تحقيقات
أخر الأخبار

رمضان بعيدًا عن الوطن الزينة والأكل التقليدي.. لمسايرة الحنين إلى البهجة والأهل

ابتهالات ودعوات، زيارات عائلية ومساجد عامرة بالمصلين، شوارع هادئة وقت الإفطار كلها مظاهر نشعر بها في شهر رمضان داخل مختلف البلدان العربية. وفي الوطن يكون رمضان فرصة للقاء عائلي، وأجواء روحانية فريدة، لكن المغتربين في بلاد الثلوج والبرد بعيدًا عن العائلة والأصدقاء يفتقدون العادات الرمضانية وروح الشهر المتمثلة في أهل الوطن وبهجة الاستقبال. وفي هذا الموضوع يحكي لنا مغتربون عن رمضان في الأراضي البعيدة، والتقاليد التي يشعرون بالحنين إليها بعيدًا عن أوطانهم.

ماري حديد: نصنع زينة بالبيت وفوانيس كي نشعر بالأجواء الرمضانية

بدايتنا مع ماري حديد، متخصصة المختبرات الطبية وأم لأربعة أطفال تعيش في ألمانيا منذ أعوام، إذ تبين أن الفارق بين استقبال رمضان في الغربة وسوريا كبير، وتستذكر رمضان في بلادها قائلة “كنا ننتظره بكل لهفة وشوق ونعد الأيام والساعات كي يجيء وكذلك التحضير المسبق للشهر، أما هنا في الغربة فتوجد مسحات تجمع بين الحزن والحنين والوحدة إذ نفتقد الأجواء الرمضانية والروحانية ويصبح رمضان مشابهًا للأيام العادية”.
تفتقد ماري التقاليد الرمضانية بشكل خاص في وقت الإفطار لسماع صوت الأذان والمدفع ولمة الأهل، لذلك تحاول خلق أجواء بسيطة كي تشعر أبناءها بالأجواء الرمضانية وتعرفهم على عادات وتقاليد رمضان (غالبًا ما يكون ذلك من خلال صنع زينة خفيفة بالبيت وفوانيس رمضان إلى جانب قراءة القرآن والاستماع للأناشيد وفي بعض الأحوال نتصل بالأهل أو من خلال دعوة بعض المعارف على الإفطار لدينا).
فيما تحرص أيضًا على تحضير الأكلات التقليدية والمشروبات المعروفة في سوريا والمرتبطة برمضان (دائمًا أحضر التمر الهندي وقمر الدين والتوت الشامي، ما جعل أبنائي يربطون بين هذه المشروبات وشهر رمضان إلى جانب حضور الأكلات التقليدية على المائدة).

د. أسمهان صندقجي:
أُعظِّم الاحتفال بشهر رمضان والعيد لكي يعرف الأطفال أن لدينا عاداتنا وتقاليدنا الجميلة

وتحدثنا د. أسمهان صندقجي، دكتورة سعودية في مجال تعليم اللغات في الولايات المتحدة الأميركية، عن اختلاف تحضيرات رمضان قائلة (في السعودية عادة يكون المسؤول عن تجهيز استعدادات الشهر الأم أو الحماة أو من سنذهب إلى زيارتهم ويكون ما يقع على عاتقنا أٌقل لأننا نكون زائرين لهم بشكل عام. ولكن لأنني عشت في الخارج فترة طويلة فلم أجرب إحساس التجهيز للشهر الفضيل في الوطن، بل تكون المسؤولية على الوالدة في الغالب).
وتشير إلى وجود عدد من العادات التي يصعب عليها ممارستها في رمضان بالغربة مثل السهر لفترة الليل، ومتابعة المسلسلات إلى جانب زيارة الأهل (اليوم الرمضاني بعيدًا عن الوطن عادي وطبيعي ولا يوجد ما يميزه مثل الزخم ومظاهر الفرح الخاصة برمضان كما لدينا. فأشتاق إلى الجمعة العائلية التي يتميز بها الشهر خاصة الأيام الأولى منه).

وتحرص أسمهان بكل جدّ على صنع أجواء رمضانية في منزلها مثل التزيين وتجهيز الحلويات والهدايا، فتقول (رمضان شهر متميز بالنسبة لي، خاصة أن أميركا تحتفل بالكثير من المناسبات فهذا يجعلني أعظّم الاحتفال بشهر رمضان والعيد لكي يعرف الأطفال أن لدينا عاداتنا وتقاليدنا الجميلة التي نحتفل بها).
وتذكر أنها في رمضان تحتاج مرات كثيرة لتفسير وضعها لزملائها وطلابها في الجامعة حيث تكون إنتاجيتها وتجاوبها أقل من الأيام العادية (ولكن لا أواجه صعوبات في الصيام بالولايات المتحدة فبمجرد أن أفصح عن وضعي لزملائي وأساتذتي عن الصيام الجميع يتفهم الأمر ويساعدونني وهذا أمر يسعدني، وأحمد الله فالتمسك بالصيام وطاعة الله يكون ملازمًا للتوفيق).
وتواظب أسمهان على طهي المأكولات التقليدية التي تصنعها والدتها وحماتها باستمرار خلال شهر رمضان (من الأصناف التي أصنعها دائمًا حساء الشكمبا واللقيمات والجبنية والحلويات المقلية).
وترجو أن تحمل معها للوطن عادة الاستيقاظ المبكر والصيام يوماً كاملاً دون النوم كامل النهار وممارسة الصيام بإخلاص (ولكنني أتمنى لو يمكنني أن أحضر لغربتي الأجواء الروحانية لصلاة التراويح وجمعات وإفطار الحرم والتمسك بختم القرآن والذكر).

تامر أغا: أواظب في رمضان على تشغيل القرآن الكريم وصلاة الجماعة مع الأطفال

أما تامر أغا، وهو معماري مصري مقيم في أستراليا، فيذكر أن الاستعداد لرمضان في مصر يكون بشكل مبكر عنه في بلاد الغربة وذلك لارتباط حلول الشهر الكريم بمظاهر الشوارع والزينة وتوزيع بضائع رمضان وخلافه.
وللتغلب على الغربة يداوم تامر على تزيين البيت داخليًا بزينة يحضرها خصوصًا معه من مصر، إلى جانب تشغيل القرآن الكريم والمواظبة على صلاة الجماعة مع الأطفال.
وعن تأثير ساعات الصيام وقلة الصائمين في أستراليا يقول (غالبًا لا يؤثر ذلك بالشكل الكبير، بالعكس يكون دافعا لكي تصبح شعيرة الصوم خالصة لله وحده).
ويشدد على أن أصعب ما في رمضان بالغربة غياب العائلة الكبيرة ودائرة الأصدقاء والأقارب.

أما دانة فهد فتحضر باستمرار رمضان في الكويت، ولكنها قضت رمضان في عام الجائحة الأول بعيدًا عن الوطن حيث تستقر باليابان فتقول:
(افتقدت كثيرًا الزيارات العائلية في أول يوم حيث اكتفينا فقط بالاتصال الهاتفي، إلى جانب الأكلات الكويتية فالطعام الحلال قليل للغاية في اليابان).
ولم تستطع دانة في العام الذي قضته بعيدًا عن الكويت صنع أجواء رمضانية خاصة حيث كان طفلها الأول في عمر صغير وفي بداية حملها الثاني (اكتفينا بالطريقة التي كنا نتبعها في منزلنا، إذ بدأنا إفطارنا بالشوربة والسمبوسك ثم الصلاة وعقبها نأكل الأطباق الرئيسية وكذلك صنعت خبز التشريب وهو من الأطباق الرئيسية لدينا).

هبة جبار: أجهز ملابس وأزياء خاصة لرمضان مثل الجلابيات والدراعات

بينما تروي هبة جبار، من العراق وتعيش في أميركا، أن استقبال شهر رمضان لديها يختلف عن طقوس وطنها اختلافًا كبيرًا (عندما نخرج لا نرى زينة رمضان، ولا نرى اللافتات التي يكتب عليها تخفيضات بمناسبة الشهر الفضيل، كما لا نشعر بالفرحة الجماعية لاستقبال هذا الشهر الكريم).
وعن أكثر العادات التي تفتقدها في أميركا تقول: (جمعات الأهل والأحباب بعد الفطور إلى السحور، أمر يستحيل هنا تقريبًا، فالجميع يغادرون بعد الفطور في العزائم هنا إذ يكون لديهم عمل أو مدرسة في اليوم التالي).
ويشتد الشعور بالحنين للتقاليد الرمضانية في الوطن مع وقت الفطور (أفتقد صوت الأذان، ورن الجرس لابنة جارتنا مع صحن أكل أو حلاوة. تقاليد كثيرة أفتقدها وممكن أني نسيتها بعد سنوات في الغربة).
تستعد هبة لرمضان في منزلها بوضع أفرع الزينة إلى جانب اتباع عادات تقربها للوطن (أعمل قبل رمضان على تجهيز ملابس وأزياء خاصة لرمضان مثل الجلابيات والدراعات لي ولابنتي، إلى جانب تشغيل الابتهالات الرمضانية، واهتم بشرح العادات والتقاليد لأولادي بمشاهدة مقاطع فيديو تتحدث عن الدين الإسلامي والأعياد والمناسبات بشكل يناسب أعمارهم.
وتستذكر من العادات الموجودة في وطنها الإفطار على لبن وتمر عند سماع صوت المدفع في التلفاز، قائلة (دائمًا بعد الأذان كنا نستمع إلى الابتهال الديني (يا إله الكون إنا لك صمنا)، وهذا التقليد أنا حريصة عليه هنا في الغربة حتى أولادي صاروا يعرفون وقت المغرب عليهم تشغيل صوت المدفع وهذا الابتهال).
وتوضح أن ندرة الصائمين يشكل عبئًا خلال رمضان (يتطلب منا العمل لفترة طويلة وبنفس طاقة غير الصائم.
وتؤكد أنها تختار قضاء شهر رمضان في وطنها لو خُيرت، حيث عانت في بدايات سنوات كل عام خلال هذا الشهر (كنت أبكي كثيرًا وأسأل الله أن تنتهي غربتي لشعوري بالوحدة خصوصًا أن شهر رمضان مرتبط عندنا بلمة الأهل والأحباب، فكان شعور الإفطار والسحور بمفردي يقتلني، لكن بعد ما أيقنت أني سأقضي حياتي في الغربة وصار عندي أولاد حاولت أن أغير من هذا الشعور بخلق جو رمضاني خاص لي ولعائلتي).
وتحافظ على العديد من الأكلات والحلويات يوميًا على السفرة الرمضانية، منها شوربة العدس والسمبوسك وتبسي الباذنجان وتمر بالجوز وحلاوة شعرية.

رانيا: نفتقد صوت المسحر وتزيين الشوارع

أما المعلمة رانيا في كندا فتبين أن الاستماع إلى صوت المدفع لإعلان بداية شهر رمضان الكريم والاستيقاظ على صوت المسحر وسماع الأذان من المساجد والبرامج الدينية الرمضانية وتعديل دوام العمل بالدوائر الحكومية من الأمور التي تميز وطنها (أما في بلاد الاغتراب فنفتقد صوت المسحر وتزيين الشوارع احتفالًا بالشهر العظيم).
وترى أن الجو العام في وطنها يشجع على إقامة المناسك بعكس المهجر، كما تشعر بالشوق للوطن في كل رمضان وكل عيد وكل مناسبة إسلامية، لذا تسعى إلى تزيين المنزل وتحضير رزنامة رمضانية مع مفاجآت للأولاد إلى جانب تحضير وجبات رمضانية والحلويات الرمضانية والاجتماع بالأصدقاء إذا أمكن والإفطار معًا.
وفي رأيها يصبح الأمر أكثر صعوبة خصوصًا للأولاد الذين ولدوا في الغربة ولم تتسن لهم الفرصة بتذوق لذة هذا الشهر الكريم وتطبيق مناسكه. وتحرص على أن يكون كل فطور محتويًا على أكلات تقليدية من وطنها مثل الحساء والفتوش والمعجنات إلى جانب العصائر الرمضانية كالجلاب وقمر الدين، والحلويات العربية كل خاصة القطايف.

سارة مدثر: نجهز علبة للصدقات مع أبنائي استعداداً لشهر رمضان

ومن اليابان ترى سارة مدثر، أم لثلاثة أطفال وصاحبة مشروع للأكل العربي، أن الجانب الإعلامي يمثل الفرق الأكبر في استقبال رمضان (الأسرة دورها يحل محل الإعلام. إذ لا يذكر التلفزيون الياباني عن رمضان سوى خبر عند بداية الشهر فقط، فدورنا كأهل تهيئة الأطفال نفسيًا مبكرًا للشهر الفضيل، لأنه وقت مميز بالنسبة لنا كمسلمين).
وتوضح أن كل العادات يمكن ممارستها في الغربة ولكن بصعوبة (مثلًا أقرب مسجد لنا مسافة ٤٠ دقيقة مشي من بيتنا، كما انه صغير فيكون ممتلئا ومزدحما).
وتبدأ التجهيزات الرمضانية من شهر شعبان قائلة (نبدأ الحديث عن قرب موعد رمضان وتهيئة الأطفال للصيام، وأحيانًا أطلب من أبنائي مساعدتي في تجهيز بعض المأكولات وتجميدها، وقبل رمضان ببضعة أيام نقوم بتزيين المنزل بزينة بسيطة وتنظيف البيت نظافة شاملة استقبالاً للشهر. لدينا كذلك علبة صغيرة مخصصة للصدقات يضعون فيها من مصروفهم بغرض إخراجها للمسجد في رمضان).
ولا تمثل قلة الصائمين في اليابان مشكلة، ولكن يؤثر من ناحية تعميق الإحساس بالاختلاف، فتقول: (بالنسبة للأطفال بالتحديد فالصيام يحتاج الى قوة إرادة لأنهم عدد قليل وسط زملائهم من غير المسلمين. في المدارس كل يوم تقدم وجبة الغداء في المدرسة ويتناولها الطلاب معًا. لذا أتصور إحساس أطفالنا في رمضان. الجيد ان المدارس متفهمة ومتعاونة كما تخصص المدرسة في رمضان للطلاب المسلمين غرفةً منفصلة يبقون فيها حتى يتناول زملاؤهم وجبة الغداء).
وتختتم بتأكيدها على المداومة على صنع العصيدة وملاح النعيمية، وهي من الأكلات التقليدية بالسودان، في المائدة الرمضانية إلى جانب الشوربة بطريقة والدتها، والعصائر البلدية وفي مقدمتها عصير الحلو-مر.

أسرتي في كل مكان
مصر- داليا شافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق