عن تجربة شخصية لمعالجة نفسية! حتى لا تستنزف «الكمالية» من عالمك الألوان والعفوية والفرح!

السعي وراء الكمال أشبه بسجن، بصفتي معالجة نفسية، أعرف كيف يمكن أن يُفرغ عالم الشخص من الألوان والحيوية والعفوية، هكذا تصف مويا سارنر الموقف أو أزمة السعي إلى الكمال أو «الكمالية» (Perfectionism) في مشاركتها بصحيفة الجارديان.. فتصف تجربتها مع السعي للكمال أو النزعة الكمالية.
تجربة تعافٍ من الكمالية
تعترف مويا سارنر وهي المعالجة النفسية بأنها كانت يومًا ما تسعى إلى الكمالية.. ثم شفيت منها.. فتقول: “كنت أسعى إلى الكمالية واجتزت مرحلة التعافي، بدأتُ، بمساعدة محللي النفسي، أُدرك عدم تقبّلي للنقص – حاجتي لأن تكون بعض الأمور كما أريدها تمامًا، من طريقة تقطيع زوجي للبصل إلى خوفي من التأخير – وقد أحدث ذلك فرقًا كبيرًا في علاقتي، وصداقاتي، وتربيتي”.
وتتساءل مويا: كيف يُمكنك أن تكون شريكًا أو صديقًا جيدًا إذا كنت تتوقع من الجميع أن يتوافقوا مع توقعاتك العالية ولما يجب أن يكونوا عليه؟ كيف يُمكنك مساعدة طفلك على النمو ليصبح شخصًا مستقلًا إذا كان يشعر، بوعي أو بغير وعي، أنه بحاجة دائمًا إلى الالتزام بالخطوط التي رسمتها له بدقة؟ كيف يُمكنك أن تشعر بأي شيء يُشبه السعادة إذا كانت شروط السعادة هي التي خلقتها لنفسك على أساس معايير مستحيلة؟
شهر عسل.. غير مثالي!
تستطرد مويا في سرد تجربتها مع الكمالية والتعافي منها، فتقص قصة شهر العسل: “أطلقت رغبتي في الكمال العنان لنفسها في شهر عسلنا، خططت لكل شيء بعناية فائقة، قضيت ساعات أبحث عن الفيلا المثالية ذات الإطلالات الخلابة، عندما وصلنا، لم يكن كل شيء كما تخيلته، وبدلًا من تقدير ما كان أمامي، شعرت بخيبة أمل تجاه الواقع! في منتصف الطريق، اضطررنا إلى إخلاء فيلتنا بسبب حريق، وقدنا السيارة وسط ألسنة اللهب – لقد تبخر شهر العسل المثالي الذي حلمت به تمامًا. رأيت الدمار الذي سببه الحريق، وشعرت بالامتنان لنجاتنا السعيدة، وهنا تحررت من قبضة الكمالية، وتمكنت أخيرًا من تقدير قضاء عطلتي مع زوجي”.
الكمالية.. سمعة شخصية غريبة!
تقول مويا سارنر عن النزعة للكمال أو الكمالية إنها “نقطة الضعف” الوحيدة التي يُمكن الاعتراف بها في مقابلة العمل، فهي سمة شخصية غريبة، كما أنها سر نجاح ستيف جوبز، لكن أعتقد أن الكمالية أكثر قتامة من ذلك بكثير، إنها نوع من النزعة التدميرية النفسية التي يمكن أن تسيطر على عقل المريض، وتستنزف عالمه من الألوان والنور، والعفوية والفرح، في أعماقي، أعتقد أن الكثير منا مدفوع برغبة ليست واعية في أنه لو تمكنا من الحصول على الجسد المثالي، والمطبخ المثالي، والوظيفة المثالية، وخزانة الملابس المثالية، والأسرة المثالية – لو تمكنا من التخلص من كل عيب – فسنكون سعداء في النهاية، لهذا السبب، يمكن أن يكون ذلك أحد أهم العوائق التي نواجهها في السعادة في الحياة.
على الأمهات مسامحة أنفسهن على تقصيرهن في الوصول إلى الكمال لأن الجيد جيد بما يكفي
الأم الصالحة بما يكفي
كتب المحلل النفسي دونالد وينيكوت في كتابه الشهير عن الكمالية عن أهمية “الأم الصالحة بما يكفي” التي تلبي احتياجات طفلها في الوقت الملائم، ولكنها ليست مثالية، وهذا يعني أنه على الأمهات مسامحة أنفسهن على تقصيرهن في الوصول إلى الكمال، لأن الجيد جيد بما يكفي، بل ما هو يحاول أن يقدم لنا حقيقة مهمة لأجل سعادتنا وهي: أن الكمالية أو السعي إلى الكمال ضار جدًا!
فمثلا وفي التربية، أن يكون الطفل مُنضبطًا وواعيًا تمامًا، وأن يُلبّي كل رغبة فورًا، وأن يُمرّر اللعبة فورًا كلما طُلب منها، كل هذا قد يُعوق نموّه، ويحرمه من فرصة الشعور بالإحباط والتعلّم من الفشل أحيانًا، بل والسعي إلى الحصول على ما يريد بنفسه!
الحل.. أن تكون
«جيداً بما فيه الكفاية»
تعبير أن تكون “جيدا بما فيه الكفاية” لا يعني أنك ستكون في حالة أسوأ، أو أنك ابتعدت عن حالة جدية مناسبة لنجاحك وتقديرك وسعادتك، أما الكمالية فهي أمر بعيد المنال، كما أنها لن تحل مشكلتك مع نفسك في تقديرها والنظرة الإيجابية لها.. فقط القناعة الجديدة عن نفسك أنك بشر طبيعي حقيقي لك قدراتك ولك ضعفك وتقصيرك في بعض الأحيان، والتقصير هنا ليس عن عمد بأن تتخلى عن مسؤولياتك، بل التقصير الناتج عن طبيعتنا البشرية المحدودة.
الكمالية ليست فضيلة لكن التسامح مع النقص فضيلة
التسامح مع النقص
أو التقصير البشري
يمكننا أن نتعلم من وينيكوت أن الكمالية ليست فضيلة، لكن التسامح مع (انْقُصْ) [المزمل: آية 3] فضيلة، إذا لم نطوّر القدرة على التسامح مع النقص في أنفسنا وفيمن حولنا، فلن نملك ثقة بالنفس، ولا علاقات مستدامة، ولا مهنة مُرضية، سنُجرّب بلا نهاية الملابس والشركاء والوظائف ونُعيدها لأنها ليست مناسبة تمامًا، الكمالية تُؤدي إلى حياة هشة ونظرية أكثر منها عملية، نقضيها غالبًا في انتظار الوصول إلى أعلى مستوياتنا العالية جدا لدرجة عدم القدرة على بلوغها!
أن نتعلم تقدير إنسانيتنا
علينا أن نتعلم تقدير إنسانيتنا، وأن نرى جمالها، العيوب هي السبب الذي يدفع الناس إلى دفع المال إلى خطاط لكتابة دعوات بخط اليد، بينما يستطيع الكمبيوتر إنتاج نسخة مثالية من النص نفسه بتكلفة أقل، وفي وقت أقل، إنها بعض الخيوط المعوجة في قبعة الطفل المحبوكة يدويًا، وقشرة المعجنات المهتزة في الفطيرة محلية الصنع، لذا، من أجل حياة أكثر متعة، وفي نهاية المطاف حياة أفضل، اخترت عدم الكمال.