التحرش الجنسي.. ينهش براءة الأطفال
التحرش الجنسي بالأطفال جريمة مستترة، فوقع الكلمة ثقيل علي الآذان لدرجة أن بعض الآباء يستبعدونها، ويعتقدون أن أطفالهم بعيدون عنها، وربما قد تسبب هذه الكلمة الحرج للوالدين، الأمر الذي يمنعهم الاستفسار عما يخص حماية أطفالهم، وعلى الرغم من ثقل هذه الكلمة، إلا أنها تفرض نفسها على واقعنا بما يستلزم وقفة لإعداد العدة لحماية فلذات الأكباد.
ولأن التحرش بالأطفال لا يهدم حياة الطفل الاجتماعية فقط، بل يهدم حياة أسرته ومستقبلها، كان لزاما على «أسرتي» رصد هذه الظاهرة وبحثها مع المتخصصين لدق ناقوس الخطر في أذن كل من يهمه الأمر لإنقاذ المجتمع من براثن هذه الجريمة.. وإليكم التفاصيل:
في البداية، سألنا استشاري الأطفال الدكتورة مها بورسلي: ما مفهوم إيذاء الطفل؟
فأجابت: أي إيذاء أو إساءة معاملة متعمدة لطفل يقل عمره عن 18 عامًا، نضعه تحت تعريف إساءة معاملة الأطفال، وتتخذ هذه الإساءة العديد من الأشكال منها:
الإيذاء الجسدي:
ويحدث للطفل عندما تتم إصابة الطفل جسديًا عن عمد.
الإيذاء الجنسي:
إيذاء الطفل جنسيًا هو ممارسة أي نشاط جنسي مع الطفل، مثل المداعبة الجنسية، أو لمس الأعضاء التناسلية، أو ممارسة الجنس، أو تعريضه للمشاركة في مواد إباحية عن الأطفال.
الإيذاء النفسي:
يعني جرح تقدير الطفل لذاته أو جرح كيانه العاطفي، ويشمل هذا الاعتداء اللفظي أو النفسي، مثل التقليل من شأن الطفل أو توجيه اللوم له باستمرار، بالإضافة إلى عزل الطفل أو تجاهله أو رفضه.
ما دور طبيب الأطفال تجاه طفل تعرض لإيذاء؟
عندما يستقبل الطبيب طفلا تم تعرضه لإيذاء، فلابد أن يكون متأنيا في فحصه للطفل، وأن يكون موضوعيا، فلا يرفع أصابع الاتهام تجاه أي أحد من ذويه أو المحيطين به، وعليه ان يتسم بالهدوء، ليستمع من الطفل إلى بعض الملابسات التي حدثت له خلال الإصابة، ففي بعض الأحيان يجد الطبيب تضاربا بين رواية المسؤول عن الطفل وشكل الإصابة، فمثلا أحيانا يكون من غير المنطقي إيذاء الطفل نفسه، مثل وجود حرق أسفل الظهر «المقعدة»، وأحيانا أخرى يكتشف الطبيب من خلال فحص قاع العين وغيرها من الإجراءات أن الطفل تعرض لاهتزازات عنيفة متكررة في الدماغ أدت لإصابته بنزيف وليس من سقوطه على الارض.. وهكذا، ولذلك يفضل ان يقوم الطبيب بعمل عدد من الأشعة على أجزاء أخرى من جسم الطفل لمعرفة تكرار الإصابة اكثر من مره ام لا، وايضا يستدل في هذه الحالة عما اذا كان الطفل تعرض لإيذاء جنسي أم لا!
وتابعت الدكتورة مها:
بعد الفحص والتوصل لنتائجه التي يتأكد منها الطبيب ان الطفل تعرض لإيذاء، فانه يقوم بإبلاغ اللجنة الوطنية العليا لحماية الطفل التابعة لوزارة الصحة، وأحيانا يستلزم الأمر تدخل وزارة الداخلية للتحقق من الأمر ومعرفة المتسبب في هذه الإصابة.
هل هناك فرق بين الاعتداء الجنسي واللعب الجنسي؟
الاعتداء الجنسي كما ذكرنا سابقا هو ممارسة أي نشاط جنسي مع الطفل، اما اللعب الجنسي، فلا يكون الدافع الجنسي فيه قوياً لدى الأطفال قبل البلوغ، ولكن بعض الأطفال قد يحصل بينهم سلوك جنسي قد يكون سببه حب الاستطلاع والفضول.
كيف تعرف الأم ان ابنها تعرض لتحرش جنسي؟
هناك العديد من الأمور الجسدية والسلوكية التي تظهر على الأطفال حال لم تر الأم علامات جسدية على طفلها، ولم يفصح لها أو يلمح عن الاعتداء والمعتدي، لكنها تلاحظ تغيرا في سلوكه مثل عادات نومه وأكله ولعبه ورغبته في الانزواء مثلا، أو خوفه من أشخاص لم يكن يخافهم سابقا، أو سرعة غضبه وانفعاله، أو طريقة كلامه واستخدامه مفردات لها دلالات جنسية ربما، أو تراجع أدائه المدرسي، واحيانا يكون هناك أوجاع وتشويه لأعضائه التناسلية، وصعوبة في المشي وأوجاع الحوض.. هذه مؤشرات كفيلة بأن تجعلها تشك في الأمر، وتبقيها متيقظة وفي حالة متابعة ومراقبة.
ماذا عن تعامل الأم مع طفلها المعتدى عليه؟
عليها قبل أي شيء أن تسأله عن سبب تلك العلامات بكل هدوء وبدون أي ترهيب، لأن الطفل عندما يخاف يتوقف عن الكلام والبوح بالمعلومات، وعليها ألا توجه له الانتقاد واللوم أو تصب غضبها عليه، لأن الأهل في مثل تلك الحالات يجلدون الضحية مرة ثانية من خلال أسئلتهم من نوع: لماذا لم تصرخ؟ لماذا لم تخبرني قبل الآن؟ لماذا لم تهرب؟ لماذا لم توقفه عند حده؟ لماذا تركته يفعل ما فعل؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تحمّل الطفل مسؤولية ما حصل، وعلى الأم أن تخبر طفلها بأنها تدعمه، وإنها ستساعده، وألا تعطيه وعوداً كاذبة لا تستطيع الوفاء بها
ماذا عن الأسباب التي تجعل الطفل فرسية للتحرش؟
هناك العديد من الاسباب، منها: انشغال الأهل عن تربية الأطفال، وإهمال تنشئتهم علي القيم الإسلامية والاجتماعية الحميدة معتقدين أن المدرسة تقوم بهذا الدور، وعدم مراقبة أبنائهم خصوصا في مرحلة المراهقة أو الاختلاط غير المنضبط داخل الأسرة وفي حدود العائلة بين الذكور والإناث، كأبناء العم وبنات العم، وأبناء الخال والخالة، وتجاهل الأهل لحكمة الإسلام في التفريق بين الأبناء في المضاجع، أو الانفتاح علي الانترنت من خلال المواقع الإباحية، فالمراهق يتعرض لعمليات تشويه فكرية وأخلاقية ودينية، وغياب النظم الرقابية علي المواد المعروضة، وكذلك فالمراهق الذي تعرض لتحرش جنسي في طفولته يعمد إلي ممارسة هذا السلوك بدافع الانتقام، أو تخفيف حدة الألم النفسي الذي مر به، كذلك خروج الأم إلي العمل مضطرة والاستعانة بالخادمة للعناية بأطفالها دون التحري عن دينها وأخلاقها، ومنها أيضا السماح للأطفال باقتناء أجهزة الهواتف الذكية، وكذلك تأثير أصحاب السوء في المدرسة أو بين أولاد الجيران أو الأقارب، وتهاون الأهل أيضا في أمر ضرورة تعود الفتيات على الستر في الملابس بحجة أنهن ما زلن دون سن البلوغ، وتركهن يختلطن بالمحارم والجيران بصورة تتجاوز الحدود وإهمال التوعية الجنسية للأطفال، لاعتبار أن الحديث في مثل هذه الأمور من العيب، أو ربما تفتح أعينهم علي أمور هم مازالوا صغارا عليها.
كيف نعلم الطفل مقاومة التحرش؟
– ممنوع لأي شخص تقبيل الطفل من فمه حتى والديه، فالقبلة الجيدة تكون على الخد فقط.
– التنبيه على الطفل بألا يسمح لأي شخص بلمس المناطق الحساسة لأنها خاصة به فقط.
– لا يجب على الطفل الذهاب مع الغرباء إلى أماكن معزولة ليس بها أي شخص.
– أخبر طفلك أن الشخص المتحرش جبان يخشى من رد فعله إذا صرخ أو جرى، حتى لا يتردد إذا شعر بالخوف من الصراخ أو الجري الى أقرب مكان فيه تجمع بشري.
– خلال حصة الألعاب، إذا تطلب الأمر تبديل الملابس، فيجب ألا يكون أمام أي شخص أو طفل آخر.
– شجع طفلك على قول «لا» بكل حزم، فمثلا إذا حاول شخص فعل شيء دون رغبته، أخبره أن يرفض بدون خوف.
– خلال اليوم الدراسي، ممنوع لأى شخص أيا كان مصاحبة الطفل عند دخول الحمام.
– حاول أن تجعل الطفل يتعود على الذهاب للحمام خلال الفسحة المدرسية، وليس في أي فترة أخرى خلال اليوم، حيث قد ينفرد به أحدهم.
– أخبر الطفل ألا يستجيب للمغريات التي قد يقدمها الغرباء كالحلويات أو الشوكولاتة.
– علم طفلك إخبارك بأي سوء يحدث ولا تعنفه ولا تصرخ في وجهه، بل أخبره أنك ستظل تحبه وتدعمه في موقفه أيا كان، والتأكيد على أنه لن يتعرض للعقاب.
– لا تضع اسم الطفل على الحقيبة من الخارج؛ لأن هذا قد يجعل المعتدي يتعرف على اسمه.
– إحاطته بالحب والحنان والإشباع العاطفي حتى لا يبحث عنهما عند شخص آخر وينخدع بذلك.
الدراسات والأبحاث تقول إنه من 2 إلى 3 أطفال، تعرضوا لعنف جنسي
من خلال برنامج تدريبي توعوي بعنوان «حماية الأطفال من التحرش» نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة وحاضرت فيه الباحثة في الشؤون التربوية والأسرية المدربة المعتمدة سارة الوزان، دق ناقوس خطر لعدم الاستهانة بأنواع التحرشات الجنسية كافة ضد الأطفال.
حيث ذكرت الوزان أن «الإساءة الجنسية تعد من أخطر أنواع الإساءات التي يتعرض لها الطفل، لأن خطورتها تكمن في بقاء أثرها حتى الوفاة»، وكشفت النقاب عن «إحصائية حديثة سجلت 607 حالات اعتداء جسدي ضد الأطفال في مستشفيات الكويت كافة، تنوعت ما بين الإساءة البدنية والجنسية والإهمال خلال الفترة 2006 – 2010، منها 63 حالة تحرش جنسي، فيما سجلت 27 حالة تحرش جنسي عام 2017 في منطقة حولي ضد الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاما، مشيرة إلى أن «الكثيرين يخجلون من تسجيل مثل هذه القضايا».
وحذرت الوزان من أن أكثر حالات التحرش تتم من قبل الأقرباء، مشيرة إلى «تفعيل الخط الساخن 147 للتبليغ عن العنف ضد أي طفل تعرض للإيذاء الجسدي أو الجنسي أو النفسي».
وتابعت: «الدراسات والأبحاث تقول إنه من 2 إلى 3 أطفال، تعرضوا لعنف جنسي، يبقون الحدث سرا لأسباب عدة، منها طبيعة شخصية الأم والأب، وعدم ادراك الطفل لما يحدث، إلى جانب أن الطفل يشعر بأنه السبب في حدوث الموقف»، لافتةً إلى أن «التحرش يقع في المدارس وعبر وسائل التكنولوجيا وأماكن العمل وداخل العمل مع صحبة الآخرين وفي الشارع والمواصلات العامة والمطاعم».
كما ذكرت المراحل التي يتحول خلالها الطفل إلى ضحية جنسية، والتي تبدأ بـ»تكوين علاقة حميمية مع الطفل، ومن ثم الإغراء بالهدايا والحلوى، والانفراد بالطفل والاقتراب من الجسد والتلمس والتحسس، ومن ثم تكرار الفعل إلى أن تتحول إلى ممارسات جنسية أعمق».