ثقافة

رحلة‭ ‬مجانية‭ ‬جنوبي‭ ‬لبنان متحف‭ ‬منير‭ ‬كسرواني‭.. ‬جواز‭ ‬سفر‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأجداد

 

المتحف‭ ‬كان‭ ‬دكان‭ ‬والده‭ ‬للحدادة‭ ‬العربية‭ ‬وأيضاً‭ ‬لبيطرة‭ ‬الحيوانات

أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬متحف‭ ‬الفنان‭ ‬منير‭ ‬كسرواني‭ ‬إنه‭ ‬رحلة‭ ‬مجانية‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأجداد‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬المشاهدة‭ ‬بأم‭ ‬العين‭ ‬كيف‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬وأسلوب‭ ‬بناء‭ ‬منازلهم‭ ‬والأدوات‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يستعملونها‭ ‬في‭ ‬الزراعة،‭ ‬كيف‭ ‬كانوا‭ ‬يحفظون‭ ‬الطعام‭ ‬ومونة‭ ‬الشتاء،‭ ‬وحتى‭ ‬أدوات‭ ‬إنارة‭ ‬المنزل،‭ ‬وحين‭ ‬يأتي‭ ‬أحد‭ ‬الزوار‭ ‬مع‭ ‬جده‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬فالزيارة‭ ‬ستكون‭ ‬طويلة‭ ‬جدا،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشرح‭ ‬والتأمل،‭ ‬وعبارة،‭ ‬يقف‭ ‬الجد‭ ‬أمام‭ ‬الأدوات،‭ ‬ويقول‭: “‬رزق‭ ‬الله‭ ‬عهيديكي‭ ‬الأيام‭” ‬ويقول‭ ‬لحفيده‭ “‬هذه‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أشرح‭ ‬لك‭ ‬عنها،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬الخابية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الفانوس‭”.‬
على‭ ‬كتف‭ ‬واد‭ ‬جميل‭ ‬محاط‭ ‬بأحراج‭ ‬الصنوبر‭ ‬والسنديان‭ ‬يتربع‭ ‬متحف‭ ‬منير‭ ‬كسرواني‭ ‬في‭ ‬العيشية‭ – ‬قضاء‭ ‬جزين،‭ ‬المتحف‭ ‬كان‭ ‬دكان‭ ‬والده‭ ‬للحدادة‭ ‬العربية‭ ‬وأيضاً‭ ‬لبيطرة‭ ‬الحيوانات‭. ‬المنزل‭ ‬القروي‭ ‬المظهر‭ ‬والتصميم،‭ ‬عمره‭ ‬قرابة‭ ‬120‭ ‬عاماً‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬متكاملا‭ ‬مع‭ ‬أصالة‭ ‬موجودات‭ ‬المتحف‭.‬

فكرة‭ ‬افتتاح‭ ‬المتحف
لطالما‭ ‬راود‭ ‬كسرواني‭ ‬حلم‭ ‬افتتاح‭ ‬متحف‭ ‬ليحفظ‭ ‬به‭ ‬ذكرى‭ ‬والده،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬وبعد‭ ‬تحرير‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وعودته‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬العيشية‭ ‬نمت‭ ‬الفكرة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الواقع،‭ ‬وبعد‭ ‬طول‭ ‬عناء‭ ‬وصبر‭ ‬وجهد‭ ‬افتتح‭ ‬المتحف‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬ليكون‭ ‬مقصداً‭ ‬للزوار‭ ‬ومحبي‭ ‬التراث‭ ‬والجو‭ ‬الضيعاوي‭ ‬الأصيل‭.‬
ويقول‭ ‬كسرواني‭ “‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬المتحف‭ ‬على‭ ‬الأدوات‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬منزلنا‭ ‬والعدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يستعملها‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬الحدادة‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬وسعت‭ ‬نشاطي،‭ ‬واشتريت‭ ‬عدداً‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المزادات،‭ ‬وكما‭ ‬يعود‭ ‬الفضل‭ ‬للأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬للمتحف‭ ‬بدورهم‭ ‬قطعهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬لإغناء‭ ‬المتحف‭”.‬

المنزل‭ ‬القروي‭ ‬المظهر‭ ‬والتصميم‭ ‬عمره‭ ‬قرابة‭ ‬120‭ ‬عاماً‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬متكاملاً‭ ‬مع‭ ‬أصالة‭ ‬موجودات‭ ‬المتحف

‏1500‭ ‬قطعة‭ ‬هي‭ ‬موجودات‭ ‬المتحف‭ ‬اليوم،‭ ‬تتنوع‭ ‬بين‭ ‬آلات‭ ‬وقطع‭ ‬أثرية‭ ‬قديمة،‭ ‬لكن‭ ‬تحتل‭ ‬معدات‭ ‬الحراثة‭ ‬والزراعة‭ ‬الحيز‭ ‬الأكبر‭ ‬فيه،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬كسرواني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬اسمها‭ ‬ومهمة‭ ‬الأدوات‭ ‬والمعدات‭ ‬الزراعية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الفلاحون‭ ‬يستخدمونها‭ ‬في‭ ‬حقولهم‭ ‬وبيوتهم‭.‬
ويتسنى‭ ‬لزائري‭ ‬متحف‭ ‬منير‭ ‬كسرواني‭ ‬أن‭ ‬يتعرفوا‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬القروي‭ ‬الحرفي‭ ‬العتيق،‭ ‬فقد‭ ‬أراد‭ ‬كسرواني‭ ‬تخليدها‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬يحوي‭ ‬كل‭ ‬أدوات‭ ‬المواطن‭ ‬الجنوبي،‭ ‬الفلاح،‭ ‬والحرفي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفوته‭ ‬الإطلال‭ ‬على‭ ‬المنزل‭ ‬الطيني‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬الأصالة‭ ‬الجنوبية‭. ‬لهذا‭ ‬يحملك‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬الفريد‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬هندسته‭ ‬ومقتنياته‭. ‬إذ‭ ‬يحرص‭ ‬منير‭ ‬على‭ ‬تذييل‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬باسمها‭ ‬وتاريخها،‭ ‬فالقطعة‭ ‬الأعتق‭ ‬يفوق‭ ‬عمرها‭ ‬120‭ ‬عاماً‭.‬
يشمل‭ ‬المتحف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قسم،‭ ‬من‭ ‬الحداد‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬عدة‭ ‬الفلاح‭ ‬والخوابي‭ ‬والخضاضات‭ (‬لصناعة‭ ‬الزبدة‭)‬،‭ ‬والكركة‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬المونة‭ ‬البلدية‭ ‬وآخر‭ ‬للملابس‭ ‬القديمة‭ ‬وأيضا‭ ‬الحديقة‭ ‬التراثية‭.‬
يكتنز‭ ‬المتحف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬القديمة‭ ‬والنادرة‭ ‬من‭ ‬الجالوفة‭ (‬للقمح‭ ‬عمرها‭ ‬119‭ ‬عاماً‭)‬،‭ ‬معاقيل،‭ ‬جلال‭ ‬حمار،‭ ‬المذراة‭ ‬القمح،‭ ‬الشاعوبة،‭ ‬الكركة‭ ‬لصناعة‭ ‬العرق‭ ‬وماء‭ ‬الزهر،‭ ‬خوابي‭ ‬فخارية‭ ‬عمرها‭ ‬119‭ ‬عام‭ (‬تستعمل‭ ‬لخض‭ ‬اللبن‭ ‬وصناعة‭ ‬الزبدة‭)‬،‭ ‬الصمد‭ (‬للفلاحة‭)‬،‭ ‬نير‭ ‬الثور،‭ ‬النورج‭ (‬دراسة‭ ‬القمح‭)‬،‭ ‬وينقسم‭ ‬المتحف‭ ‬إلى‭ ‬قسمين،‭ ‬واحد‭ ‬زراعي‭ ‬ويضم‭ ‬عدة‭ ‬الفلاح،‭ ‬وآخر‭ ‬صناعي‭ ‬يضم‭ ‬حرفة‭ ‬الحداد‭ ‬العربي‭ ‬والبيطري‭ ‬أي‭ ‬عدة‭ ‬والده‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬الجناح،‭ ‬وتم‭ ‬تعليقها‭ ‬بطريقة‭ ‬هندسية‭ ‬متقنة‭.‬

الحلم‭ ‬بمواجهة‭ ‬التقصير
يقول‭ ‬الفنان‭ ‬كسرواني‭ “‬أحب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المتاحف‭ ‬التراثية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحتويه‭ ‬ومنها‭: ‬بلطة‭ ‬صناعة‭ ‬والدي،‭ ‬نضوة،‭ ‬منجل،‭ ‬عدة‭ ‬الحداد،‭ ‬مقص‭ ‬حديد،‭ ‬جهاز‭ ‬لصنع‭ ‬المسامير،‭ ‬سندان،‭ ‬مطرقة‭ ‬والفرن،‭ ‬نضوة‭ ‬سنبك،‭ ‬طسم‭ ‬موس‭ ‬الحلاقة‭ (‬يسن‭ ‬الموس‭) ‬فاروعة،‭ ‬فأس،‭ ‬عدة‭ ‬البيطرة‭ ‬صنعت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والدي‭ ‬شاكوش‭ ‬خاص‭ ‬بالبيطرة،‭ ‬مرد،‭ ‬الإحف‭ (‬أصابع‭ ‬خشبية‭ ‬يستخدمها‭ ‬الفلاح‭)‬،‭ ‬إنني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬المتحف‭ ‬إلى‭ ‬مزار‭ ‬للطلاب‭ ‬ليتعرفوا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الأرض،‭ ‬وعلى‭ ‬التراث‭ ‬اللبناني‭ ‬والجنوبي،‭ ‬ويعرفهم‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬عمل‭ ‬الحداد‭ ‬العربي،‭ ‬حرفة‭ ‬الحدادة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عصب‭ ‬الحياة‭ ‬القديمة‭ ‬آنذاك،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬فكر‭ ‬ثقافي‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور،‭ ‬وتضع‭ ‬يدها‭ ‬معنا،‭ ‬لجهة‭ ‬توجيه‭ ‬السياح،‭ ‬للأسف‭ ‬يجول‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬أين‭ ‬المتاحف،‭ ‬ولولا‭ ‬شهرتي‭ ‬الفنية‭ ‬لما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬أحد‭”.‬
ويتضمن‭ ‬المتحف‭ ‬قسما‭ ‬خاصا‭ ‬بأرشيف‭ ‬مسرحه‭ ‬الزاخر،‭ ‬حيث‭ ‬يعرض‭ ‬فيه‭ ‬الملابس‭ ‬والطرابيش‭ ‬والوجوه‭ ‬والملصقات‭ ‬وحتى‭ ‬الأحذية‭ ‬التي‭ ‬استعملها‭ ‬في‭ ‬مسرحياته‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬مسيرته‭ ‬الفنية‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬
ويؤكد‭ ‬كسرواني‭ ‬أنه‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قديم‭ ‬فالمتحف‭ ‬يحتوي‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬قديما،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تعرض‭ ‬في‭ ‬المنازل،‭ ‬كالقناديل‭ ‬القديمة‭ ‬والمناجل،‭ ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬شغلته‭ ‬يد‭ ‬والده‭. ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬عن‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬الفنية‭ ‬يضم‭ ‬ملابس‭ ‬الفنانين‭ ‬وإكسسواراتهم‭ ‬والماسكات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جولاته‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العالم،‭ ‬وملصقات‭ ‬مسرحياته‭ ‬وأعماله‭ ‬مع‭ ‬الرحابنة‭ ‬ومنير‭ ‬أبو‭ ‬دبس‭ ‬وريمون‭ ‬جبارة،‭ ‬ومراسلاته،‭ ‬والجوائز‭ ‬والدروع‭ ‬التي‭ ‬نالها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬ورسوم‭ ‬قديمة‭.‬
التجول‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬منير‭ ‬كسرواني‭ ‬هو‭ ‬باختصار،‭ ‬سفر‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬الأجداد،‭ ‬ويفوح‭ ‬منه‭ ‬رائحة‭ ‬التراث‭ ‬والأصالة‭ ‬والفن‭ ‬الجميل،‭ ‬ونجح‭ ‬كسرواني‭ ‬بالأصالة‭ ‬والبساطة‭ ‬المتقنة‭ ‬من‭ ‬افتتاح‭ ‬معلم‭ ‬يقصده‭ ‬عشاق‭ ‬الضيعة‭ ‬وحياة‭ ‬الأرض،‭ ‬ونجح‭ ‬رغم‭ ‬ضعف‭ ‬الإمكانات‭ ‬وغياب‭ ‬الدعم‭ ‬الرسمي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬معلما‭ ‬سيكون‭ ‬مرجعا‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

‮«‬أسرتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
علي‭ ‬غندور

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق