من ذوي الإرادة الصلبة.. وبطلة لأغنية بريطانية ديـمـا الأكتـع.. لاجئة سورية مبتورة الساق على قائمة المؤثرات عالمياً
لأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.. العداءة السورية ديما الأكتع بدأت مشوارها بميل واليوم تتدرب لتشارك بالألعاب البارالمبية 2024.. لم تكن الساق المبتورة للمبدعة ديما، عائقاً أمام تحقيقها منجزات كبيرة على مستوى النساء في العالم، بل ربما كانت هذه الإصابة سبباً لكي تحارب ديما كل الظروف لتكون من ضمن 100 امرأة مؤثرة في العالم. فكيف وصلت ديما الأكتع إلى هذه المكانة، هذا وأكثر نتعرف عليه في لقاء لمجلة «أسرتي» معها:
عشت معاناة وتحديات نفسية وجسدية
وشعرت بأنني خسرت كل شيء حرفياً
ما حكاية ديما الأكتع؟
- كنت فتاة ممتلئة بحب الحياة، في مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة) أخطط للجامعة، وأرسم أحلامي وطموحاتي، ولكن في 13 سبتمبر 2012 انقلبت حياتي بلحظة واحدة، اهتز منزلنا في بلدة سلقين في ريف إدلب بصوت انفجار، وخشيت أن تكون قذيفة أصابت الغرفة التي توجد بها أختي الصغرى، فهرعت للاطمئنان عليها. وكانت أختها بخير، لكن في اللحظة التالية سقطت قذيفة على المنزل، واقتضى الأمر دقائق لأدرك أنني فقدت ساقي اليسرى، ودمر البيت، لكن عائلتي نجت، وهذا هو الأهم بالنسبة لي.
أخذوني في سيارة وأنا أظن أنني لن أكمل الطريق حية، وأجروا لي عملية بتر مستعجلة هناك، وبعد أسبوع فقط كان لا بد من مغادرة المستشفى.
وأضافت:
ثم تركت سورية مع عائلتي، وانتقلت إلى لبنان. ومرت خمس سنوات قبل أن تحصل العائلة عام 2017 على حق اللجوء في بريطانيا، عن طريق برنامج إعادة التوطين الذي أطلقته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتنتقل إلى بلدة فليتويك في مقاطعة بيدفوردشاير في إنجلترا.. وعشت معاناة وتحديات نفسية وجسدية وعقلية، خصوصاً أنني توقفت عن الدراسة.. كان من الصعب تقبل وضعي الجديد، وشعرت بأنني خسرت كل شيء حرفيا. كان عليّ تعلم المشي والوقوف، وأن أتقبل نظرة الشفقة التي من الناس دون قصد منهم، ولكن جرحي كان جديدا، وكنت أتألم لهذا، كما واجهت بعد وصولي إلى بريطانيا صعوبات التعلم والاندماج وتكوين الصداقات.
علمتني الحياة كيف أتأقلم وأخوض أي تجربة
كيف كانت نظرتك لهذه المحنة؟
- أولاً هي كانت في حقيقة منحة وليست محنة، ولكن بعد معاناة، أصبح لدي قناعة بأننا حين نفقد شيئاً غالياً جداً، يعوضنا الله بأشياء كثيرة، بل وأكبر وأجمل مما فقدناه، وهذا ما حصل يوم إصابتي، إذ كان أهلي معي في المنزل حين سقطت القذيفة، وكانت أمي في الغرفة ذاتها، ولم يصبهم أي مكروه ولا حتى إصابة طفيفة، وهذا أكبر تعويض ونعمة، والأمر ليس سهلاً طبعاً، لكني طالما احتفظت بالأمل والقناعة بأن هناك شيئاً ما سيتغير، وهكذا علمتني الحياة كيف أتأقلم، وشجعتني على أن أخوض أي تجربة، وجعلتني أؤمن بأهدافي التي اخترتها.
ركضت لأول مرة منذ الحادث دون تدريب من أجل الأطفال
حدثينا عن السباقات للمشي أو للركض التي شاركت فيها خاصة أولها.
شاركت في مايو 2020 مع منظمة اChoose loveب ضمن مبادرة عالمية للمشي، بهدف جمع تبرعات لمساعدة اللاجئين في مخيمات اليونان. وكانت هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في سباق للمشي بعد توقف لسنوات.
أحسست بأوجاع هائلة بسبب أن الساق الاصطناعية غير رياضية، زادتها معاناتي من احتباس الدم عند مكان القطع. لكني رغم ذلك تابعت المشي، لأقطع أكثر من 2 كيلومتر، رغم تعهدي بالسير في منطقتي لميل واحد فقط
و في أغسطس 2021، شاركت في ماراثون مانشستر، بهدف جمع تبرعات لجمعية اسوريات عبر الحدودب، التي تقدم مشاريع إنتاجية تستهدف اللاجئين السوريين في الأردن، وتساعد المصابين، خاصة الأطفال الذين فقدوا أطرافهم في الحرب.
كنت متحمسة، رغم انني اضطرت للتوقف عدة مرات لأخلع الطرف الاصطناعي الجديد الخاص بالجري، وأجفف العرق الذي يسيل من ساقي، بل واستعنت بقطع من الثلج بعد أن شعرت بأن الساق الاصطناعية تكاد تفلت من مكانها، لكنني حققت الإنجاز ووصلت إلى خط النهاية.
ما أكثر ما يؤلم ديما؟
- أكثر ما يؤلمني أن يحرم طفل من أبسط حقوقه بممارسة حياته بشكل طبيعي، طفل صغير عمره 5 أو 6 سنوات لا يمكنه أن يفهم لماذا هناك أشياء لا يستطيع القيام بها مثل الباقين؟ أو لماذا يقال له أنت لا يمكنك فعل ذلك لأن ساقاً أو يداً تنقصك؟
النجمة البريطانية آن ماري تأثرت بقصتي وظهرت معها في تسجيل أغنية كنت بطلتها
كيف علمت نجمة البوب آن ماري عن قصتك؟
- شرف وفخر وبصمة ستبقى معي لآخر عمري هو لقائي بالنجمة البريطانية آن ماري التي تأثرت بقصتي من خلال المنظمة الخيرية “Choose love”، وقررت تصوير أغنيتها الشهيرة “Beautiful” معي، وظهرت في الفيديو الكليب الرسمي للأغنية، الذي حصد نحو أكثر من مليوني مشاهدة.
ويروي الفيديو قصتي منذ لحظة سقوط القذيفة على بيتي، ثم إصابتي، ومراحل التأهيل والتدريب التي خضها بعد حصولي على ساق اصطناعية رياضية، وتطور مراحل الشفاء وصولا للمشاركة في ماراثون مانشستر. وأرفق برابط للتبرع، من أجل مساعدتي في المشاركة بالألعاب البارالمبية.
وأضافت:
كنت سعيدة جداً في هذه التجربة، وأشكر المغنية آن ماري من كل قلبي على منحي هذه الفرصة، إنها شخصية تحب المساعدة، وتعطي من قلبها، ومن الصعب وصفها بكلمات، صدقاً أنا جداً ممتنة لهذه التجربة، التي أعطتني دافعاً قوياً للاستمرار، وكانت نقلة نوعية وإضافة لحياتي، كما أن ردود الناس وتفاعلهم ودعمهم، أمر عظيم وباعث معنوي قوي جداً.
لكل ذوي الهمم:
أحبوا أنفسكم كما أنتم ولا تجعلوا أي شيء يقف في طريقكم
ما رسالتك لذوي الهمم؟
- أحبوا أنفسكم كما أنتم، ولا تجعلوا أي شيء يقف في طريقكم، وقاتلوا لأجل حلمكم، سنتعب وننهار في البداية، لكن لا تستسلموا، واجعلوا من الحدث غير العادي عادياً في حياتكم، ولا تجعلوا الأعذار تقف حاجزا، ولا تجعلوا الإصابة توقفكم، ولا تخجلوا من أنفسكم، فهذه حياتنا وعلينا أن نعيشها بحب وأمل.
اكتشفت كيف أن فقدان ساقي ساعدني في أن أصبح نسخة أفضل من نفسي
هل تخافين من المستقبل؟
- من وقت ما فقدت طرفي، اكتشفت كيف أن فقدان ساقي، في سن مبكرة، ساعدني في أن أصبح نسخة أفضل من نفسي، وأن أصبح شخصاً ناضجاً لديه رؤية ووعي أكبر، شخص يقوده النجاح، ويطمح للوصول إلى قمة الهرم.
دائماً تشاركين متابعيك على السوشيال ميديا أوقات التمارين، هل هو أفضل وقت لديك؟
- بعض الأحيان عندما يكون لدي تمرين للرجلين وبالأخص مع الطرف الاصطناعي، آخذ وقتا حتى أتوازن، فلا بد من جلسة معينة “لازم تكون قعدتنا صح، وبعض الأحيان ما تضبط بالمرة، وبتعذب كتير”، ولكن الشغف بما نفعله يُسهل كثيراً من الأمور. التدريب مع الطرف الاصطناعي ليس سهلاً، وعلي بناء الثقة، وكيف تكون حركتي آمنة، كما علي تعلم أسلوب الجري المناسب لحالتي، والذي له قواعد خاصة، ويجب تدريب العقل عليها، ولكنني أتطور يوما بعد يوم.
هدفي متابعة الجري والتدريب
ما الطموح الذي تسعين له؟
- هدفي الأغلى، وهو متابعة الجري والتدريب، وتحقيق حلم المشاركة في الألعاب البارالمبية. وذلك في عام 2024 في باريس.
ما أصعب سباق واجهته؟
أصعب سباق شعوريا هو أول سباق لأن مسافة السباق كانت طويلة نوعا ما مع وجود الطرف الاصطناعي وحدوث تعرق ولكن متعته كانت في صعوبته.
هل تعرضت للتنمر؟
تعرضت في بداية اصابتي للتنمر وكلام قاس جدا ولن أنكر انني جُرحت وقهرت لأنني كنت في مرحلة تقبل الأشخاص ونظرتهم لذوي الاحتياجات الخاصة وبعض الاشخاص كانت نظرات الشفقة كافية لأن تسبب لي الألم أكثر من الإصابة.
ما الموقف الذي لا تنسينه؟
لحظة أول مرة مشيت بعد ست سنوات وكان شعورا مختلطا، الخوف بالفرحة وكانت لحظات لا تنسى.