التكافؤ.. ميزان العلاقة الزوجية السليمة
لنجاح العلاقة الزوجية لا بد من توافر عدد من الشروط التي تثبت أركانه وتقوي جذوره. ويرى كثيرون أن التكافؤ بين طرفي الزواج أحد هذه الشروط، والذي ينتج حياة زوجية وأسرية سليمة. وتختلف التعاريف لمفهوم «التكافؤ» بين الزوجين حيثُ تشمل عددًا من الجوانب المختلفة. وفي هذا الموضوع يطلعنا بعض المختصين في مجال الزواج على رأيهم عن التكافؤ ونقترب أكثر من النظرة الشرعية له.
في اللغة تُعرَّف كلمة «التكافؤ» بالتساوي، ولكن المعنى الاصطلاحي المُراد تحقيقه بين طرفي العلاقة الزوجية مختلف.
أنوار الحمد: التوافق من أهم الأركان التي تؤدي إلى نجاح الزواج أو عدمه
تقول الاستشاري الأسري أنوار الحمد إن التكافؤ يعني التوافق في أكثر من جانب بين الزوجين مما ينتج عنه تفاعل سليم في الأسرة بين الزوجين والأبناء. «التوافق من أهم الأركان التي تؤدي إلى نجاح الزواج أو عدمه وهو حصيلة لعدة عوامل منها الاستعداد النفسي والنضج الانفعالي وإشباع الحاجات الاجتماعية».
وتؤكد أن التوافق الزواجي من أبرز مؤشرات الصحة النفسية للأسرة، فبوجوده يصبح التكيف في الحياة الزوجية أسهل وبشكل خاص في سنوات الزواج الأولى. وتشرح «للتكافؤ الاجتماعي والثقافي أثر كبير في تحقيق السعادة الزوجية ويرجع ذلك لتشابه الأفكار والسلوكيات بين الطرفين مما يزيل الكثير من العوائق في تفهم الشريكين لبعضهم البعض ويحدد مدى التواصل الفكري بين الطرفين».
وتبين أن وجود التكافؤ الزواجي يرفع من نسبة نجاح العلاقة الزوجية وغيابه يؤدي لزيادة احتمالية إخفاق الزواج. وتستدرك «يبقى الجانب الإنساني المتمثل في التقبل والتفهم بين الزوجين له أهميته في نجاح العلاقة بينهما».
غياب التكافؤ وعدم القبول ينشئ خللًا في العلاقة بين الأزواج
وتختلف الاستشارية أنوار مع من يرون أن التكافؤ شرط ثانوي في الزواج فتراه شرطًا أساسيًا لا بد من توافره. وتعدد جوانب التكافؤ قائلة «الجانب الثقافي بما يحقق احترام العادات والتقاليد لكل منهما، الجانب المادي مما يخلق القناعة والرضا، الجانب العاطفي أي التبادل العاطفي بين الزوجين والقبول بينهما، والجانب الديني لينظم العلاقة بينهما ويوجه أفكارهما».
وتختم حديثها «بالطبع لمست من خبرتي أن غياب التكافؤ وعدم القبول والاختلاف ينشئ خللًا في العلاقة بين الأزواج، ويسبب شعورا لأحد الطرفين بالدونية أو التعالي وأحيانًا عدم التواصل جيدًا نتيجة الاختلاف».
دانية بابكير: التكافؤ للعوامل الخارجية بين الزوجين يعتبر من المُسهلات فقط
وترى مرشدة الزواج دانية بابكير صاحبة حساب @danyababkair على إنستغرام أن التكافؤ للعوامل الخارجية لا يعتبر ركنًا أساسيًا بين الزوجين، ولكن يعتبر من المُسهلات فقط. «العديد يعتقد أن اختيار شريك مساوٍ له في الدرجة العلمية والاجتماعية يجنبه صعوبة التحاور ويصل به للاتفاق، وهذا في الحقيقة ليس له أي علاقة بالتوافق والحب لتكوين زواج ناجح وذكي، فالزواج الناجح مبني بشكل كبير على التوافق والتكافؤ الفكري والمبادئ والقيم».
وتوضح أن التوافق الفكري يكون في المعتقدات واحترام معتقدات وأفكار الشريك وعدم الشعور بالتهديد منها. وتقول «على سبيل المثال، قد ينجح الزواج بين رجل جامعي وزوجة لديها شهادة الدكتوراه؛ لأن الزوج لا يشعر بتهديد من المستوى التعليمي لزوجته، وهي تتعامل معه كشريك وصديق وليس بناءً على درجته العلمية حيثُ يوجد تكافؤ فكري واحترام مبني على القيم والمبادئ المشتركة».
ووفقًا لدانية فإن تحديد مفهوم التكافؤ يختلف من شخص لآخر «يحدد التكافؤ تبعًا لكل شخص وما يهمه في صفات شريكه ويؤمن بأنه دونها لا يستطيع أن يستمر في الزواج». وتستكمل «إذا ما نظرنا إلى المثال السابق: فالزوجة مدركة جدًا لأخلاق زوجها الجيدة وهو أقل منها في المستوى التعليمي، ويعطيها ذلك دافعًا واقعيًا بألا ترفضه. لكنها إذا شعرت في داخلها دائمًا بالخجل من زوجها لكون مستواه التعليمي أقل؛ فمن الأفضل ألا ترتبط به فهي ليست على استعداد لذلك وتهتم بالتكافؤ التعليمي، وبالتالي مهما كان التكافؤ الأخلاقي قويًا لن يوقف القناعة العميقة لصورتها الخارجية وتركيزها على التكافؤ التعليمي». وتشدد على أن التحديد الأفضل لمفهوم التكافؤ يكون عن طريق المبادئ والقيم المشتركة بين الطرفين، لأنها في العمق هي الأساس المتين للزواج.
أنصح جميع من هم في فترة الخطبة بأن تكون مدة التعارف أقل شيء 5 أشهر
وعن نصيحتها للمقبلين على الزواج تقول «بناء على دكتور جون قوتمان فالتكافؤ الحقيقي والعميق بين الزوجين يكون بالاتصال والأسلوب العاطفي الذكي وتكوين الشعور بالأمان والصداقة بينهما، أما العوامل الخارجية مثل الدرجة الاجتماعية والتعليمية فلن تؤثر بشكل كبير على التواصل بينهم في المستقبل إلا إذا سمحوا لها بذلك. لذا أنصح جميع من هم في فترة الخطبة بألا تقل مدة التعارف عن ٥ أشهر لتحديد التكافؤ النفسي والعاطفي بينهم والذي يعد أهم وأكبر من التكافؤ التعليمي أوالدراسي».
د.ماجد العنزي: يذهب المالكية إلى اعتبار الكفاءة.. وفسروها بالاستقامة والخلق خاصة
ومن الناحية الشرعية يحدثنا د.ماجد العنزي إمام المسجد الكبير والمأذون الشرعي عن التكافؤ في الشرع قائلًا « ذهب ابن حزم إلى عدم اعتبار الكفاءة، وقال: أي مسلم -ما لم يكن زانيًا- له أن يتزوج أية مسلمة، ما لم تكن زانية وذهب آخرون إلى اعتبار الكفاءة وفسروها بالاستقامة والخلق خاصة، فلا اعتبار لنسب، ولا لصناعة، ولا لغنى أو غيرها. فإذا لم يتوافر شرط الاستقامة عند الرجل فلا يكون كفئًا للمرأة الصالحة، وهو قول المالكية».
ويكمل «وذهب الشافعية والحنفية لاعتبار النسب، فالعرب أكفاء بعض، وقريش أكفاء بعض، ومنها الحرفة: فإذا كانت المرأة من أسرة تمارس حرفة شريفة فلا يكون صاحب الحرفة الدنيئة كفئًا لها، وهو قول للشافعية ورواية عن أحمد وأبي حنيفة».
ويجمل قائلًا «الذي يظهر -والعلم عند الله- هو مذهب المالكية من اعتبار الكفاءة بالاستقامة والخلق على وجه الخصوص، وذلك لقوله تعالى:}يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
التكافؤ من العوامل الأساسية في إنجاح الحياة الزوجية
ويشير د.ماجد إلى أن التكافؤ من العوامل الأساسية المعتبرة في إنجاح الحياة الزوجية. «المقصود هنا مجرد التقارب وعدم وجود ما يسبب الضرر في الزواج ويكون التقارب مثلاً في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري أيضًا، كما يكون التقارب كذلك في العادات والتقاليد».
ويكمل «أهل الكويت يقولون (حلاة الثوب رقعته منه وفيه)، وذلك لئلا يرى أحد الزوجين نفسه رقيعة على شريك حياته فتبدأ المشاكل من أول الحياة الزوجية. أما اذا اتفقا مسبقًا على بعض فروق الكفاءة فهذا هو الأصل ؛ وهو اعتبار الدين والخلق».
بشاير جعفر: غياب التكافؤ بين الزوجين يجعل المشكلات بينهما أكثر تعقيدًا
فيما تشدد المحامية أمام محكمة التمييز والدستورية بشاير حبيب جعفر أن مبدأ التكافؤ بين الزوجين من الأمور المهمة التي تسيطر على مصير ومدى استمرارية الحياة الزوجية بين الشريكين وتقول «لا تكاد تخلو الحياة الزوجية من بعض المشكلات المعتادة والتي تعكر صفو الحياة الزوجية، لكن في ظل غياب التكافؤ بين الزوجين تكون المشكلات أكثر تعقيدًا».
وتوضح بنود التكافؤ بين الزوجين وفقًا لرؤيتها قائلة «أهمها التناسب في السن فلا يصلح أن تتزوج فتاة شابة من رجل مسن أو صبي يصغرها، ولا يصلح للزوج الشاب مثلاً أن يتزوج من تكبره بمراحل عمرية، كذلك التناسب في المستوى الاقتصادي لأن غيابه ينشئ مشكلات مالية معقدة بين الزوجين تنتهي غالبًا بالطلاق».
وتكمل «التناسب في المستوى الفكري والثقافي كالتحصيل العلمي والوظيفي، أيضًا التناسب في الدين والمذهب والتناسب في المستوى الاجتماعي للعائلتين».
وتؤكد أن مجرد وجود خلل في هذه البنود يؤدي لظهور المشكلات التي لا يمكن السيطرة عليها «يرجع هذا لكون الخلل جوهريا وسابقا على العلاقة الزوجية مما يحدث خلافات شديدة قد تنتهي بالطلاق وإن لم يتم ذلك في الوقت الحالي فالمصير هو الانفصال ووقوع الطلاق بعد فترات طويلة من الزواج تصل لـ ١٠ سنوات أو أكثر».
فرق الجيل والسن سببًا للخلافات
وتكمل «تتفاقم تلك الخلافات بشكل خاص إذا تزوجت امرأة شابًا يصغرها أو رجل مسن شابة تصغره، حيث تبدأ المشكلات مع تطور سن الزوج والزوجة ويبقى فرق الجيل والسن سببًا للخلافات فتظهر مشكلات الغيرة والاستهزاء والتنمر وعدم تقبل الطرف الآخر في العلاقة الزوجية».