تحقيقات
أخر الأخبار

اقتحمت‭ ‬عالم‭ ‬الميكانيك‭ ‬بأنوثتها الميكانيكية‭ ‬رنا‭ ‬حايك‭.. ‬الزبون‭ ‬الأول‭ ‬شجّعني‭ ‬بسلبيته‭ ‬تجاهي

استطاعت‭ ‬الشابة‭ ‬اللبنانية‭ ‬رنا‭ ‬حايك‭ (‬26‭ ‬عاما‭) ‬أن‭ ‬تكسر‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬اللبناني‭ ‬لتعمل‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬بأنها‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الرجال،‭ ‬لم‭ ‬تعر‭ ‬انتباها‭ ‬لمن‭ ‬انتقدها‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يؤمن‭ ‬بحلمها،‭ ‬أنهت‭ ‬دراستها‭ ‬الجامعية،‭ ‬حيث‭ ‬تخصصت‭ ‬بهندسة‭ ‬الإلكتروميكانيك،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬كراج‭ ‬ميكانيك‭ ‬قرب‭ ‬منزلها‭.‬
بدأ‭ ‬عشقها‭ ‬لعالم‭ ‬السيارات‭ ‬منذ‭ ‬طفولتها،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬تلعب‭ ‬بألعاب‭ ‬الفتيات،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تشارك‭ ‬شقيقها‭ ‬بألعابه،‭ ‬والسيارات‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وفي‭ ‬المدرسة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الأساتذة‭ ‬يسألونها‭ ‬عن‭ ‬حلمها‭ ‬المستقبلي‭ ‬كان‭ ‬جوابها‭ ‬المحسوم‭ ‬افتتاح‭ ‬ورشة‭ ‬لتصليح‭ ‬السيارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬كلامها‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭.‬

بداية‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم
لم‭ ‬تنفع‭ ‬كل‭ ‬الممارسات‭ ‬والنصائح‭ ‬لثني‭ ‬الشابة‭ ‬رنا‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمها‭ ‬وشغفها‭ ‬بالسيارات،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اقتنع‭ ‬والدها‭ ‬بجدّية‭ ‬رغبتها،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬صديقه‭ ‬الميكانيكي‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لها‭ ‬وتعليمها‭ ‬المهنة،‭ ‬كانت‭ ‬رنا‭ ‬تبلغ‭ ‬وقتها‭ ‬17‭ ‬عاما،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬طويلا،‭ ‬فقد‭ ‬اتصل‭ ‬صاحب‭ ‬الكراج‭ ‬بوالدها‭ ‬ليخبره‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬استقبالها؛‭ ‬لأن‭ ‬العمال‭ ‬يفقدون‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬بالعمل‭ ‬بوجودها،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬انتقلت‭ ‬للتدرّب‭ ‬في‭ ‬كراج‭ ‬آخر،‭ ‬وما‭ ‬أسعدها‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬الكراج‭ ‬الجديد‭ ‬شجّعها‭ ‬ودعمها‭ ‬بقوّة،‭ ‬فكانت‭ ‬تذهب‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الدوام‭ ‬المدرسي،‭ ‬وفي‭ ‬عطلة‭ ‬الصيف،‭ ‬كانت‭ ‬تقصده‭ ‬يومياً‭ ‬للتمرّس‭ ‬في‭ ‬المهنة‭. ‬وبعد‭ ‬نيلها‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريا،‭ ‬دخلت‭ ‬الجامعة‭ ‬وتخصّصت‭ ‬في‭ ‬هندسة‭ ‬الميكانيك،‭ ‬وكانت‭ ‬حينذاك‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬كراج‭ ‬الـ‭ “‬بورش‭”‬،‭ ‬لكن‭ ‬أحدهم‭ ‬نصحها‭ ‬بالانتقال‭ ‬إلى‭ “‬الكترو‭ ‬إنجنير‭” ‬لكونه‭ ‬اختصاص‭ ‬العصر‭.‬

نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬الشرقي
بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬رنا‭ ‬غطاء‭ ‬محرك‭ ‬الزبون،‭ ‬ترتسم‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬علامات‭ ‬الاستغراب‭ ‬والرهبة،‭ ‬ويسأل‭ ‬بسرعة‭ ‬وين‭ ‬المعلم؟‭ ‬لا‭ ‬يتقبلون‭ ‬فكرة‭ ‬الفتاة‭ ‬الميكانيكية،‭ ‬ولا‭ ‬يثقون‭ ‬بقدرتها‭ ‬حتى،‭ ‬ويراقبونها‭ ‬بأدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭ ‬وتفاديا‭ ‬للخطأ‭. ‬أغلبية‭ ‬الزبائن‭ ‬ينظرون‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لاجئة،‭ ‬أو‭ ‬بحاجة‭ ‬للمال،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أجبرها‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬بهذه‭ ‬المهنة،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬مغاير‭ ‬تماماً،‭ ‬فحلمها‭ ‬وشغفها‭ ‬بهذا‭ ‬العالم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬بانتقاد‭ ‬أو‭ ‬نظرة‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬أحد‭.‬

بين‭ ‬الأنوثة‭ ‬والميكانيك
عندما‭ ‬يسألها‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬مهنتها‭ ‬وتجيب‭: “‬ميكانيكية‭”‬،‭ ‬بسرعة‭ ‬يطلب‭ ‬رؤية‭ ‬يديها،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬يدين‭ ‬متسختين‭ ‬مع‭ ‬بقايا‭ ‬شحم‭ ‬على‭ ‬الأظافر،‭ ‬لكنها‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬تهتم‭ ‬بجمالها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬التصليح،‭ ‬فترتدي‭ ‬قفازات‭ ‬لحماية‭ ‬يديها،‭ ‬وبخصوص‭ ‬القدرة‭ ‬الجسدية،‭ ‬تعبّر‭ ‬حايك‭ ‬بأن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬سهّلت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬عائق‭ ‬أمام‭ ‬مواصلة‭ ‬الشخص‭ ‬حلمه‭.‬

عمل‭ ‬الميكانيك‭ ‬مصدر‭ ‬الشهرة
باتت‭ ‬رنا‭ ‬معروفة‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬فبمناسبة‭ “‬يوم‭ ‬المرأة‭ ‬العالمي‭” ‬استفاقت‭ ‬على‭ ‬خبر‭ ‬أن‭ ‬صورتها‭ ‬تزيّن‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬لإحدى‭ ‬الصحف،‭ ‬وانتشرت‭ ‬صورها‭ ‬عبر‭ “‬إنستغرام‭” ‬و‭”‬فيسبوك‭” ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬الكراج،‭ ‬وكرت‭ ‬السُّبحة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬نجمة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الميكانيك،‭ ‬وتناقلت‭ ‬أخبارها‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬محلية‭ ‬وعالمية‭.‬

فيديوهات‭ ‬إرشادية‭ ‬وتعليمية
استطاعت‭ ‬رنا‭ ‬استخدام‭ ‬شهرتها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فباتت‭ ‬توزّع‭ ‬المعلومات‭ ‬المجانية‭ ‬عبر‭ ‬فيديوهات‭ ‬تنشرها‭ ‬على‭ ‬حساباتها‭ ‬هدفها‭ ‬رفع‭ ‬المعرفة‭ ‬بالسيارات‭ ‬بين‭ ‬متابعيها،‭ ‬وإرشادهم‭ ‬لكيفية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬السيارة‭ ‬وفهم‭ ‬الإشارات‭ ‬والرسومات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬أمام‭ ‬السائق،‭ ‬وفهم‭ ‬المشاكل‭ ‬الطارئة‭ ‬والتعامل‭ ‬معها،‭ ‬وقد‭ ‬لاقت‭ ‬إعجاب‭ ‬المتابعين،‭ ‬وقدمت‭ ‬لهم‭ ‬المعرفة‭ ‬بالأخطاء‭ ‬الشائعة،‭ ‬وعلّمتهم‭ ‬كيفية‭ ‬التصرّف‭.‬

الزبون‭ ‬الأول‭ ‬شجّعني‭ ‬بسلبيته‭ ‬تجاهي
نشرت‭ ‬رنا‭ ‬عبر‭ ‬حسابها‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬تويتر‭ ‬قصتها‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬زبون‭ ‬جاء‭ ‬لتصليح‭ ‬سيارته،‭ ‬وعندما‭ ‬علم‭ ‬بأنها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬ستصلحها‭ ‬رفض‭ ‬الأمر‭ ‬قائلا‭ “‬شو‭ ‬انقطعوا‭ ‬الرجال‭ ‬لبلشتوا‭ ‬تشغلون‭ ‬نسوان‭ ‬بهيك‭ ‬مهنة؟‭!”‬،‭ ‬وقتها‭ ‬حزنت‭ ‬كثيراً‭ ‬مما‭ ‬قاله،‭ “‬أما‭ ‬الآن‭ ‬حين‭ ‬أتذكر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أعرف‭ ‬كم‭ ‬أن‭ ‬كلامه‭ ‬أعطاني‭ ‬القوة‭ ‬لأستمر‭ ‬وأطوّر‭ ‬قدراتي‭”.‬

الميكانيك‭ ‬روح‭ ‬حياة‭ ‬رنا‭ ‬اليومية
من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتابع‭ ‬حسابات‭ ‬رنا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬صورة‭ ‬أو‭ ‬فيديو‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الميكانيك،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منشور‭ ‬تظهر‭ ‬معها‭ ‬سيارة،‭ ‬دراجة‭ ‬نارية،‭ ‬أدوات‭ ‬الصيانة،‭ ‬وخلال‭ ‬تصفحي‭ ‬لحسابها‭ ‬وجدت‭ ‬فيديو،‭ ‬وهي‭ ‬تغطس‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬فقلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ “‬وأخيراً‭ ‬وجدت‭ ‬فيديو‭ ‬بلا‭ ‬ميكانيك‭”‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أذهلتني،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬ممسكة‭ ‬بمقود‭ ‬لآلية‭ ‬غارقة‭.‬
لم‭ ‬تكترث‭ ‬الشابة‭ ‬الطموحة‭ ‬للصعوبات‭ ‬كلها‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬ولحقت‭ ‬حلمها‭ ‬ووصلت‭ ‬إليه،‭ ‬لذلك‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬النجاح‭ ‬يكون‭ ‬بالعمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬لا‭ ‬بالتمني‭.‬

‮«‬أسرتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
علي‭ ‬غندور

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق