ثقافة
أخر الأخبار

من داخل ورشته العتيقة خلف الجامع الأزهر الحاج صبحي.. صانع خيوط «السيرما» لكسوة الكعبة والشخصيات التاريخية

الكويت والسعودية والإمارات من أكثر الدول تشجيعاً لهذا الفن

داخل مصنعه الصغير أو ورشته العتيقة في حارة الأربعين خلف الجامع الأزهر بمنطقة الحسين يجلس الحاج صبحي الطيب مع عماله وفنانيه داخل ورشة أثرية تم إنشاؤها منذ عقود يمسك بيده الإبرة والأقمشة المتنوعة ليطرز الآيات القرآنية بخط بديع مقاوما تطور الزمن بعد أن أصبحت مهنته وفنه آخذين في الاندثار، وما أن عرف أن الحديث خاص بمجلة (أسرتي) حتى تهللت أساريره ورحب بنا بحفاوة قائلا:
أعرفها جيدا أنا عشت في الكويت عدة أعوام في شبابي وعملت فيها، وهي من الدول المشجعة لهذا الفن وأكثر زبائني من الكويت والسعودية والإمارات، ومع أكواب الشاي راح يسرد الحاج صبحي جانباً من معاناته وذكرياته مع فن السيرما لنتجول في الورشة بعد ذلك، ونتعرف على فنانيه الذين تعلموا عنده ويعتبرهم الجيل المكافح من أجل بقاء فن السيرما.
كسوة الكعبة كانت تصنع في حي الخرنفش بالجمالية وتطوف مصر قبل الذهاب إلى مكة

بداية حدثنا عن مشاركتك في صناعة كسوة الكعبة في بداياتك؟
– كانت مشاركات بسيطة في مقتبل عمري كنوع من المساعدة لوالدي الذي كان يعمل بحي الخرنفش بمنطقة الجمالية بالقرب من شارع المعز لدين الله الفاطمي مع أصدقائه من الفنانين المهرة، حيث تأسست دار صناعة كسوة الكعبة بهذا الحي في العصر المملوكي وكانت ترسل الكسوة سنوياً في موكب مهيب يطوف مصر مع موسم الحج، وكان الموكب يعود بعد انتهاء موسم الحج حاملاً الكسوة القديمة فيهدي السلطان المصري قطعاً منها الى مماليكه أو العلماء وكبار الأعيان، وبالتأكيد كان لهذه القطع قيمة معنوية كبيرة فضلاً عن قيمتها الفنية الرائعة، وكان الناس يعلقونها في صدارة مجالسهم، وصناعة الكسوة كانت تستمر على مدار العام تقريبا وتستخدم فيها خيوط من الذهب والفضة والحرير ويحصل العامل فيها على جنيهات قليلة غير أن قيمة الجنيه كانت وقتها مرتفعة للغاية، وهذه الصناعة اليدوية تألّقت في العصر العثماني بمصر وإسطنبول، حيث أصبحت تزين الأزياء الملكية وسترات الخديوي وفساتين الأميرات كما كانت تستخدم في ملابس وجداريات الكنائس القبطية بمصر.

هل تتذكر متى توقف إرسال كسوة الكعبة إلى المملكة العربية السعودية؟
– توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة عام 1962 وذلك لتولي المملكة العربية السعودية شرف صناعتها، ما دفع الحرفيين المتخصصين في هذا المجال الى العمل في نقش وتطريز الآيات القرآنية للبيع للسوق المحلي والسياحة.

سحر وفتنة «السيرما» بفعل لمعان خيوطها المعدنية.. فتغير اتجاه الخطوط مع حركة الضوء يغيّر من درجات الألوان!

ما مراحل تصنيع لوحة فن السيرما؟
– في البداية يقوم خطاط بكتابة الآية المراد نقشها على ورقة بمساحة القماش قبل ثقب مكان الحروف وطباعتها عبر بودرة بيضاء اللون على قطعة القماش ثم وضع ورق مقوى مماثل للحروف وبدء غزل تلك الحروف بالخيط، والتطريز في شغل السيرما ينفذ باستخدام خيوط ذهبية أو فضية أو نحاسية إما طبيعية أو مصنعة، ويمكن أن يضم الخرز والترتر المعدني ويأتي سحر وفتنة هذا النوع من التطريز بفعل لمعان الخيوط المعدنية، حيث يغير اتجاه الخطوط مع حركة الضوء من درجات الألوان ويجعل السطح يظهر بمستويات لونية مختلفة وتعطي بُعداً آخر للتطريز.

هل هناك أنواع مختلفة من الغرز تختلف باختلاف اللوحة وطريقة الكتابة فيها؟
– كل الغرز لا تخرج عن واحدة من المجموعات الأربع التالية: أما الغرزة المسطحة فمستقيمة ومسطحة على القماش ويمكن أن تكون بأي طول وفي أي اتجاه لتملأ المساحة المطلوبة، أما الغرزة المعقودة فتشكل عقداً من الخيوط على القماش لكن الغرزة السلسلة فتشكل حلقات مرتبطة معا وأخيرا غرزة الحلقة أو العروة فمنحنية أو مقوسة ولكل مرحلة أو لوحة الغرز المناسبة لها ويمكن التطريز على القطعة القماشية بخيوط الحرير وإبرة الحرير وتكون ذا فتحة كبيرة ولها أيضا استخداماتها والخامات يتم استيرادها من الخارج فخيوط النحاس يتم تصنيعها في مصر وكوريا واليابان.

فن السيرما يقاوم الزمن وقد ينقرض!

هل ترى أن هذا اللون الفني بدأ يندثر وقد ينقرض مستقبلا؟
– نعم فن السيرما يندثر تدريجيا ولم يتبق إلا عدد محدود جدا من الورش التي مازالت تقف صامدة في مواجهة الزمن بمتغيراته بحثا عن دعم مفقود حفاظا على حرفة تعد من أشهر الحرف التراثية ونتمنى دعم الدولة حتى لا ينقرض هذا الفن بوفاة فنانيه.

لقاءات مع فناني الورشة
ويقول ياسر محمد أحد العاملين في ورشة الحاج صبحي: أنا شغال في هذه المهنة منذ ثلاثين عاما تقريبا، وهي مهنة تحتاج إلى تركيز وصبر طويل لأنه شغل يدوي دقيق وحرفة صعبة، ولذلك لا يوجد إقبال عليها من الشباب لأنه لا يمتلك هذا الصبر، فاللوحة الواحدة قد تستغرق أسبوعا لو كانت مترا في متر حسب حجمها وعدد الكلمات بداخلها وبالطبع لو كان المقاس أكبر فإنها تستغرق فترة أطول. ويضيف ياسر قائلا: صنعتنا جميلة لكن الأزمة في التسويق فهي صنعة عالمية ونصدر لكل دول العالم من أيام الأتراك في مصر، لكن نحتاج إلى آلية ووضعنا على خريطة السياحة.
ويقول أحمد صلاح: عملت في هذه المهنة وأنا ابن 12 سنة واستمررت فيها لأنني أحببتها ولم أعرف مهنة لي غيرها رغم أنها تحتاج إلى فكر ومجهود وصبر لأننا نعمل بالملّ. ي، وإذا حدثت أخطاء بسيطة نتداركها بسرعة ونعيدها لأنه لا يصح أن تكون هناك أخطاء في مثل هذه اللوحات ولو بسيطة لأنها لوحة جمالية قرانية.
وبسؤاله هل تشجع ابنك على الانخراط فيها، رد صلاح: بالعكس لا أشجع أولادي على العمل فيها لأننا أصبحنا في زوايا التاريخ ونسيا منسيا والعصر الذهبي للمهنة انتهى وكل الموجودين فيها حاليا قدامى وفوق الخمسين فهي تقاوم الاندثار.
ويقول خالد العشري: أعمل في المهنة منذ ربع قرن تقريبا، وهو فن إبداعي للتطريز اليدوي وأشعر بسعادة كبيرة، وأنا أقوم بعملي لأنني أحبه. وحول التصميم الذي يعمل على تنفيذه يضيف العشري قائلا: يقوم الحاج صبحي بعمل التصميم ثم نقوم بتنفيذه بدقه شديدة تحت إشرافه. وحول الدول الأكثر إقبالا على الشراء قال: الدول العربية والإسلامية ودول آسيا تقبل على هذا اللون الفني، مختتما: نتمنى أن تكون الخامات متوافرة داخل مصر معترفا بأن الصين أضرت بالمهنة، لكن تظل لها رونقها لأنه شغل إبرة يدوي وليس ماكينات صماء.
ويقول أحمد مصطفى محمد: كلنا نمتلك المهارة في هذا المصنع أو الورشة لي 33 سنة أمارسها، والحاج صبحي تبنى جيلا كاملا للعمل في هذه المهنة، وعلمنا ونعمل معه من يومها، لكن أيضا مع تطور الزمن واقتحام التكنولوجيا في كل شيء في حياتنا تراجعت المهنة وأصبحت مهددة لصعوبة عملها وارتفاع تكلفة الخيوط لأنه شغل سلك مثل الموجود على كسوة الكعبة خيوط سلك وحرير، فشغلنا يعتمد على طبقات معينة من الشعب المصري والسياحة العربية والخليجية.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق