أزياء وموضةالنصف الحلو

Gaby Aghion.. من سياسية بمصر لأهـم مصممة أزيـاء في بـاريـس

اختارت اسم صديقتها لدارها Chloé.. ورمال الإسكندرية رمزاً لها

جابي أجيون أول من قدم مفهوم الملابس الجاهزة (Ready to Wear) للعالم!

كلنا يعرف Chloé كعلامة تجارية عالمية تصطف إلى جانب كبرى العلامات التجارية الفخمة التي تحاكي السيدات الأنيقات، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن وراء هذا الاسم سيدة فرنسية من أصل مصري غيرت مسار الموضة والأناقة العالمية ونقلتها من استديوهات «الاوت كوتور» الذي كان مخصصاً لبنات المجتمع المخملي إلى المتاجر الفخمة ليكون في متناول الجميع، فهي أول من قدم لفرنسا والعالم كله مفهوم الملابس الجاهزة أو ما يعرف باسم (Ready to Wear).

إنها السيدة جابي اجيون مصرية الأصل فرنسية الجنسية التي عاشت حياتها وهي تناضل من أجل حريتها واستقلالها المادي من ناحية وبين توجهاتها السياسية اليسارية هي وزوجها ورفيق عمرها ريمون.

 

ما لا يعرفه الكثيرون أن وراء علامة Chloé سيدة فرنسية من أصل مصري!

 

البداية من الإسكندرية

تبدأ قصة الثنائي من الإسكندرية حيث ولدت جابرييل حانوكا الشهيرة بـ «جابي أجيون»  في مارس من 1921 لعائلة يهودية ثرية ذات أصول يونانية إيطالية، في منزل كأغلب البيوت في ذلك العصر تملؤه الكتب ولا يخلو من الأناقة.

فالأب يدير مصنعًا للسجائر، أما الأم فكانت كسائر بنات جيلها شغوفة بأحدث صيحات الموضة التي كانت تأتيهم من خلال المجلات الفرنسية ويتم تفصيلها في مصر على أيدي أمهر الخياطين، في هذا الجو الحميم تربت الفتاة الصغيرة وترعرعت فعشقت الثقافة والأناقة معا، حتى انها بدأت وهي في الثالثة عشرة من عمرها في الذهاب للاسواق وحدها لانتقاء الأقمشة واختيار الموديلات التي تريد حتى أصبحت تلك الهواية مصدراً لسعادتها في الصغر ولدخلها في الكبر.

 

جابرييل وريمون من الابتدائية لصداقة أبدية

تلقت جابرييل تعليما فرنسيا في إحدى مدارس أبناء الطبقة الراقية في مدينة الإسكندرية وهناك التقت بصديقها الجديد ريمون أجيون، الذي يكبرها بعام واحد، وهو أيضا ابن  لعائلة يهودية ثرية من أصل إيطالي اشتهرت بالعمل في مجال تصدير القطن، وهنا بدأت صداقتهما الابدية التي استمرت حتى تزوجا في العام 1940 وانضما للحزب اليساري وانخرطا بشكل كبير في العمل السياسي من مصر.

وعلى الرغم من التضييقات السياسية التي لاحقت أصحاب الفكر اليساري في ذلك الوقت، الا أن ريمون كثف نشاطاته هو وزوجته جابي وعدد من اليساريين الانجليز في مصر، حيث كونوا لجنة لرعاية المهاجرين اليوغسلاف هناك (بلغ عددهم 28 ألف مهاجر)، إلى جانب نشاطات أخرى مع العديد من المثقفين من مختلف الجنسيات.

 

لاحظت الفجوة الكبيرة بين أزياء الأوت كوتور وبين أزياء السيدات العاملات.. فقررت تقديم خط جديد على عالم الموضة ليملأ تلك الفجوة

 

من الإسكندرية إلى باريس.. ثم العالمية

دفعت الحياة السياسية الساخنة في مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945 بريمون وجابي إلى الرحيل إلى فرنسا، حيث بدآ حياة ثقافية وسياسية وفنية جديدة اذ انضم الزوجان إلى الحزب الشيوعي الفرنسي وكونا حلقة كبيرة من أهم الكتاب والشعراء والفنانين في ذلك الوقت من بينهم لورانس داريل وبيكاسو.

عاش الزوجان حياة باريس بكل مفرداتها حيث اللقاءات الثقافية والفنية في مقاهيها النابضة بالحياة والبشر بمنطقة ريف جوش بباريس واستمر ذلك لعدة سنوات حتى شعرت جابي بأنها بحاجة إلى الاستقلالية المالية عن زوجها.

كانت أول مجموعة لجابي ذات طابع كلاسيكي عملي استوحتها من والدتها وجدتها قبل الانتقال من مصر

فى عام 1952 أبلغت جابي زوجها برغبتها في العمل لجني مالها الخاص والاستقلال عنه ماديا، وبالفعل تذكرت الشابة ولعها بالأزياء والموضة وهوايتها القديمة وكانت قد لاحظت خلال فترة معيشتها ببارس تلك الفجوة الكبيرة بين أزياء الاوت كوتور الأنيقة التي كانت تتطلب وقتاً ومالاً لتنفيذها وبين أزياء السيدات العاملات الرخيصة التي كانت تفتقر للأناقة المطلوبة، فقررت أن تقدم خطاً جديداً على عالم الموضة ليملأ تلك الفجوة ويوفر الملابس الجاهزة الأنيقة المصنوعة من الأقمشة الفاخرة والجاهزة للارتداء بعد شرائها مباشرة من المتجر، وقد كان هذا المفهوم ثوريا حيث غير كثيرا من صناعة الأزياء في باريس والعالم أجمع.

وكانت أول مجموعة لجابي ذات طابع كلاسيكي عملي استوحتها من الأزياء التي تعودت ان ترتديها أو كانت تراها على والدتها وجدتها قبل الانتقال من مصر.

 

استعارت اسم صديقتها الفرنسية «كلوي» لعلامتها التجارية الجديدة

 

الوفاء يجمع بين الصديقة كلوي ورمل الإسكندرية

لم تطلق جابي اسمها على علامتها التجارية الجديدة أو أسماء المحلات التي تعرض فيها تصميماتها كما كان متبعا في ذلك الوقت، ولكنها بكل وفاء ومحبة استعارت اسم صديقتها الفرنسية كلوي الذي اصبح بوابة الحظ لماركتها، ولم تتوقف المصممة عند هذا الحد من الوفاء حيث دفعها الحنين للوطن وتحديدا لمدينة الإسكندرية لاختيار رمالها ذهبية اللون رمزا للدار.

وكانت المصممة الراحلة قد أكدت في حوار سابق أجري معها في 2012 أنها لم تنس ذكريات الطفولة حيث الطبيعة المليئة بالألوان ووصفت رمالها بأنها:  أجمل رمال رأيتها في حياتي فهذا اللون البيج والملمس الحريري دفعها لتختاره  رمزا للدار كما قالت.

بعد عام من إطلاق الدار شاركت جابي رجل الأعمال الفرنسي جاك لورنوار ليتولى هو الجانب التجاري حتى تتفرغ هي للجانب الفني والإبداعي.

 

لأول مرة عرض أزياء في مقهي للمثقفين

ولم يكن عام 1956 سعيداً ومثمراً بالنسبة لجابي وزوجها فقط بسبب إنجابها لطفلها الوحيد فيليب، بل أيضا لنجاح مجموعتها التي فاجأت بها الوسط الإعلامي بالكامل بعد عرض مجموعتها الجديدة في مقهى «لو كافيه دو فلور»  Le Café de Flore  بشارع سان جرمان، الذي كان أحد تجمعات المثقفين اليساريين من أصدقائها وذلك أثناء وجبة الإفطار، وقد لاقى هذا العرض استحسانا كبيرا من قبل الصحافة وايضا المهتمين بالموضة والأناقة.

 

كارل لاجرفيلد وإبداعات متتالية

استمرت نجاحات الدار المتواصلة حتى مطلع الستينيات، حيث استعانت جابي بعدد من المصممين المبدعين من الشباب من بينهم المصمم الالماني كارل لاجرفيلد الذي أعجبت بمهاراته وسرعته الاستثنائية في العمل حيث كان يصمم 20 تصميما في اليوم الواحد في الوقت الذي لم يستطع نظراؤه في الدار تقديم اكثر من تصميمين على الاكثر وهو ما كان سببا في ترقيته ليكون كبير المصممين في عام 1966.

 

تحول افتتاح أول بوتيك Chloé إلى مقصد لشهيرات العالم آنذاك

 

كارل يدفع كلوي للصدارة

استطاع المصمم الطموح كارل أن يدفع بكلوي إلى الصدارة في السبعينيات من القرن الماضي تحت إشراف جابي لتكون تلك الحقبة نقطة تحول ليس فقط في تاريخ العلامة التجارية بل في عالم الموضة العالمي ككل.

ففي عام 1972 افتتح أول بوتيك يحمل اسم كلوي في باريس وتحول خلال فترة بسيطة إلى مقصد لشهيرات العالم آنذاك لاقتناء تصميمات الدار الراقية ومن بينهن نجمة السينما الفرنسية بريجيت باردو، وأميرة موناكو جريس كيلي وأنيقة الانيقات جاكلين كينيدي وغيرهن سيدات المجتمع المخملي في أوروبا وأميركا.

 

حصلت جابي على وسام جوقة الشرف الوطني عام 2013، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا نظير ما قدمته لصناعة الأزياء في البلاد.

 

في العام 1983 انتقل كارل للعمل  مديرا فنيا لدار شانيل للأزياء التي وقعت معه عقدا للعمل معها مدى الحياة ولكنه عاد للعمل بالدار مرة أخرى بين 1992 و1997 ولكن هذه المرة من دون جابى التي كانت قد باعت حصتها في عام 1985 مع إبقائها  أما روحية للدار حتى وفاتها في يوليو 2014 عن عمر ناهز الـ 93 عاما وكانت جابي تداوم على حضور عروض أزياء الدار بكل مصمميها الذين التحقوا بها على مدار السنوات من بينهم المصممة البريطانية ستيلا مكارتني، حيث بكت وهي تشاهد أول عرض لتصميماتها لصالح الدار.

استمرت قصة حب جابي وزوجها ريمون حتى وفاته عام 2009 لتلحقه بعد خمس سنوات تاركة علامة تجارية لا تزال تحتل الصدارة في عالم الأزياء العالمي، حيث تصمم بخلاف الأزياء الاكسسوارت الراقية والأحذية والحقائب والنظارات الشمسية والعطور.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق