ثقافةزوايا

التشكيلية ريهام: اليوم الذي لا أرسم فيه ضائعٌ من عمري

لم يحالفها الحظ في اجتياز اختبار القدرات بكلية الفنون الجميلة، ومن ثم لم يُكتب لها الالتحاق بالكلية وسلكت طريقًا آخر بدراسة التجارة، وتخرجت في الجامعة وهواها وموهبتها ما زالا ينبضان في أعماقها، وقادتها المصادفة إلى فنان استنفر موهبتها وحفَّزها للخروج والتوهج، فلم تلبث سوى أربعة أعوام إلا وتمكنت من أن تصبح اسمًا بارزًا في عالم الفن التشكيلي.. هذه هي الفنانة المصرية ريهام الشامي التي التقتها «أسرتي» عبر الحوار التالي:

 

نقطة تحول جوهرية أيقظت موهبتي

من سباتها

 

لم يحالفك الحظ في اجتياز اختبار القدرات بكلية الفنون الجميلة ومع ذلك حققت شهرة واسعة كفنانة تشكيلية.. فكيف حدث ذلك؟

حينما تقدمت للاختبار كانت تقودني الموهبة، وفي الحقيقة اكتشفت أن مادة الرسم تُدرَّس بطريقة خاطئة منذ البداية، ومن ثم فطلاب الثانوية العامة الذين يريدون دراسة الفنون الجميلة لا يعرفون الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكوه، أضف إلى ذلك أن مُدرِّسي الرسم لا يقومون بدورهم على الوجه الصحيح، إذ يأتي المدرس ويطلب من الطلاب الرسم عن مناسبة ما دون مساعدتهم، لذا لا أستطيع اتهام امتحان القدرات بالتحيز ضدي، من الجائز أنني لم أراع الأسس الرسمية للرسم حينذاك، كما فوجئت فيما بعد بأن الطلاب يحصلون على دروس خصوصية قبل إجراء هذا الاختبار.. ولم أجد سوى الالتحاق بكلية التجارة، كنت وقتها محبطة، نظرًا لأنني كنت أمتلك الموهبة وأحتاج للتعلم، ثم تزوجت وأنجبت وأخذتني حياة المنزل، وسافرت للجزائر نظرًا لعمل زوجي، وحينها أدركت أن سنوات من عمري ضاعت دون أن أستغل طاقتي في شيء، حتى حدثت نقطة التحول الجوهرية التي استنفرت موهبتي من سباتها العميق.

 

كيف؟

– كان الأمر قدريًا، فالله يضع في طريقنا الأشخاص المناسبين، فقد قابلت أحد الفنانين الجزائريين أثناء وجودي بإحدى الحدائق العامة مع أطفالي، وطلبت منه أن يعلمني الرسم وكان هو بداية الطريق الذي أجدت فيه فيما بعد. ورغم خوفي من الفشل إلا أنه كان يطمئنني مؤكدًا أن لدي موهبة صادقة تحتاج إلى الخروج والإعلان عن نفسها، وشيئًا فشيئًا صارت لي بصمة وروح في أعمالي.

 

وماذا عن انفتاحك على معارض ومهرجانات الفن التشكيلي في العديد من العواصم العربية؟

– من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كنت أضع صور لوحاتي وأستشير أصدقائي ويشجعونني، وفجأة وجدت رسالة من مدير مهرجان فاز في المغرب يطالبني بإرسال بعض لوحاتي لتقييمها وعرضها، وبالفعل فازت اللوحة وتم عرضها في المهرجان، وتواجدت هناك وسط كبار الفنانين.

وفي السنة التي تلتها أقامت وزارة الثقافة العراقية ملتقى للفن التشكيلي، والذي ضم عددًا كبيرًا من الفنانين على مستوى العالم، وتواجدت العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وحازت أعمالي اهتمامًا طيبًا، وطلبوا مني لوحتين لوضعهما في المتحف الوطني للفن الحديث، وفي العراق أيضًا قابلت أحد الرسامين لمجلة كنت أتابعها وأرسم أبطالها لنتناقش فيما بعد ونصبح أصدقاء، وكانت صداقته مفيدة بالنسبة لي، فقد تعلمت منه الكثير.. سافرت بعدها إلى الأردن، وفي الجزائر أيضًا تمت دعوتي لعديد من المعارض الفنية.

الرسم من وحي التراث ينقل ثقافتك إلى العالم

 

رسوماتك دائمًا ما تستخدم التراث.. فلماذا اخترته دون بقية الموضوعات؟

– أحبُّ كل ما يقترب من التراث حتى لو كان طقوسًا وعادات كلها خرافات، إذ أشعر بأن تعامل المجتمع في فترة ما أنتج عادة أو ثقافة ما يلفت نظري، فمنذ صغري وقد ارتبطت بكل هذه الأشياء لدرجة أنني منذ وجودي في المرحلة الإعدادية فإنني أخذت «بوابير الجاز» الخاصة بجدتي الراحلة والمكواة الحديدية وأحتفظ بهما حتى الآن، إضافة إلى أنني أعتبر أن الرسم التراثي ينقل ثقافتك للعالم كله، فعديد من الأجانب ينظرون للوحاتي ويعلمون أنها قادمة من مصر، ويتساءلون عن هذه الأشياء التراثية، مما يزيد شغفهم من أجل التعرف أكثر على مصر، فكأنها رسالة نقدمها للآخر عن تراثنا، والذي أخاف عليه من الاندثار.

 

الألوان المبهجة تعكس هويتي المصرية

 

تتميز ألوانك دائمًا في كونها ألوانًا دافئة ومبهجة.. هل تقصدين هذا بالفعل؟

– بالطبع أقصد هذا، فهذه الألوان المبهجة هي التي ترتبط بثقافتنا المصرية، فألوان مثل الأحمر والأصفر والبرتقالي كثيرًا ما تجدين بيوت النوبة تحمل ألوانها، وهي تعد ألوانًا لافتة للنظر، بعكس الألوان الغامقة التي أعتبرها ميتة ولا أستخدمها إلا في أضيق الحدود.

 

أرسم عن البهجة والفرح.. وأكره الفن الكئيب

 

وهل الأفراح في الغالب تستهويكِ؟ نلاحظ أن كثيرًا من موضوعات الفن سوداوية في المجمل.

– لا، بالفعل أكره السوداوية، في الغالب أرسم عن الفرحة، فحتى في أكثر أوقاتي إحباطًا كنت أرسم من أجل البهجة، لا أرسم من أجل أن أصدر اكتئابي، أما اللوحات القديمة التي تصور الذبح والقتل والمعارك فقد كان لها مبررٌ ما، إذ كانت ترسم من أجل التأريخ، ولكن الآن ظهر التصوير كبديل، لذا لا أحب تصدير الفن الكئيب. وفي الحقيقة، في حياتي الشخصية أي أحد يعطيني طاقة سلبية فأنا أقرر قرارًا ثوريًا ألا أتعامل معه، فالحياة أقصر من تضييعها في النكد. لذا، فالرسم بهجة، وتقريبًا أرسم كل يوم، إذ إنني أعتبر أن اليوم الذي يمر دون أن أرسم فهو يوم ضائع من عمري.

 

ولماذا – في رأيك – يربط العديد بين الرسم السيريالي والتجريدي وبين الفن التشكيلي؟

– لأن كثيرًا من الرسامين صاروا يدّعون بشكل كبير، ولكني رغم ذلك ضد الذين يطالبون بمنع هذه الأعمال الفنية، فأنا مع النقد لكن دون تحطيم الآخر.

 

وإلى أي المدارس تنتمين؟ أم أن الفن مساحة مفتوحة بالنسبة لكِ؟

– في بداياتي كنت أرسم الرسم الواقعي، أنقل الحدث فقط، لذا فقد قررت رسم الريف المصري وأرسم فلاحة وبيوتًا وطينًا، ثم المرحلة التي تلتها صار الأمر أبسط من هذا، اخترت الرسم التكعيبي، ثم فكرت في ابتكار لوحة فنية مبهرة، وفي نفس الوقت لا تخرج عن إطار الفن التشكيلي، رغم أنني كنت أبتكر أساليب وطرقًا مختلفة، فربما تشبه شخوص لوحاتي أشكال الكارتون بعض الشيء، لكنها في النهاية تجربتي التي وصلت إليها، ونظرتي لأعمالي.

أما الآن فأنا أعمل على فكرة جديدة من خلال مزج الأغاني مع اللوحات، فقد لاحظت أن الشعر يصف الكثير عن طريق كلمات الأغنية، وبدأت بالفعل برسم ثلاث لوحات من خلال ثلاث أغاني وهي: «تحت الشجر يا وهيبة»، «عزيزة»، «الحلوة داير شباكها».

 

أشعر دائمًا بحياة ما تخرج من لوحاتك.. فهل تقصدين هذا بالفعل؟

– بالطبع كنت أقصد هذا. في البداية، الجميع تعلم على الأشياء المصمتة، مثل إناء الورد، وهي الأكثر تجارية، لكنها لن تضيف شيئًا جديدًا للفن، وهو الأمر الذي تجاوزته فيما بعد، لأرسم أغلب أعمالي فيما بعد تحتوي شخوصًا وحياة، من أجل أن يرسل للمتلقي شعورًا ما بالحياة، أو أن يسترسل هو وينقل إليه الإحساس الذي أريد توصيله من خلال لوحتي.

 

القاهرة- دار الإعلام العربية

آية إيهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق