تحقيقات
أخر الأخبار

التعليم عن بُعد.. نظرة من قُرب

د. إسراء العيسى: «التعليم»
هو الغاية.. والوسيلة «عن بعد»

التعليم طريقُ التنمية أولاً وثانياً وثالثاً.. باختصار هو الكلمة الأولى والأخيرة في ملحمة التنمية!
أسرتي التقت عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت، قسم الهندسة الصناعية، والكاتبة لدى اليونسكو د. إسراء العيسى.

في البداية أوضحت عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت، قسم الهندسة الصناعية، والكاتبة لدى اليونسكو د. إسراء العيسى، أن جائحة كورونا داهمت العالم، وكان لها من القوة أن أجبرت العالم على سلسلة من التغيرات أهمها إغلاق أبواب المدارس والجامعات، فكان التعليم عن بعد هو الأكسجين والمتنفس الوحيد لاستمرار التعليم.

تغيُّر دور المعلم ودور المتعلم وأداة التعليم

تقول د. إسراء العيسى:
بقدر اشتياقنا لأروقة الجامعة والشرح للطلاب، وبخاصة أننا حفظنا أماكنهم، فهذا يفضل الجلوس في مقدمة الفصل، وهذه تحبذ توسد الحائط.. إلا أن الجائحة أجبرتنا على الخروج من مربع الراحة comfort zone إلى عالم رقمي جديد جامد نوعاً ما.. يفتقد تلك «الأنسنة» وكامل تواجدنا بحواسنا وحواسهم نُعلم ونتعلم داخل أسوار صروح العلم والمعرفة، بل افتقدنا استنشاق رائحة الورق ممزوجة بعبير قهوة الصباح.
إلا أنه مع كل تغيير وإن لم نحبذه تشرق شموس الفرص الجديدة.. ويأتي التغيير ليولد فجر الخروج عن نمط السنين إلى عالم متقلب سريع يجبرك على الإبداع والتطوير والتفكير خارج الصندوق.. وفي مضمار هذا التغير يتغير دور المعلم ودور المتعلم وأداة التعليم.

تلبية النداء

وعن أثر هذا التغيّر، تقول د. إسراء:
يشعرنا هذا التغيّر بالحاجة الملحة للعمل الجاد، فكل مُعلم على كل مرحلة يشعر بعظيم المسؤولية على عاتقه، ويهب يصطف لحماية التعليم ومستقبل أبناء بلده، ويجيب نداءً داخلياً صوته أعلى وأسبق من أي نداء خارجي.

سباق مع الزمن لاستمرار التعليم

وفيما يتعلق باستعداد المسؤولين، قالت:
ومع كل ذلك الشوق لقاعات الدراسة والحماس يأتي قادة التعليم بروح مختلفة.. ولم نسمع لهم ذاك النفير ولا التشجيع ولا الإصرار ولا الحماس.. نتأمل لعل العالم كله هكذا؟ أبلدته الجائحة؟ وشل عصب التعليم فيه؟ ليرتد إلينا البصر خاسرًا وهو حسير؛ فدول العالم كلها في سباق مع الزمن لمقاومة إيقاف التعليم وإنقاذه بأي وسيله، كلٌّ يجري من موقعه وبظروفه وإمكانياته.. فهذه دول الخليج.. في السويعات الأولى للأزمة تطلق السعودية ٢٢ قناة تلفزيونية، وتنطلق قطر نحو البث المتزامن وغير المتزامن، وفي البحرين تتضافر جهود المسؤولين في التعليم الخاص والعام وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعمل الإمارات على توفير أجهزة الحاسب الآلي والشبكات، وتهرع الجامعات لتدريب المدارس والمعلمين للانتقال للتعليم عن بعد في سباق نشط مع الزمن.. وتطلق عمان قنواتها.. حتى اليمن المنكوب لم يترك أبناءه ووقتهم يذهب في مهب الريح.. فرأيناهم يطلقون المنصات التعليمية والقنوات على الرغم من الحرب والمجاعة والمرض والفيضانات.

التعامل مع الموقف.. بين المبادرة والجمود

وفيما يتعلق بمبادرة بعض الدول بتطبيق التعليم عن بعد، تقول:
لقد سبقتنا دول نامية متأخرة بل منكوبة.. فهذه أوغندا وساحل العاج وأفغانستان والهند حتى في مخيمات اللاجئين، بادروا للبحث عن المتاح من وسائل التعليم عن بعد لإنقاذه بأي صورة.. فرسمت البلدان أجمل الصور عن المنصات التعليمية عبر مواقع التواصل عن بعد، واستمروا بالتعليم في أوروبا في أقوى بؤر الجائحة.. فرنسا وايطاليا استمر فيهما التعليم عن بعد حتى في خضم سواد ليالي الجائحة التي وصلت بها الوفيات إلى ألف حالة وفاة يوميًا جراء (كوفيد-19)، لم يدخروا جهداً في التخطيط ومراجعة الخطط وتجويدها وتحسينها في سبيل المحافظة على التعليم.. بريطانيا وحدها راجعت خططها التعليمية للجائحة أكثر من 41 مرة ولديها تقارير يومية.

وفي الكويت، صمتٌ مزعج ووعود فارغة برغم وجود منصات في الجامعات منذ أكثر من ٢٠ عاما.. وانطلاق البوابة الالكترونية للتعليم العام منذ ٢٠١٦؟!

خيبة أمل كبيرة.. كبيرة جداً، فعلى الرغم من الوضع الاقتصادي وارتفاع العملة وتغطية الانترنت الجيدة وميزانيات التعليم الباهظة، تتفوق علينا دول فقيرة ومنكوبة!!

إجراءات متأخرة

وعن بعض الإجراءات التي اُتخذت في الكويت، تقول د. إسراء:
صحيح أن جامعة الكويت والتطبيقي قد بدأ المعنيون فيهما منذ أغسطس بالتعليم عن بعد، إلا أن في القلب غصة! فلم تبدأ الجامعة في التدريب والاستعداد إلا في يوليو على الرغم من إعلان إغلاق المدارس والجامعات منذ فبراير.. ونشكر كل القائمين والمتطوعين إلا أن العمل قد بدأ متأخراً جداً.. بعدما انتهت كثير من الجامعات والمدارس من تخريج طلابها.. لقد باشرنا نحن بالشروع بالتدريب.. والآن وبعد خمسة أشهر لم نر تدريباً منظماً لتعليم أكثر من نصف مليون طالب!

الإدارة الجامعية قررت
الاستسلام قبل المحاولة

للعلم.. تولت جامعة حمدان بن محمد الذكية في الإمارات تدريب 67 ألف طالب ومعلم في خلال كل 24 ساعة، وفي جامعة الكويت نستطيع في الساعة الواحدة تدريب 20 ألف متدرب.. فالطالب لا يحتاج سوى دقيقة واحدة، وعضو هيئة التدريس يحتاج بحد أقصى إلى 4 ساعات للتدريب على نظام التعليم العالي، أما المعلم فيحتاج لساعة أو ساعتين لمعرفة أسس استخدام منصات التعليم، وقد وفرت كلية الهندسة وحدها 80 ألف مقعد تدريب في 4 أيـام لمختلف الكليات، ووضعت تصورا رائعا لعمل المختبرات والفصول الافتراضية، إلا أن تصوراتها لم تلاق صدى من الإدارة الجامعية.. وكأن القرار كان الاستسلام قبل المحاولة.
أما بالنسبة للاعتماد الأكاديمي البرامجي الخاص بكلية الهندسة، فقد كدنا نفقده لولا جهود المتطوعين من أساتذة وطلبة لاستكمال متطلباته.. والاعتماد الأكاديمي ذو أهمية كبيرة؛ فهو أساس جودة التعليم، وهو الذي على أساسه يتم وضع الاستراتيجيات وتصميم المقررات، وأخشى أن يتأثر التصنيف في الجامعة بسبب توقف الدراسة.

ليس هناك اهتمام بتأهيل البشر ولا تجهيز الحجر

ومع إقبال عام دراسي جديد، قالت د. إسراء:
العام المقبل قريب جداً.. كفاية خسارة.. أليس من حقنا أن نرى خططاً مُحكمة مبنيّة على أحدث البيانات المتوافرة؟! أنهكنا التخبط، وفات أبناؤنا في التعليم الحكومي الكثير.. الصغير نسي مسكة القلم وجدول الضرب.. والخريج فاته مقعد الجامعة المرموقة التي كان يحلم به أو فرصة التقديم للوظيفة.. وليس هناك اهتمام بتأهيل البشر ولا تجهيز الحجر.. انتهت دول الخليج من وضع خططها المحكمة.. وضعتها لكل الفئات المستفيدة لإبداء الرأي بقواعد صارمة وتواريخ مرنة من تعليم إلكتروني ثم هجين بشكل تدريجي.

التعليم.. أولوية الأولويات

واختتمت قائلة:
نطالب بالالتفات للتعليم وجعله أولوية الأولويات.. فكل ما نشاهده من ظواهر سلبية أساسها غياب التعليم بل غياب رؤيته وبصمته.. نطالب أن يتقلد الأكفأ قيادة التعليم، فلن نقبل إلا بالريادة.. تحديات المرحلة القادمة صعبة، ونحن بحاجة لجيل واع يبني بلدنا الجميلة من جديد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق