ناخبة مشاكسة

الأم تريزا المصرية الأمل أجمل ما في الوجود

ماما ماجي ترسم بسمة أمل على وجوه الأطفال البائسين

لقبها البعض بالأم تريزا المصرية.. كرست حياتها ومالها وجهدها لرسم بسمة أمل وفرح على وجوه الأطفال البائسين..

تبنت ماجي جبران  أو كما يطلق عليها «ماما ماجي» أعدادا كبيرة من الأطفال وعملت على رعايتهم نفسيا وبدنيا وتعليميا..

قضت 30 عاما في العمل التطوعي وأسست «دار ستيفن شيلدرن» لتوفر من خلالها 92 مركزا للرعاية والتعليم يضم أكثر من 18 ألف طفل، ويضم ثلاثة مراكز تدريب مهني للأطفال والفتيان، بالاضافة الى علاج أكثر من 40 ألف حالة مرضية سنويا..

استمرت ماما ماجي في العمل التطوعي ووسعت مجال خدمتها لتشمل برعايتها 33 ألف طفل، يساعدها على رعايتهم 2000 متطوع.

الامارات كرمت ماما ماجي وقدم لها الشيخ محمد بن راشد المكتوم جائزة صناع الأمل تقديرا لمجهودها لنشر الحب والسلام ومساعدة الانسان في أي مكان.

فمن ماجي جبران؟ وكيف اتجهت للعمل التطوعي؟

وكيف كانت حياتها قبل أن تكرس نفسها لخدمة الانسان؟ أسئلة كثيرة حملناها لماما ماجي، وكان هذا اللقاء في «حي الزبالين» بين أطفالها الذين تبنتهم بعد أن غسلت أقدامهم ووزعت عليهم الحلوى وبثت فيهم مشاعر الحب والسعادة والثقة بالنفس:

 

عندما شاهدت الأطفال الفقراء شعرت بأنني لن أستطيع أن أستمر في حياتي كما كنت أحيا

 

متى بدأ لديك التوجه للعمل التطوعي والخيري؟

– العمل التطوعي بدأ من أجيال كثيرة سبقتنا، فكل من يجول يصنع خيرا يضع الخير – دون أن يشعر- في قلوب الناس من حوله، فكلنا في هذا العالم كأننا كأس واحدة لو وضعنا فيها نقطة حلوة ستكون بركة للماء كله،

واذا وضعنا نقطة سيئة فستفسد الماء كله، فأنا كبرت ووجدت والدي طبيبا يكشف على أشخاص كثيرين مساكين مجانا ويعالجهم ويعطيهم الأدوية،

واشتهر بذلك في الصعيد فكان الناس يتوجهون اليه، وكنت أعود من المدرسة لأجد الناس يجلسون على السلالم والرصيف امام البيت ليعالجهم.

وتواصل: كذلك عمتي لم تتزوج لتساعد المساكين والمحتاجين، فكانوا ينتهون من الكشف لدى والدي ويدخلون الى بيت عمتي لتضع لهم الطعام وتحكي لهم الحكايات،

فأنا كبرت ووجدت هؤلاء الناس حولي لكن لم أفكر أبدا أين يعيشون أو كيف يعيشون؟ الى أن سافرت عمتي، فبدأت أتساءل أين سيذهب هؤلاء الناس، وأثر في نفسي جدا أنهم لا يجدون من يطعمهم،

فنزلت مع أصدقائي الى مناطق فقيرة ووجدنا أشياء صعبة جدا، هذه الصدمة أفزعتني وشعرت بأنني لن أستطيع أن أستمر في حياتي كما كنت أحيا، يجب أن يكون هناك تغيير ويجب أن أشعر بالناس حتى أكون انسانة، فالانسان عندما يفعل شيئا لغيره يفرح.

 

كيف كانت حياتك قبل العمل التطوعي وكيف أصبحت؟

– كنت أدرس في الجامعة الأميركية وكنت متزوجة ولدي أطفال، وكنت أعيش حياة سعيدة، وكل أصدقائنا ذوو مراكز عليا في البلد، كل شيء لدينا كان متوافرا وحياتي كانت مرفهة وسعيدة الى أن نزلت وشاهدت هؤلاء الناس،

وشعرت بأن أولادي كان من الممكن أن يكونوا بدلا من هؤلاء الأولاد، فهل كنت سأتركهم أم كنت سأقف الى جوارهم؟ وتصورت أنني كان من الممكن أن أكون من ضمن السيدات اللاتي هن في سني ويحتجن لمن يسمعهن،

كان من  الممكن أن أكون أنا هذه السيدة لأننا لا نختار العائلة التي نولد فيها ولا نختار متى أو أين ولا نختار متى نموت لكن نستطيع أن نختار أن تكون حياتنا لها قيمة وأن نكون قادرين على العطاء وإسعاد الناس.

 

حلمي وهدف وجودي في الحياة أن أساعد إنساناً آخر وأشاهده يكبر وينجح

 

هل وجدت دعماً من الزوج؟

– في البداية كان متخوفا، وكل من كان حولي وأصدقائي كانوا يضحكون ويشككون في أنني سأستطيع أن أتعامل مع نوعية أخرى وثقافة أخرى وحتى الآن مازالوا يضحكون علي، وانا سعيدة لأن هذا الامر لم يعقني،

لأنني علمت حلمي وهدف وجودي في الحياة وهو أن أساعد انسانا آخر وأن أشاهده يكبر وينجح.

 

الإنسان هو الإنسان..

ولن أسأل المريض

أو المحتاج عما يؤمن به قبل أن أمد له يدي

 

كيف هي علاقتك بالجيران واختلاف الأديان في ظل الفتنة التي نراها في المجتمع المصري مؤخرا ومحاولة زعزعة الوحدة الوطنية من قبل بعض الكيانات المتطرفة؟

– الانسان هو الانسان فكيفما تغذيه فستحصدين، اذا غذيته فكرا جيدا سينتج قلبا جيدا،

واذا غذيته فكرا متطرفا سيعتقد أن هذا هو الصواب، لذلك من المهم أن نعلم الأطفال أن الانسان يجب أن يعود لضميره، وعليه أن يغمض عينيه ويفكر هل أنا قلبي على صواب، هل أنا لدي سلام مع نفسي، فالانسان لا يكون سعيدا اذا جرح شخصا آخر.

وتستدرك: في نفس البيت الذي أسكنه لدي جارة جميلة اسمها نهى أعرفها قبل أن تولد هي وأمها وأبوها،

هذه الفتاة هي وأمها وعائلتها مثال للناس الجيدين في كل شيء، فهي جارتي لكنني عندما أراها أشعر بأن قلبي يقفز فرحا أحبها جدا كحبي لابنتي، وانا ايضا أشعر بهذا الحب من جهتها لي،

وفي بيتنا الذي بناه والدي كلنا عائلات مختلفة لكننا عندما نستقبل الناس في بيوتنا نشعر بالأشخاص الجيدين، ولم نكن قديما نفكر في ان هذا الشخص يتبع اي ديانة،

لكن نستطيع ان نميز الشخص الجيد، فكل جيراني مختلفون منهم المسلم ومنهم المسيحي وتربيت على هذا، والغفير (حارس البناية) كان من الصعيد، اسمه عم شعبان، لا أستطيع ان اصفه، انسان رائع،

كان يمسك يدي كل يوم ويقطع بي الشارع لأركب باص المدرسة، وعندما كبرت استمر ايضا في نفس العادة، وكنت أدعو له لآخر يوم في حياته.

عم شعبان أخذ محلا  من  والدي وبدأ تجارته، وابناؤه مازالوا موجودين عندنا، أحبهم كأبنائي وهم يبادلونني نفس الشعور. في آخر أيامه كنت اشتري الساندويتشات ونجلس على الرصيف نأكل معا، فهو انسان رائع .

وتواصل: ان الأشخاص الحقيقيين الذين لديهم نوع من الانسانية والمشاعر الصحيحة يعرفون كيف يحنون على كل شخص،

فاذا كان هناك شخص مريض لن نسأله قبل أن نعالجه ما الذي تصدق به أو ما ديانتك؟! فهو بحاجة لأن نمد إيدينا له،

نفس الشيء ان كان جائعا أو اذا كان لا يجد أهله، فهناك أطفال يمشون في الشارع هل سأسألهم ما ديانتكم قبل أن أمد لهم يدي؟ هذه خلقة الله وبركة، فقيمة الانسان كبيرة جدا، وفلاح الانسان أن يكون قلبه مفتوحا لكل الناس.

 

ما الصعوبات التي واجهتها عندما دخلت هذا المجال خاصة في ظل ما نراه من بيروقراطية؟

– عندما بدأت كان هناك وكيل وزارة يعرف زوجي وعائلته فذهبنا اليه فقال لي أنا أول شخص سأشترك معك في هذه الجمعية وسوف أشجعك وسأدخل للوزير، وبالفعل أنهى كل الاجراءات،

فمنذ البداية كانت هناك مشاعر جميلة شجعتني،

وبدأنا في الاجراءات وهي اجراءات كثيرة من وزارة لوزارة ومعي فريق جميل هم الذين يعانون كثيرا لان هناك بيروقراطية وهذا شيء طبيعي في كل الدنيا لكن الانسان الناجح لا يترك حلمه مادام تأكد داخله أن هذا ما يريده ويصبو إليه،

فلا يمكن أن ننظر لشخص آخر ونقول أريد أن أفعل مثله، تعلم منه،

لكن يجب ان يكون لك حلمك الخاص، وكل انسان يجب ان يعرف المواهب التي منحها له الله وأين الاحتياج ليكون انسانا ناجحا في الحياة.

 

صفي لنا مشاعرك؟

أنا أشعر أنني لست بمفردي وأن هناك أشخاصا كثيرين جدا مشوا في هذا الطريق من قبل ونحن فقط نكمل المشوار، نحن حلقة من جيل لجيل لنكمل الامل والفرح والسعادة للناس من حولنا،

المجروح نخففه والمحتاج نساعده وان كان يحتاج الى وجبة، فأي شخص يأكل شيئا عليه أن يقسمه مع شخص آخر.

تقول ماما ماجي: كانت هناك بنت صغيرة وجميلة وجدتها تحمل الفاكهة التي اعطيناها اياها، فسألتها لماذا تحملينها يا حبيبتي أريد أن أغسل يديك وقدميك فقالت لي لأنني أريد أن آخذها لأخي في البيت لأنه ليس لديه،

هذا الجمال هو معنى البشرية التي خلقها ربنا ليشعر بالغير، وأنا تعلمت منها الجمال والعطاء.

تعلمت العطاء من الأطفال وأغسل أقدامهم لأقول لهم أنا أحبكم وأحترمكم وأشعر بكم

 

لماذا تقومين بغسل أقدام الأطفال؟

– عندما بدأت في هذا العمل لم أكن أعلم أي شيء نهائي، ثم ذهبت الى الدير في الصحراء، وللوصول الى هذه الأديرة يشعر الانسان بتعب وارهاق شديد، لأنه ليس هناك طرق ممهدة للوصول اليها، فليس هناك مواصلات ولا ماء،

وقدماه تكون متعبتين من المشي، فكان الطبيعي عندما يدخل من الباب يجب أن يغسلوا له قدميه ويسقونه الماء، فعندما ذهبت لهذه الأماكن شعرت بأن هذه رسالة لي – الشعور بالناس- فهم متعبون لذلك يقدم لهم الماء والماء أساس الحياة، فعندما يغسل وجهه ويغسل يديه وقدميه ويشرب يبدأ في التنفس،

لذلك يجب أن نبدأ من الأساس، كيف أقول للطفل أنا أحترمك. ان كنت تعتقد أنه ليس هناك من يشعر بك أنا أشعر بك، أنا أحبك وأقوم بها عمليا ليصدقني.

 

رغم كثرة العمل التطوعي والأعداد الهائلة التي نراها تقدم الخير الا أننا مازلنا نرى الفقر والجهل منتشرين في بلدنا، لماذا برايك؟

– أشعر أننا لدينا فرصة بالناس المتعبة، فلو كنا كلنا مرتاحين كان فكرنا سيكون في شيء آخر، لكن عندما نرى شخصا جائعا أو مجروحا أو محتاجا فإن قلبنا يتغير ونشعر بأننا يجب أن نشعر بالآخر ونعطيه،

فهذه فرصة لنا نحن أن نقوم بأمور خيرة، فالأشخاص المرتاحون الذين تعلموا جيدا وكبروا وأصبحت مراكزهم جيدة هذا دورهم، فأنا قد أؤثر في عشرة أو مائة أو ألف أو حتى مليون ممن حولي،

لكن هناك شخصا آخر بكلمة واحدة كالرئيس يؤثر في 100 مليون، فربنا يعطيهم فرصة أن يؤثروا أكثر ونتفاءل أن كل شيء سيكون أفضل، ومادام هناك خدمات ومحبون للخير كثيرون هذا شيء مبشر أننا سنستطيع أن نقدم شيئا،

فالانسان لن يكون سعيدا حتى يبدأ في أن يفعل شيئا جيدا لغيره.

فجمال الحياة في أن يتعلم الطفل ليكبر ويصبح لديه عمله الخاص ثم يعلم أطفالا آخرين ليكبروا ويخرجوا لعالم الأعمال ويراهم يكبرون وينجحون، سيكون سعيدا وفخورا لأن ذلك نتيجة ما قدمه، فالله يرى ماذا يفعل كل انسان،

وهناك أعمال كثيرة جيدة ونحن فرحون بها وستخرج أجيال أخرى أكثر نجاحا ان شاء الله.

 

أجمل ما في جائزة صناع الأمل أنها خرجت من قلب الوطن العربي

 

حدثينا عن جائزة صناع الامل؟

– أجمل ما في هذه الجائزة أنها خرجت من قلب جميل جدا، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم انسان ذو مشاعر جميلة ويشعر بكل الناس، وقد أعلن أن كل المتواجدين يستحقون الجائزة، وفعلا كل من يقوم بعمل خيري وان لم يظهر اسمه يستحق كل خير، لأن كل من يعطي هذا هو الخير.

وتواصل: الجميل أيضا في هذه الجائزة أنها من قلب العالم العربي، فهناك جوائز كثيرة في العالم وكنا نتمنى أن تخرج مثل هذه الجائزة من هنا، وقيمتها أيضا تكمن في أن كل عمل طيب له قيمة، فليس بالضرورة أن أعلن كل اسم أو أعطي كأسا لكل شخص، فهذه الجائزة ما هي الا رمز، فكل من يقوم بعمله على أكمل وجه يستحق هذه الجائزة، لأنها تعني أن هناك تقديرا في الدنيا وأن الله لن يضيع تعبكم. والأمل هو أجمل شيء في الوجود، يجب أن ننظر للأمل مهما كان تعبنا، فالانسان عندما يفكر في شيء جميل الشيء السيئ يضمحل ويختفي.

فالشيخ محمد لديه شارع أسماه شارع السعادة (happiness)، فتخيلي كم السعادة والفرحة التي تشعرين بها عندما تقرئين هذا الاسم، فما أجمل هذا المعنى من الأمل والتسامح هذه هي الانسانية، وهو بذلك يوصلنا لمستوى آخر من الانسانية كلنا نريد ان نصل اليه.

 

العمل التطوعي عمل صعب وان كنت أنت تنشرين الحب والأمل الا أن هناك أشخاصا مكتئبة وتعيسة، فكيف استطعت التغلب على مصاعب العمل التطوعي؟

– اذا كل انسان قابل مصاعب وتوقف أمامها لن يستطيع أن يشعر بالسعادة والفرح، يجب أن نتخطى تلك المصاعب بأن نتيقن أن هناك إلهاً يعلم ما في نفوسنا جميعا، فيجب أن نشكره  شكرا ونكمل، ولو اكملنا سنجدها اضمحلت واختفت.

وتستدرك: دائما عندما أرى طفلا غير سعيد أقول له ان كنت غير سعيد اخبرني لأن هناك شيئا يمكن أن يجعلك سعيدا، انظر لهذا الشيء وستصبح أنت أيضا سببا فرح لمن حولك، فالانسان يجب أن ينظر للحلم والأمل والشيء الذي سيستطيع أن يحققه وهو سعيد.

 

كل خلية في جسدي تحمل طفلاً.. فالطفل يجب أن يولد على أرض تستقبله وتقدره

 

كيف هي علاقتك بالأطفال؟

– جسدي يتكون من خلايا، وكل طفل من هؤلاء يجلس في خلية، فعندما يطلع ربنا على قلبي سيجده مليئا بالاطفال، أي مكان أتوجه اليه وأجد فيه أطفالا يجذبونني ودون أن أشعر أجد نفسي أدعو له وأقول يارب احمه وفرحه ونجحه في حياته، فالطفل يجب أن يولد على أرض تستقبله وتقدره وليست أرضا ترفضه أو تعتبره غلطة.

 

هل أبناؤك مستمرون على نهجك؟

– طبعا، فدائما الانسان عندما يعيش مع شخص ينظر للشيء الجيد سينظر للشيء الجيد، فاذا نظرت للوردة هم أيضا سينظرون للوردة، وأشكر الله عليهم فأنا لا أستحقهم لأن كل واحد منهم بركة.

 

ما أمنياتك؟

– أتمنى أن أرى كل أولادي يكبرون ويصبحون أفضل مني، وأن يشعر العالم كله أن هناك فعلا خيرا حقيقيا دون أن ننتظر الجوائز، فجمال الحياة أن الله أعطانا فترة نقوم فيها بعمل الخير فلو تمكنت من عمل الخير قدر استطاعتي فسأسعد وسأكون سببا في سعادة أجيال قادمة، فأتمنى أن يتأثر العالم كله بالافكار الجميلة.

 

أسرتي في كل مكان

نسرين خورشيد – مصر

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق