تحقيقات

أساليبه القديمة.. لم تمت التعليم.. من الكتّاب إلى الـ Tab!

في الحضارات القديمة وجد الكتّاب كملحق بالمعابد الفرعونية  وعُرف باسم «مدرسة المعبد»

 

من الكتّاب إلى الباب أو التعليم في المنزل.. وصولا الى التاب (Tab).. ثم العودة مجدداً الى نظام التعليم المنزلي! رحلة طويلة للتعليم نحاول أن نرصد ملامحها الأساسية لأنها ترتبط بقضية في غاية الأهمية ألا وهي قضية تكوين الإنسان العربي معرفيا وعلميا وتربويا..خاصة أن أساليب التعليم القديمة لم تمت! فالدراسات والواقع يعكسان عودة قوية لكل ما فات من محطات أساسية على مدار زمن التعالمي القديم قدم وجود الإنسان..فهناك الكثير من الأساليب القديمة عادت من جديد، فهناك أصوات تطالب بالرجوع إلى نظام الكتاتيب، بل وطبقته بعض القرى والمدن من جديد هنا وهناك.

 

الكتُاب.. ثقافة وتعليم ودين

في الحضارات القديمة وجد الكتّاب كملحق بالمعابد الفرعونية، وعرف باسم «مدرسة المعبد» وكانت تمنح شهادة للدارس تسمى كاتب تلقى المحبرة.. وتكشف النقوشات الفرعونية الجدارية مشاهد ومظاهر من النشاط التعليمي داخل الكتاب. وفي العصر المسيحي استمرت فكرة الكتاتيب أيضا لتعليم أجزاء من الكتاب المقدس والمزامير (الزبور).

وفي العصر الاسلامي المبكر كان الكُتَّاب – كما يشرحه بن حوقل الرحّالة والجغرافي والمؤرخ- من أقدم المراكز التعليمية عند المسلمين، وقيل ان العرب عَرَفُوه قبل الإسلام، ولكن على نطاق محدود، وكانت مكانة الكُتَّاب في القرون الهجرية الأولى عالية الشأن؛ إذ يُعِدّ لبداية تعليم أعلى، فكان الكُتَّاب يشبه المدرسة الابتدائية في عصرنا الحاضر.. وكان الهدف من إنشاء الكتاتيب متمثلا في تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم وقد تعلم كثير من كبار الفقهاء والعلماء في الكتاتيب في صغرهم، فيحكي الإمام الشافعي عن مرحلة الكُتَّاب في صغره فيقول: «كنت يتيمًا في حجر أُمِّي، فدفعتني في الكُتَّاب، فلمَّا خَتَمْتُ القرآن دخلتُ المسجد فكنتُ أُجَالِس العلماء».

 

من أشهر خريجي الكتاتيب في عصرنا الحديث: رفاعة الطهطاوي وطه حسين

 

كما انتشرت الكتاتيب في كثير من ربوع دولة الإسلام من جنوب شرق آسيا عبر إندونيسيا وماليزيا وغيرهما مرورا بباكستان وأفغانستان ودول شمال آسيا.. إلى أقصى الغرب الإسلامي في المغرب وموريتانيا.. ثم الجنوب في جنوب السودان، الصومال ووسط أفريقيا.. وغيرها..

  • الكتاتيب في مصر الحديثة: منذ أكثر من خمسة قرون تنامت وتطورت مع الأزهر الشريف ومعظم علماء الأزهر البارزين والعلماء في شتى العلوم الشرعية المختلفة وحتى الذين برزوا في الآونة الأخيرة في مجالات الطب والفلك والهندسة بدأوا حياتهم التعليمية من الكتاتيب. من وصل عدد الكتاتيب في مصر في وقت سابق إلى الثلاثين ألفا في القرى والكفور حيث يوجد في كل قرية ما بين 6 – 8 دور لتحفيظ القرآن الكريم ويوجد في مصر حوالي 2400 قرية بخلاف كتاتيب النجوع والكفور، هذا إلى جانب الكتاتيب الموجودة في الزوايا والمساجد الصغيرة في معظم الأحياء الشعبية بالمدن.

 

رواية «الأيام» صورت ببراعة ما كان يدور في الكتاتيب

 

ومن أشهر خريجي الكتاتيب في عصرنا الحديث رفاعة الطهطاوي وعميد الأدب العربي طه حسين الذي صورت روايته «الأيام» ما كان يدور في الكتاتيب في أيام صباه وكيف انه تعلم الكثير هناك.

  • الكتّاب في المغرب العربي.. نقل البربر إلى العربية.. ففي دراسة بعنوان «التعليم بالكتاتيب القرآنية في الجزائر في منظور الدراسات النفسية والتربوية المعاصرة» للباحثة الجزائرية مختارية تراري نقرأ أن المؤسسات التربوية القديمة في المغرب العربي والجزائر نموذجا لها كانت تشمل كلا من الكتاتيب والمساجد والرابطات والمكتبات العمومية والخاصة، وقصور الأمراء، ودور العلماء، وحتى الدكاكين.. وأن هذا التعليم قد ظهر في أواخر القرن الأول الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، حيث قام هذا الأخير ببعث عشرة فقهاء أهل علم وفضل، فقاموا بنشر تعاليم الإسلام أحسن قيام. وكان التعليم أيضا في تلك الكتاتيب يقدم مبادئ اللغة العربية بين أبناء البربر، فأصبحت لغتهم هي العربية.

الكتّاب في الكويت..بين  «الملا والمطوع».. أساس تعليمي مهم

انتشرت مدارس الكتاتيب قديما في مختلف أنحاء مدينة الكويت وقراها والتحق بها الصبية والبنات لتعلم مبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وكانت تدار الكتاتيب قديماً بواسطة

ما يعرف بـ «الملا» أو «المطوع» وهو بمثابة المعلم في الوقت الحالي ومهنة التدريس في هذه المدارس مهنة متوارثة ومن اشهر من عمل بها آل عدساني وآل بودي وغيرهم.

الكتاتيب هي مدارس للتدريس قديما تكون في بيت «المطوع» أو «الملا» أو في بيت يتم استئجاره لهذا الغرض ولايوجد بهذه المدارس طاولات

كما في المدراسة الحديثة ويتم تدريس الطلبة وهم جالوس على الأرض ومعهم أدواتهم المكونة من صندوق من الخشب يسمى «بشختة»  لغرض حفظ أدواتهم ومنها «اللوح» الذي يجهزه ولي الأمر لابنه،

وهو عبارة عن قطعة من الخشب مدهونة بنوع من الطين اللزج «طين خاوة» لغرض كتابة حروف الهجاء عليه وإذا حفظ الولد الدرس يتم غسل اللوح من قبل الصبي ويعاد الكتابة عليه مرة أخرى،

كما يتم في مدارس الكتاتيب تحفيظ الدارسين القرآن الكريم وقلة من الدارسين قديما من يستطيع تلاوة القرآن من غير مساعدة المطوع وكان المطوع يكرر على الصبية الآيات القرآنية والصبية يكررون من ورائه إلى أن يتم حفظها.

 

كان «الملا» يعتمد على الرسوم التي يدفعها له الصبية في مناسبات عدة

رسوم الدراسة في الكتاتيب: كانت للدراسة في مدارس الكتاتيب رسوم ويعتمد الملا على الرسوم التي يدفعها له الصبية في مناسبات وهي أمور متعارف عليها قديما حسب حالة ولي الأمر وهي كتالي:

1 – الدخالة: رسم التسجيل «الدخول» للمرة الأولي وتتفاوت حسب حالة ولي الأمر المادية.

2 – الخميسية: رسم يدفعه الدارس كل يوم خميس حسب حالته المالية وتتكون من «نقود – تمر – أرز- حنطة».

3 – النافلة: صدقة تدفع إلي الملا في أيام النافلة كالمولد النبوي وغيره.

4 – العيدية: تقدم إلى الملا في العيدين «الفطر والأضحى».

5 – الفطرة: صدقة وهي من حق الملا، حيث إن كل طالب ملزم بدفع زكاة الفطر للملا.

6 –  الجزء: رسوم نقدية يسلمها الدارس للمطوع في حال إتمامه جزءا من القرآن الكريم.

7 –  الختمة: رسوم نقدية يسلمها الدارس للمطوع في حال ختمه القرآن الكريم.

بالنسبة للصبية الفقراء فإنهم يطوفون بالإحياء لجمع المال لدفعه للملا وكان أهل الكويت قديما يساعدون الطلبة في ذلك.

صلاحية الملا: ومن صلاحيات المطوع قديما أيضا استخدام الصبية في شؤون منزله وفي بعض الأحيان يبعثهم للقراءة على المرضى وإذا حصل  الصبية على المال يتم تسليمه للملا.

عقاب الدارسين: كان للمطوع طرق لمعاقبة الصبية وتستخدم بمقدار ما ارتكبه الصبي من خطأ أو ذنب وفيها نوع من القسوة على الصبية حتى يكون المطوع بمثابة الحازم الأمين في نظر

ولي الأمر الذي كان في ذلك  الوقت يشجع  المطوع على عمل ذلك ويقول له «لك اللحم ولنا العظام».

أول معلمة  في الكويت  مريم الصالح: بدأت دراستي عند جدتي وهي «مطوعة» تسمى حصة عبدالرحمن الحنيف

مريم الصالح أول معلمة في الكويت  قالت: بدأت دراستي عند جدتي (أم أبي) وهي مطوعة تسمى حصة عبدالرحمن الحنيف وقد تتلمذ على يديها الكثير من البنات في فريج السرحان، حيث مدرسة جدتي التي أنشأتها في بيتها ولكن من حرص والدي ووالدتي على تعلمي أدخلاني عند المطوعة نورة اليحيى خشية من أن تدللني جدتي فلا استفيد منها شيئاً، فالدراسة كما هي معروفة ترغيب وترهيب.

ومن شدة ذكائي أنني ختمت القرآن الكريم في أقل من عام واحد ترتيلاً وتلاوة وعمري آنذاك أربع سنوات، وقد كانت من عادات الماضي الجميل أن من يختم القرآن الكريم يعمل له (زفّة) فهو موكب احتفالي يحتفى بصاحبه لمن ختم القرآن الكريم.

والدي كانت عنده كتب كثيرة يستمد منها ثقافته، فكان هذا يساعدني على الاطلاع عليها ولفت النظر إليها، والبحث عن القراءة فيها فكنت اقرأ بعض الكتب وأتهجى الحروف في صغري هذا، ما جعل الوالد يعجب مني نظراً لنباهتي في الكتب والبحث فيها، فأحضر لي السبورة والطباشير لاتعلم، فسعدت لذلك الأمر، لأنه رأى فيّ الرغبة في التعلم رغم صغر سني ثم خصص لي وقتاً يعلمني القراءة والكتابة، بعد ذلك ألحقني عند إحدى المعلمات وهي (الملاية) وهي عائشة زوجة السيد عمر ومعها ابنتها زهرة فكانتا تعلمان البنات القراءة والكتابة ومبادئ الحساب والحياكة والتطريز الى جانب دراستي في هذه المدرسة الأهلية كان والدي يجلس معي أيام العطل وفي أوقات الفراغ يثقفني ويعلمني في كل ما يختص بالسيرة النبوية والتاريخ والجغرافيا والتجويد والشرح والأحاديث النبوية ومبادئ الحساب حتى مسك الدفتر درسني اياه والدي، وبهذا ارتقى مستواي العلمي وزادت حصيلتي العلمية حيث انني استمررت مع الوالد أكثر من ست سنوات.

جلبت ادارة المعارف مدرّستين عربيتين وكانت في حاجة الى مدرسة ثالثة لتعليم البنات، حيث إن مستوى الفتيات اللاتي التحقن بأول مدرسة لتعليم البنات قسمن ثلاثة مستويات، فأجري اختبار لمن عند المدارس الأهلية من البنات لتكون مدرسة ثالثة، ففزت في ذلك الامتحان وطلب مني أن أكون مدرسة للصف التمهيدي أدرس القرآن والكتابة والقراءة رغم أن عمري لم يناهز العاشرة كانت عندي رغبة شديدة في التدريس لأنني كنت أمارسه عند المدرسات المطوعات اللاتي درسنني في صغري الى جانب مساعدة زميلتي في التدريس في شرح الدرس وطريقة تعليم الحديث.

بدأ عملي بالتدريس 1937 – 1938 وقد صرف لي راتب قدره 30 روبية كان عمري عشر سنوات في المدرسة الوسطى وهي تقع قريباً من مدرسة المباركية فكانت عبارة عن منزل مستأجر من بيت المانع، واستمررت لمدة سنتين ثم انتقلت للمدرسة القبلية، حيث دمجت بعد ذلك المدرسة الوسطى مع القبلية حينما استأجرت المعارف منزلاً كبيراً من السيد خلف النقيب واستمررت في التدريس لمدة عشر سنوات بعدها عينت ناظرة لمدرسة الزهراء وهي أول مدرسة نموذجية للبنات. وكنت بذلك أول ناظرة كويتية.

كان المعلم والمعلمة لهما الاحترام والتقدير من قبل المجتمع والطالب وكان أولياء الامور يوصوننا بأبنائهم خيراً، ويأخذون برأي المعلمة بكثير من المواقف، وكانوا يقولون لنا لكم اللحم ولنا العظم، وعندما تأتيني ولية الأمر تقول لي: يا معلمة مريم أدبي بنتي وعلميها حتى تكون معلمة ناجحة مثلك… وكنت أنا شخصية ممتازة ومحبوبة من تلميذاتي ولي أسلوب خاص وطرق جذابة استميل بها الطالبات وقد استمددت ذلك من شخصية والدي رحمه الله.

 

تعليم التاب (Tab).. الطالب هو الأساس!

أصبح التاب –ممثلا للتعليم الالكتروني وأحدث صيحات التعلم- وسيلة تعليمية مرئية ومسموعة محببة الى الجيل الجديد الحالي، وقد قدم نوعا جديدا من الثقافة هي الثقافة الرقمية والتي تركز على معالجة المعرفة وتساعد الطالب أن يكون هو محور العملية التعليمية وليس المعلم-

كما تقدم عن التعليم الالكتروني دراسة «الاختلاف بين التعليم التقليدي والتعليم الالكتروني وكيفية الانتقال إلى الإلكتروني» لموسوعة التدريب والتعليم..

ومن مميزات هذا النوع من التعليم الإلكتروني انه غير مرتبط بتقديم التعليم في نفس المكان أو الزمان, بل للمتعلم حرية اختيار مكان معين ووقت محدد لإجراء عملية التعلم،

يؤدي إلى نشاط المتعلم وفاعليته في تعلم المادة العلمية لأنه يعتمد على التعلم الذاتي وعلى مفهوم تفريد التعلم، كما تقول الدراسة نفسها.. كما يكون المحتوى العلمي أكثر إثارة وأكثر دافعية للطلاب على التعلم،

حيث يقدم في هيئة نصوص تحريرية وصور ثابتة ومتحركة ولقطات فيديو ورسومات ومخططات ومحاكاة ويكون في هيئة مقرر إلكتروني أو كتاب الكتروني مرئي.

 

الرجوع الى المنزل.. في التعليم

التعليم في المنزل أسلوب تعليمي تربوي قديم وقد انتهجته العديد من دول العالم ومناطقه شرقا وغربا وقد كان في البداية قائما على الاثرياء وطبقة الملوك والسلاطين والأمراء والملاك والاقطاعيين قبل الثورات حول العالم،

وهناك المشاهير من الحكام واصحاب القرار حول العالم الذين تلقوا الاساس التعليمي والتربوي على أيدي معلمين خاصين في البيوت وليس في مدارس نظامية..

وحاليا مازال هذا النوع من التعليم منتشرا في بقاع الأرض سواء للقادرين الاثرياء أو حتى العاديين..

فمثلا صار تعليم المنزل في الولايات المتحدة الأميركية ظاهرة كبيرة، حيث أبرزت الإحصاءات الرسمية في السنوات الأخيرة أن هناك ما يزيد على مليوني طفل وطفلة فضل أباؤهم وأمهاتهم أن ينتزعوهم من النظام التعليمى المعتاد، وأن يهتموا بتحصيلهم بعيدا عن المدارس، وهي نسبة كبيرة من مجمل عدد التلاميذ ..

لقد ظهر مؤخرا اتجاه قديم جديد الى التعليم مرة اخرى في المنزل! وأصحاب هذا الاتجاه الذي ينادون به يقولون إن التعليم من هذا النوع يتصف بالمرونة وبالتالي صار ثورة جديدة على التعليم المدرسي النظامي،

وقد صار هذا النوع من «التعليم المرن» يجذب كل يوم المزيد من أولياء الأمور الذين يطمحون إلى توفير تعليم متميز لأولادهم دون إرهاق لميزانياتهم،  حيث صار هذا النوع من «التعليم المرن» يجذب كل يوم المزيد من أولياء الأمور الذين يطمحون إلى توفير تعليم متميز لأولادهم دون إرهاق لميزانياتهم .

 

الجانب النفسي في تعليم الكتاتيب

لطريقة التعليم في الكتاتيب فعالية في شتى المجالات: الخلقية، الاجتماعية، التحفيظية ومحو الأمية… الخ.

وربما يوجه اليها النقد القاتل بأن الطريقة المتبعة في تلك المؤسسات الدينية قد أهملت بصفة كاملة نفسية الطفل من حيث قدراته العقلية واستعداداته وميولاته لا يجد له الآن مبررا قاطعا في ذلك،

لأن معظم الكتاتيب الحالية وخاصة بعد ظهور علم النفس، أصبحت تنظر إلى الطفل على أنه ينفرد بشخصيته التي تميزه عن الآخر،

وإن أهملت الحقبة الزمنية القديمة التي عاشتها الكتاتيب نفسية الطفل فذلك عيب العصر كله- كما ترى ذلك الباحثة مختارية تراري.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق