإتمام دراستها الأدبية، أما هو فمولع بالعمل التجاري وكثير في أسفاره، هي قارئة لأفضل

الكتاب معاصري زمنها، كثرت جلساتي معها وزياراتها في منزلي

كأخت تصغرني، لم تكن خيالية وإنما واقعية، وكما كانت تقرأ

كثيرا كانت تكتب كثيرا وكم أخفت بعض ما كتبته ضمن دفتر

اختبارات المادة التي أدرّسها  (الفلسفة) لم تكن محبتي لها شفقة كونها

ملزمة بابن عمها، وإنما محبتي لها احتراما لاتزانها وتوازنها

وطاعتها لأسرتها وتعلقها بوالديها وترفض ان تعصي أمرهما ورغبتهما في قبول ابن عمها.

كنت متابعة لسنوات حياتها، تزوجت وأنجبت ابنتها الوحيدة، وانفصلت عن زوجها بموافقة أهلها، أكملت تعليمها ورفضت الزواج من أي أحد، ومازالت هي طالبتي وصديقتي وتبثني الكثير،

فإليها أقول: «لا تكوني كالشمس تشرق وتغيب ولا كالقمر المضيء أياما قليلة، بل كوني عزيزتي كالنجم المنير الثابت الذي أراه كل ليلة مضيئا في سمائه».

 

أعزائي:

شاءت الأقدار أن أحول رغبتي في الدراسة من لندن الى القاهرة، كنت أتمنى أن أدرس الحقوق ولم تكن لي فكرة واضحة عن النظام هناك، أقنعني والدي وشقيقي بأن أغير اتجاهي وألتحق حيث اخواتي الطالبات ممن سبقنني إلى القاهرة، فوطني في حاضره الماضي لا مجال لتخصص الحقوق الذي أرغبه وفي لندن بالذات. اقتنعت برأيهما، إضافة الى رأي المرحوم أ.درويش المقدادي الذي كان مديرا للمعارف آنذاك، فالتحقت بزميلات وأخوات لي في القاهرة، رغم إحساسي بالغربة والحنين الى الوطن وأهلي، تحملت تلك المشاعر خوفاً من أن ينال والدي الضيق، اخترت تخصصا أحببت مادته في المرحلة الثانوية، فعثرت عليه في كلية البنات  التابعة جامعة عين شمس بعد ان اجتزت قبولًا في معهد الخدمة الاجتماعية بتفوق، لم ألتحق به وحققت رغبتي في تخصص الفلسفة ومواد أخرى ثقافية متنوعة، في السنتين والنصف الأوليين كثرت تنقلاتنا داخل القاهرة في الزمالك ومصر الجديدة، حيث الكلية، وهكذا، تعودنا على زحام ـ الأتوبيس ـ وكم من ساعات مرت علينا وقوفاً بين الركاب رجالا ونساء، وقلما يترك أي من الرجال مقعده ليبعدنا عن الانصهار، كانت كتبنا تحمي التصاقنا بأي من الوقوف، وحتى نصل الى أقرب محطة لابد أن نزاحم ونترجى السائق أن يتأنى حتى نفك أنفسنا بالانسحاب ونصل الى بوابة النزول ــ هي نزول وهي ركوب للأتوبيس ــ ذات يوم ركبنا الأتوبيس الموصل الى محاضراتنا، من تراكم أعداد الركاب تعدينا المحطة المطلوبة، الأخت دلال المشعان سبقتني بالنزول، لم أنتبه لتحركاتها، لم أجد صديقتي في مكانها،  ساعدني محفظتي بيدي وبها الكارنيه (كارت الدخول للكلية)، رجعت إلى السكن لا أعرف هاتف الكلية ومن سيوصلني لها، ـطال انتظاري حتى عادت دلال من غير ان تحضر المحاضرة حاملة كتبي معها، كان يوم حر، ولكن خسرنا معلومات أستاذنا، وهكذا بقي تلازمنا في أي أتوبيس يقلنا لمصر الجديدة خوفا من المسافات الطويلة والتوهان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق