مبادرة «شجّرها».. من أسطح مفروشة بالأخضر.. بدأ حلم الأمن الغذائي عمر الديب: فكرت في المبادرة بعد أن أكل البعض من شجرة التوت أمام منزلي!
أسطح مفروشة باللون الأخضر.. أشجار مثمرة في الشوارع والأماكن العامة وتحقيق الأمن الغذائي، طموح ينشده المهندس الشاب عمر الديب ومبادرته «شجّرها» ويعمل على تحقيقه بطرق عدّة. وأطلق عمر المبادرة انطلاقًا من الحي الذي يسكنه في عام 2016، حتى وصلت إلى 17 محافظة مصرية شملت مختلف فئات المجتمع. حتى الآن تمكنت المبادرة من زراعة 150 ألف شجرة مثمرة، وتستهدف الوصول إلى مليون شجرة بحلول 2030. عن أهمية الزراعة المنزلية والتشجير في السنوات المقبلة وما تسعى «شجّرها» لتحقيقه تحدثت «أسرتي» إلى عمر الديب مؤسس المبادرة في الحوار التالي:
في البداية، هل لمبادرة «شجّرها» قصة وراء تأسيسها وظهورها للنور؟
- فكرة المبادرة وتأسيسها جاء في عام 2016، ولكن قبلها كنت مهتمًا بالبيئة منذ طفولتي، حتى الآن ما زلت أذكر سبب إطلاقي للمبادرة، ففي 13 أبريل عام 2016 وجدت بعض الأشخاص يأكلون ثمارًا من شجرة توت أمام بيتي في مدينتي، واستوقفني الأمر وحاز إعجابي، ومن هذه اللحظة فكرت في زراعة الأشجار المثمرة بالشارع الذي أسكنه بحيث تكون صدقة جارية، ويمكن للمحتاجين أن يأكلوا منها، وفي 17 أبريل أطلقت المبادرة، وجاء الاسم بما يشبه الإلهام وتوفيقا من الله لأن النية كانت خيرًا.
لنتعرف أكثر على مؤسس المبادرة المهندس عمر الديب.
- مجال دراستي بعيد عن الزراعة، إذ تخرجت في كلية هندسة البترول والتعدين جامعة السويس، وأعمل حاليًا مديرًا بإدارة السلامة وحماية البيئة بإحدى شركات قطاع البترول، حصلت كذلك على دبلوم في حماية البيئة من جامعتين، وحاليًا أنا باحث ماجستير في هندسة البيئة بجامعة عين شمس، ومنذ طفولتي كنت محبًا للرياضة خاصة كرة السرعة، وكنت مهتمًا بالعمل البيئي والمجتمعي.
نشجع على الزراعة المنزلية للأشجار التي يمكن الاستفادة منها كغذاء مثل الخضراوات والفاكهة
ما أهداف «شجّرها» وكيف تعملون على تحقيقها؟
- لدينا ثلاثة أهداف أساسية في اشجّرهاب، أولًا نشر ثقافة زراعة الأشجار المثمرة والخشبية في الأماكن العامة، وثانيًا زراعة الأسطح المنزلية والمؤسساتية بالخضراوات والنباتات الطبية والعطرية وأشجار الفاكهة، وثالثًا نشر ثقافة التنمية المستدامة ومواجهة ظاهرة التغير المناخي.
ونعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال الفعاليات المختلفة في كل أنحاء مصر، فأقمنا ما يقرب من خمسمائة فعالية حتى الآن في الشوارع والمدارس وغيرهما بعدد من المحافظات زرعنا خلالها نحو 150 ألف شجرة مثمرة وخشبية. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي نعمل على نشر أهدافنا.
هل المبادرة محددة النطاق بمحافظات معينة؟
- حين بدأت المبادرة كنت استهدف الحي الذي أسكنه فقط، ولكن التوفيق ساهم في توسيع نطاق المبادرة، فنحن الآن موجودون في سبع عشرة محافظة بمصر من القاهرة، مرورًا بالإسكندرية ومرسى مطروح والبحر الأحمر وحتى أسوان، إلى جانب ذلك بعض الدول العربية تشارك وتساهم معنا في المبادرة منها السعودية واليمن والأردن وتونس وقطر وسورية، ونستهدف دولًا عربية وأجنبية أخرى.
ما النباتات والخضراوات التي يمكن زراعتها على أسطح المنازل؟
- نحن نعمل بشكل مستمر على نشر زراعة الأشجار والنباتات التي يمكن الاستفادة منها كغذاء وأهمها الورقيات مثل الجرجير والبقدونس والسبانخ والملوخية، والثمريات مثل الطماطم والفلفل والكوسا والباذنجان، إلى جانب ذلك يمكن زراعة النباتات الطبية والعطرية مثل النعناع والريحان الزعتر واللافندر، والتي يمكن استخدامها كتوابل أو مشروبات. وكذلك الفاكهة، حيث يمكن زراعة بعض الأنواع مثل الموالح كالبرتقال والليمون، إلى جانب الجوافة واليوسفي وشجر الكمكوات والموريجنا، وهي إحدى الأشجار ذات الفائدة الكبيرة، ويمكن استنبات بذور عدد من النبات مثل الجرجير والحلبة وغيرهما بداخل البيت في مكان قريب من مصدر إضاءة طبيعي، وفي خلال أسبوع أو 10 أيام يمكن أن نأكل من ثمار هذه النباتات. ونشجع على زراعة النباتات والخضراوات في نطاق المنازل للاستفادة منها.
هل توجد إحصائيات عن زراعة الأسطح والزراعة المنزلية في مصر؟
- الموجود اجتهادات عن الزراعة المنزلية في مصر، ولكن لا توجد إحصائيات رسمية، وهو ما نأمل مستقبلًا في توافره عن زراعة الأسطح، ولكنها لم تنتشر حتى الآن انتشارًا كافيًا لأن الكثير من الأشخاص يرون هذه الزراعة مكلفة نسبيًا وهي إحدى العقبات لانتشار الزراعة المنزلية.
استبدال أشجار الزينة بالأشجار المثمرة يحقق عائداً اقتصادياً وينقي الجو من الملوثات
وكيف ترون الإقبال في الفترة الأخيرة على زراعة الأسطح والأشجار من قبل الأفراد؟
- في بداية المبادرة كنت أعاني لتغيير الثقافة الخاصة بزراعة الأشجار المثمرة، وكانت هناك أقوال عن وجود قوانين تمنع زراعة هذا النوع من الأشجار ولكن بفضل الله ثم اجتهادات المبادرة استطعنا تغيير الفكر، حيث بدأت الدولة تشجع الأشخاص على زراعة الأشجار المثمرة عوضا عن الزينة.
وفي كل عام يزداد عدد الأفراد الذين يزرعون المنازل والأسطح أو المتطوعين الذين ينضمون إلينا من جميع فئات المجتمع، كما لمسنا إقبالا على زراعة الأشجار، المثمرة خاصة في الأماكن العامة، وبعض الأفراد يشاركوننا تجاربها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولاحظنا قبل مؤتمر المناخ ازدياد الإقبال على زراعة الأشجار المثمرة، وللأسف مع انتهاء المؤتمر تراجع الإقبال، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكننا نحاول خلال الفترة المقبلة التركيز على أهمية الأمن الغذائي وضرورة زيادة زراعة الأشجار والنباتات المختلفة حتى نتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ما المقصود بزراعة الأشجار المثمرة عوضا عن شجر الزينة.. وما الفائدة التي تعود نتيجة استبدال نوع الأشجار المزروعة؟
- معظم الشوارع لدينا مزروع بها شجر الزينة وأغلبها شجر االفيكسب وهي شجرة مضرة وليست لها فوائد اقتصادية.. في المبادرة نعمل على استبدال أشجار الزينة بالأشجار المثمرة بحيث يكون لها عائد اقتصادي يمكن الاستفادة منه، وتنقي الجو من الملوثات كذلك، ولكن هناك شروطا لاستبدال أشجار الزينة بالمثمرة وزراعة هذه الأشجار، فعلى سبيل المثال يجب أن تُزرع الأشجار المثمرة في أماكن نسب التلوث بها منخفضة، ويكون مصدر الماء لها نقيا، وهي توصيات دائمًا نذكرها باستمرار في فعاليتنا، ويساعد هذا النوع من الأشجار في تحقيق الأمن الغذائي لمصر.
وكيف تسهم الزراعة المنزلية في حماية البيئة؟
- تسهم الزراعة المنزلية في حماية البيئة من خلال تنقية الجو من الملوثات، وخاصة ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الأساسي المتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.
ويعد التشجير والزراعة هما الأساس في عالمنا، فنحن 7 مليارات نسمة، وبالتالي نحتاج إلى زراعة أشجار ونباتات بأعداد كبيرة كي تكون كافية لسكان العالم لتحقيق الأمن الغذائي وتجنب المجاعات وظاهرة التصحر والتغيرات المناخية، والتي تؤثر على من 30-40% من المحاصيل وتدمرها. وتعد الدول الفقيرة الأكثر تضررًا، ومنها قارة أفريقيا التي تتأثر بشدة بهذه التغيرات، رغم أن نسبة انبعاثاتها ضئيلة للغاية لا تتجاوز 4% من الانبعاثات العالمية. ولدينا في مصر، فإن مناطق الدلتا والإسكندرية والساحل الشمالي من أكثر المناطق التي سيقع عليها ضرر هذه التغيرات المناخية، لذا يجب التوسع في التشجير لمواجهة هذه التحديات.
وما العلاقة بين زراعة الأشجار المثمرة وتحقيق التنمية المستدامة محليًا وعالميًا؟
- العلاقة وطيدة للغاية، إذ تحقق زراعة الأشجار عدّة أهداف في التنمية المستدامة. من الناحية الاقتصادية فبدلًا من زراعة أشجار ليست لها عائد اقتصادي تحقق الأشجار المثمرة إنتاجا بعد 3- 5 سنوات بما يقرب من 50 كيلوجرامًا من الفاكهة، بينما أشجار الزينة لا تنتج أي فاكهة.
ومن الجانب البيئي تسهم هذه الأشجار في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين، إلى جانب تحقيق التنوع البيولوجي من خلال الطيور والحشرات التي تسكن وتعتمد على هذه الأشجار، وتخفيض وامتصاص الملوثات وعوادم السيارات، أما البعد الاجتماعي فتسهم الزراعة في إظهار منظر جمالي وتحسين الحالة النفسية والمزاجية من خلال انتشار اللون الأخضر للأشجار والنباتات.
كان لنا السبق بزراعة سطح أول ناقلة بترول على مستوى العالم بنظام الزراعة بدون تربة
ما أبرز الإنجازات التي حققتها المبادرة مؤخرًا للوصول إلى أهدافها؟
- إلى جانب زراعة مئات الآلاف من الأشجار في مختلف محافظات مصر، زرعت المبادرة أكثر من 10000 سطح بالخضراوات والنباتات، كما كان لنا السبق بزراعة سطح أول ناقلة بترول على مستوى العالم بنظام الزراعة بدون تربة. وحصدت المبادرة عدة جوائز منها جائزة التميز البيئي لعام 2020 من وزارة البيئة المصرية، وكمؤسس للمبادرة نلت جائزة أفضل ا100 شابب على مستوى أفريقيا في التنمية المستدامة.
أطلقتم حملة بالتزامن مع مؤتم COP27 فما تفاصيل هذه الحملة؟
- أطلقنا حملة زراعة 27 ألف شجرة مثمرة في ثماني محافظات مصرية مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP 27 باعتباره حدثًا فريدًا لتعريف العالم بالمبادرات المصرية التي تعمل على التوعية البيئية وظاهرة التغيرات المناخية، ومدة الحملة منذ يوم 1 أغسطس 2022 ومستمرة حتى 1 نوفمبر 2023 وذلك حتى نهاية رئاسة مصر لمؤتمر المناخ. حتى الآن زرعنا نحو 10 آلاف شجرة، وشارك العديد من الشركات والمتطوعين في مشروعنا.
نستهدف زراعة 27 ألف شجرة مثمرة في ثماني محافظات مصرية
بالنسبة لكم في المبادرة ما مشروعاتكم الأغلى لديكم منذ بدء المبادرة حتى الآن؟
- المشروع الأغلى لي هو مشروعنا الذي أطلقناه بالتزامن مع مؤتمر المناخ لزراعة 27 ألف شجرة، لأن الفكرة جاءت في وقت قصير، ورغم ذلك تمكنا من تحقيق نسبة كبيرة من أهدافنا.
وما الذي تتطلعون إليه من مشروعات خلال الفترة المقبلة؟
- تطمح المبادرة مستقبلًا إلى تحقيق عدد من الأهداف، ولكن في المقدمة نأمل في زراعة مليون شجرة بحلول 2030 وكذلك نشر ثقافة زراعة الأشجار بمعظم المدارس الحكومية، وأن يكون لدينا مجمع بيئي يشمل كل الأنشطة الخاصة بحماية البيئة في كل محافظة، ومشاركة الأطفال والشباب في التغيير بمجتمعهم ومساندة الجهات المختلفة، خاصة في هذه الفترة الاقتصادية التي تتسم بالصعوبة، حتى يمكننا استكمال أنشطتنا.
«أسرتي» في كل مكان
مصر – داليا شافعي