الباحثة العاشقة للهجة الكويتية فاطمة العمر: تشرّبت اللهجة منذ الصغر من أجدادي

لهجتي هي هويتي
وما تغير في شكلي
شخصية من طراز فريد، سيدة كويتية لها سمات شخصية مميزة، رغم تخصصها في المحاسبة وعملها بشركة البترول الكويتية، فإن ذلك لم يثنها عن هوايتها التي يعتبرها البعض شديدة الغرابة، إنها الباحثة العاشقة للهجة الكويتية فاطمة العمر، هاوية التنقيب والبحث عن المفردات الكويتية القديمة التي تمثل أصول اللهجة، وجمع مفرداتها.
قدمت العمر كتابا صغيرا بحجم الجيب ليكون مرجعا كبيرا نحو الحفاظ على اللهجة بكل مفرداتها، وحلت ضيفة على صفحات مجلة «أسرتي» من خلال هذا الحوار.. وإليكم تفاصيله:
ماذا عن كتابك «مچكنم»؟
- بما أن الأمانة التي أحملها ومهمتي التي أريد إيصالها هي اللهجة الكويتية، بحيث تصل لأكبر عدد من الناس، لذلك فضلت أن أوجه رسالتي وأهدي كتابي لجمهوري، وهو الشباب من عمر 15 إلى 35 عاما، ولذلك وجهت لهم شيئاً مناسبا لطبيعة حياتهم وتفكيرهم، ليصل لهم كل شيء بسهولة ويسر.
ولماذا هذا الاسم بالتحديد؟
- كتابي “مچكنم” ويعني الاسم أنه صغير، وليس فقط صغير الحجم بل حلو ومشوق أيضا، ولذلك فإن الكتاب صغير خفيف، والسبب الثاني لاستخدام الاسم، أن الذي لم يشتر الكتاب يضيف لنفسه مفردة من اللهجة الكويتية من خلال الاسم، على الأقل هو عرفها وأعاد إحياءها مرة ثانية.
ولذا تعمدت أخذ قياسات جيب الدشداشة الكويتية، وخاصة الجيب العلوي، ليكون الكتاب بحجم ومقاس جيب الدشداشة.
لا أحب أن أصحح اللهجة للناس بطريقة مباشرة
ما ردود أفعال الناس عندما تصححين لهم اللهجة؟
- لا أقوم بتصحيح اللهجة لأي أحد بطريقة مباشرة، لأنني شخصيا لا أقبل أي أحد يصلح لي على الملأ؛ لأنها طريقة محرجة ولا أقبلها، ولكن حينما أكون في جلسة مع الناس، لا أعلق على الخطأ في اللهجة، ولكن أحتفظ بالموقف في ذاكرتي، وعندها أقوم بعمل مقطع فيديو بطريقة غير مباشرة بهدف التصحيح والتوعية دون تحديد شخص بعينه، وحتى تكون فاعلة ومؤثرة والناس ما تشعر بحرج.
أكثر كلمات تثير حفيظتي.. «بلّشت» و«أمبّيه»
ما أكثر بدلية أثارت دهشتك؟
- ليست دهشتي، بل تثير حفيظتي وتضايقني، أول واحدة كلمة “بلّشت” وهي كلمة لا تمت بصلة للهجة الكويتية لأننا نقول “بديت، وبدينا، وخل نبتدي”، وهي أكثر كلمة أكرر تصحيحها، أما الثانية فهي كلمة أكرهها، وهي كلمة (أمبّيه) وهي كلمة غير موجودة نهائياً في قاموس اللهجة الكويتية، نحن نقول (أبّيه) نقولها لتوقع العقاب الشديد، نتيجة فعلنا لمصيبة كبيرة.
بيتنا ما زال يتناول المفردات القديمة للهجة الكويتية ويتعامل معها
هل كانت فاطمة العمر من صغرها تجالس الجدات فتعلمت منهن اللهجة؟
- بالفعل حدسك صحيح، لأنني أول حفيدة في عائلة والدي ووالدتي، ولك أن تتخيلي كم كنت الغالية لديهم، إما في منزل جدي هذا أو ذاك، ولذا تشربت اللهجة منذ الصغر، أسمعها وأقولها، وبيتنا مازال يتناول مفردات اللهجة الكويتية، ولو كنت أعلم أن هذا هو مجالي بالمستقبل، لكنت دونت مجلدات عن الجد والجدة، حيث رسخت في عقلي تلك المفردات، وهذه اللهجة الكويتية الأصيلة.
الإنسان لا يستطيع أن ينسلخ من جذوره وينسى أصله أو تراث أجداده
ما رسالتك من وراء «اللي ما له أول ما له تالي» التي توجد في حسابك على السوشيال ميديا؟
- أؤمن بأن الإنسان لا يستطيع أن ينسلخ من جذوره، أو أن ينسى أصله، ولا بد أن يفتخر بتاريخه وبلهجته وبحضارته وبأجداده، ولذلك اتخذت مقولة “اللي ما له أول ما له تالي”، فلا بد أن نحافظ على تراثنا وبالتحديد اللهجة الكويتية التي أجد نفسي مسؤولة عنها، فلهجتي هي هويتي وهوية أجدادي وما تغير في شكلي.
من الشخصيات التي تأثرت بهم في اللهجة الكويتية؟
- قدوتي آخذها ممن تربيت على أيديهم وبينهم، كبار السن يمتلكون الحكمة والرشد وثبات برد الفعل، وعدم التسرع، وقدوتي في الحياة والذي أعشقه هو جدي إبراهيم الناهض، ومن كثرة حبي له قدمت حلقة كاملة عن اسم إبراهيم، لأن هناك مقولة مغلوطة عندنا بالكويت وهي (كل إبراهيم خبل)، بمعنى أن كل إبراهيم عقله ليس ثابتا، وهي مقوله تضايقني.
إبراهيم الناهض كان مترفعا عن صغائر الأمور، إنسان جدا نقي ونظيف، وضميره حي، وزرع هذا الأمر بأولاده، وزرع حب الخير في قلوبنا، وأن نراعي ضمائرنا وترك لنا سمعة طيبة في حياتنا.
بعض المشاهير سواء كويتيين أو غير كويتيين يضطرون لتخفيف اللهجة الكويتية فتذوب الكلمات القديمة
ما عوامل تغيير المفردة في اللهجة الكويتية؟
- هناك عدة عوامل كانت سببا في تغيير المفردات في اللهجة الكويتية، أولها الانترنت وانفتاح مجتمعنا على ثقافات مختلفة، ظهور بعض المشاهير بغض النظر إن كانوا كويتيين أو غير كويتيين ولكن لديهم متابعين من الكويت وخارجها، ويتكلمون باسم الكويت، ويضطرون لتخفيف اللهجة الكويتية باستخدام مفردات ليست بها، وهذا أيضا ساهم في أن الناس تسمعها وتتداولها وتصبح على كل لسان، فتذوب الكلمات القديمة، وتحل محلها المفردات التي يتم تداولها بين الناس.
كما أن هناك كويتيين عاشوا خارج الكويت إما للعمل أو الدراسة أو العلاج، هؤلاء لا إراديا أخذ لسانهم على لهجة البلد الذي يقيمون به، بحيث يتداولون لهجة ومفردات البلد، وبالتالي ينتقل ذلك إلى أولادهم واخوانهم وأعمامهم وأهلهم جميعا وأصدقائهم، ويتداولون تلك اللهجة، وهذه المفردات يتعاملون بها على أنها الصح، وأن هذه لهجتهم وهذا أثر على اللهجة الكويتية الأصلية.
حدثينا عن أطرف المواقف التي تعرضت لها في حياتك.
- هناك مواقف كثيرة جدا تعرضت لها لأنني أقول كلمات من اللهجة الكويتية، كلمات قديمة قليل من يفهمها بشكل لا إرادي، فمثلا في أحد أيام الحظر الكلي في الكويت بسبب جائحة كورونا، وكان الذهاب إلى الجمعية مرة بالأسبوع، وبموعد سابق، فذهبت والدتي إلى الجمعية فوجدتها مغلقة، لأن كان بها حالات كورونا.
وتعاملنا مع خدمة العملاء، ووضعوا لنا موعدا الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فقلت للموظف على الهاتف “ما راح نقدر نطلع في هذا الموعد وما راح أهيّت أمي في هذه الساعة بالليل”، فقال لي “عيب عليكِ تقولين على أمك تهيت”، فهو لم يفهم المعنى الصحيح للكلمة، ولكن تعامل على المعنى الدارج، وكنت أعني أنني لن أترك والدتي تخرج بمفردها في هذا الوقت المتأخر، ولا أعني المعنى الدارج للكلمة “تهيّت” أي تخرج بلا هدف، وكان في هذا الوقت من الصعب أن أشرح له ذلك.
المرأة تقول.. «يهبل» ولا يقولها الرجل
حدثينا عن أشهر الكلمات التي تخص المرأة في اللهجة الكويتية؟
- السيدات يقلن “هَوّ”، وهي تستخدم بأكثر من طريقة للاستغراب، للاستنكار أو الاستفهام على حسب نطق الكلمة وحسب النبرة، ونقول “ووي” تفيد التعبير عن الحسرة أو التأسف على حدوث أمر ما، وأيضا كلمة “يهبل” عن الشيء الجميل الحلو، وهذه الكلمات تقولها المرأة، ولا يقولها الرجل.
هل هناك كلمات في اللهجة يمكن أن يكون لها أكثر من معنى؟
- بالفعل هناك كلمات لها أكثر من معنى مثل:
حَزَّه: بمعنى وقت، وتأتي بمعنى حَفَرَهُ بالسكّين.
زَارْ: بمعنى زيارة، وتأتي بمعنى زار من مكانه أي ابتعد عن مكانه.
دَارْ: بمعنى غرفة، وتأتي بمعنى من الدوران (ماضي يدور).
ما أكثر الأمثال التي تقال خطأ؟
- كثيرة جدا، فمثلا نقول «ما عندي، ما عند يدي أو جدي» يعني «أن إنسان ما عنده سالفه»، والأصل في المقولة «ما عندي ما عن راشدة»، والراشدة هي امرأة كبيرة بالسن وأصابها الخرف، فكانت تقول كلاما غير مطابق وغير صحيح، ويعني شخص يقول كلام «خرابيط».
البعض يقول:
«اللي ما يطول العنب حامضاً عنه يقول»، أما المثل الأصلي، فيقول «اللي ما يطول العنقود يقول حامض».
والبعض يقول:
«لو كان حبيبك عسلاً لا تلحسه كله»، والصح هو «لو كان رفيجك حلو لا تأكله كله».
نحن نقول:
«اليوم برد سحتِني» بكسر التاء، وبعض الناس يقولون خطأ «سحتَني» بالفتحة التاء.. كما أنهم يقولون «نقصة» خطأ والنطق الصحيح «نغصة».