تحقيقات

المهندس عبد الوهاب.. الإعاقة الحقيقية إعاقة عقل لا جسد

اختلافه لم يكن نتيجة إعاقة.. اختلافه كان نتيجة إصرار وعزم وتحد.. لم يجعل إعاقته تقف حائلا بينه وبين تحقيق أحلامه.. بل كانت دافعا له للتحدي والنجاح ليصبح نموذجا يحتذى به..

فعلى عكس الكثيرين الذين يتمتعون بكامل الصحة لكنهم اختاروا الراحة والكسل والاستسلام للأمر الواقع،

جاهد هو في سبيل تحقيق نجاحاته، وثابر لمساعدة الآخرين والأخذ بأيديهم لتحقيق طموحاتهم المهنية.

«أسرتي» التقت المهندس محمد محمود عبد الوهاب – مدرس مساعد في كلية حاسبات ومعلومات جامعة القاهرة-

الذي حمل اسم مصر في محافل العالم في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات ليثبت أن الإعاقة الحقيقية إعاقة عقل لا جسد.

عن طموحاته ومن سانده يأخذنا عبدالوهاب عبر رحلته مع البرمجة وكيف تحدى إعاقته ليصبح ضمن

أفضل 120 مدربا على مستوى العالم، وكيف وصل لأعتاب الحصول على الدكتوراه من جامعة تشارلز داروين في أستراليا.

 

الإنسان يجب أن يكون له هدف.. والناجح فشل مئات المرات لكنَّ لديه إصرارًا على النجاح

يقول عبد الوهاب: منذ الصغر وجدت كل من حولي يساندني ويدعمني أولهم أبي رحمه الله،

كان أكثر إنسان ساندني ودعمني في الصغر، فكان يوفر لي جميع احتياجاتي من كمبيوترات وأجهزة متصلة بالتكنولوجيا،

بالإضافة الى أنه كان مهندس اتصالات، فكان يعطيني الفرصة لأساعده وأتعلم منه، لذلك أحببت مجال الاتصالات والكمبيوتر من ملازمتي له ونقاشاتنا معا.

هؤلاء الأشخاص ساندوني كثيراً في دراستي

 

ويضيف: والدتي كانت تلازمني في المدرسة وتعبت معي كثيرا، وعماتي أيضا ساندنني كثيرا بطرق عديدة.

ومن أهم الأشخاص الذين ساندوني ماجدة موسى، مديرة مدرسة مصر للغات التي كانت هي وزوجها المهندس اسماعيل عثمان مهتمين جدا بالحالات الخاصة،

وكانا يشاركان في الاولمبيات بفرق من ذوي الاحتياجات الخاصة من الفصول المخصصة لذوي الاعاقات الذهنية،

وكانا يحصدان الميداليات والبطولات، لكن بالنسبة لنا كأشخاص ذوي إعاقات جسدية، كانت تسهل لنا التعامل داخل المدرسة

ففي الثمانينيات لم تكن الدولة مجهزة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الحركة،

كان النظام المعتمد هو الدرج، ولم يكن هناك منحدرات أو مصاعد، لكنها عملت على تسهيل الحياة داخل المدرسة كثيرا،

حيث جعلت الفصول الدراسية التي أحضرها في الدور الارضي بعيدا عن الدرج، وأي درج بجواره منحدر، وكل معامل الكمبيوترات كانت متاحة لي في أي وقت بصرف النظر عن حصص الكمبيوتر.

 

ويستدرك:

دكتور ابراهيم فرج عميد كلية حاسبات ومعلومات، كان يسهِّل علي حياتي الجامعية بأن يجعل محاضراتي في القاعات التي ليس فيها سلالم،

والمحاضرات التي كانت تقام في قاعات يصعب الوصول اليها إلا بصعود الدرج أعطاني تصريح بعدم حضورها دون أن ينقص ذلك من درجاتي.

 

هناك العديد من التحديات التي واجهتها في حياتي وحول أصعب التحديات التي واجهها في حياته يقول عبدالوهاب:

بدأت دراستي عام 1982 في مدرسة مصر للغات، كانت وقتها مدرسة حديثة وكانت مهتمة جدا بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنني فضلت الانتقال لمدرسة بريطانية لأحصل على (IGCSE)،

وكان من أكبر التحديات التي واجهتها في حياتي أنني اضطررت إلى أن أسافر الى شيكاغو لأخضع لعملية جراحية لتعديل العمود الفقري في السنة الثانية من (IGCSE) ومكثت في المستشفى أربعة أشهر بدون مدرسة وبدون دراسة،

وكان تحديا بالنسبة لي أن أدرس ما فاتني وأتقدم للامتحان مع بقية زملائي حتى لا أفوّت السنة،

والحمد لله دخلت جميع الامتحانات وحصلت على درجات مرتفعة، وتفوقت في جميع المواد، لألتحق بعدها بكلية الحاسبات والمعلومات.

ويستطرد:

حصلت على 96% بعد معادلة مجموع درجاتي، وكان وقتها هذه النسبة مرتفعة وتؤهلني للالتحاق بكليات القمة، لكنني كنت أعرف هدفي منذ البداية فاخترت الكلية التي تناسب طموحي.

المصادفة لعبت دورها في تغيير مساري

 

ويواصل عبد الوهاب حديثه عن رحلة تميزه في تكنولوجيا المعلومات قائلا:

في الكلية كنت طالبا متفوقا كأي طالب متفوق، وكان المخطط أن أنتهي من الجامعة وأتعين معيدا، لأحضر الماجستير ثم الدكتورا،ه وأسلك سلك التدريس في الجامعة كأي دكتور جامعي، لكن الصدفة لعبت دورها،

ففي العام الدراسي الرابع طلبت مني رئيسة القسم دكتورة سامية الجمل – التي كان لها فضل كبير علي – أن أنضم إلى مسابقة البرمجة المصرية التي سيتم تنظيمها في الجامعة الاميركية للطلبة المصريين،

وهي التي ستأهل للمسابقة العربية.. رحبت بالفكرة وتم اختيار الفريقين المشاركين باسم الكلية من قبلها،

وتدربنا لمدة أسبوعين، وحصلنا على المركزين الثاني والثالث على مستوى الجمهورية، بعد ذلك تأهل فريقي من ضمن الفرق التي ستشارك في المسابقة العربية التي كانت في ذلك الوقت في جامعة الأخوين في المغرب،

وحصلنا على المركز الرابع على مستوى الدول العربية، حيث كانت المشكلة ان اللغة المتداولة في المغرب هي الفرنسية فلم نفهم رسائلهم بوضوح لذلك لم نستطع ان نؤدي بالشكل المناسب.

ويواصل:

بعد تخرجي في الجامعة طلبت مني دكتورة سامية أن أشارك للمرة الثانية في المسابقة العربية المقامة في مصر، فشاركت وحصلنا على المركز الأول، ومنها تأهلنا للمسابقة العالمية المقامة في هاواي عام 2002.

وحول رحلته مع التدريب، قال:

في عام 2003 كنت قد تجاوزت السن الذي يؤهلني للمشاركة في المسابقات،

فاقترح علي أحد المشاركين أن أعمل مدربًا، وبدأت في تدريب الفرق، وفي المرة الأولى التي دربت فيها فريقين حصدا المركزين الأول والثالث على مستوى الدول العربية..  شعرت بالاستمتاع بالتدريب،

وشعرت أن هذا هو هدفي فبدأت في تدريب الفرق في كليتي واستمررت الى عام 2010،

وعندما طلبت مني الجامعة الاميركية تدريب فرقها، وافقت وبدأت في تدريب الفرق في الجامعة الاميركية الى جانب جامعة القاهرة،

وأصبح هناك فريقان متنافسان أدربهما أحدهما من جامعة القاهرة والآخر من الجامعة الأميركية، ويصل الاثنان للمسابقة العالمية.

 

حصلت على جائزة (COACH AWARD) وهدفي الحصول على (SENIOR COACH AWARD)

وفي عام 2012 حصلت على جائزة (COACH AWARD) من (IBM) وهي جائزة لم يحصل عليها سوى عدد قليل من المدربين في العالم لا يتجاوز الثمانين خلال الاربعين عاما الماضية،

حيث يحصل عليها المدرب الذي يستطيع إيصال عدد فرق معينة للمسابقة العالمية أكثر من خمس سنوات،

وبفضل الله استطعت إيصال فرق للمسابقة العالمية لمدة 12 سنة، وباقي ثلاث سنوات لأصل للـ 15 لأحصل على جائزة (SENIOR COACH AWARD).

ويستطرد عبدالوهاب:

بعد ذلك طلبت مني الاكاديمية العربية لعلوم التكنولوجيا والنقل البحري في الاسكندرية أن أدرب فرقها أيضا، من هنا بدأت أسمح لأي طالب في أي جامعة أن يتدرب،

ثم بدأنا في تدريب الأطفال، حيث أدرب أنا الطلبة الجامعيين، وطلبتي يدربون الأطفال،

لأنني وجدت أننا نصل لمستوى معين في المسابقة العالمية ولا نستطيع أن نتخطاه، وحسب خبرتي علمت أن سبب ذلك أننا نبدأ هذا النوع من الدراسة (البرمجة) في سن متأخرة،

وأيقنت أنه كلما بدأنا في سن صغيرة كلما استطعنا أن نصل لمستويات أعلى في المسابقات،

لذلك قررت أن أبدأ مع السن الصغيرة، حيث يصل طلبتي مع الاطفال لمستوى معين، ثم يخبروني أن هذا الطفل لديه الموهبة والقدرة لأتولى أمره بنفسي،

فكنت أحتويهم وأجهز لهم مكانا في بيتي يحتوي على كمبيوترات وأجهزة وسراير لاستضافتهم قبل المسابقات للتدريب.

 

طلبتي يعملون في جوجل وفيس بوك ومايكروسوفت وأمازون وبوكينج وغيرها من الشركات العالمية

ويلقي عبد الوهاب الضوء على أحد تلاميذه الذي تفوق على نفسه:

إسلام ضياء كان في أولى ثانوي عام 2010 عندما بدأت تدريبه قبل الجامعة بسنتين،

درس في الجامعة الاميركية، والآن يعمل في فيس بوك في لندن، خاض إسلام المسابقة العالمية مرتين وحصل على ميدالية (AFRICAN CHAMP).

وأضاف:

إسلام كان من أفضل الطلبة الذين دربتهم وهو من الاشخاص الذين شعرت أن حياتهم تغيرت عندما تعرفت عليهم منذ الصغر..

وكثير من طلبتي ينهون دراستهم ويسافرون للعمل خارج البلاد،

فالشركات العالمية تعرض عليهم مبالغ كبيرة تجعلهم يفضلون السفر، ففي جوجل يصل عدد طلبتي للخمسين،

وفي فيس بوك يصل عددهم حوالي عشرين، فضلا عن مايكروسوفت وأمازون وبوكينج وغيرها من الشركات الكبيرة.

 

عملي مدربًا أخرني في إنهاء الماجستير والدكتوراه

 

ما المعوقات التي قابلتها؟ وكيف تغلبت عليها؟

– واجهت البيروقراطية والحرب على ما اقوم به داخل الجامعة، عندما استشعرت طمع البعض عقب حصولي على العديد من الجوائز، ومحاولة العميدة السابقة

تدمير كل ما أقوم به ونسب عملي لأشخاص آخرين ودخلت معي في مشاكل قانونية لكنني واجهتها

ونجحت في مجهوداتي، واستمرت الحرب بيني وبينها سنتين داخل الكلية لكن بالإصرار وبالحق وبالوعي وحب الطلبة لي وكذلك حب القائمين على المسابقة لي استطعت ان اتخطى كل المشاكل من هذا النوع.

 

إقناع المجتمع بأهمية ما أقوم به كان من أصعب التحديات

ويستدرك: كان من أصعب التحديات التي قابلتها أيضا نظرة الناس لعملي حيث يعتقدون انه مضيعة للوقت،

لأنني أدرب الطلبة وهم يسافرون ويستفيدون بالنجاحات والجوائز ولا يعود علي الأمر بشيء، فأغلب الفائدة تعود للطلاب انفسهم وأغلب الفائدة التي أحصل عليها فائدة معنوية،

كما أن عملي مدربا أخرني في إنهاء الماجستير والدكتوراه لانني اعطيته أهمية أكبر عن الدراسة،

وكل من حولي كانوا يشعرون بالانزعاج من هذا الموضوع، وكان من أكبر التحديات أن أقنعهم ان قراري وأولوياتي هي الاختيار الصحيح، والدي كان من أكثر الناس الذين عارضوني،

وكان يتمنى أن أنهي الماجستير والدكتوراه، لكنني مقتنع أن هناك الملايين من الأساتذة لكن ليس هناك عدد كبير من المدربين الذين وصلوا لما وصلت اليه، فإقناع المجتمع بأهمية ما أقوم به كان من أصعب التحديات.

ما أهدافك المستقبلية؟

– أنا حاليا من أفضل 128 مدربا على مستوى العالم، وهدفي أن أصبح خلال سنتين أو ثلاث من أفضل 50 مدربا.

 

التدرج في تحقيق الأهداف مهم.. ويجب أن يكون مناسب لمهاراتك وقدراتك كلمه توجهها لكل من يجد صعوبة في الوصول للنجاح.

– الإنسان يجب أن يكون لديه هدف يريد الوصول اليه، وكلما وصل لهدف بحث عن هدف آخر..

ودائما عندما نضع هدفا لأنفسنا، فلا نضع هدفا صعب الوصول اليه حتى لا نصاب باليأس،

فالتدرج في تحقيق الأهداف مهم ويجب أن يكون مناسب لمهاراتك وقدراتك.. وإذا فشلنا في الوصول للهدف،

فلا يجب أن نشعر باليأس ونتوقف، بل يجب أن نجرب مرة أخرى، فأي شخص نجح لأنه فشل مئات المرات قبل أن ينجح،

ولأن لديه إصرار على النجاح.

 

«أسرتي» في كل مكان

نسرين خورشيد – مصر

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق