تحقيقات

أعمدة من حقوق وواجبات وصداقة

الأسرة أصغر «وحدة» اجتماعية تمارس دورها بين الوحدات الاجتماعية الأخرى، وصلاح هذه الأسرة يتوقف عليه صلاح مجتمع بأكمله، فهي القاعدة الصلبة التي تتولى النشأة الأولى للأولاد، وتقوم بتربيتهم وتعليمهم وإعدادهم كي  يضطلعوا بالمسؤوليات التي تقع على عاتقهم مستقبلاً.

والأسرة «مؤسسة إنسانية» تقوم على أكتاف شخصين هما الرجل والمرأة، وكلما كانت العلاقة بين هذين القطبين جيدة، كانت الحياة أكثر أمنا واستقرا، وتدفع كل فرد من أفرادها إلى القيام بواجباته دون إرغام، بعد أن تشبع فيهم كافة الرغبات الإنسانية، فيقوم الأبوان فيها بتدريس أصول الحياة وكيفية العشرة لأفراد المجتمع ورجال المستقبل وهم الأولاد.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع في حياة الأسرة والمجتمع قامت «أسرتي» بإجراء هذا التحقيق لعموم الفائدة كجزء من رسالتها الإعلامية.

أبو علي: في الأسرة المثالية المودة والتعاطف وحسن المعاشرة بين أعضائها

في البداية التقينا بالناشط في مجال الأسرة كرم «أبو علي» حيث قال:

إن الأسرة المثالية هي التي تكون سكناً لجميع أعضائها وراحة لهم من متاعب الحياة، يستظلون في ظلالها من لهيب مشاكلهم، وتسود المودة بين أعضائها ويسود التعاطف وحسن المعاشرة فيما بينهم،

وهي كذلك الأسرة التي تظلها الرحمة والرقة وحسن المعاملة، وتساعد على أن ينشأ أفرادها وهم مدربون على التراحم فيما بينهم، فيسلم المجتمع من أذاهم حينما يخرجون إليه.

وأشار أبو علي إلى أنه للوصول بالأسرة إلى هذا المستوى وضح الحق تبارك وتعالى حق كل فرد من الأفراد وواجباته، وأصبحت حقوق الزوجة واضحة وحقوق الزوج معروفة، وأرسيت بذلك الأعمدة الرئيسية لسعادة عش الزوجية بما يحقق الأمن والاستقرار للأسرة.

العتيبي: الأمن الأسري يكمل حينما تتفق وجهات نظر الزوجين في ظل ترابط وثيق

الأمن النفسي

أما الاستشاري النفسي ورئيس مركز ابن سينا للاستشارات النفسية والأسرية الدكتور غازي العتيبي، فقد اعتبر الأمن والاستقرار الأسري يكملان حينما تتفق وجهات نظر الزوجين ويكمل أحدهما الآخر، ويوجد بينهما الترابط الوثيق،

حيث إنه لا حياة للأسرة إلا بالأمن، ولا يمكن للأمن أن يتحقق إلا في بيئة أسرية مترابطة وجو اجتماعي نظيف، يسوده التعاطف والتآلف، والعمل على حب الخير بين أفراده، كل ذلك ضمن عقيدة إيمانية راسخة، واتباع منهج نبوي سديد،

هذا الإيمان هو الكفيل بتحقيق الأمن الشامل والدائم الذي يحمي المجتمع من المخاوف، ويبعده عن الانحراف وارتكاب الجرائم.

وأوضح العتيبي أن هذا الدور لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي والجسدي والغذائي والاقتصادي والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية والتي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله، وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير.

الراغب: للأبوين دور كبير للربط بين المنزل والمدرسة لتحقيق أصول التنشئة الاجتماعية بيئة المدرسة

من جانبه، أكد المستشار التربوي والاجتماعي الدكتور علي الراغب قائلاً:

مجتمع المدرسة لا يمكن فصله عن المجتمع الأسري أو المجتمع الكبير بشكل عام، فلا يمكن فصل هذا عن ذاك، فالمجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد لهم عادات وتقاليد ونظم مشتركة، والمدرسة تتلقى أبناء هذا المجتمع وتهيئهم لأن يحتلوا مكانهم في المجتمع كأعضاء ومواطنين صالحين لأن يعيشوا فيه مع غيرهم.

ولهذا تنظر التربية الحديثة إلى المدرسة باعتبارها مجتمعاً صغيراً شبيها بالمجتمع الكبير الذي تقوم فيه.. والواجب على المجتمع أيضاً أن يقدر مثل هذه الرسالة فيصلح من المدرسة باعتبارها بيئة التلميذ الأساسية إصلاحاً من حيث البناء والترميم والتجهيزات والمنهج والطريقة والوسائل والمدرس وغيره من القائمين بالعمل فيها.

ويكمل الراغب قائلاً:

متى وصل الشاب إلى معرفة الضار من النافع، فهو دليل على نضج عقله وتمام رشده، ولكن هذا لا يؤتي ثماره إلا بالتطبيق الفعلي في مناحي الحياة بحيث يستفيد من النافع في سلوكه وتعامله وشؤون حياته كلها ويعرف ما يضره من أجل أن يجتنبه،

ويستطيع أن يكون عضواً فعالا في مراحل حياته ويحقق الأمن والأمان والاستقرار لمجتمعه، وفي هذه الحالة لابد أن يكون للأبوين دور كبير للربط بين المنزل والمدرسة لتحقيق أصول التنشئة الاجتماعية السليمة التي تحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.

الياسين: تجنب وصول المنازعات الأسرية إلى المحاكم.. الطريقة المثلى للمحافظة على كيان الأسرة وأمنها

رأي قانوني

وضع قانون الأسرة الكويتي وقانون الأحوال الشخصية بصفة عامة عدة تشريعات ليحفظ بها كيان الأسرة ويحقق لها الاستقرار ويحفظ حقوق أبنائها.

وفي لقائنا المحامي الدكتور نواف الياسين، أكد قائلاً:

أعتقد من خلال خبرتي الطويلة في مجال المحاكم الكويتية وقضايا الأسرة، أن تجنب وصول المنازعات الأسرية إلى المحاكم الطريقة المثلى التي يمكن أن نحافظ بها على كيان الأسرة وعلى أمنها واستقرارها،

لأن دخول الزوجين إلى قاعات المحاكم يؤدي إلى الشقاق والعداوة بين الزوجين، وهذا يؤثر على الأسرة بشكل عام، وعلى الأبناء بشكل مباشر.

وأضاف: من الأمور التي أرى أهميتها الشديدة سرعة الفصل في إجراء التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية مثل قضايا النفقة والحضانة، وكذلك مسائل الطلاق وإعطاء الفرصة للزوجين لمراجعة أنفسهم، فالجانب السلبي في الموضوع هو إطالة النزاع بين الطرفين بسبب طول إجراءات التقاضي مما يؤدي إلى زيادة الخصومة.

القانون الكويتي يعمل جاهداً من خلال إصدار تشريعات تحقق حصول كل طرف على حقه وخاصة الزوجة والأولاد، وتحفظ الأسرة من الانهيار والتشتت، ويحقق لها الأمن والسعادة.

أما في مسائل الطلاق، فإن طول إجراءات التقاضي يعطي فرصة للمراجعة، وإن حدث الطلاق، فرنه يكون مقبولا بين الطرفين دون أن يسبب مضاعفات تعود على الأبناء.

المطيرات: كلما أخلص الزوجان في أداء الحقوق والواجبات كانا أكثر سعادة واستقراراً

رأي شرعي

دعا الدين الإسلامي إلى لم شمل الأسرة والحفاظ على الأبناء وحسن المعاملة بين الزوجين والمشاركة المجتمعية فيما بينهما، لذا كان من الضروري معرفة الرأي الشرعي في هذا الموضوع.

وكان اللقاء مع الداعية الإسلامي الكبير الدكتور عادل المطيرات الذي استهل كلامه قائلاً:

من المعروف أن الأسرة هي النواة أو الخلية الأولى لهذا المجتمع الكبير وصلاحه من صلاحها، لذا يتحقق الأمن والأمان في داخل الأسرة عموماً بأن يكون هناك احترام متبادل بين الزوجين، وأن يؤدي كل منهما حق الآخر،

لأن الله تعالى أوجب على الزوج بعض الواجبات نحو زوجته، وأوجب كذلك على الزوجة بعض الواجبات نحو الزوج، وكلما أخلص كل منهما في أداء هذه الحقوق والواجبات كان أكثر سعادة.

وبين المطيرات أنه ينبغي أن يكون بين الزوجين احترام متبادل، ولا تكون حياتهما مليئة بالمشاكل والمنغصات والعناد، إذ لا بد أن تسود المحبة والمودة والتراضي والعفو والمسامحة، وعدم التدقيق على كل أمر من الأمور،

وتجاوز المشاكل بالحكمة والصبر، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يديم تلك العشرة على المحبة والطاعة والمعروف كما قال عزّ وجلّ:

}وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف{.

وأوضح كذلك أن الزوجين يكمل كل منهما الآخر، وأن كل شخص داخل الأسرة له دور، فالزوجة لها دور عظيم في تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة مستقيمة، والزوج له دور عظيم في الإنفاق وتأمين حاجات الأسرة من مسكن وملبس وغير ذلك من ضروريات الحياة، والمساعدة في كل مشاكل الأولاد والبنات، فلا ينفرد أحد الزوجين برأي على حساب الآخر،

بل لابد من المشاركة المجتمعية داخل الأسرة بما يصب في صالح الأسرة والأبناء، لأن كل منهما يكمل دور الآخر ويحقق الأمن والاستقرار داخل الأسرة.

المطيري: الأب الناجح والأم الموفَّقة هما من يجعلان الصداقة شعاراً لهما مع أبنائهما

وللشارع الكويتي رأي مهم في هذا الموضوع، حيث تجولنا في المجمعات والمولات والتقينا بعض الأسر لاستطلاع آرائهم:

  • عامر المطيري أخصائي اجتماعي، قال:

الأب الناجح والأم الموفَّقة هما من يجعلان الصداقة شعاراً لهما مع أبنائهما، عليهما أن يجلسا معهم، ويحتسبا ويصبرا، ولا يركنا إلى السائق والخادمة، ولا يتركاهم نهباً لوسائل الإعلام والقنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه البلايا التي تعددت وتنوعت، حتى يحفظاا أبناءهما وتستقر حياتهما ويشعران بالأمن الأسري والسعادة الحقيقية.

  • محمد خالد رجل أعمال، أكد لنا أن الجو الأسري لابد أن يقوم على أسس ديموقراطية وحرية مسؤولة وتوزيع الأدوار فيما بين أفراد الأسرة، وعدم استخدام السلطة الانفرادية من جانب الأب أو الأم، وإتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن أنفسهم.. هذه الأسرة أكثر سعادة واستقرارا من غيرها، فالديكتاتورية الأسرية تخلق أبناء معقدين وتسبب لهم الفشل في حياتهم.

  • وأخيراً التقينا أم محمد (ربة منزل) تقول:

الأسرة المتحضرة تقوم على التفاهم والمشاركة واحترام كل فرد للآخر،فليس هناك في زمننا هذا «سي السيد» الذي ينفرد بآرائه مهما كانت صوابا أو خطأ، فجميع أفراد الأسرة شركاء في المسؤولية، ولعل هذا من أساسيات الأسرة الناجحة المستقرة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق