تحقيقات

حبي لوطني سبب دراستي لعلم النباتات والتطوع للبيئة

تعد النباتات الفطرية التي تنمو طبيعيًا  من دون تدخل الإنسان جزءًا من الموروث الطبيعي للمجتمع وشعبه. وللنباتات عالمها الخاص الذي قد لا يعرفه الكثيرون منا، فهي كائن حي لديه أساليبه وطرقه الخاصة والتي قد تفاجئ بعضنا في كثير من الأوقات.

د.سارة صلاح العتيقي اختارت التخصص في علم النباتات الفطرية، وهي عضو مؤسس في فريق (حياة) لحماية الحياة الفطرية. تتحدث إلينا عن عالم النباتات الفطرية وأهمية الحفاظ عليها وكثير من الأمور الأخرى في هذا الحوار.

 

 

ثلاثة نباتات قادرة على العيش فوق الملوثات النفطية ويمكن استخدامها للتخلص من التلوث النفطي

 

من هي د.سارة العتيقي؟

– د.سارة صلاح العتيقي حاصلة على دكتوراه في علم وبيئة النبات من جامعة (جلاسكو) في اسكتلندا وناشطة بيئية مهتمة بالنباتات الموجودة في الكويت واختصاصي مرتبط بالنباتات الفطرية الكويتية.

لديكِ حكاية وراء دراسة علم النباتات، احكيها لنــا.

– القصة تعود  إلى زمن الطفولة، فخلال فترة الغزو كنت صغيرة ورأيت والدي وأخي ينخرطان في المقاومة الكويتية وشعرت عندها بالعجز وعدم قدرتي على الدفاع عن وطني، ومن هنا تولد بداخلي شعوروإرادة

لفعل شيء ينفع وطني وفيما بعد عندما كبرت والتحقتُ بكلية العلوم في تخصص النبات الذي يعد نادرًا في الكويت والعالم وبشكل خاص علم النباتات الفطرية المحلية الذي اتجهت إليه فيما بعد، واكتشفت أن عالم النباتات عالم كبير ولم يدخله كثير من الأشخاص في مجتمعنا.

ولفت نظري استمرار معاناة الكويت من التلوث النفطي ووجود بعض البحيرات النفطية بعد الغزو العراقي، وجذبني أن العالم يتجه لاستخدام الطاقة النظيفة والعلاج بالنباتات.

فكان يراودني سؤال عن إمكانية استخدام علم النباتات في التخلص من آثار هذا التلوث، فعادة ما يكون استخدام نباتات نابعة من البيئة نفسها أفضل من استحداث نباتات جديدة من بيئات أخرى،

لهذا حضرت رسالة الماجستير حول محاولة إيجاد نبات فطري – أي نما بالفطرة من دون تدخل إنسان – كويتي أو محلي قادر على شفاء الأرض من آثار التلوث النفطي وهذا النبات سيكون أقل تكلفة من غيره من النباتات.

ووجدتُ نبات (الرَمْث) ينمو فوق إحدى البحيرات النفطية. ثم في الدكتوراه تقدمت خطوة أخرى ووجدت نباتين إضافيين في الكويت يساعدان في هذا الأمر ويعيشان فوق الملوثات النفطية ويمكن استخدامهما كطريقة مساعدة للتخلص من التلوث النفطي فأصبح لدينا (الرمث) و(الثندا) و(العرفج).

 

وهل تم استخدام هذه الطريقة وتطبيقها؟

– بالفعل هناك بعض الشركات النفطية التي قامت بتطبيق الأمر عندما سمعت بالرسالة والبحث وقامت بزراعة نباتات (الرمث) و(الثندا) و(العرفج).

 

لدينا مشكلة في تعريف كلمة الصحراء وربطها

بـ «التصحر»

 

لديكِ رأي في التشجير وزيادة المساحات الخضراء قد يبدو غريبًا للبعض، فهلا قمتِ بتوضيحه.

– لا يمكن لأحد أن يكون ضد التخضير والاستمتاع بمشاهدة المساحات الخضراء، فأنا لستُ ضد هذا الأمر إذا كان داخل المناطق السكنية فالمدينة تفرز حرارة عالية وتحتاج  إلى ما يخفض درجة حرارتها.

لكن المشكلة وما أرفضه هو محو الصحراء وتحويلها كاملة  إلى مساحات خضراء.

فلدينا مشكلة في تعريف كلمة الصحراء حيث يربطها كثيرون بــ (التصحر) والتي تشعر البعض كأن الصحراء عار يجب التخلص منه، وهذا أمر خاطئ، فالصحراء نظام بيئي كامل يحتوي على نباتات وحيوانات وطيور وحشرات وغيرها من الكائنات، بينما التصحر هو المشكلة والذي يتمثل في القضاء على البيئة الخاصة بالمكان. فمن الناحية الدينية، الله خلقنا في هذا المكان ويجب علينا عدم الانسلاخ منه ومن الناحية العلمية الكرة الأرضية تصنف  إلى عدد من الأقاليم وكل منطقة لها خصائصها التي تختلف عن غيرها وعلينا تقبل هذا الأمر.

 

أرى في رفض الصحراء رفضًا لموروثنا الطبيعي والأرض التي نعيش عليها

 

حدثينا عن مخاطر انحسار البيئة الصحراوية.

– يحضرني الآن بعض المخاطر منها فقدان المخزون الجيني البيئي والنباتي الأصلي للمنطقة (البيئة الصحراوية) في محاولة زراعة محاصيل أو مزروعات للحصول عليها

في وقت آني فقد تختفي بعض الأصول الجينية للنباتات مثلما حدثت هذه المشكلة سابقًا عندما اختفى أحد أنواع الموز لأن أصله لم يعد موجودًا، ومن المخاطر أيضًا فقدان التوازن بين مكونات النظام البيئي الصحراوي.

إلي جانب خسارة كميات كبيرة من المياه والمبالغ المالية لتحويل الأرض  إلى ما هي ليست عليه. ونحن من أفقر المناطق بالمياه،

حيثُ ننتمي للمناطق الجافة جدًا لذلك فالمنطقة لها طبيعتها الخاصة من نباتات وحيوانات وغيرها التي تتناسب مع خصائصها، وبالتالي في حالة زراعة البيئة الصحراوية فإنني أفرض عليها أن تعطيني ما هي ليست عليه.

كما أنني أرى في رفض الصحراء رفضًا لموروثنا الطبيعي والأرض التي نعيش عليها وأرض الأجداد فكأنما نرفض أنفسنا.

كذلك هناك بعض النباتات التي تتوافق مع بيئة معينة وقد لا تتوافق مع بيئتنا وزراعتها قد تؤثر على بيئتنا بشكل كبير وتضرها أكثر مما تنفعها.

فيجب عدم الاقتداء بالدول الأخرى وما فعلته لأن كل أرض لها طبيعتها البيئية التي تختلف من منطقة لأخرى، كما أنه من الضروري الاهتمام بمفهوم الاستدامة الذي يعني أن نتعايش ونعمل على إحداث التوازن بين عيشنا كبشر بسلام وحياة باقي الكائنات والحفاظ على الأصول الحقيقية للأرض.

 

نبات طوله أكثر من 5 أمتار في تشيلي وأشواكه طويلة ويتغذى على الأغنام

 

عالم النباتات عالم كبير وجميل..

ما أغرب ما قابلكِ في هذا العالم؟

– كان لدينا أحد أساتذة في الجامعة يقول ان من يفهم النباتات يفهم البشر، فالنباتات عالم وحده، تبعث لبعضها البعض برسائل، وهو عالم مخيف ومرعب. هناك أشياء عجيبة كثيرة في عالم النبات منها على سبيل المثال أنواع النباتات التي تصيد الحشرات وهي تفترس الحشرة عندما تقف على عدد من الشعيرات في وقت محدد، حيث تعد حركة النبات صعبة وتستهلك كثيرًا من طاقته.

 

نباتات في صحراء ناميبيا ورقتها طويلة للغاية وعمر الورقة ألفا عام!

 

والأغرب أن هناك نباتا طوله أكثر من 5 أمتار ويوجد في تشيلي نبات لديه أشواك طويلة للغاية ويتغذى على الأغنام! يكرهه رعاة الغنم في هذه المناطق لأن لونه أخضر فاقع يجذب الغنم إليه وعندما يقتربون منه تصيبهم أشواك النبات ولا يمكنهم الحركة فينزفون حتى الموت ويتحولون فيما بعد  إلى سماد لهذا النبات. كذلك هناك نوع من النباتات موجود في صحراء ناميبيا ورقته طويلة للغاية يبلغ عمرها ألفي سنة لذلك تعد مثل الحفرية.

 

هل توجد لدى الكويت نباتات فطرية نادرة ومميزة؟

– معظم النباتات الموجودة في الكويت توجد أيضًا لدى بعض بلدان الخليج العربي، ولدينا نباتات نادرة مثل أحد النباتات المعراة البذور، والذي يعود  إلى عصر ما قبل الديناصورات وهو موجود في محمية صباح الأحمد، ويعرف هذا النبات بــ (العلندة) وحاليًا يوجد في الكويت 347 نباتا فطريا، ومتوقع في القائمة الجديدة أن يصبح العدد أكثر من  400 نبات.

 

نحتاج  إلى تقدير الاختصاص وأن يؤخذ بمشورة كل مختص في مجاله

 

هل تلمسين فارقا في الاهتمام بالنباتات والحياة الفطرية بين الدول الغربية وهنا في الكويت؟

– لدينا شيء جيد هنا في الكويت هو الاهتمام بالنباتات ولكن ما يعد سيئًا هو افتقاد الدراسة تأثيرات النباتات الجديدة على بيئتنا مما قد يسيء للمكان أكثر من إفادته، وهنا يظهر الاختلاف بيننا وبين الدول الغربية فهم يقومون بعمل الأبحاث قبل استقدام أي نبات. وبالطبع لا يعني هذا عدم وجود مشكلات لديهم، فأميركا أيضًا-على سبيل المثال- لديها مشكلات مع البيئة ولمست في زيارتي لها منذ فترة قريبة وجود مشكلات تشبه ما نعانيه هنا لكن نسبة وعي الأفراد كانت أعلى وفقًا لرؤيتي عن تلك التي لدينا هنا. كذلك الناس هناك لا يتحرجون من السؤال إذا وقف أمامهم شيء لا يفهمونه.

برأيي نحن  نحتاج  إلى تقدير الاختصاص وأن يؤخذ بمشورة كل مختص في مجاله.فالطريق  إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة ولا تكفي النية وحدها لخلق فعل جيد وإيجابي.

أغلب المحيطين بي في هذا المجال من النساء

 

كيف تجدين الوجود النسائي على ساحة الأنشطة البيئية والاهتمام بالنباتات الفطرية؟

– الوجود النسائي جيد جدًا فحاليًا أغلب المحيطين بي في هذا المجال من النساء.كذلك كثير من الكتب المختصة بعلم النبات أصدرتها سيدات مثل (فيوليت ديكسون) وهي زوجة المعتمد البريطاني بالكويت قديمًا فأخرجت كتاب (نباتات الكويت والبحرين) وهذا بالنسبة للماضي.

أما في الحاضر، فلدينا د.سميرة عمر الرائدة في علم النباتات الفطرية وهي مديرة معهد الكويت للأبحاث العلمية. ولدينا د.موضي الدوسري التي أخرجت قائمة بالنباتات الطبيعية للكويت إضافة  إلى زميلتي نوف الحشاش وقد عملنا معًا في برنامج «كل يوم نبتة» بالإضافة الى كثير من العاملات في الهيئة العامة للزراعة.

 

هل لمستِ تأثيرًا لبرنامج «كل يوم نبتة» على الأفراد؟

– حمدًا لله جاءت الكثير من ردود الأفعال الإيجابية عن قيمة المعلومات المقدمة وثرائها والرغبة في التطرق  إلى نباتات أكثر من التي تم عرضها، حيث كان عدد حلقات البرنامج 30 حلقة ومدته قصيرة ،خمس دقائق فقط، وحاولنا فيه إدخال أكبر قدر من المعلومات التي يمكن أن تفيد المشاهد.

 

الرَّمْث والعرفج الأقرب إلى قلبي

 

ما أقرب النباتات إليكِ؟

– الرَّمْث يعد صديقي الصدوق فقد قضيت معه سنوات الماجستير والدكتوراه  إلى جانب الزهرة الوطنية للكويت (العرفج) وهذه العائلة التي تنتمي إليها هذه الزهرة قريبة جدًا الى قلبي ومنها أيضًا (النوير) الأصفر، ولهذه العائلة ارتباطات تاريخية في تاريخ وقصص الإغريق.

 

يجب أن يكون هناك رفض لكل السلوكيات التي قد تضر بالبيئة

 

كيف يمكن توعية الناس بأهمية حماية الحياة الفطرية والنباتات على مستوى الفرد والمجتمع؟

– على المستوى المجتمعي يجب أن يكون هناك رفض لكل السلوكيات التي قد تضر بالبيئة مثل اقتلاع النباتات من الأرض وإلقاء أعقاب السجائر من السيارات ويكون هناك ارتباط أكبر لما تعنيه قيمة هذه الأرض سواء ما كانت تعنيه كموروث تاريخي أو طبيعي أو مجتمعي والسعي  إلى تعزيز حب الأرض كما هي عليه وليس كما نريدها أن تكون، إلى جانب تطبيق القوانين.

وبالنسبة للفرد عليه أن يتجنب اقتلاع النباتات والحرص على استخدام الممرات المخصصة للمشي عند القيام بالتخييم في (البر)، فقد يتسبب المشي على التربة ودهسها في تدمير طبقة مهمة منها وتحتاج وقتًا طويلًا جدًا حتى تتكون تلك الطبقة مرة أخرى. كذلك إذا كان ممكنًا نصب الخيام دون قواعد أسمنتية يكون ذلك أفضل، وعدم ترك المخلفات في موضع التخييم والحفاظ على نظافة المكان كما كان، فأشياء بسيطة نفعلها من الممكن أن تسهم في تغيير الأرض على المدى البعيد.

 

أحبوا أرضكم كما هي وليس كما تريدونها

 

كلمة أخيرة تودين قولها..

– هي كلمة كثيرًا ما أقولها : أحبوا أرضكم كما هي عليه وليس كما تريدونها أن تكون.

 

داليا الشافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق