لقبت بسلطانة صناعة الجلود المصممة رانيا هلال: النحاس والجلد يوثقان التراث
شخصية مبدعة بكل ما تحمل الكلمة من معان، عشقت صناعة الجلود والحلي، وكان ذلك حلما يراودها، حفرت في الصخر وكان إصرارها على الإنجاز جواز المرور، كما أن طموحها وقدرتها على العطاء محطات مهمة في حياتها وأفكارها الإبداعية سلم الارتقاء نحو العالمية، لقبت بسلطانة صناعة الجلود والحلي، وكانت جديرة بحمل هذا اللقب، إنها المبدعة المصرية مصممة الجلود والحُلي رانيا هلال التي حلت ضيفة على صفحات مجلة «أسرتي» من خلال هذا الحوار:
القبول على المنتج ليس جماهيرياً فقط ولكن أخذ مكانة مرموقة في قاعات الفن
بداية.. أدخلينا في تفاصيل بدايتك في عالم الإكسسوارات والجلود.
- دخولي لعالم الجلود كان حلمي الذي لم أكن أمتلك سواه، وكان حلمي عبارة عن تنفيذ الحلي بتشكيلات وتركيبات معينة، وكلها من وحي خيالي، كنت أبحث عن الأداة المناسبة التي من خلالها أستطيع أن أحقق بها هذا الحلم أو الطموح، في ظل عدم وجود خبرة كبيرة في الحلي، لأني خريجة فنون تطبيقية قسم زخرفة، وهذا القسم معني بالتصميم والتلوين، فكنت أفكر كيف أنفذ تصميما فريدا بخامات قوية، وكيف أصنع من الخامة أعلى إمكانات وبجودة عالية، وكيفية تنفيذ تلك التصميمات بتقنيات مختلفة، وعلاقة العنصر بالاستخدام، وبتطبيق قوي ومناسب بحسب ما درسته في الكلية، وتطبيقه العملي بالنسبة لنا.
كما أنني كنت أود الوصول لمنتج قريب من الناس، ويحقق لي الحلم الذي كان يراودني، وبدأت فعلا بالاكسسوارات، وبالفعل اشتريت سلوك النحاس وبدأت أعمل تشكيلات وكلها من وحي خيالي.
قررت أتعلم تصميم النحاس والتقنيات المتعلقة بالحفر عليه، وأنتجت تصميمات للحلي النحاسية، واستطعت حينها، عام 2008، أن تجتذب منتجاتي عملاء من المعارض، حتى تمكنت من الاشتراك في معرض مركز الجزيرة للفنون في عام 2010.
وأذكر أنني من شدة ما كان لدي زخم في الأفكار كنت سريعة جداً في إنتاج القطع، وبدأت أعمل تشكيلات، أحبتها الناس، ولاقت قبولا ليس فقط على المستوى الجماهيري، ولكن أخذ مكانة مرموقة في قاعات الفن، وفي وزارة الثقافة المصرية، وبسبب ذلك تم ترشيحي من مصر، وحضرت أول معرض عالمي في باريس عام 2011.
الخامات الطبيعية فيها طاقة حقيقية
ماذا عن عملك في الحلي والجلود وبأي منهما بدأت؟
- بدأت في شغل الحلي قبل الجلود، وهذا كان بالتوازي مع عملي موظفة في وزارة الصناعة المصرية، وكنت معنية بالقسم الإعلامي والترويج للصناعات المصرية، فكان من ضمن الأنشطة الخاصة بعملي، أن أنزل وأزور مصانع بصحبة مصور وأبدأ في تغطية فوتوغرافية لكل عمليات التصنيع مبينة مدى أهمية العامل المهني، ومدى أهمية العامل الفني، ومدى أهمية العنصر اليدوي بصفة عامة، وهذا بدوره كان يغزي في داخلي شيئا مهما جدا، وهو الاهتمام بالصناعات اليدوية بشكل عام، والشغف الشديد لفكرة الصناعة والإنتاج والكميات بما فيها من روح وطاقة إيجابية غير طبيعية.
وبدأت الاهتمام بهذا المجال، ومن ضمن القطاعات التي قمت بتغطيتها الصناعات الإبداعية، صناعة الأخشاب في دمياط، كما سافرت إلى الإسكندرية والمحلة، للاطلاع على صناعة النسيج، والمراحل الفنية والأجزاء الميكانيكية، وبدأت أجمع العلاقة ما بين الاثنين، حيث إن الماكينة لا تستطيع العمل وحدها، والعامل البشري اليدوي لا يقدر أن يقوم بالإنتاج بفرده، فبدأت أبحث عن شيء يجمع كل هذا، لكن ما كنت أعرف ما هو هذا الشيء، وأنا لدي حلم الحلي، وبدا لي أن أدخل الحلي في مجال آخر، ومن هنا كبرت الفكرة في داخلي.
أصبحت عندي مقومات حقيقية لصناعة جيدة تقف على أرض صلبة
لماذا اخترت الابتعاد عن العمل في القطاع الحكومي؟
- بالرغم من استمتاعي بالعمل في المجالات التي لها علاقة بالصناعة، فقد كان هناك شغف آخر بالمعارض، والعمل على الكمبيوتر وفي مكتب يسحب طاقة كبيرة، وكنت أحتاج إلى أن أعمل بيدي، ومع ازدياد تلك المعارض بدأ العبء يصبح ثقيلا عليّ، وقررت التفرغ لعمل فني مائة بالمائة، وكنت قد أخذت خبرة جيدة من العمل الحكومي، والذي وضعني على الطريق الصحيح، وعرفت المصانع وأي صناعة قائمة على مقومات، وهذا ساعدني جدا،
وحينما أردت الدخول إلى صناعة الجلود عرفت جيداً كيف أذهب إلى المدابغ وأتعامل معها، وأي المدابغ أفضل، وأصبحت لدي مقومات حقيقية لصناعة جيدة تقف على أرض صلبة، وتصديرها بمنتهى الأريحية، وهذا لن يتحقق إلا عن طريق وزارة الصناعة.
أخذت القرار النهائي بالتفرغ التام في 2012، وبدأ مشروع Rania Hilal Designs يأخذ مسيرته الاحترافية في مجال تصميم المجوهرات والحلي، وخوض مجال الجلود أيضا.
ماذا عن رحلة «سانت كاترين» التي كانت نقطة تحول أخرى؟
- مع سعيي نحو تأسيس مشروعي وضم فريق عمل، أخذتني المصادفة نحو “سانت كاترين” بجنوب سيناء، حيث عملت مع الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة على تطوير إنتاج أهالي هذه المنطقة من النباتات العطرية والأعشاب التي تجد الرواج والانتشار لدى السائحين، الذين قل تواجدهم للتسوق أو التنزه في سانت كاترين خلال هذه الفترة (2012/2013) ، فصممت عن طريق الأمم المتحدة علامة تجارية تخص منتجاتهم، وتميزها لدى المستهلك الأوروبي، باستخدام تغليف صديق للبيئة ومعبر عن ثراء وجودة المنتج الذي يحتويه.
ومن “سانت كاترين”، أصبحت مستشارة للمشروعات الإنمائية بالأمم المتحدة، وكانت محمية وادي الجمال محطتي التالية، حيث انتبهت إلى إمكانية استخدام الجلد في التصميمات، بعد أن عملت مع سيدات المحمية على إعادة إحياء التراث الذي أوشك على الاندثار لعدم الاهتمام بتوثيقه، فاستخدمت مواد الطبيعة في المحمية لتعليم السيدات كيفية حرق النحاس على الجلد، لتعود محملة بأفكار تثمر مشروعي الخاص.
وكانت “وادي الجمال” طريقي لمحاولة استخدام الجلد في التصميم، فأنتجت الحقائب والمحافظ، وعملت لعامين على تطويرها لأكون راضية عنها بشكل تام، وهكذا كانت تنميتي لمشروعات المجتمعات المحلية، تعود على بالثراء الفكري والثقافي بما يفيد مشروعي، كما تعود عليهم بالنفع في تطوير المنتج المحلي اليدوي الذي يقدمونه.
وجاء ترشيحي للعمل استشارية، وذلك بعد العمل التطوعي في الأمم المتحدة، وهذه ثاني مرحلة بعد وزارة الصناعة، وفكرة دمج المصممين الشباب مع المجتمعات المصرية، لعمل تبادل خبرات بين الجهتين علما بأن المجتمعات المصرية لديها خلفية ثقافية قوية جدا نظرا للمنتجات اليدوية لديهم، إضافة إلى المنتجات التراثية التي تمت صناعتها. ومن ناحية أخرى فهم مجتمعات مترابطة، فالأم تسلم شغلها لابنتها أو حفيدتها.
من كان الداعم لك؟
- بيتنا كان مشبعا بالفن، والدتي كانت أولى المشجعات لي وشقيقتي الكبرى كانت تدرس الفنون، وكان الجميع داعمين لي.
ماذا تعلمت من سيدات محمية وادي الجمال وغيرهن في هذه المجتمعات؟
- من الحلي التي كن يلبسنها تعلمت تشكيلها، وتعلمت من خبرتهن في هذا المجال، حتى اني كنت أعرض عليهن بعض القطع فكن يعرفنها إن كانت أصلية أو مقلدة، وكن يحكين لي عن هذه القطع التي يلبسها أجدادهن، وعشت معهن أجمل الحكايات، وغصت معهن في هذا التراث ورجعت القاهرة بمخزون جيد، وحاولت أن أستفيد بكل معلومة تعلمتها من هؤلاء، وبدأت في عمل مجموعات مثل مجموعة سيوة، ومجموعة سيناء، بالإضافة إلى المجموعة الإسلامية.
«الجمالية» من أعرق أحياء القاهرة الفاطمية بكل ما يحمله من موروث ثقافي وفنون معمارية
لماذا اخترت حي الجمالية وبالتحديد الدرب الأصفر لانطلاقتك؟
- الجمالية من أعرق الأحياء في القاهرة الفاطمية، وهو قلب شارع المعز، بكل ما يحمله من موروث ثقافي وفنون معمارية. القبول على المنتج، ليس فقط على المستوى الجماهيري، ولكن أخذ مكانة مرموقة في قاعات الفن، هذا أشعرني بالقرب، لأنني كنت في حاجة لأن أكون هناك، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فكرت أن أكون بين هذه المجتمعات التي تعمل في خامة النحاس، لذا قررت أن أكون قريبة من النحاسين كناحية عملية، حتى أكون قريبة جدا من الخامات التي أتعامل معها، وحتى يتحقق لك القرب الاجتماعي، قررت أن أنزل إلى الأرض، وهذا سيساعدني حينما أضع تصميما لصنايعي، ولا أسبب له التعب وهو ينفذه، فآخذ منه كل التفاصيل والمواصفات، وأعرف منه المطلوب، حتى لا أرهقه في التنفيذ.
وحينما بدأت في عمل مشروع كبير، وأنتج وأصدر خارج مصر استعنت ببعض الصنايعية كي يساعدوني في بعض النواحي للتصاميم من الألف إلى الياء، وأشياء مبتكرة وجديدة لم يسبقني إليها أحد قبل ذلك، وبالإضافة إلى الجزء التنفيذي هناك جزء إبداعي، وهو كيفية إخراج التصميم بأحلى طريقة ممكنة وبأقل جهد وأقل وقت.
النحاس أحس به وأراه لون رمل مصر ولون شمسها
لماذا معدن النحاس بالتحديد الذي وقعت في غرامه؟
- النحاس هو المعدن الأساسي، شمس القاهرة تذكرك به، خامة طيعة ولينة، عندما أتعامل مع المعدن يشعر بي وأشعر به، وله طاقة جميلة وإمكانات ممتازة، أراه بلون رمل مصر، ولون شمس مصر، فيه لمعة أشعر فيها بشيء جميل، بلونه الأصفر، وفي أحيان كثيرة لا استخدمه بحالته الأصلية، ولكن في التصميمات أضيف له طلاء الذهب حتى يعطي لمعة، وممكن أضيف طلاء الفضة، المهم أنني أحب ألعب بتقنياته المختلفة؛ لأنها تعطي عمقا، وتظهر جماله الذي يبدو عليه.
ماذا عن الجلود المفضلة لديك؟ وماذا عن الدمج بين المعدن والجلد؟
- أما خامة الجلد فهي خامة لينة طيعة، لها سطح ناعم وسطح خشن، وفيها تضاد غريب، يستخدم نوع من الجلد (بولبلدر) وهو عبارة عن جلد نسميه جلدا تفاعليا، وهو يتأثر بالحركة، فحينما تفتح محفظة مثلا تجد جزءا أصبح غامقا، وجزءا آخر فاتحا، وهو يتصل بالذكريات، ونسميه جلدا يحتفظ بالذكريات، وكلما زاد الوقت زادت قيمته، وهذه مواصفات خاصة أحبها في الجلد.
أما الدمج بين خامة لها شخصية قوية مثل النحاس، وخامة طيعة مثل الجلد، وهي خامة (تروح وتيجي معك) ولو أردت توسيعها تتسع، أو تطويلها تطول، فتحس الخامة متفاعلة، دمج جميل بين الاثنين، الخامات الطيعة دائماً بتغير، وفيها طاقة حقيقية.