تحقيقات

أعراس الصعيد «حنة» و«سبوع»..وإبل حسب مكانة العروس

رغم مرور الزمن بكل ما فيه من تكنولوجيا ومستجدات، فمازالت الأعراس في جنوب الصعيد بالذات لها أساليبها الخاصة التي تتسم بالتقاليد والعادات، سواء في تجهيز العروس أو ليلة الدخلة، أو التكاليف، أو حتى الأغاني والحفلات المختلفة التي يتنوع فيها المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي،

وتشكل الأعراس ظاهرة مهمة في حياتنا فهي بداية لتكوين أسرة واستقرار وتحمل مسؤولية، واعتماد الشخص على ذاته.. إلى غير ذلك من الأمور.

وقد جالت «أسرتي» في عدد من محافظات الصعيد الجواني للوقوف على أهم مظاهر الاحتفالات بالأعراس الصعيدية، وما بقي من هذه المظاهر وما اختفى منه بسبب التطور في مختلف مناحي الحياة وسوف نحاول في هذا التحقيق إلقاء الضوء على أهم مظاهر العرس في جنوب الصعيد واهم الموروثات القائمة وما استجد فيها من تطور.. وإليكم التفاصيل:

فاروق: الاستعانة بشركات أغذية لتقديم العشاء في أعراس الصعيد نقلة جديدة

في البداية التقينا الباحث الأكاديمي الأستاذ سعد فاروق، رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي، حيث قال: منذ عشرات السنين وأنا أرصد الظواهر الاجتماعية في الجنوب وعلى رأسها الأعراس وأتابع ما طرأ عليها من تطورات، وأهم ما تم الاحتفاظ به حتى يومنا هذا، وما بقي وما اندثر من عادات وطقوس خاصة بالأعراس في جنوب الصعيد.

وأضاف: هناك تطور واضح خاصة في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بإقامة حفلات الأعراس وإعداد وتجهيز العروس باستخدام أحدث التقنيات الحديثة في تجميل العروسين في صالونات مخصصة للسيدات وأخرى للرجال، مع حجز أفخم الصالات،

ولكن مازال إقامة العشاء للحضور لم يتغير منذ القدم باعتباره سنة إسلامية يحافظ عليها أهل الجنوب تجمع الأحبة والأصدقاء لتناول العشاء احتفالا بالعروسين، وربما الذي تغير قليلا أو تطور هو طريقة تقديم وجبة العشاء، حيث الاستعانة بأمهر الطباخين،

وهناك شركات للخدمات تتولى مسؤولية بوفيه العشاء للضيوف، وانتشرت هذه المظاهر في معظم قرى الصعيد ولم تكن موجودة من قبل، حيث كان أهل المعرس هم الذين يتولون مسؤولية الضيافة والعشاء للضيوف.

السباعي: أعراس كثيرة فشلت بسبب الخلاف على الذهب

جالت «أسرتي» في عدد من محافظات الصعيد الجواني للتعرف على عادات وتقاليد الزواج في محافظات الجنوب الجواني والتعرف على وجه الاختلاف بين ما كان زمان وما طرأ عليه من تطور ومابقي منه لم تؤثر فيه المستجدات وحافظت عليه التقاليد الصعيدية.

ممدوح السباعي شاعر وباحث من محافظة سوهاج قال لنا:

معظم أهل الجنوب يستعدون للزواج بعد شهر رمضان المبارك، وعلى الرغم من دخول بعض التقاليد الحديثة، إلا أن التقاليد والأعراف القديمة ما زالت متبعة بين العائلات في محافظة سوهاج،

فمثلا انتظار العريس حتى يدخل بزوجته ثم يخرج معلنا أنه أتم مهمته على أكمل وجه (أي فض غشاء البكارة) فتنطلق الزغاريد ابتهاجا بذلك، ورغم اعتراض بعض الشباب المتزوجين حديثا على هذه العادة إلا أنها مازالت موجودة حتى يومنا هذا.

وأضاف: ما زال أهالي بعض القرى في سوهاج يشترطون شراء كميات كبيرة من الذهب، وهي عادات ما زالت موجودة رغم التعليم الجامعي وعدم إقبال الفتيات الجامعيات على لبس الكثير من الذهب، وأن كثيرا من الزيجات لم تكتمل بسبب الخلاف حول الذهب،

وذلك بسبب اختيار أهل العروس كمية أكبر من المتفق عليها، والبعض يلجأ لشراء جزء من الذهب وكتابة قيمة باقي الكمية بإيصال أمانة على العريس، أو إضافته على قائمة العروس، وهى قائمة بجهاز العروس وتؤخذ كضمان على العريس، وتختلف قيمتها من حالة لأخرى.

عمارة: عدد الإبل تحدد مهر العروس ومكانة قبيلتها في قبائل الصعيد الجواني

أما الباحث عبدالله عمارة مدير قصر ثقافة حلايب وشلاتين بمحافظة البحر الأحمر، فقال:

تتميز مدينة الشلاتين جنوب البحر الأحمر عن باقي مدن المحافظة في العادات والتقاليد، ويرجع السبب في ذلك إلى الطبيعة القبلية لهذه المنطقة، مثل قبائل العبابدة والبشارية، والتى تحتفظ بعادات وطقوس بعينها في الأمور الحياتية والمعيشية وتتمسك بها على مر العصور رغم التطور الهائل في تقاليد الأعراس وطقوسها المختلفة.

وأضاف: من تقاليد الزواج القديمة أن الخطبة تتم منذ الصغر، وأحيانا منذ الميلاد، وتتحدد المهور بعدد من الإبل تتناسب مع قيمة العروس ومكانة عائلتها وقبيلتها، غير أن البنت ممنوع أن تتزوج غير ابن عمها، وإذا حدث اعتراض تحدث مشكلات كثيرة تصل إلى حد الطرد من القبيلة، ولكن الولد يمكنه أن يتزوج بمن يريد.

ومنذ وقت قريب، كان لا يتم توثيق الزواج، ولكنهم أصبحوا يوثقونه عند شيخ القبيلة الذي يفصل في كل شيء، فالقضاء العرفي هو الساري في المنطقة حتي الآن، وهو قضاء منظم جدا وقادر على حل المشكلات جميعا، فلا يوجد هناك من يلجأ للشرطة وإنما لشيخ القبيلة،

وتختلف بعض تفاصيل القضاء العرفي عن مثله في أماكن أخري، بل تطورت الحياة وأصبح التوثيق عن طريق المحاكم والالتزام بقوانين الأحوال الشخصية، ولكن مازال زواج الأقارب هو السمة الغالبة والمتوارثة من الماضي حتى وقتنا الحاضر.

غانم: التنافس في حجز القاعات للوجاهة من أهم مستجدات أعراس الصعيد

وفي قنا، التقينا بمأذون شرعي قرية المحروسة عبد الجابر غانم الذي تحدث إلينا قائلا: أعمل مأذونا شرعيا منذ عام 1973 حتى هذه اللحظة، وقد مرت علينا أحوال وأجيال في موضوع الأعراس قد يصعب حصرها، حيث كان الزواج يتم في الماضي بحضور المأذون،

ولم ير العروس غير أنها لها إقرار تقوم بالتوقيع عليه فقط دون أن يراها المأذون.. وحتى ما قبل عام 2000كان من يحدد سن الزواج للعروس ويجهز المستندات هو طبيب الصحة ويتم بأي سن، لكن الوضع اختلف مع قوانين الأحوال الشخصية حيث بلوغها السن القانونية مع وجود تحليل دقيق من لجنة طبية مختصة، مع حضورها شخصيا أمام المأذون ومعرفة موافقتها وتوقيعها على الإقرار أمامه.

وعن شكل الأعراس نفسها اختلفت عن الماضي حيث كان الفرح مقتصرا على الأقارب فقط، ولكن مع المستجدات أصبح العرس يقام في ناد، وأصبح التنافس في حجز القاعات الشهيرة رغم تكلفتها ورغم أنها تكلف العريس فوق طاقته، لكنه يتحمل كل هذا في سبيل الوجاهة والظهور بمظهر مميز ومختلف، كما أن استخراج تصريح الزواج من محكمة الأسرة.

وعن متطلبات الأعراس، قال غانم:

الفرق يتمثل في المستوى الاجتماعي والمادي للأسر، هناك أسر مازالت على وضعها القديم من حيث متطلبات الأعراس متبعة قول الرسول الكريم « أقلهن مهرا أكثرهن بركة»، وفي المقابل هناك أسر تنفق نفقات باهظة تكلف العروسين مالا يطيقان وهي أشياء مستحدثة،

وإنما هي برمجة أو مستحدثات العصر، وقد وصلت إلى أن يكون التكييف من ضمن جهاز العروس، وهو ما لم يكن موجودا من قبل.

محاولة للوسطية

وأكمل غانم حديثه لـ «أسرتي»، قائلا:

هناك بعض العائلات في كثير من قرى الصعيد نظمت مؤتمرات للتخفيف من المهور ومتطلبات الأعراس وإلغاء بعض الأشياء المستحدثة مثل غرفة الأطفال والنيش وغيرهما إلا أن مخالفة بعض الأسر لما تم الاتفاق عليه جعل الرجوع لنقطة الصفر أو كما يقولون بالصعيدي «رجعت ريما لعادتها القديمة».

أما عن الشبكة فهي هدية العريس لعروسته، واتجه الكثيرون في قنا للشبكة الصيني بديلا للذهب، بسبب ظروف الحياة وارتفاع أسعار الذهب، وهو ما طرأ على نظام الأعراس ولم يكن موجودا من قبل.

كما أن هناك عادات ما زالت موجودة ولم تتغير مثل إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح في معظم محافظات الصعيد، وتتوقف كمية السلاح التي توجد في الأفراح على الحالة المعيشية لأصحاب الفرح، والعلاقات الاجتماعية لهم، حيث يتباهى الأهالي بضرب النار.

أبو بكر: الحنة والسبوع تقاليد نوبية في الأعراس لم تغيرها التكنولوجيا

وفي أسوان، التقينا بالشاعر والباحث عبدالناصر أبو بكر صاحب كتاب موسوعة حكايات الجزيرة التي وثق فيها العديد من الحكايات الشعبية منها الأعراس في الجنوب.

وتتميز محافظة أسوان آخر محافظات الجنوب بوجود عدد كبير من أهل النوبة بعاداتهم وتقاليدهم النوبية خاصة فيما يتعلق بأمور الزواج والأعراس.

وأوضح أبو بكر أنه يتميز أهالي النوبة في عادات وتقاليد الزواج بداية من الاختيار، لأن النوبيين يتزوجون من بلادهم، فالفتاة النوبية يجب أن تتزوج من نوبي مثلها وكذلك النوبي يتزوج نوبية مثله، ولكن تغيرت تلك العادة منذ سنوات،

وأصبح يتزوج النوبي من خارج مجتمعه، لكن ما زالت العائلات النوبية تُصر على ذلك بالنسبة للفتيات، ورغم التطور الهائل الذي حدث للمجتمع النوبي ونسبة التعليم الجامعي إلا ان هناك العديد من العادات والتقاليد الموروثة منذ القدم مازالت تطبق في كثير من أمور الزواج خاصة فيما يتعلق بالحنة والشبكة والمهر وتكاليف الزواج واستقلالية العروسين عن بيت العائلة.

الياسمين يؤكد لنا الباحث الأثري أحمد عبدالقادر قائلا:

عادات الزواج لم تتغير منذ عهد الفراعنة، مما ذكره الدكتور سيد كريم مؤلف «موسوعة لغز الحضارة»:

«كان العروسان قديما يقومان بتزيين قاعة الزفاف، وأهم شيء يستخدم لتزيين القاعة هو زهر الياسمين، وهي بالفرعوني «الياسمون»، وذلك لأنه في اعتقادهم زهر الجنة ورائحته هي رائحة الجنة، وكان يطلق علي المكان الذي يجلس فيه العروسان،

أما ليلة العمر «الدخلة» كما يحلو للجميع تسميتها فتبدأ بتحية العروس وصديقاتها ثم بالرقص والغناء دون فاصل، فلم يعد هناك حاجة لراقصة من الدرجة الثانية ولا حتى الرابعة لتحيي الحفل كما كان عليه في الماضي.

أما في الحاضر فقد لعبت التكنولوجية دورا كبيرا حيث اختفت الفرق الموسيقية والغنائية التي كانت تتبارى في تقديم كل ما هو جديد بأصوات تشدو حتى الساعات الأولى من الصباح ليحل محلها اسطوانات المطربين والمطربات «دي جي».

وأصبحت قرى الجنوب تسهر حتى الصباح للاحتفال بالعروسين ولم يعد يوما واحدا كما كان في السابق، وإنما أصبح يخصص يوم للعشاء، ويوم لاستضافة أحد القراء المشهورين لسماع القرآن الكريم، ويوم ثالث لزفة العروس على أنغام الدي جي، ولم يعد انتظار العروسين للاطمئنان عليهما لإطلاق الزغاريد،

.كما أن الصباحية وإن كانت عادة مازالت موجودة حتى الآن لكن تغير موعدها من الصباح إلى المساء لإعطاء الفرصة للعروسين للراحة بعد مشقة الليلة الماضية والسهر حتى الصباح.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق