في لقاء خاص لـ«أسرتي».. الحائز أكثر من 50 جائزة دولية المصور الاحترافي علي الزيدي: رحلتي في عالم التصوير التوثيقي.. أوصلتني إلى العالمية

مبدع بأعماله وأفكاره.. مثل الكويت في الكثير من المحافل الدولية لعشق أنامله للكاميرا ليلتقط أجمل الصور وأروعها، والتي أظهرت لنا في زواياها الكفاءة والإبداع، احترف التصوير التوثيقي رغم مشاقه متنقلا بين البلدان راصدا ثقافات الشعوب وعاداتها، محققا شهرة واسعة حازها بأكثر من 50 جائزة دولية، رافعا بها اسم الكويت عاليا.. إنه المصور الفوتوغرافي علي الزيدي، التقته «أسرتي»؛ ليكشف لنا عن المزيد من أسرار رحلات المصور الاحترافي:
صف لنا الشرارة الأولى التي أوقدت شغفك بالتصوير الفوتوغرافي.
- وجدت متنفسي في ثنايا عالم التصوير الفوتوغرافي الذي بدأت خطواتي الأولى معه في 2017، كهواية فنية تبعدني عن ضغوطات الدوام والحياة، ومساحة لخلق رؤية جمالية ترويها الصورة بلغة بصرية، كما أن اهتمام والدي في الثمانينيات بالتصوير وحرصه على اجتياز دورات متخصصة فيه في الولايات المتحدة أثناء دراسته الأكاديمية هناك، واقتناءه لأنواع من الكاميرات لتوثيق اللحظات العائلية، كان له أبلغ الأثر في نفسي.
ماذا عن احترافك التصوير التوثيقي للشعوب؟
- كنت في بدايتي أبحث عن مواضيع تخص المناظر الطبيعية واللقطات الرياضية السريعة والطبيعة الصامتة، أحيانًا نتطرق إلى التصوير التجريدي، وأنواع كثيرة من التصوير، وجميعها فتحت لي آفاقا عديدة.. وكوني محبا للسفر باحثا في ثقافات وعادات الشعوب وتقاليدها، وجدت أن التصوير الاحترافي التوثيقي Documentary يوصل رسالتي في طيات الصور وتفاصيلها، ولذلك ركزت جهدي به، ومن هنا ارتبط اسمي بهذا المجال، والذي أفخر بأن أقول إنه هو الذي أظهر اسم علي الزيدي، وأوصله إلى العالمية.
ما الصعوبات التي واجهتك؟
- هي تحديات أكثر من كونها صعوبات، فالتصوير الفوتوغرافي ممارسة تتجلى في خلق الصور لكي تعيش مدى الحياة، وكل مرحلة في مسيرة المصور تختلف فيها هذه التحديات عن غيرها، وكأي شخص يدخل مجالا جديدا وخاصة التصوير لا بد أن يكون لديه إدراك ببعض الأدوات كيف يمكن أن يتعامل معها، لذلك غالباً ما يعزز المصور نفسه بتعلم التقنيات والمفاهيم التصويرية، والتدريب لزيادة المهارات التقنية وتعلم التكنيك الخاص بالتصوير.. ولكن في أميركا أو أوروبا أو شرق آسيا كانوا متقدمين إلى حد بعيد في هذا المجال، وكانت المعلومة تصلنا في منطقتنا غير مكتملة، لذلك كان بحثي عن المعلومة يأخذ وقتا وجهدا كبيرين لإتقان التصوير والوصول إلى إبداع الصورة.
ما مدى أهمية الألوان ودراسة الإضاءات في التقاط الصور؟
- كل عمل فني له جمال نسبي، وما يعجب شخصا ربما لا يعجب شخصا آخر، ولكن هناك بعض القوانين خاصة بالخطوط والإضاءات والألوان الهدف منها هو أن الذي يرى الصورة، ستوجه عيناه للهدف الرئيسي، ويراها ليشعر بالراحة، ولا يشعر بالتشتت.
لذلك نقول: ليس للتصوير قوانين محددة أو أحرف تكتب بها، فهو يعتمد على المصور والمعلومات المتاحة، كما يعتمد على المتلقي، وأغلب المراحل التي تمر بها الصورة الفوتوغرافية التي يستقبلها المتلقي خليط من المشاعر والأحاسيس والمعلومات.
ذكرت أن المصور الاحترافي يتساوى مع الروائي في مسؤوليته.. فكيف ذلك؟
- في مجالات مثل الآداب والإعلام والتصوير الاحترافي وغيرها، لدينا ميثاق شرف أخلاقي ومسؤولية مجتمعية وقيم عليا تحكم قواعد العمل أو السلوك المتّبع في أداء العمل، فمثلًا من المهم أن يكون نقل الصور بموضوعية، وعليه لا بد أن يكون المصور حياديًا، وعليه احترام الخصوصية وثقافات الشعوب الأخرى، كما أنه ليس على المصور أن يظهر ما يراه هو قبيحا أو مستنكرا بالنسبة له؛ ففي النهاية لكل شعب حياته ومرجعيته وثقافته التي يعتز بها.
ما أقرب اللقطات إلى قلبك؟
- جميع الصور التي التقطتها لها علاقة وثيقة بي، ولكن صورة اعلمنيب لها قيمة كبيرة لدي؛ لأنني حصلت بها على المركز الأول في أفخم وأكبر وأفضل جائزة للتصوير في العالم، وهي جائزة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، وهي من الجوائز القيمة لديّ في قيمتها التقديرية والمعنوية والمادية، والتي أضافت لي الكثير، وكنت العربي الوحيد الذي ينال تلك الجائزة حينها، ما فتح لي أبواب العالمية وانطلاقتي الحقيقية.. وصورة اعلمنيب كانت في قرية جودبور الهندية في فصل دراسي في الهند، ورغم تواضع المكان وبساطته، فإنها وثّقت جدّية المعلمة والطلاب، واخترت تلك الصورة لإيماني بأن المستقبل يصنع من الفصل الدراسي.
كيف تختار الموضوعات التي تصوّرها من خلال عدستك؟
- مع كثرة الاطلاع سواء المجلات أو الأفلام أو السوشيال ميديا أو غير ذلك، تجذبني المعلومات لرحلة البحث عن مكان معين، تعجبني بيئته للتصوير، وأبحث عن طريقة السفر إليه، وهنا أقرأ تاريخيًا عن المكان كيف كان وما التغيرات التي طرأت عليه، وعادات وتقاليد الشعب هناك، وأقوم بعمل بحث دقيق شامل للتفاصيل، لأجمع أفكاري التي نسجتها في ذهني عن المكان ونوعية الموضوعات واللقطات التي استهدفها، وعند وجودي هناك أبحث عن اللقطات التي أريدها لتكون ردة فعلي سريعة لالتقاط الصورة؛ لأنني أعلم أنه سيكون لها أثر كبير لدى المشاهد.
حدثنا عن قصة صورة خططت لها بشكل مسبق قبل السفر.
- هناك العديد من الصور، ولكن من أكثر الصور التي حققت انتشارا، كانت في رحلتي لمنطقة كاتمندو النيبالية المقاربة للهند، وهناك شخصية االسودوب وهو شخص زاهد،
يعيش في الشارع لا يملك منزلا، ملابسه بسيطة، كرس حياته من أجل التعبد، ولا يلتفت الى رفاهيات الحياة، وربما لم ير نفسه في المرآه منذ سنوات، نشاهد أغلب صورهم وهم يمارسون طقوسهم، أثناء تخطيطي المسبق للرحلة وضعت تصوير هذه الشخصية في خطتي ولكن بفكرة مختلفة، فمثلا ماذا لو أعطينا جهاز الآيباد لهذه الشخصية؟ ماذا تكون ردة فعله؟! وبالفعل بمجرد إمساك الرجل للجهاز، اندهش فعلًا، فهو لا يعرف الغرض من هذا الجهاز، حاول تشغيله وهو في يده، ابتسم والتساؤل في عينيه! وسرعان ما خطرت في بالي فكرة تشغيل الكاميرا الأمامية للآيباد، وهو ينظر إلى نفسه، وتعلو ملامحه الدهشة!.
لكل صورة حكاية كما يقولون.. حدثنا عن لقطة الجمال.
- صورة الجمال في الهند من الصور المفضلة لدي، موضوعها ذو أبعاد كثيرة، لاقت انتشارا واسعا على المستوى العالمي، وأُخِذت غلافا لمجلة Digital Camera البريطانية التي تعد الأكثر مبيعًا بمجال التصوير الفوتوغرافي، وكذلك حققت لي العديد من الجوائز الدولية.
وقصة هذه الصورة أنني علمت أن مهرجانا يقام في الهند لبيع الجمال، ويرتدي راكبو الجمال عمامة ملونة مميزة، قمت بترتيب تصوير أحد هؤلاء الرجال وجهزت جميع الترتيبات لأخذ اللقطة المناسبة، وللمصادفة حدث معي خلل في فلاشات الكاميرا، حاولت مرارا إصلاح الخلل ولكن لم ينجح ذلك!، وهنا انصرف الرجل، وبمجرد أن أدرت وجهي لمحت مجموعة من راكبي الجمال وهم يتحركون بتسلسل جمالي متناغم، فورا التقطت لهم هذه الصورة، ومن الجميل أن ما يظهر للمشاهد على أنه بحيرة هو ليس كذلك وما هو إلا تجمع مائي، ولكنني حرصت على استغلال الظروف لتكوين صورة أكثر جمالا.
لديك رؤية خاصة في التصوير.. حدثنا عن صورة «رعاية الأخت».
- شغفي بإثيوبيا وبغنى ثقافاتهم وتنوع قبائلها، جعلني حريصا على توثيق الكثيرعنهم، فلكل قبيلة مساحتها وخصوصيتها في عاداتها وتقاليدها، واخترت قبيلة الهمر التي تتميز بطقوسها وطبيعتها الخاصة والخطرة أحيانا، وكانت صورة ارعاية الأختب، بطلتها فتاة من أفراد هذه القبيلة، اختيرت هذه اللقطة كـ اصورة اليومب في موقع ناشيونال جيوغرافيك، كما حازت المركز الثالث ضمن مسابقة سينا العالمية في إيطاليا.
في قبيلة الهمر يقع على عاتق الأم مسؤولية العمل خارج المنزل، والبحث عن الطعام، ونرى الصورة تقدم لنا طفلة أفريقية بلباس بدائي، تحمل طفلًا بين ذراعيها، في بيئة صحراء قاسية، وهذا الطفل أخوها، لكن الصورة تجسد مشكلة فقدان الأم في المجتمعات الفقيرة وغير المتحضرة، وما لها من مردود اجتماعي سلبي حاد يقع ضرره على جميع أفراد أسرته.
وعبر طرح سؤال بسيط: هل الاهتمام بالطفل الرضيع من واجبات ومسؤوليات أخته التي لم تبلغ حتى سن الرشد؟! الإجابة البديهية: بالتأكيد لا، فواجب الاهتمام بالطفل من مسؤوليات الأم وليس الأخت، وهذه هي الرسالة الإنسانية التي أردت نقلها من خلال هذه الصورة، ونلاحظ الطريقة التي تقف بها الفتاة حاملةً أخاها في ظل شجرة، وقد تقوَّس ظهرها من ثقل وزنه، بالنسبة لها، وثقل المسؤولية التي وقعت على عاتقها بهذا العمر، صحيح أنها قد تكون غير مدركة كل ذلك، وغير مدركة أن فتيات أخريات في البلاد الأخرى يستمتعن بجميع وسائل الترفيه والتسلية، ويحظين بطفولتهن بأفضل طريقة ممكنة، وفي المقابل نجد هذا الطفل الذي أسند رأسه إلى كتف شقيقته محاولًا الاستعاضة بها عن حنان والدته.
ماذا عن صورة راقصة الباليه؟
- لدى الكثير منا صورة ذهنية محدودة عن دولة كوبا، أن بها تشكيلات عصابية، وتشتهر بالسيجار الكوبي، ولذلك بحثت عن جوانب أخرى غير معروفة لدى الكثيرين عن كوبا، وأثناء استطلاعي وبحثي عن شعبها، وجدت أن كوبا بيئة حاضنة لاستقطاب لاعبي ولاعبات الباليه من الدول الأخرى، وتوجد في كوبا مدارس متخصصة في تعليم الباليه منذ الصغر، ولذلك تواصلت مع إحدى مؤديات رقصة الباليه، وحرصت في الصورة على جمع ملامح من هذه الدولة.
ومن أكثر ما يُميز كوبا كدولة هي قناعة الناس، ستجد الجميع سعيدا ومبتسما بما يملك ويصنع يومه بقناعته، رغم الظروف الصعبة وتأخر التطور ومواكبة العالم، فإن هذا الشعب لديه طاقة جميلة تستطيع الشعور بها بمجرد مخالطتك لهم.
رحلات وسفر وتصوير توثيقي يظن البعض أنه أمر سهل.. حدثنا عن جوانب المغامرة في رحلاتك.
- كوني مصورا توثيقيا يكون سفري ورحلاتي لتصوير شعوب لم يعتادوا وُجود الغرباء بينهم، فهي ليست مناطق جذب للسائحين، ولذلك وجودي بينهم يثير ريبتهم أحيانا تجاهي، ولذلك أحرص على الترتيب المسبق مع أحد الأشخاص من المنطقة يكون معي، للترجمة والإرشاد من جهة وتذويب جليد مخاوفهم من جهة أخرى، كما أن طريق الوصول إلى أغلب هذه المناطق يكون في حد ذاته مغامرة، وأحيانًا مخاطرة.
فمثلًا رحلتي للصين وتحديدًا في منطقة لاديغار داخل إقليم التبت، في رحلة كانت مدتها عشرة أيام والتصوير كان فقط أربعة أيام!، لأن هذه المنطقة تُعرف بارتفاعها الشديد نحو 4000 متر فوق سطح البحر، ولذلك واجهنا انخفاضا في الضغط، وقلة في الأوكسجين كلما صعدنا، كان هناك صعوبة في الكلام، والصداع بشكل مستمر، ولذلك كان يجب علينا الصعود على مدار أربعة أيام، حتى يتهيأ الجسم لهذا الضغط، حتى إن أحد رفقائنا في الرحلة نزف من أذنيه وعينيه وأنفه، ونصحه الطبيب بأن يعود ولا يكمل الرحلة، نظرا لوجود خطر على حياته إذا أكمل الصعود، وبالفعل عاد.
واصلنا الصعود، وتجولنا في المدينة لنتعرف عليها، وهي مدينة تقع بين الجبال رغم ارتفاعها هذا، واكتشفت أنها أكبر تجمع للديانة البوذية في العالم، ويعيش الأشخاص هناك للتعبد، وتعلم الديانة في أكاديمية مخصصة لذلك، وهناك، وشاركت بهذه الصورة في معارض كبيرة في فرنسا ولندن وإيطاليا، وما لا يعلمه الكثيرون أنه بعد عودتنا من الرحلة بشهر استمرت معنا أعراض الصداع والإعياء الجسدي.
الأهم تنمية موهبة الأطفال في الرسم كونه طريقة لتطوير مهاراتهم الحركية والعقلية
علي الزيدي المصور، هل أنت حريص على تعليم أبنائك التصوير؟
- حاليا شغلي الشاغل ليس تعليمهم التصوير، ولكن أرى أن الأهم تنمية موهبة الأطفال في الرسم كونه طريقة لتطوير مهاراتهم الحركية والعقلية، وتعزيز نموهم الاستكشافي والنفسي والعاطفي، ولأن الطفل تعبيره اللفظي عن تفاصيل حياته وإدراكه لمشاعره بالكلمات منقوص، فلا تحضره كلمات وجمل للتعبير عنها، ولكن الرسم وسيلة للتعبير يعرفها الطفل في مراحل نموه الأولى، وطريقة سلسة يعبر بها الطفل عما بداخله، عما يريد إخبارنا به، وهو ما يساعد على النمو العقلي للطفل بقوة وزيادة إدراكه وتمييز ما يحيط به.