تحقيقات
أخر الأخبار

سليمان الروضان: رحلة القطب الجنوبي مغامرة لن أنساها

كنا في عالم وعدنا الى عالم آخر بعد «كورونا»

سليمان الروضان: رحلة القطب الجنوبي مغامرة لن أنساها

الرحلة إلى القارة القطبية الجنوبية “انتاركتيكا” لا يمكن أن تكون ترفيهية على الإطلاق، خاصة أنها تشمل ساعات طويلة من الطيران من دولة الى اخرى حيث آخر نقطة مأهولة في العالم، ليبدأ الجزء الأصعب ممثلا في رحلة بحرية تصل إلى نحو ألف ميل، في واحد من أخطر الممرات البحرية في العالم، حيث يصل ارتفاع الأمواج إلى 20 مترا.
والمشاركة في تلك الرحلة لا تقتصر على تحمل هذه الصعوبات فقط، بل تفرض مزيدا من التحديات مثل حمل أمتعة يصل وزنها إلى 15 كيلوغراما، المشي على الثلوج في ظروف مناخية قاسية تصل درجة الحرارة فيها إلى أقل من الصفر مئوية بدرجات كثيرة.
ورغم كل تلك الظروف قرر الرحالة سليمان الروضان خوض هذه الرحلة التي قد يراها البعض جنونا، ولكن الغريب انه كان في قمة سعادته وهو محفوف بالمخاطر من كل جانب.. فكان لـ “أسرتي” هذا اللقاء معه:

كيف وُلدت فكرة رحلة القطب الجنوبي؟
مشاهد القطب الجنوبي محفورة في ذهني كأنها حلم أو خيال، لم أكن أراه سوى في الأفلام الوثائقية، حتى انني كنت أظنها مناطق لا يمكن الوصول إليها، وانخرطت في السفر من مكان الى آخر، ولكنها ظلت في بالي لا تغادره.

منذ متى بدأت التخطيط لهذه الرحلة؟
في عام 2019 قررت السفر مع الرحالة فاطمة المطر والرحالة فاطمة المفرح حيث اننا نسافر إلى مختلف دول العالم طوال السنة، ولكن هذه الرحلة كانت جديدة واستثنائية، وبدأنا الرحلة بالسفر الى بعض الدول في قارة أميركا الجنوبية، وبالتحديد في شهر سبتمبر 2019 اقتنصت الفرصة وربطت خطتي تلك بفكرة للذهاب الى القطب الجنوبي، وبنيت الرحلة كلها على وجود حجز على العبارة التي سوف تنقلني الى القطب الجنوبي، وبالفعل وجدت أقرب حجز متوافر وقتها في شهر مارس 2020، وبدأت رحلتنا الى أميركا الجنوبية من دولة بنما الى فنزويلا مرورا بالإكوادور ثم شيلي والأرجنتين وصولا الى منطقة أشوايا في جنوب الأرجنتين وهي آخر منطقة في القارة، والتي تعتبر المنفذ للقطب الجنوبي يبدأ معظم المسافرين رحلتهم البحرية الى “أنتاركتيكا” على مدار يومين، ورغم طول المدة فإن كثيرا من المناظر الطبيعية التي ستقابلها خلال الرحلة كفيلة بحمايتك من الملل حيث تشتهر الحياة البرية في “أنتاركتيكا” بجبالها الجليدية المذهلة والفريدة.

هل فكرت في التراجع والعودة للكويت آنذاك؟
بالعكس تماماً لم يكن هناك أي نية للتراجع، ولم تكن الأوضاع الصحية في أميركا الجنوبية سيئة ولم يكن هناك انتشار لفيروس كورونا بشكل كبير كما في إيطاليا وغيرها من الدول، والأوضاع كانت بالنسبة لنا آمنة.

القطب الجنوبي طبيعته خلابة واقتراب الحيتان منَّا بشكل لا يصدقه العقل

من 9 مارس ركبتم السفينة وانقطعتم عن أخبار عالمنا، فهل كنتم على علم مسبق بذلك؟
الشركة التي حجزت معها أطلعتنا على تفاصيل سير الرحلة، غير انها تغيرت نظرا لإغلاق بعض الدول خوفا من انتشار فيروس “كوفيد -19″، بالفعل ركبنا السفينة في التاسع من شهر مارس الماضي، قاموا بإجراء الفحوصات الكاملة علينا للتأكد من عدم ارتفاع درجة الحرارة لدى أي منا، لتنطلق الرحلة متوجهة الى القطب الجنوبي، الانترنت عنا منذ أن ابتعدنا عن اوشوايا قليلا، ومن بعدها انعدمت الاخبار الخارجية عنا، وبدأ الفريق المرافق لنا بالتحدث عن القطب الجنوبي من خلال المحاضرات العلمية والتثقيفية على متن السفينة وبعض التدريبات لأنشطتنا وجدولنا عند الوصول كل يوم بيومه، واختفت الصورة التقليدية للحياة المدنية لتحل مكانها صورة السفينة وحولها الجبال الجليدية والحيتان والبطاريق من كل جانب.
وأضاف:
على الرغم من طول مدة بقائنا على السفينة فإن كثيرا من المناظر الطبيعية التي رأيناها خلال الرحلة كانت كفيلة بحمايتنا من الملل كما انه وفقًا للإرشادات التي وضعتها الرابطة الدولية لعمليات الرحلات في أنتاركتيكا (IAATO)، لا يمكن الا لسفينة واحدة زيارة القارة في وقت واحد، لذلك في أي مكان تهبط فيه لن تجد حشودا كبيرة.
وبعد رحلة تجاوزت اليومين ونصف اليوم في البحر من ممر دريك المائي وصلنا الى اخيرا الى الحلم الذي انتظرته كثيرا وهو رؤية القطب الجنوبي بطبيعته الخلابة التي لن تتكرر في اي مكان في العالم ولتبدأ المغامرة مع الحيتان والبطاريق، وبدأنا نرى ونسمع أمامنا أصوات تكسر الثلوج وهجوم فقمة على بطريق واقتراب الحيتان منا بشكل لا يصدقه العقل ولا يمكن القول في هذا المشهد العجيب سوى سبحان الله.

كان هذا هو اليوم الأول.. فماذا عن اليوم الثاني؟
بدأنا بالإبحار ثاني يوم في اتجاه الشمال، كما تم التخطيط له وصارت الرحلة وفق الجدول المتفق حتى دعا كابتن السفينة ان نعود بأسرع وقت قبل دخول العاصفة في ممر دريك المائي وتؤثر في السفينة، وبالفعل ودعنا القارة القطبية الجنوبية وتركنا سحرها وجمالها خلفنا وتوجهنا الى ممر دريك المائي.

كانت الأمواج تضرب السفينة والركاب خائفون وأنا في قمة السعادة والمتعة

وماذا حدث في ممرّ دريك المائي؟ وهل شعرت بالخوف؟
وسط حالة من الرعب والهلع التي انتابت غالبية الركاب، عندما كانت العواصف تثير الأمواج التي تضرب السفينة بشكل عنيف، الا انني كنت في قمة المتعة بسبب هذه الاجواء التي لم يسبق لي ان رأيتها من قبل، وقضيت اليوم في كابينة ربان السفينة مستمتعا بالأجواء غير الطبيعية التي اعتقد أنني لن أرى مثلها من قبل أو من بعد، ومن الغريب أنني كنت متخيلا لحركة السفينة صعودا وهبوطا وكنت متحمسا للحظة التي تمر فيها السفينة في ممر دريك وهو مسطح مائي بين الحافة الجنوبية لأميركا الجنوبية عند كيب هورن، تشيلي وجزر شتلاند الجنوبية في أنتاركتيكا، ويصل الممر بين المنطقة الجنوبية الغربية للمحيط الأطلسي والمنطقة الجنوبية الغربية للمحيط الهادي، وكنت في قمة سعادتي يوم عشت هذا الحدث.

ما أطرف المواقف التي قابلتكم؟
في خضم وجودنا على السفينة، كل منا بدأ يتعرف على الاخرين، نضحك ونتحدث معا، كما ان القائمين على الرحلة قاموا بتقديم برامج ترفيهية وتثقيفية حتى لا يصاب الركاب بنوبات فزع، وكان أطرفها ان قام كل منا بارتداء أزياء لشخصيات مختلفة، مثل زي القرصان، وهذا اضفى جوا من المرح، ورفع من روحنا المعنوية.

سبحت في الأنهار الجليدية المليئة بالرماد

حبست لنا الانفاس سليمان عندما غصت في الماء المثلج.. صف لنا ذلك؟
بالفعل كانت مغامرة والماء برودته لا توصف، كان ذلك في جزيرة ديسبشن المكونة من الأنهار الجليدية المليئة بالرماد الأسود، فعلى الرغم من كل الجليد، فإن القارة القطبية الجنوبية موطن لنحو 140 من البراكين، لذلك كنا نتوقع حدوث أي هزة أرضية في أي وقت.

عشنا على السفينة مقطوعين عن الإنترنت

وماذا عن الصعوبات التي واجهتكم؟
كنا في عالم وعدنا الى عالم آخر بعد “كورونا”، لان رحلتنا كانت مدتها 11 يومت وزادت المدة أيضا خمسة أيام أخرى، في هذه المدة نحن نعيش على متن سفينة مقطوعين فيها عن الإنترنت، لم نلمس أرضا مستوية ثابتة، لم نكن نرى لونا أخضر من حولنا، نباتات أو أشجارا، وبرمجت عيوننا على مشاهد البحر والجبال الجليدية والحيتان والبطاريق، ثم نعود الى عالم مختلف تماما، وبعد أن فتحنا أجهزتنا النقالة صدمنا بما حدث بسبب فيروس كورونا فالأمور تغيرت تماما، حيث اننا كلما وصلنا الى دولة، أغلقت موانيها أمامنا.
وتابع:
خلال هذه الفترة، كان الجميع على متن الباخرة يحاول إيجاد تذاكر سفر إلى بلده، وكان جميع الركاب يستخدمون القمر الاصطناعي للحصول على شبكة إنترنت، وبالتالي كان ضعيفاً. نحن بدورنا تواصلنا مع سفيرنا في الأرجنتين عبدالله اليحيا الذي بدأ بالتواصل مع سفارة دولة قطر في الأوروغواي بعد أن توجهت الباخرة إلى دولة الأوروغواي التي استقبلتنا.
وأضاف:
لدى وصولنا إلى ميناء مونتيفيديو في الأوروغواي، كان القائمون على سفارة دولة قطر في استقبالنا، ومعهم كل الأدوية الطبية التي كنا بحاجة إليها وكذلك معقمات وكمامات وما نحتاج إليه للوقاية، بعدها نقلونا مباشرة إلى المطار ومنه إلى البرازيل ترانزيت.
وتابع:
ومن طائرة إلى أخرى، إلى أن حطت رحالنا أخيرا في مطار أتلانتا بالولايات المتحدة الأميركية، ثم اخذنا الطائرة الى لوس أنجيليس، ومنها تم اجلاؤنا وعودتنا إلى أرض الوطن، وهذه الرحلة مغامرة لن أنساها ما حييت.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق